Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المصارف تعزز رصيد التوتر في اليمن

بين التأييد الشعبي للقرارات الحكومية ووعيد الحوثي تبرز المخاوف من مآلات الصراع الاقتصادي

 بينما لاقت قرارات الحكومة المعترف بها تأييداً جماهيرياً واسعاً واصل الحوثيون وعيدهم للشرعية (سبأ)

ملخص

دان البنك المركزي اليمني بشدة الممارسات التعسفية التي تمارسها الجماعة الحوثية ضد القطاع المصرفي الوطني، خصوصاً البنوك التجارية والإسلامية وبنوك التمويل الأصغر، محذراً من استخدامها وسائل الضغط والإكراه لإجبار هذه البنوك على إغلاق فروعها وتجميد أعمالها، وتجاوز القوانين والأعراف المصرفية.

تتصاعد أزمة البنوك بين طرفي الصراع في اليمن عقب أسبوعين من قرارات أصدرتها الحكومة الشرعية لبسط سيطرتها على المؤسسات النقدية والاقتصادية، وانتزاعها من قبضة ميليشيات الحوثي التي تسيطر على العاصمة صنعاء منذ سبتمبر (أيلول) 2014.

وبينما لاقت القرارات الأخيرة للبنك المركزي التابع للحكومة المعترف بها تأييداً جماهيرياً واسعاً، واصل الحوثيون وعيدهم وتهديدهم للشرعية ودول التحالف الداعمة لها في سلوك يعزز الاتهامات بسيطرتها على القطاع المصرفي والاقتصادي والإثراء غير المشروع من ورائها، في حين تدعي عدم تحصلها على مبالغ تفي بالتزاماتها تجاه السكان في المناطق الواقعة تحت سيطرتها.

وفي الـ 10 من يوليو (تموز) الجاري أعلن البنك المركزي اليمني إلغاء التراخيص المصرفية لستة بنوك خاصة بسبب عدم نقل مقارها الرئيسة من العاصمة صنعاء، الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، وتوعد بقطع الـ "سويفت كود" الدولي الخاص بها، ووقف التحويلات والتعاملات المصرفية منها وإليها، وهو ما اعتبره مراقبون اقتصاديون ضربة ستصيب الحوثيين في مقتل، نظراً إلى اعتمادهم على العائدات الهائلة التي يتحصلون عليها من سيطرتهم على القطاع المصرفي في العاصمة صنعاء والمحافظات المجاورة لها الأكثر سكاناً.

والمصارف هي "بنك التضامن" و"بنك اليمن والكويت" و"بنك اليمن والبحرين الشامل"، و"بنك الأمل للتمويل الأصغر"، و"بنك الكريمي للتمويل الأصغر الإسلامي" و"بنك اليمن الدولي"، مستثنياً فروع هذه البنوك التي تعمل في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية.

فجوة التباين المصرفي

وجاء قرار الحكومة اليمنية التي لها جذور تاريخية تتعلق بنقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن عقب نحو شهرين من إنذار أصدرته في مايو (أيار) الماضي ضمن مساعي بسط يدها على القطاع الاقتصادي والمصرفي المنهار، ووعيدها بحظر هذه البنوك بسبب تعاملها مع ميليشيات الحوثي التي تصنفها بأنها "منظمة إرهابية"، لترد الأخيرة بقرار قضى بحظر التعامل مع 13 بنكاً في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

وعلى رغم المخاوف المجتمعية من القرارات بحرمان ملايين السكان من التحويلات المالية من وإلى الكتلة السكانية الأضخم في اليمن، ممثلة في مناطق الشمال، إلا أن اليمنيين خرجوا في تظاهرات تدعم الإجراءات الحكومية ضد ما سموه سياسيات النهب والتجويع الحوثية، إذ تعتمد كثير من الأسر على تحويلات ذويها المغتربين في السعودية ودول الخليج العربي والولايات المتحدة وباقي دول العالم، مع توقف دفع الرواتب التي ترفض جماعة الحوثي صرفها لمئات آلاف الموظفين العموميين منذ ثمانية أعوام، على رغم الإيرادات الضخمة التي تجبيها، كما ترفض في الوقت نفسه المقترحات الحكومية لصرفها.

وحول انعكاسات هذا الصراع الآخذ في الاتساع يرى الباحث الاقتصادي مجيب الهلالي أن هذا التباين سيخلق سوقين ماليتين متوازيتين في اليمن، وهو ما من شأنه أن يفاقم الصراع ويعقد العمليات المالية والمصرفية ويزيد عدم اليقين الاقتصادي.

ويقول الهلالي إنه "من المتوقع أن يؤدي استبدال العملة القديمة في عدن إلى زيادة التباين في أسعار الصرف بين المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة والمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين"، متوقعاً أن يؤدي القرار إلى زيادة عمليات تهريب العملات من عدن لصنعاء، حيث يمكن صرف العملة القديمة بقيمة أعلى مما يؤدي "إلى نقص السيولة في عدن وزيادتها في صنعاء، لكن بكمية غير مؤثرة في الاقتصاد العام".

ولهذا الصراع تأثيرات أخرى تمتد إلى القطاع المصرفي ممثلاً في البنوك التجارية من خلال "وقف التعامل مع بعض البنوك الكبيرة مثل 'بنك التضامن الإسلامي' و 'مصرف الكريمي' و 'بنك اليمن الدولي' مما سيؤدي إلى عزلها عن النظام المالي الدولي والمحلي، ومنعها من استخدام شبكة التحويلات المالية مثل نظامي سويفت (SWIFT) وآيبان (IBAN) وحرمانها من استخدام شبكة التحويلات المالية المحلية".

وسيعوق هذا التوقف "قدرتها على تنفيذ العمليات المالية العالمية والمحلية، كما سيمنعها من الدخول في المزادات العلنية لبيع الدولار التي يعلن عنها بنك عدن المركزي بصورة دورية، وكل ذلك سيؤثر سلباً في علاقة تلك البنوك بنظيرتها المراسلة في الخارج، وعدم قدرتها على تمويل التجارة الخارجية عبر الاعتمادات المستندية".

وفي جانب الآخر سيؤدي القرار، بحسب الهلالي، إلى "تعزيز السيطرة على الموانئ وفي مقدمها ميناء عدن التابع للحكومة الشرعية، كمركز رئيس لاستقبال السلع المستوردة، مما يقلل نشاط ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة الميليشيات الحوثية، وبالتالي يزيد كلفة السلع المستوردة في مناطق سيطرة الحوثيين".

تعقيد إضافي

أما في شأن الأضرار المحتملة على المواطنين في نطاق التحويلات المصرفية، فينتظر عمليات التحويلات المالية بين المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة ونظيرتها التابعة لسيطرة الحوثيين تعقيدات إضافية، مما يزيد كلفة وزمن التحويلات.

ويوضح الهلالي أنه "مع فرض رسوم إضافية على التحويلات فقد يواجه المواطنون زيادة في كلفة التحويلات، مما يضع عبئاً إضافياً على حياتهم اليومية "، إضافة إلى شح العملات الأجنبية وحدوث نقص في أرصدتها لدى البنوك الخاضعة لسيطرة الحوثيين أو في سوق الصرافة، مما يشكل هلعاً لدى التجار وبالتالي ارتفاع قيمة الدولار في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وانهيار القوة الشرائية للريال وارتفاع أسعار السلع والخدمات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويتطرق الباحث الهلالي إلى حصار خانق ينتظره الحوثيون من الإجراءات الحكومية، وفي طليعتها تقلص الإيرادات ووقف التعاملات البنكية وحظر استخدام الشبكات المالية الدولية وتجفيف التدفقات النقدية الدولية والمحلية، كما أن زيادة كلفة استيراد السلع عبر ميناء عدن وتهميش ميناء الحديدة "ستزيد كلفة السلع المستوردة وتخليصها ونقلها إلى مناطق صنعاء، مما يضغط على خزانة الحوثيين المالية ليتحملها كاهل المواطن المكلوم في مناطق سيطرتهم".

ولتجنيب السكان انعكاسات هذا النوع من الصراع يرى الهلالي وجوب رضوخ الأطراف المتنازعة لفتح قنوات الحوار للتوصل إلى حلول توافقية تضمن استقرار النظام المالي وتجنب تأثيراته السلبية في المواطنين، وذلك من خلال "تشكيل مجلس اقتصادي مشترك يشمل ممثلين من جميع الأطراف لإدارة السياسة النقدية والمالية بصورة موحدة ومستقلة، مما يسهم في تقليل التباين في السياسات المالية والنقدية".

ويقترح الهلالي "إعادة هيكلة النظام المصرفي لتشمل إجراءات تسهم في تعزيز الشفافية والمهنية في إدارة العمليات المصرفية والمالية"، ويخلص إلى أن القرارات المصرفية الأخيرة تمثل تصعيداً "لحرب مصرفية" قد تتسبب في مزيد من التدهور الاقتصادي وتضر بالكفاءة المالية للبنوك، والأفضل للسلطتين في البنك المركزي لكل من عدن وصنعاء أن تتبنيا الحوار والتعاون لتوحيد إدارة السياسة النقدية وحماية الاقتصاد الوطني، على غرار تجارب دول مثل لبنان وليبيا.

رفض الضغوط الدولية

وأكثر ما أثار غضب اليمنيين على مدى الأيام الماضية ما وصفوه بـ "ضغوط مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ لإلغاء قرارات البنك المركزي اليمني"، فيما كان يقابل الإجراءات الحوثية بالصمت.

وخرجت في كل من محافظتي تعز (جنوب غرب) ومأرب (شرق) تظاهرات شعبية رفضاً للتدخل الأممي في هذا الشأن، ودعوات إلى مجلس القيادة الرئاسي لرفضه، حيث رفع المتظاهرون لافتات تعبر عن رفض الضغوط الدولية على الحكومة التي تهدف إلى تأجيل قرارات البنك أو التراجع عنها.

 

وعبرت التظاهرات عن تأييدها لقرارات الحكومة ورفضت ما وصفته بـ "الإنقاذ الأممي المعتاد للحوثيين"، وطرحت تساؤلات حول الموقف الدولي من الحرب الاقتصادية الحوثية وسياسات التجويع والإخضاع والممارسات التي أضرت بالقطاع المصرفي اليمني، في حين شهدت مدينة مأرب تظاهرات مؤيدة لتلك القرارات.

وكان مجلس القيادة الرئاسي اليمني شدد على تمسكه بجدول أعمال واضح لأي حوار حول الملف الاقتصادي، بما في ذلك استئناف تصدير النفط وتوحيد العملة الوطنية وإلغاء الإجراءات التعسفية الحوثية بحق القطاع المصرفي، منوهاً بالإصلاحات التي تقودها الحكومة والبنك المركزي اليمنيين من أجل تحسين الظروف المعيشية واحتواء تدهور العملة الوطنية.

وتلقى مجلس القيادة الرئاسي خلال الأيام الماضية رسالة من المبعوث الأممي إلى اليمن يطلب فيها تأجيل تنفيذ قرارات البنك المركزي بعدن، والدعوة إلى حوار بين الحكومة الشرعية والجماعة الحوثية لمناقشة الملف الاقتصادي، ووضع البنوك التجارية المخالفة.

تحذير جديد

من جهته دان البنك المركزي اليمني بشدة الممارسات التعسفية التي تمارسها الجماعة الحوثية ضد القطاع المصرفي الوطني، خصوصاً البنوك التجارية والإسلامية وبنوك التمويل الأصغر، محذراً من استخدامها وسائل الضغط والإكراه لإجبار هذه البنوك على إغلاق فروعها وتجميد أعمالها، وتجاوز القوانين والأعراف المصرفية.

وجاءت تحذيرات البنك المركزي اليمني عقب إغلاق عدد من البنوك والمصارف الخاصة، والمشمولة بالعقوبات التي أقرها في قراراته الأخيرة، أبواب فروعها أمام عملائها في مدينتي مأرب وتعز، قبل أن تجبرها قوات أمنية على إعادة فتحها.

واتهم البنك المركزي الجماعة الحوثية بإجبار البنوك على إغلاق فروعها في المدن الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية عبر الضغط على إداراتها الرئيسة في العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة.

وشدد على أن تلك الممارسات تكشف عن تغول الجماعة في هذا القطاع الحيوي وعجز إدارات البنوك عن مقاومة هذه الضغوط، مما يعرضها لإجراءات قانونية صارمة، مشيراً إلى أن استمرار هذه الانتهاكات يحرم المواطنين مدخراتهم ويعقد سبل معيشتهم، داعياً إدارات البنوك إلى الالتزام بضوابط العمل المصرفي وعدم الرضوخ لضغوط الجماعة.

ووافقت السعودية في يوليو (تموز) الجاري على تقديم قرض تبلغ قيمته ملياري دولار إلى البنك المركزي اليمني الكائن بمدينة عدن الساحلية جنوب البلاد، وهي مقر الحكومة التي تدعمها الرياض، للمساعدة في تمويل واردات السلع الأساس.

وعيد حوثي

وبموازاة ذلك رفضت الجماعة الحوثية الدخول في أية مفاوضات اقتصادية، بحسب دعوة المبعوث الأممي، في حين وافق مجلس القيادة الرئاسي على المشاركة فيها بعد أن اشترط استئناف تصدير النفط وتوحيد العملة المحلية وإيقاف ممارسات الجماعة بحق القطاع المصرفي.

وأعلن القيادي الحوثي حسين العزي المعيّن نائباً لوزير الخارجية في حكومة الحوثيين غير المعترف بها، أن جماعته أبلغت غروندبرغ رفضها استعمال "لغة التأجيل والترحيل"، نافياً أن يكون هناك أي تفاوض إلا في إطار مناقشة تنفيذ خريطة الطريق المتفق عليها، في إشارة إلى طلب المبعوث الأممي تأجيل سحب تراخيص البنوك المشمولة إلى نهاية أغسطس (آب) المقبل.

وكان زعيم الجماعة الحوثية عبدالملك الحوثي أطلق تهديدات بالعودة للتصعيد العسكري، وذلك رفضاً لقرارات البنك المركزي اليمني بنقل مراكز عمليات البنوك إلى العاصمة الموقتة عدن.

وتهرّب الحوثي من الاعتراف بحق الحكومة الشرعية في اتخاذ تلك القرارات بتهديد دول الجوار باستهدافها عسكرياً تحت مبرر وقوفها إلى جانب الحكومة، قبل أن يلجأ كما جرت العادة إلى الزعم بوقوف الولايات المتحدة وإسرائيل خلف تلك القرارات.

وفي رد على تلك التهديدات أبدى وزير الدفاع اليمني الفريق محسن محمد الداعري استعداد القوات المسلحة وجاهزيتها لردع أية مغامرة عدائية للجماعة الحوثية، معتبراً أن التهديدات "مجرد فقاعات ووسائل ابتزاز وذرائع للتنصل من الاتفاقات وجهود السلام".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات