Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نصف قرن من نضال الأورومو في إثيوبيا

لا يمكن إنكار مكاسب مهمة تحققت لهم وتجاوزت وصول آبي أحمد إلى هرم السلطة

احتجاجات سابقة للأورومو في إثيوبيا عام 2016 (أرشيفية - رويترز)

ملخص

خلق إنشاء إقليم أوروميا عام 1991 موطناً لشعب الأورومو ببيروقراطية خاصة به، من قبيل رسم حدود إقليمية واعتماد لغة عمل رسمية له، إضافة إلى العلم الممثل للإقليم الفيدرالي، مما يوحي بشبه حكم ذاتي.

مع حلول شهر يوليو (تموز) الجاري يكون النضال السياسي والعسكري لإحدى أقدم القوى الإثيوبية المنظمة بصورة جيدة قد دخل عقده السادس، إذ إن التطور السياسي العسكري الذي أطلق عليه المؤرخ تيشال تيبيبو "صناعة إثيوبيا الحديثة"، والذي قاده الإمبراطور منليك لتوحيد الإمبراطورية الحبشية أواخر القرن الـ 19 أو بداية القرن الـ 20، قد بدأ الزحف نحو الجنوب لضم إقليم أوروميا.

ويرى المؤرخون أن أقدم حركة سياسية حديثة منظمة للأورومو سجلت خلال الحرب العالمية الثانية، إذ سعت مجموعة منظمة من ماشا أورومو تعرف باسم "اتحاد الأورومو الغربي" رسمياً إلى الانفصال عن الحبشة عام 1936، لتخضع لحماية الحكومة البريطانية حتى تعترف بها عصبة الأمم كدولة تابعة لها ودولة مستقلة، وهي خطوة لم تتحقق.

ويعرف الباحث المخضرم في دراسات الأورومو ماكوريا بولشا هذه المجموعة بأنها "رائدة نضال قومية الأورومو"، إذ يصفها في كتابه الذي يحمل عنوان "ملامح أمة الأورومو الناشئة والقديمة: معضلات في السياسة الإثيوبية لبناء الدولة والأمة"، بأنها مفجرة النضال الأرومي من أجل الاستقلال.

ويرى بولشا أنه على رغم أن "اتحاد الأورومو" مثّل تهديداً كبيراً للإمبراطورية الإثيوبية، فإن نضاله تعرض لهجمات معادية على مدى الأعوام التي شهدت تبلور الفكر التحرري الأورومي، كما أن الانشقاقات الداخلية أسهمت في إخماد جذوة نضاله وبخاصة خلال فترة الستينيات، مما دفع الناشطين الأوروميين لاحقاً إلى تأسيس حركة جديدة بحلول عام 1974 تحت اسم "جبهة تحرير الأورومو"، والتي قادت كفاحاً سياسياً ومسلحاً ضد الحكومات الإثيوبية المتعاقبة تحت شعارات استقلال أورومو، بخاصة أن إثيوبيا الحديثة التي أسسها منليك شكلت تهديداً للهوية الأورومية، بحسب كثير من المحللين والناشطين المنحدرين من منطقة أورومو، لأن الحكام فرضوا نمطاً سياسياً وفكرياً وثقافياً يمثل عرقية الأمهرة على حساب المكونات الإثيوبية الأخرى.

 ومع وصول رئيس الوزراء الحالي آبي أحمد إلى السلطة في أبريل (نيسان) 2018 كأول أورومي يحكم إثيوبيا منذ تأسيسها الحديث، أعاد المحللون طرح سؤال الهوية الأورومية ونضال العرقية الأكبر، لجهة العدد في البلاد، وما إذا كان نضالها من أجل الاستقلال قد طوي إلى الأبد، أم أن التطلع للاستقلال لا يزال قائماً، فضلاً عن قضايا المساواة والعدالة وبناء نظام ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان.

ماذا بعد العقود الخمسة؟

بعد مرور خمسة عقود على تأسيس إحدى أهم الحركات السياسية الأورومية في تاريخ إثيوبيا (1974)، فإن الأسئلة المركزية تنصب على واقع نضال الأورومو السياسي من أجل الحرية والعدالة والديمقراطية، وكيف أضحى منتسبو هذه الإثنية ينظرون إلى مسيرة نصف قرن من المكابدات السلمية والمسلحة، وما هي الإنجازات التي تحققت والإخفاقات التي اعترضت النضال السياسي للأورومو، فضلاً عن التحديات المستقبلية في ما يتعلق بمعالجة بعض المنجزات الاجتماعية ذات القيمة العالمية، مثل الديمقراطية والحرية والتنمية وحقوق الإنسان والعدالة، ضمن الأطر الإقليمية الأوسع في إثيوبيا والقرن الأفريقي.

 

 

كما لا يمكن إنكار أن ثمة مكاسب مهمة تحققت بعد نضال الأوروميين تتجاوز واقع وصول أحد قادتهم إلى الحكم، بل تذهب بعيداً إلى تكريس اللغة والثقافة الأورومية في الدواوين الرسمية للبلاد، من قبيل ترسيم اللغة الأورومية في إقليم أوروميا وإعادة الاعتبار للعرف الاجتماعي والثقافي مثل "نظام القيدا"، وهو نظام اجتماعي يمنح الأولوية لأعيان القومية في تدبير شؤون العامة داخل إطاره المحلي.

تنوعات فكرية

بدوره يرى المتخصص في الشأن الإثيوبي جيرما لايني أن "من الخطأ الاعتقاد أن جميع الأوروميين يتبنون المطالب الأساس التي كرستها الحركات السياسية والثقافية التي تجعل من الثقافة مركزاً للفعل السياسي، إذ إن من بين الأوروميين شخصيات وتيارات سياسية ناشطة في الشأن العام من خلفية الإيمان بالفكر الجمهوري، عوض التوجه القومي الأورومي السائد، كما أن هناك حركات وأشخاصاً بارزين في أوروميا ينشطون ضمن التيارات الليبرالية الوطنية باعتبارها مخرجاً سياسياً وحلاً لأزمة الحكم في إثيوبيا".

ويرى جيرما أن الحراك الجمهوري وجد قبولاً واستجابة أكبر بعد وصول "حزب الازدهار" الحاكم إلى السلطة في أديس أبابا، والذي طرح مشروع "مدمر" ويعني "التوحد" في الإطار الوطني، عوض الطرح الإثني.

ويقدر المتخصص الإثيوبي أن نضال الأورومو السياسي على مدى نصف القرن الماضي حقق مكاسب مهمة، فعلى رغم إخفاقه في تحقيق الديمقراطية فإنه حقق من الجهة الأخرى كثيراً من الإنجازات، ومن بينها إدخال هذا الجزء المهم من النضالات السياسية الإثيوبية في قلب البيروقراطية الحديثة بعد 150 عاماً من حرمان الأورومو حقوقهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما أن إنشاء إقليم أوروميا عام 1991 كموطن لشعب الأورومو خلق ببيروقراطية خاصة به، من قبيل رسم حدود إقليمية واعتماد لغة عمل رسمية داخل الإقليم، إضافة إلى العَلم الممثل للإقليم الفيدرالي، مما يوحي بشبه حكم ذاتي أسوة بالأقاليم الفيدرالية الإثيوبية الأخرى.

ومن جهة أخرى يرى جيرما أن "الكفاح الذي أسس منذ نصف قرن بآمال التحرر والديمقراطية والكرامة لم تُحقق مطالبة بشكل كامل، وبالتأكيد فكثير من الأمور تغيرت منذ أن بدأ جيل الستينيات والسبعينيات حراكهم التحرري"، مضيفاً أن ثمة مطالب كثيرة لا تزال عالقة ولم تُعالج، سواء على المستوى المركزي أو الفيدرالي.

ولا يزال كثير من الناشطين يرون أن أهداف تحرير الأورومو مما يعرف بـ"الهيمنة الحبشية" أو هيمنة ثقافة وبيروقراطية "الأمهرة" ثم "تيغراي" لعهود طويلة، لم يتحقق بعد، ويضيف جيرما أن "الوصول إلى سدة سلطة الدولة أمر بالغ الأهمية، لكن من المؤكد أننا كأوروميين لا نستطيع أن ندعي أن المركز قد استولي عليه من قبل الأورومو، إذ لا يخدم مصالحهم بغض النظر عن ما يروج حول تمكين بعض المحسوبين على هذه القومية من مراكز متقدمة في الدولة، فلا تزال البيروقراطيات القديمة هي المسيطرة، فالدولة العميقة في الأصل مخترقة بالنخب السابقة إدارياً وسياسياً وثقافياً، وما يفرضه هذا الاختراق من تداعيات سياسية وثقافية ومصالح مالية".

نقد المسيرة

بدوره يرى الباحث في الشأن الأورومي تللا أبديسا أن كثيراً من الفرص أهدرت نتيجة الخلافات الداخلية بين القوى السياسية الأورومية، ومن بينها تسليم السلطة لحزب بعينه عام 2018، إذ إن صعود آبي أحمد للسلطة كان ينبغي أن يتم وفق اتفاق واضح بين مختلف القوى السياسية الأورومية، بخاصة أن هذا التطور أتى نتيجة تضحيات حراك الشباب الأورومي وليس نتيجة انقلاب عسكري أو نضال فصيل بعينه.

ويردف أبديسا أنه "لسوء الحظ فإن التضحيات الهائلة التي قدمها الشباب لتحرير الجماهير انتهت إلى إثراء وتمكين قلة من الفاسدين، والذين بدورهم لم يخرجوا النضال من أجل الديمقراطية والكرامة والحرية عن مساره وحسب، بل تسببوا أيضاً في معاناة كبيرة لشعب إثيوبيا عموماً، وليس أدل على ذلك من حرب تيغراي الأخيرة والأحداث الجارية الآن في إقليمي أمهرة وأوروميا".

وينوه بأن شباب الأورومو الذين ضحوا بحياتهم الثمينة أثناء تصديهم لنظام الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي (2015 - 2018)، اضطروا مرة أخرى إلى مقاومة النظام الحالي الذي بدأ حملات ممنهجة لإجهاض مكتسبات النضال من أجل الديمقراطية.

 وتابع، "نظام آبي وبعيداً من ادعاءاته بأنه يمثل قومية الأورومو فهو ليس إلا استمراراً للعصور السابقة، إذ استبدلت الشخصيات التيغراوية أو الأمهرية بوجوه أورومية، فيما بقي الاستبداد واحداً".

ويرى أبديسا أن ثمة ضرورة ملحة أمام النخب الثقافية والسياسية الأورومية لإعادة تقييم المسيرة ونقد التجارب النضالية وأسباب فشلها، من خلال قراءة واعية للمسارات التي قُطعت في الماضي، ووسائل النضال وكيفية تحقيق الأهداف في المستقبل.

وزاد، "لا بد من الاعتراف أيضاً أن نموذج التنمية لنظام جبهة تحرير تيغراي الذي قاده ملس زيناوي منذ بدايات التسعينيات من القرن الماضي، حقق نجاحاً اقتصادياً مذهلاً للبلاد، وبخاصة منطقة تيغراي، إلا أن ما أثار الغضب الشعبي الأورومي ضده تمثل في غياب الشفافية، فضلاً عن تجاهله للمطالبات بحقوق الإنسان والديمقراطية وغياب المساواة المتكافئة على قاعدة الكثافة السكانية لكل إثنية وتمثيلها في المجالس".

وبالتالي فإن هذا الواقع لم يتغير حتى الآن، إذ إن المزايا ذاتها التي تمتعت بها كوادر جبهة تيغراي سابقاً يستفاد منها الآن من قبل قادة الحزب الجديد.

احتجازات خارج القانون

ورأى الباحث أبديسا أن التغيير الكبير الذي أحدثه نضال الأوروميين عام 2018، والذي حمل آبي أحمد إلى سدة السلطة في أديس أبابا، قد أجهض باكراً عندما تحالف الأخير مع ميليشيات قومية الأمهرة وزودها بالسلاح من أجل إطلاق العنان لها بغية التخلص من قوة جبهة تيغراي، وكان من نتائج الحرب المدمرة التي استمرت عامين في إقليم تيغراي، وشهدت تطهيراً عرقياً واسعاً، وفق تعريف المنظمات الدولية، وفي الوقت ذاته تجاهل نظام أديس أبابا الاستهدافات التي قادتها هذه الميليشيات ضد الأورومو قبل أن يقبل تحت الضغوط الدولية إنهاء الحرب في تيغراي، والتفرغ لحروب جديدة في إقليمي أمهرة وأوروميا.

 

 

وأوضح المحلل الأورومي أن السلطة استهدفت قادة المعارضة السياسية السلمية أيضاً، إذ استمرت الاعتقالات غير القانونية ضد قادة "جبهة تحرير أورومو" مع مقتل المسؤول السياسي للجبهة باتي أورغيسا، واحتجاز أعضائها وإغلاق مكاتبهم.

الافتقار إلى الأيديولوجيا

من جهته رأى الناشط الأوروموي والمحلل للتطورات السياسية في أوروميا ناصر خليل أن الافتقار إلى الوضوح الأيديولوجي أسهم بشكل كبير في معظم الأزمات السياسية الحالية التي نراها في أوروميا، مضيفاً أن  "ثمة حاجة للدعوة إلى حوار وطني ينبغي لجماعات الأورومو السياسية أن تجريه داخل نفسها لمعالجة هذه المشكلة".

وأكد خليل أن هناك خللاً واضحاً في الجانب الأيديولوجي للحركات الأورومية، وبخاصة بعد وصول نظام "حزب الازدهار" للحكم، إذ إن كثيراً من الخطابات السياسية القديمة في حاجة إلى إعادة تطوير، مضيفاً "نحن الآن في حاجة إلى الدخول في حوار وطني واستكشاف طرق جديدة للنظر إلى أنفسنا ونضالنا"، معتبراً أن نضال التحرير الوطني للأورومو من أجل الحرية والديمقراطية يواجه الآن معضلة أيديولوجية خطرة أكثر من أي وقت مضى، وقال "كان أحد الأخطاء الكبيرة التي ارتكبناها هو نهجنا الضحل في دعم العناصر الإصلاحية من نظام الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الذي كان فاسداً حتى النخاع لجهة سوء الإدارة والافتقار إلى الوضوح الأيديولوجي".

وتابع، "على رغم أن تغيير النظام في إثيوبيا عام 2018 أوصل قادة الأورومو إلى السلطة في المركز، فإن التغيير في مستوى رأس النظام دفع قادة حراك الأورومو إلى الوسط من دون سعي حقيقي نحو معالجة قضايا الحرية والديمقراطية بشكل كاف"، مؤكداً أن "أي استنتاج لا يعترف بهذه الحقيقة سيخطئ هدف حركة الأورومو القومية برمته وسيعتبر فاشلاً، وعلى الجانب الآخر لدينا حركة الأورومو القومية التي تظل ملتزمة النهج نفسه كما لو كنا لا نزال في السبعينيات، وهي غير راغبة في استيعاب التغييرات المهمة".

ونبه خليل إلى أن أكبر حجر عثرة أمام التوصل إلى تسوية سلمية للأزمة السياسية هو رفض رئيس الوزراء آبي أحمد الشديد التفاوض بحسن نية، إذ يعتمد ممثلو الحكومة الإثيوبية في محادثات السلام دائماً على الشرعية الدستورية لسلطتهم، ويطالبون بنزع سلاح القوات المتمردة واستسلامها غير المشروط.

ومضى في حديثه، "يبدو أن الإدارة الحالية لا تريد التخلي عن أي شيء مما تعتقد أنه مفيد لإثيوبيا، مما يجعل استئناف محادثات السلام مع المعارضة المسلحة أمراً صعباً للغاية"، مختتماً حديثه بالتوصية بإجراء مناقشات فكرية حول القضايا المطروحة، "فإذا كنا نريد فعلا حلاً جذرياً للأزمات ولا نريد أن يخسر شعب الأورومو ما حققه بالفعل من خلال القتال من أجل ما لم يحققه حتى الآن، فأعتقد أن المناقشات الفكرية والرسائل الثابتة، وليس الأكاذيب والافتراءات، يجب أن تصل إلى شعبنا".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير