Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الانتخابات الباكرة في فرنسا بين تنبؤات لوبن وتحديات محتملة

محللون يعتقدون أن ماكرون لن يحصل على غالبية مطلقة خلال الاستحقاق المقبل

العالم يترقب مستقبل السياسة في فرنسا (أ ب)

ملخص

تمثل دعوة ماكرون إلى انتخابات باكرة في زمن تتزايد فيه شعبية حزب "التجمع الوطني" خطوة جريئة، إذ يتوقع الخبراء أن يواجه الرئيس الفرنسي وحكومته تحديات كبيرة سياسياً واقتصادياً في المستقبل القريب نتيجة هذه الخطوة.

في يونيو (حزيران) 2014 ألقت مارين لوبن تصريحاً مثيراً حين وصفت الوضع السياسي في فرنسا بأنه "مرحلة ما قبل الثورة"، متوقعة تغييرات جذرية مقبلة. وبعد مرور 10 أعوام على تلك التنبؤات الجريئة ومع إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إجراء انتخابات تشريعية باكرة، يثير هذا القرار تساؤلات عميقة بين الساسة والمراقبين، فهل ستتحقق توقعات لوبن قريباً؟ وما هي التداعيات المحتملة لهذا الإجراء الجريء؟

ويُعد قرار ماكرون حل "الجمعية الوطنية" خطوة استثنائية بالنظر إلى خلفية خسارته في الانتخابات الأوروبية، ويمكن أن يسجل كزلزال سياسي في تاريخ الجمهورية الفرنسية، فهذه الخطوة تعكس استعداداً للتجديد السياسي والتأقلم مع التغيرات في الرأي العام والساحة السياسية الفرنسية المتقلبة.

وفي أعقاب الإعلان فُعلت المادة (12) من الدستور الفرنسي التي لم تطبق منذ عهد جاك شيراك عام 1997، وذلك بعد التشاور مع رئيس الوزراء ورؤساء المجالس النيابية. وهي المادة التي تتيح لرئيس الجمهورية، بحسب الدستور الفرنسي، حل "الجمعية الوطنية" بعد استشارة رئيس الوزراء ورؤساء المجالس النيابية، كما تلزم المادة نفسها بإجراء انتخابات عامة خلال فترة لا تقل عن 20 يوماً ولا تزيد على 40 يوماً بعد حل الجمعية.

 

"خطوة خطرة"

في هذا السياق أجرت صحيفة "اندبندنت عربية" حواراً مع الخبير السياسي ومدير صحيفة "تريبيون الأحد" والمحلل لقناة "بيفم" (BFM) الفرنسية برونو جيدي، وحول السبب الذي دفع الرئيس الفرنسي إلى اتخاذ قرار إجراء انتخابات تشريعية باكرة  أشار جيدي إلى أن "إيمانويل ماكرون استخلص درساً من هزيمة حزبه في الانتخابات الأوروبية، إذ حقق الحزب نتيجة دون 20 في المئة من الأصوات، أي ما يعادل 14 في المئة، وعلى رغم هذه الهزيمة إلا أن ماكرون أكد أنه لن يتعرض لمزيد من الأزمات السياسية، ولا يعتزم استقالة حكومته بسبب اقتراح إجراء تصويت على الثقة خلال الخريف".

وأضاف أن ماكرون يتوقع أن حل "الجمعية الوطنية" بشكل مفاجئ سيفاجئ خصومه، وبخاصة اليسار، وأن غالبيته ستتحرك بشكل قوي، وحتى الآن تشير استطلاعات الرأي إلى عكس ذلك تماماً.

وفي ما يتعلق بتداعيات قرار إجراء انتخابات باكرة يرى جيدي أن الرئيس الفرنسي اتخذ خطوة خطرة وجريئة، وإذا وافق الفرنسيون على اختياره (نحو ستة من كل 10 أشخاص)، فإنهم لا يبدون على استعداد للتراجع في شأن الانتخابات الأوروبية.

ويرى المحلل لقناة "بيفم" الفرنسية أن ماكرون لن يحصل على غالبية مطلقة خلال الانتخابات المقبلة، والأسوأ من ذلك أن غالبيته النسبية الحالية قد تنهار لمصلحة التيارات المتطرفة. 

 

ويعتقد أن المخاطرة الرئيسة هي التعايش مع حزب التجمع الوطني في حال حصول حزب مارين لوبن وجوردان بارديلا على غالبية مطلقة، ويعتبر جيدي أن كل شيء ممكن في الواقع، إذ يطالب بعض الأشخاص بالفعل باستقالة الرئيس. وبحسب ما يروي مستشاروه فإنه مصمم على أن يستمر في الرئاسة حتى اللحظة الأخيرة من ولايته عام 2027.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا حكومة

وبينما يرى جيدي أن هذه الانتخابات التشريعية الباكرة ذات أهمية تاريخية، إذ إن "اليمين المتطرف" على بُعد خطوة واحدة من السلطة، يشير في الوقت نفسه إلى أنه إذا لم يحصل حزب "الجبهة الوطنية" على غالبية مطلقة فإن احتمال عدم قابلية الحكومة للحكم كبير بالنسبة إليه، وعلى حد قوله، يتوقع أن يحدث تعطل في المؤسسات بسبب صعوبة حل "الجمعية الوطنية" من قبل الرئيس مدة عام، وبالتالي يجب على فرنسا التصويت على الموازنة. 

وأضاف، "ربما نجد أنفسنا بلا حكومة كما حدث في بلجيكا قبل بضعة أعوام، والخطر الذي تشير إليه وكالات التصنيف المالي في شأن عدم الاستقرار السياسي لم يكن أبداً بهذا الحجم".

وأبدى جيدي قلقه من أن وصول مارين لوبن وحلفائها إلى السلطة قد يؤدي إلى صدمة في فرنسا ويشكل زلزالاً على مستوى أوروبا، مما قد يؤدي إلى أزمة للاتحاد الأوروبي يصعب التعافي منها، مشيراً إلى أن فوز "اليمين المتطرف" في فرنسا يمكن أن يكون مشابهاً إلى حد ما لـ "بريكست" في بريطانيا.

 

وفي الأثناء ستكون الآثار ذات أهمية كبيرة على الصعيد الداخلي وأيضاً على الصعيد الخارجي، وفي ما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، ويشير جيدي  إلى أن "الجبهة الوطنية" هي حزب موال لروسيا حتى لو لم تعلن ذلك بوضوح خلال الأشهر الأخيرة، ومن المرجح وبشدة أن يكون فلاديمير بوتين من بين أول رؤساء الدول الأجانب الذين يهنئون مارين لوبن وجوردان بارديلا بـ "الانتصار".

الآثار الاقتصادية لخروج فرنسا المحتمل من الاتحاد الأوروبي

لا شك في أن دعوة ماكرون إلى انتخابات باكرة في زمن تتزايد فيه شعبية حزب "التجمع الوطني" تمثل خطوة جريئة لا يمكن تجاهلها، وفي هذا الإطار يتوقع الخبراء أن يواجه الرئيس الفرنسي وحكومته تحديات كبيرة سياسياً واقتصادياً في المستقبل القريب نتيجة لهذه الخطوة، وهذا ليس فقط بالنسبة إلى فرنسا، بل أيضاً بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي بأكمله، إذ كان حزب "التجمع الوطني" قد بحث في الماضي إمكان الخروج من الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو واستعادة الفرنك الفرنسي، وهذا قد يؤدي إلى توترات داخل التكتل الأوروبي ويشكل تهديداً لاستقرار اليورو.

وبناء على هذا السيناريو فإنه في حال خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي فمن المرجح أن تنجم عن الخطوة عواقب اقتصادية غير محسوبة، بما أن فرنسا تعد واحداً من أكبر المساهمين في موازنة الاتحاد الأوروبي، وخفض مساهمتها قد يؤدي إلى تحديات مالية خطرة. 

وإضافة إلى ذلك فقد تؤدي دعوة "التجمع الوطني" لفرض تعريفات جمركية على الواردات لحماية الصناعات المحلية إلى صراعات تجارية مع الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء الأخرى، مما قد يزيد أيضاً التعقيدات الاقتصادية والضغوط على الاقتصاد العالمي.

وفي السياق نفسه يسعى حزب "التجمع الوطني" بقيادة لوبن إلى تعزيز نفوذه بشكل كبير داخل "الجمعية الوطنية"، إذ يطمح بقوة لتحقيق الغالبية في الانتخابات التشريعية المقبلة بعد فوزه بالانتخابات البرلمانية الأوروبية بفارق كبير، وتجاوزه ضعف نتيجة القائمة الرئاسية. 

وعلى رغم نقص خبرته السياسية إلا أن جوردان بارديلا (28 سنة) يسعى إلى تولي رئاسة الحكومة شرط الفوز بالغالبية المطلقة، وعلى الجانب الآخر تتطلع لوبن إلى البقاء في قيادة فريقها داخل "الجمعية الوطنية"، وقد أكدت أنها لن تدعو إلى استقالة ماكرون في حال فوز حزبها.

وفي الوقت الحالي تشير استطلاعات الرأي إلى أن حزب "التجمع الوطني" سيحصل على أكبر عدد من المقاعد داخل "الجمعية الوطنية".

وبالنظر إلى هذا السيناريو فإنه من المتوقع أن يأتي التحالف اليساري في المرتبة الثانية بفارق ضئيل عن حزب "التجمع الوطني"، أما حلفاء الرئيس الوسطيين فيتوقع أن يحتلوا المرتبة الثالثة خلال الانتخابات المقبلة.

وتجرى الانتخابات العامة الباكرة على جولتين في الـ 30 من يونيو الجاري والسابع من يوليو (تموز) المقبل، ولكي يفوز المرشح في الجولة الأولى فيجب على المرشح وبديله الحصول على أكثر من 50 في المئة من الأصوات المُدلى بها، وفي الأقل 25 في المئة من عدد الناخبين المسجلين في الدائرة الانتخابية، وفي حال لم يحقق أي مرشح هذه الغالبية فإن المرشح الذي يحتل المرتبة الأولى ويحصل في الأقل على 12.5 في المئة من أصوات الناخبين المسجلين، سيكون مؤهلاً للجولة الثانية.

وفي نهاية المطاف يترقب العالم بشغف مستقبل السياسة في فرنسا، بخاصة مع احتمال تولي "اليمين المتطرف" الحكم، وستكون ردود أفعال الشعب الفرنسي واستعداده للتكيف مع أية تغييرات مستقبلية محورية في تحديد مسار البلاد ودورها في المشهد العالمي.

المزيد من تقارير