Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

طلاب سودانيون في مصر... مغالاة وتنمر وأمور أخرى

أسر فرت من ويلات الحرب لتصطدم بواقع إغلاق المدارس غير المرخصة

تدعم الأمم المتحدة تعليم آلاف الطلاب السودانيين في مصر (يونيسيف)

ملخص

يعتمد كثير من المدارس السودانية على طابقين أو ثلاثة طوابق في عمارات سكنية بأحياء مصرية مما أثار مخاوف من مدى السلامة والأمن للطلاب وكذلك للمقيمين في تلك المباني.

بأعين يملأها الخوف وكلمات يغلفها التوتر، جلست رشا مع بضع أمهات سودانيات يناقشن مستقبل أبنائهن التعليمي بعدما أغلقت السلطات المصرية المدارس التي كانوا يرتادونها في العام الدراسي الماضي، بسبب عدم حصولها على التراخيص اللازمة للعمل، مما أضاف مزيداً من الغموض على مصير اللاجئين السودانيين الذين لا يعلمون أين سيتعلم أبناؤهم عندما يبدأ العام الدراسي بعد شهرين، مثلما لا يبدو في الأفق حل للحرب التي اضطرتهم إلى مغادرة وطنهم.

"رشا" التي اكتفت باسمها الأول في حديثها إلى "اندبندنت عربية"، قدمت إلى مصر قبل الحرب بعام وأرغمتها تداعيات الصراع المسلح على البقاء مع أطفالها الثلاثة الذين يتوزعون على المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، واختارت لهم مدرسة سودانية في حي فيصل بمحافظة الجيزة، الذي تقطنه أعداد كبيرة من السودانيين.

إغلاق المدارس

لكن السلطات المصرية أغلقت مدرسة أطفالها وغيرها من المدارس السودانية في نهاية يونيو (حزيران) الماضي، نظراً إلى عدم حصولها على التراخيص اللازمة لمزاولة نشاط تعليمي، إضافة إلى عدم التزامها شروط السلامة وإحداث إزعاج للمواطنين.

ويعتمد كثير من المدارس السودانية على طابقين أو ثلاثة طوابق في عمارات سكنية، مما أثار مخاوف من مدى السلامة والأمن للطلاب وكذلك للمقيمين في تلك المباني، وهو ما عبر عنه كثر على منصات التواصل الاجتماعي.

مع نشوب الحرب في السودان، هربت "نسمات" من الخرطوم إلى الجيزة عبر الطرق الرسمية، إذ استأجرت شقة في منطقة فيصل تأويها مع أطفالها الثلاثة. ومع استقرار أوضاع السيدة الأربعينية، ألحقت أولادها بإحدى المدارس السودانية قرب منزلها المستأجر، فلديها ثلاثة أبناء اثنان في الإعدادية والثالث في المرحلة الثانوية، معبرة عن إحباطها من مستوى التعليم.

قررت السيدة مع أخريات في منطقة سكنها التغلب على مسألة إغلاق مدارسهن "غير المرخصة"، بالتجمع في شقة إحداهن ليدرسن مع أحد المدرسين السودانيين لحين إيجاد حل، مع اقتراب اختبار الشهادة الثانوية.

 

 

وتبلغ مصروفات بعض المدارس بنطاق محافظة الجيزة قرابة 5 آلاف جنيه (104 دولارات) في العام لكل طالب بعضها تدعمه المفوضية بنحو 1100 جنيه (23 دولاراً)، لكن غير المسجلين فيها يلجأون إلى منظمات وجمعيات خيرية.

مسؤولية أصحاب المدارس

غير بعيد من رشا ونسمات، كانت مدرسة الطالب "إبراهيم جمال" (17 سنة)، الذي جاء إلى مصر بعد الحرب واستطاع الالتحاق بمدرسة سودانية لإكمال دراسته الثانوية، لكن قرارات إغلاق المدرسة بخرت أحلامه قبل فترة قصيرة من الاختبارات.

يقول "إبراهيم" إن مدير المدرسة القريبة من منزله في حي الهرم بمحافظة الجيزة أخبر جميع الطلاب بتعطيل العمل في المدرسة لحين توفيق أوضاعها، وطمأنهم أنه يبذل قصارى جهده لإعادة فتحها من جديد ويجري تواصلاً مكثفاً مع السفارة السودانية لدى القاهرة لحل الأزمة، لكن السفارة ردت في بيان رسمي أن على المدارس غير المقننة أوضاعها أن تنجز تلك المهمة لتتمكن من مزاولة نشاطها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

النقاشات حول مصير المدارس استحوذت على اهتمام اللاجئين السودانيين في المجموعات الخاصة بهم على "فيسبوك"، إذ ألقت رفيدة عبدالحليم باللوم على أصحاب المدارس بسبب عدم تسجيلها أو تقنين وضعها قائلة "الحكاية لم قروش بس"، مضيفة أنه يجب عليهم تقنين أوضاعهم حرصاً على مستقبل التلاميذ.

أما مختار سليمان وآخرون فيرون أن إغلاق الحكومة المصرية بعض المدارس غير القانونية هو لمصلحة السودانيين، موضحاً أن المدارس التي قننت أوضاعها ستمنح طلابها شهادات معتمدة.

المراكز المجتمعية

وجود السودانيين ومدارسهم في مصر يسبق الحرب الدائرة حالياً بسنوات، لكنها كانت لا تعدو كونها "مراكز مجتمعية" تقدم الخدمات التعليمية والاجتماعية للجالية السودانية، كما كانت أعدادها لا تتجاوز بضع عشرات، إلا أنها في عام واحد ارتفعت إلى 400 مدرسة تخدم نحو 100 ألف طالب سوداني، وفق رئيس تجمع المدارس والمراكز السودانية في مصر، عماد ياسين.

ورصدت "اندبندنت عربية" إعلانات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمدارس سودانية تعلن توسعها وفتح فروع جديدة، تجاوزت أحياناً الأفرع الثلاثة، تتركز في المناطق التي يقطنها غالبية السودانيين، وهي أحياء فيصل والهرم في الجيزة والنزهة في القاهرة وغيرها.

وقال ياسين إن تنفيذ قرار غلق المدارس كان مفاجئاً، موجهاً اللوم إلى السفارة السودانية بقوله، "كان عليها أن تتحرك حينما صدر القرار نفسه في السابق، وتحدد مجموعة من المدارس وتعاونها في تقنين أوضاعها".

 

 

وأضاف أن السفارة غير قادرة على استيعاب عدد الطلاب المنضمين حديثاً إلى المدارس السودانية، بخاصة بعد نزوح عشرات الآلاف إلى مصر جراء الحرب بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، موضحاً أنه على رغم ذلك كان على السفارة أن تستعد قبل غلق المدارس بقرار من السلطات المصرية.

المدارس الاستثمارية

ياسين الذي يمتلك أحد المراكز المجتمعية العاملة منذ 10 أعوام، قال إن تلك المراكز المعروفة بالمدارس تقدم الخدمات بأسعار زهيدة للسودانيين المكبلين بأعباء كثيرة، موضحاً أنها تعتمد على إعانات مفوضية الأمم المتحدة للاجئين و"اليونيسيف" ومنظمة الهجرة الدولية. وأشار إلى أنه قبل الحرب جاءت لجنة حكومية سودانية متخصصة وبحثت ملفات 18 مدرسة مجتمعية وأرسلته إلى السفارة السودانية لدى القاهرة، وكان سيتم توفيق أوضاعها لولا اندلاع المعارك.

وأرجع الأزمة الحالية إلى ظهور بعض المدارس الاستثمارية التي تغالي في مصروفاتها وتصل إلى 50 ألف جنيه (1042 دولاراً) في العام، مؤكداً أنها لا تمثل سوى 10 في المئة من السودانيين في مصر، أما الباقي فليس لديهم القدرات المادية لتأمين حتى كلف المأكل والمسكن. وقال إن تلك المدارس الاستثمارية أعطت انطباعاً للسلطات المصرية بأن السودانيين لديهم القدرة المادية لتقنين خدماتهم التعليمية.

وأوضح أن بعض المدارس موجود وسط العمارات السكنية لكن البعض الآخر - بخاصة ذات المصروفات الكثيرة - تستأجر "فيلا" بها حديقة لتكون بها المدرسة، خصوصاً مع زيادة الأعداد خلال العام الأخير.

توفيق الأوضاع

كانت السفارة السودانية في القاهرة أكدت غلق السلطات المصرية عديداً من المدارس السودانية، بما فيها مدرسة الصداقة التابعة للسفارة وهي الوحيدة التي لديها ترخيص للعمل، مضيفة أنها على تواصل مع السلطات المصرية لإيجاد حلول وتقنين أوضاع تلك المدارس.

وأعلنت السفارة شروط الحصول على تصريح فتح مدرسة، وفق القوانين المصرية، وهي الحصول على موافقة كل من وزارات التربية والتعليم والخارجية في السودان والخارجية في مصر. وتتضمن الشروط المصرية توفير مقر للمدرسة يفي بجميع الجوانب التعليمية والعلمية والتربوية، وإرفاق البيانات الخاصة والسيرة الذاتية لمالك المدرسة ومديرها، وكذلك صورة من طلب مالك المدرسة للمستشارية الثقافية بسفارة السودان، فضلاً عن إرسال القائمين عليها ملفاً كاملاً للمدرسة يشمل المراحل التعليمية وعدد الطلاب المنتظر تسجيلهم بالصفوف والمراحل التعليمية، وإرفاق رسم تخطيطي لهيكل المدرسة.

 

 

وطالب رئيس تجمع المدارس والمراكز السودانية الحكومة المصرية بإقرار فترة سماح لمدة سنة حتى يتمكنوا من توفيق الأوضاع. كما اقترح الاستفادة من مباني المدارس المصرية الحكومية لتكون مقراً للمدارس السودانية في فترة ما بعد الظهر أي بعد انتهاء اليوم الدراسي للمدارس المصرية. ولم يستبعد أن تتوحد مدارس عدة لاستئجار مبنى واحد تتوافر فيه الشروط المطلوبة. وتمنى أن تنتهي أزمة غلق المدارس قبل عودتها إلى العمل من بعد إجازة الصيف حتى لا يضيع مستقبل الأطفال.

دعم المفوضية

دور مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أوضحته المتحدثة باسمها في مصر، كريستين بشاي بأنه لا يمكن التعامل مع المدارس السودانية غير المرخصة ما دامت لم تقنن أوضاعها في مصر وأنها خارج نطاق تعاملها. وقالت إن تعاملات المفوضية تجري وفق سياق رسمي وحكومي ونمط رسمي، لكن إن احتاج أي سوداني إلى المفوضية لحل أزمة التعليم بالتحديد يجري التواصل مع وزارة التربية والتعليم المصرية للتنسيق وحل أزمته.

وقالت بشاي في تصريح خاص إن أي لاجئ مستوفي الشروط ومسجل لدى المفوضية له الحق في التمتع بكل أوجه الدعم ومنها التعليم على وجه الخصوص، مؤكدة أن أي طفل لاجئ في سن التعليم له الحق في الحصول على منحة دراسية في أي مدرسة حكومية مصرية.

وعددت أوجه دعم المدارس الحكومية من طريق رقمنة الفصول وتوصيل الإنترنت والطاقة الشمسية بالتعاون مع إحدى شركات الاتصالات الكبرى، موضحة أن المنحة الدراسية تتمثل في مبلغ مالي يصرف في سبتمبر (أيلول) من كل عام، لمساندة أسرة اللاجئ في توفير حاجات الدراسة والزي المدرسي.

وأكدت أن المفوضية كثفت من عدد الموظفين لديها لاستيعاب الأعداد الضخمة الراغبة في التسجيل لديها، لأي شخص من أي دولة مهما كانت طريقة دخوله للبلاد شرعية أو غير شرعية، مشيرة إلى أن التسجيل أول خطوة لتوفير الحماية الدولية لأي لاجئ.

عائق التنمر

وتمنح مصر للسودانيين حق الالتحاق بالمدارس الحكومية المصرية مع معاملتهم كالمواطنين المصريين من دون اختلاف، مما دفع إلى التساؤل حول عدم رغبة السودانيين في الالتحاق بالمدارس المصرية واللجوء إلى نظيرتها السودانية غير المرخصة.

رشا، والدة الأطفال الثلاثة، أرجعت العزوف عن المدارس المصرية إلى تجنب التنمر الذي كثيراً ما يتعرض له السودانيون الصغار، بسبب اختلاف لون البشرة واللهجة، مشيرة إلى أن أحد أقربائها أخرج أطفاله من مدرسة مصرية وألحقهم بأخرى سودانية بعدما تضرروا من التنمر.

وتقول الأم السودانية إن هناك حالة من "عدم تقبل" السودانيين بين الطلاب المصريين، بحسب قولها، كما تشير إلى أن المدارس السودانية كل طلابها لديهم الظروف الاجتماعية نفسها، وأسعار المدارس (المراكز) المجتمعية في المتناول، فيما المدارس المصرية يضطر فيها الطالب إلى تلقي دروس خصوصية، لأن المدرس غالباً لا يشرح في الفصل ومن لا يشارك في الدروس قد يتعرض للرسوب، وفق حديثها.

 

 

بحسب السيدة نفسها فإن ثمن الحصة الواحدة 35 جنيهاً (0.73 دولار) وهي كلفة لا تستطيع تحملها لثلاثة من أبنائها، بخاصة أن تلك الحصة تكون مرة واحدة في الأقل أسبوعياً لكل مادة، فضلاً عن أن المدارس السودانية تدرس نفس المنهج والثقافة التي اعتادوا عليها، والمعلم السوداني يفهم حاجات الطلاب.

تعبر الأم عن قلقها على مستقبل أولادها بعد إغلاق المدارس، موضحة أنه يمكن السيطرة على الأطفال لكن الكبار في المرحلة الثانوية فهناك سيناريوهات أسوأ تنتظرهم مثل التشرد بالشوارع أو تعاطي المخدرات أو الهجرة غير الشرعية.

ويتفق رئيس تجمع المدارس والمراكز السودانية في مصر مع أن بعض الطلاب يعانون التنمر في المدارس المصرية. كما يرجع عدم اختيار أولياء الأمور المدارس المصرية إلى الاختلاف التام في المنهج الدراسي، مما جعل بعض الطلاب يرسبون.

تزايد اللاجئين

وأجبرت الحرب الدائرة بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، منذ الـ15 من أبريل (نيسان) 2023، مئات آلاف السودانيين على الفرار إلى مصر، سواء عبر المنافذ الرسمية، ومن خلال عمليات التهريب بالطرق البرية الوعرة، بحثاً عن ملاذ آمن بعيداً من القتال.

وأعلنت الأمم المتحدة في أبريل الماضي أنه "منذ بدء الحرب، تضاعف عدد اللاجئين السودانيين المسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر خمسة أضعاف، ليصل إلى 300 ألف شخص".

وفق إحصاءات الأمم المتحدة تستضيف مصر أكثر من 670 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين من 62 جنسية مختلفة، فيما تقدر تصريحات رسمية عدد الأجانب واللاجئين في البلاد بأكثر من 9 ملايين، منهم 5 ملايين سوداني. ومنذ نهاية أكتوبر (تشرين الأول) 2023، أصبحت الجنسية السودانية هي الأكثر عدداً تليها الجنسية السورية، تليها أعداد أقل من جنوب السودان وإريتريا وإثيوبيا واليمن والصومال والعراق.

وخلال مؤتمر عن الوضع في السودان في العاصمة الإدارية الجديدة، قال وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي إن مصر استقبلت مئات الآلاف من "الأشقاء السودانيين الذين انضموا إلى ما يقارب 5 ملايين مواطن سوداني يعيشون في مصر منذ سنين عديدة".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات