Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحرب تضرب موانئ إسرائيل استنزافا وإغلاقا

98 في المئة من واردات البلاد تصل عن طريق البحر وأكبر شركات شحن الحاويات علقت إبحار سفنها

تسهم موانئ إسرائيل التجارية في تداول ما وزنه 60 مليون طن متري من البضائع سنوياً (أ ف ب)

ملخص

نتيجة للأخطار في مياه البحر الأحمر تسلك السفن طريقاً أطول للوصول إلى البحر المتوسط وصولاً إلى مينائي حيفا وأشدود الإسرائيليين، الأمر الذي تسبب في إطالة مدة الرحلات بين أسبوعين إلى 3 أسابيع، وإلى زيادة كلفة التأمين البحري للسفن الإسرائيلية بنسبة 250 في المئة عن غيرها من السفن التجارية.

بُعيد حادثة مجدل شمس الدرزية وتواتر التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربة هي الأقسى لـ"حزب الله" منذ بدء المواجهات قبل نحو 10 أشهر، سارعت وزارة النقل والمواصلات الإسرائيلية لرفع حال التأهب القصوى على غرار الجيش، لكن في الموانئ البحرية التجارية التي تعد العمود الفقري لحركة تجارة البضائع الإسرائيلية مع العالم الخارجي، والتي تتحمل مهمة تداول 98 في المئة من إجمالي صادرات وواردات إسرائيل سنوياً.

وعلى رغم أن ميناء أشدود القريب من تل أبيب، الذي لا يبعد من قطاع غزة سوى نحو 30 كيلومتراً وتُسمع فيه صفارات الإنذار بانتظام تعرض لضربة اقتصادية فور اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، فإنه تحول إلى جانب موانئ الجنوب ليكونوا بديلاً عن الموانئ الشمالية التي ارتبكت فيها حركة سفن الشحن، وبُدّلت وجهتها وتغيرت مواعيد وصولها مع تدهور الأوضاع الأمنية على الحدود مع لبنان.

إلى جانب ميناء حيفا الذي يستحوذ على قرابة 50 في المئة من جملة التجارة المتداولة سنوياً بين إسرائيل ومختلف دول العالم ويتربع على المركز الرابع من بين موانئ الحاويات الأكثر فاعلية عالمياً، تمتلك إسرائيل ميناء أشدود في الوسط وميناء إيلات في الجنوب ويعد المنفذ الوحيد إلى البحر الأحمر. في حين أن مينائي عسقلان والخضيرة، المتخصصين فقط في مجال الطاقة، لا يستقبلان حاويات بضائع، ولا يمكن وفقاً لخبراء أن يشكلا بديلاً للموانئ الثلاث التجارية في حال تعرضها للإغلاق أو القصف.

 

 

فالأول الذي يعد أكبر ميناء نفطي لإسرائيل ويحتوي على 24 صهريجاً لتخزين النفط الخام بسعة تخزينية قرابة مليوني متر مكعب، مغلق منذ بدء الحرب خشية استهدافه بالصواريخ من قبل الفصائل الفلسطينية في غزة التي لا تبعد عنه سوى 10 كيلومترات، فيما تقتصر مهمة الثاني على تفريغ شحنات الفحم الحجري المستورد من الخارج لإنتاج الطاقة الكهربائية الأكبر في إسرائيل بمحطة أنشئت خصيصاً بجوار الميناء.

وتسهم موانئ إسرائيل التجارية الثلاث في تداول ما وزنه 60 مليون طن متري من البضائع سنوياً، وتشير تقاريرOEC  الإحصائية التي تعرض بيانات التجارة الدولية، إلى أن إسرائيل تمكنت خلال العقد الماضي من رفع قيمة تجارتها الدولية بنسبة تقارب 25 في المئة لتقفز من 136 مليار دولار في 2012 إلى 180 مليار دولار عام 2022، حيث وصل عدد الدول التي تتعامل معها إلى 140 دولة بمختلف قارات العالم.

شريان استراتيجي

خشية إسرائيل على ميناء حيفا في الشمال من ضربات محتملة لـ"حزب الله" قد تخرجه عن الخدمة لا تقتصر على وزنه الاقتصادي فحسب، بل تمتد لتشمل ما يحتويه الميناء من أسلحة نووية وغير تقليدية وكمنطلق للآليات العسكرية البحرية، إذ إن الجانب الشرقي للميناء يضم قاعدة "بولونيوم" للأسلحة البحرية التي تُعتبر مقراً للغواصات الحربية، وبخاصة نوع "دولفين" المعدّة لحمل صواريخ ذات رؤوس نووية، كما يضم مخطط القاعدة بناء مقر ضخم يتم من خلاله إدخال الأسلحة والمعدات العسكرية الجديدة، بما في ذلك الأسلحة النووية والكيماوية الخطيرة.

ويعد الميناء الممتد على طول 3 كيلومترات على شاطئ البحر المتوسط، والذي يمر منه سنوياً ما يقرب من 30 مليون طن من البضائع، منطقة حيوية استراتيجية لتفقد السفن الحربية الإسرائيلية، ويحتوي على حوض لصناعة السفن الحربية التابعة لسلاح البحرية في الجيش، وفيها يتم التعديل على هذه السفن وتجهيزها بالأنظمة القتالية والتقنية واللوجستية بما يتكيف مع مهام سلاح البحرية الإسرائيلي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي ظل الحرب على قطاع غزة وتصعيد الحوثيين هجماتهم على السفن المرتبطة بـإسرائيل في البحر الأحمر علقت أكبر شركات شحن الحاويات في العالم إبحار سفنها في المناطق المضطربة، بخاصة بالقرب من مضيق باب المندب، مهددة بإغلاق طريق تجاري رئيس للواردات والصادرات الإسرائيلية من الشرق الأقصى ومرورها إلى أوروبا، وبات يتعين على السفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية الالتفاف حول أفريقيا للوصول إلى إسرائيل عبر مضيق "جبل طارق" شمال المغرب وصولاً إلى مينائي أشدود أو حيفا.

وأكدت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية في وقت سابق، أن "إسرائيل تتجه للاستحواذ على ميناء في جزيرة قبرص بحجة حماية وارداتها من البضائع في حال استهداف ميناء حيفا شمالاً. وزعمت أنه "يمكن للميناء قيد النظر أن يحمي واردات إسرائيل من البضائع في حال ظهور أخطار أمنية في ميناء حيفا"، مشيرة إلى أن هذه المبادرة "تأتي في إطار الجهود الإسرائيلية لإيجاد حلول بحرية لتوريد البضائع إلى إسرائيل، لا سيما استجابة لسيناريوهات الأمن القومي والتحديات المتعلقة بالخدمات اللوجستية البحرية".

إغلاق إيلات

وفقاً لبيانات هيئة الموانئ والشحن الإسرائيلية، فإن تحييد نشاط ميناء إيلات في أقصى جنوب إسرائيل إثر استهداف "الحوثيين" في اليمن للسفن الإسرائيلية المتوجهة منه وإليه في البحر الأحمر تسبب بضربة قوية للاقتصاد الإسرائيلي دفعت الولايات المتحدة إلى الإسراع لتشكيل قوة دولية تواجه الهجمات على السفن، فهو الميناء الإسرائيلي الوحيد المطل على البحر الأحمر، ويمثل بوابة رئيسة للتجارة مع آسيا وأفريقيا ومنفذاً إلى دول الشرق الأوسط من دون الحاجة إلى قناة السويس.

وبحسب بيانات "مجموعة النزاع المسلح" ACLED فإنه منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 وحتى 19 يوليو (تموز) الجاري، وقع 112 هجوماً في باب المندب والبحر الأحمر وخليج عدن، حيث سجل شهر يونيو (حزيران) الماضي أكبر عدد من الهجمات بواقع 22 هجوماً. وعلى رغم إعلان موقع World Cargo  الذي يرصد نشاط الشحن بالعالم، يوم 12 يوليو، إفلاس ميناء إيلات فإن الميناء لم يعلن ذلك رسمياً، في حين تظهر البيانات انخفاض نسبة الشحنات الواردة إليه خلال الأشهر الـستة الأولى من العام الحالي، بنسبة 85 في المئة مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، فيما انخفضت نسبة الشحنات الصادرة من الميناء خلال المدة ذاتها بنسبة 55 في المئة مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي.

وصرح الرئيس التنفيذي لميناء إيلات جدعون جولبر، بأن التهديدات الحوثية عطلت 80 إلى 85 في المئة من أرباح الميناء. وبحسب رئيس مركز السياسة البحرية والأبحاث الاستراتيجية في جامعة حيفا شاؤل حوريف، فإن ثلث تجارة إسرائيل العالمية تتم مع الشرق الأقصى، والواردات والصادرات الإسرائيلية التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات تمر عبر باب المندب. ويرى حوريف أن إغلاق الطرق أمام السفن المتجهة من وإلى إسرائيل عبر باب المندب يعني عزلها عن آسيا، ثاني أهم شريك تجاري لها بعد أوروبا.

بحسب الأرقام، يصدّر عبر ميناء إيلات الفوسفات والبوتاس والمعادن والخامات، في حين تستورد إسرائيل من خلاله النفط والمواد الغذائية والأخشاب ومواد البناء والمركبات، إذ يعد ثاني أكثر ميناء في إسرائيل استقبالاً للسيارات الواردة منذ عام 2010. لكن الإغلاق شبه الكامل للميناء بسبب ضربات الحوثيين تسبب في انخفاض وصول السيارات لإسرائيل بنسبة 52.4 في المئة بحسب أرقام رسمية.

وتشير تقارير اقتصادية إلى أن قطاع بيع السيارات الجديدة الذي يشكل عنصراً بارزاً في نمو الاقتصاد الإسرائيلي، بخاصة في السنوات الـ 15 الأخيرة، يستحوذ على نحو 5 في المئة من إجمالي النمو في إسرائيل. في حين أشار تقرير في صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية الإسرائيلية إلى أن الحرب تؤثر بقدر كبير على مستوردي السيارات والمستهلكين الذين يضطرون إلى دفع أسعار أعلى بنسب متفاوتة ما بين 4 إلى 5 في المئة.

كلف باهظة

نتيجة للأخطار في مياه البحر الأحمر، لم تعد السفن تتجه نحو ميناء إيلات أو ترسو فيه خشية استهدافها، وبات عليها أن تسلك طريقاً أطول للوصول إلى البحر المتوسط وصولاً إلى مينائي حيفا وأشدود الإسرائيليين، الأمر الذي تسبب في إطالة مدة الرحلات بين أسبوعين إلى 3 أسابيع، وإلى زيادة كلفة التأمين البحري للسفن الإسرائيلية بنسبة 250 في المئة عن غيرها من السفن التجارية، ناهيك عن تعطل مئات الصفقات وعمليات التبادل التجاري.

وتشير وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن بعض شركات التأمين لم تعد تغطي السفن الإسرائيلية، نظراً إلى رسوم الوقود والأجور الإضافية على الشركات، وهو ما دفع بقطاع النقل البحري إلى مناشدة الحكومة الإسرائيلية تحمّل هذه الكلفة عنه، بحسب ما جاء في صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، التي أكدت كذلك أن الموانئ الإسرائيلية تواجه أزمة نقص العمالة، بسبب استدعاء جيش الاحتياط وبسبب مخاوف الموظفين من العمل في القطاعات الحيوية المعرضة لخطر القصف من الصواريخ والمسيرات سواء في الجبهة الشمالية أو عند الحدود الجنوبية مع قطاع غزة.

 

 

ونقلت "كونتينر نيوز" عن الرئيس التنفيذي لمجلس إدارة شركة ميناء أشدود أن 10 في المئة من موظفي الميناء تم تجنيدهم من الجيش الإسرائيلي. في حين أكد المدير الإداري لشركة شحن البضائع الإسرائيلية "كورال" لموقع "تايمز أوف إسرائيل" أنه يتعين على الحكومة معالجة قضية نقل البضائع بعد تفريغها في الموانئ، خصوصاً أن بعض الإمدادات تصل إلى ميناء حيفا بدلاً من أشدود.

ومع تعاظم الأزمات المرتبطة بالتجارة البحرية الإسرائيلية المتمثلة بالضغط على الموانئ ونقص العمالة وانخفاض الإنتاج وهروب المستثمرين والمموّلين، بيّن تقرير هجرة الثروات لعام 2024 الذي أصدرته شركة استشارات هجرة الاستثمار الدولية "هينلي أند بارتنرز" خروج إسرائيل من قائمة الدول العشر الأوائل التي يهاجر إليها أصحاب الملايين للمرة الأولى منذ عدة عقود، في حين أكدت البيانات الرسمية الصادرة عن مكتب الإحصاء الإسرائيلي أن الحرب الاسرائيلية المتواصلة على غزة تسببت خلال الربع الأول من عام 2024 في انخفاض حاد بنسبة 55.8 في المئة في الاستثمار الأجنبي المباشر في إسرائيل.

وذكرت الصحيفة الاقتصادية الإسرائيلية "كالكاليست" أن الإسرائيليين أنفسهم بدأوا البحث عن آفاق جديدة أكثر هدوءاً خصوصاً في الولايات المتحدة، حيث قفز حجم استثماراتهم المباشرة في الخارج بمقدار الربع في الربع الأول من هذا العام ليصل إلى 3.6 مليار دولار، أي أكثر من ثلاثة أضعاف عدد مثل هذه العمليات التي يقوم بها الأجانب في إسرائيل.

طرق برية

استمرار الضرب في صميم الملاحة البحرية، وتعرض التجارة البحرية والسفن الإسرائيلية لأخطار الاحتجاز بما قد ينعكس سلباً على التجارة العالمية كشف تل أبيب عن مخطط جديد تدفع به الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية يقضي بشق طريق مباشرة ومتواصلة من الإمارات إلى ميناء حيفا وتمر بالسعودية والأردن، هدفها تصدير بضائع من الشرق الأقصى إلى أوروبا عن طريق إسرائيل، على أن تشهد هذه الطريق لاحقاً حركة سياحية، بحسب ما ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" مطلع يوليو الجاري. وبحسب الخطة، فإن شاحنات ستنقل البضائع في هذه الطريق البرية، وستقلص كلف النقل بنحو 20 في المئة، وتختصر الوقت في نقل البضائع من أسابيع إلى يومين أو ثلاثة.

ونقلت الصحيفة عن وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، اعتباره أن "وزارة الخارجية تعمل من أجل توسيع دائرة السلام ودفع مشاريع إقليمية تعزز مكانة إسرائيل في الشرق الأوسط والاستقرار الإقليمي، والاستثمار في مشروع بنية تحتية بهذا الحجم سيسهم في دفع التجارة بين الدول، وبين آسيا وأوروبا وسيؤدي إلى ازدهار الدول المشاركة فيه بما سيغير وجه الشرق الأوسط كله". ولم تعلن حكومات أي من الدول المذكورة، بشكل رسمي، أنها تشارك في هذا الممر.

المزيد من متابعات