Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الاغتصاب سلاح الحروب والنساء ذخيرتها

من روما القديمة إلى السودان المعاصر... وقائع صارخة وصامتة عن استهداف الحلقة الأضعف في "مجتمعات الأعداء" بعنف ممنهج وهمجي

ينتزع الاغتصاب الحقوق الإنسانية الأساس للمرأة عبر إظهار الهيمنة (اندبندنت عربية - حسن حامد) 

ملخص

حدث العنف الجنسي أثناء النزاعات المسلحة في كل العصور وفي جميع القارات تقريباً، ولا يزال منتشراً في عدد من النزاعات المسلحة المعاصرة كنتيجة حتمية للحرب والاضطرابات الأهلية.

يتجاوز الاغتصاب فعله كسلاح مؤذ جسدياً وعقلياً وعاطفياً إلى تجريد المرأة من ثقتها بنفسها ومجتمعها وقوتها وسلب كرامتها الشخصية، وعندما يُستخدم كسلاح في الحرب يتعدى هذه الآثار إلى أخرى تنتزع فيها الحقوق الإنسانية الأساس للمرأة عبر إظهار الهيمنة والقوة. وتمضي الخطورة إلى أبعد من اغتصاب النساء ليشمل أيضاً الأطفال، إذ تتعرض الفتيات بخاصة للعنف الجنسي أثناء الحرب والصراعات، سواء في خضم القتال أو أثناء الهروب من منازلهن أو حتى داخل مخيمات اللاجئين أو النازحين أو في المعابر من منطقة إلى أخرى.

ومع أن فاعلية الاغتصاب كإستراتيجية أو سلاح سائدة في مناطق النزاعات، لكن تزداد حدتها استناداً إلى المعايير الثقافية السائدة حول الفضيلة الجنسية للمرأة، مما يصور الهجوم على امرأة واحدة أو مجموعة في منطقة معينة كهجوم على المجتمع أو مجموعة إثنية كاملة.

ويتفاقم هذا التصور في حال الحمل القسري الناتج من الاغتصاب ولا سيما إن اُستخدم كأحد أشكال التطهير العرقي، ليتم الاعتراف بأن الاغتصاب في زمن الحرب ليس مجرد نتيجة ثانوية أو عرضية لها، بل هو غالباً جزء منها وسياسة مخططة ومعبرة عن الطبيعة المنهجية والمتفشية والمدبرة للعنف الجنسي في زمن الحرب.

حدث العنف الجنسي أثناء النزاعات المسلحة في كل العصور وفي جميع القارات تقريباً، ولا يزال منتشراً في عدد من النزاعات المسلحة المعاصرة كنتيجة حتمية للحرب والاضطرابات الأهلية، فمن عصور ما قبل التاريخ إلى العصر الحديث فوجئت البشرية بطرق عدة للاستغلال الجنسي، من اغتصاب نساء سابين في القرن الثامن قبل الميلاد إلى عمليات الاغتصاب اليابانية أثناء مذبحة نانجينغ عام 1937، إلى الحالات التي شهدتها رواندا ويوغسلافيا خلال تسعينيات القرن الماضي، واكتسب الاغتصاب اعترافاً به كسلاح في الحرب أهمية قانونية لاعتباره جريمة ضد الإنسانية وإبادة جماعية. ومروراً بالحالات التي وُثقت أثناء الحرب الأهلية في جنوب السودان ثم دارفور ومالي وبنغلاديش وأوغندا وميانمار والصومال وغيرها من مناطق، ظهرت فيها قضية أخرى وهو عدم وجود بيانات وإحصاءات مثبتة لأسباب أهمها أن العنف الجنسي يُعد جريمة "مخفية" بسبب ما يحيط بها من مشاعر الخوف من "وصمة العار" والخوف من الانتقام، إضافة إلى الأخطار الأمنية وعدم توافر المساعدة النفسية والصحية اللازمة.

اغتصاب الـ "سابين"

حدثت قصة اغتصاب أو اختطاف نساء الـ "سابين"، وفقاً للمؤرخين، بعد أيام قليلة من تأسيس روما في القرن الثامن قبل الميلاد، فقد كان رومولوس، مؤسس روما ثم ملكها، قد بنى مدينة رائعة ولكن كان هناك نقص في النساء اللواتي سيتزوجن من الرجال وضمان إرث المدينة القوية من خلال إنجاب جيل جديد من الرجال الأقوياء، فخطط رومولوس لحل المشكلة بأن دعا السابينيين الذين عاشوا في الجبال شمال شرقي روما إلى إحضار زوجاتهم وبناتهم إلى مهرجان سباق العربات احتفالاً بالإله كونسوس.

 وفي المهرجان اختطف الرومان نحو 600 امرأة من الشابات غير المتزوجات وطردوا الباقيات، ومع أن أخذ النساء في الغارات كان أمراً شائعاً لكن هذه الحادثة صُنفت ضمن السبي الجماعي أو "رابتيو" في اللغة الإنجليزية القديمة، ضمن ما يقع تحت بند الاختطاف للزواج أو الاسترقاق (العبودية الجنسية)، ولا سيما أنه قام على غدر الرومان بضيوفهم الـ "سابينيين".

واندلعت الحرب عندما رفض رومولوس إعادة الأسيرات، وبعد أن قام سابين بثلاث محاولات فاشلة لغزو مستوطنات تلال روما ثم أُجبرت أسيراتهم على الزواج، تدخلت النساء أنفسهن خلال معركة لاكوس كورتيوس لإنهاء الحرب، واتحد الشعبان في مملكة مشتركة، ملك روما رومولوس وملك سابين تاتيوس وتقاسما العرش، وقد نحت فنانون عالميون مجسمات ورسموا لوحات زيتية ومنهم الرسام الفرنسي جاك لويس ديفيد وروبنز الذي لخص احتجاز النساء في قبضة مختطفيهن العضلية، ووجوه مليئة بالذعر والدموع، إذ أضفيت بعض اللمسات التي توضح أن الاختطاف ذو طابع جنسي.

اغتصاب نانجينغ

نشرت الباحثة الصينية - الأميركية إيريس تشانغ كتاباً عام 1997 عنوانه "اغتصاب نانجينغ... هولوكوست الحرب العالمية الثانية المنسيّ"، مستعرضة المذبحة والفظائع التي ارتكبها الجيش الإمبراطوري الياباني بالقتل الجماعي للمدنيين الصينيين في نانجينغ (عاصمة جمهورية الصين) مباشرة بعد معركة نانجينغ في الحرب الصينية - اليابانية الثانية، حيث بدأت المجزرة في الـ 13 من ديسمبر (كانون الأول) 1937 واستمرت ستة أسابيع، كما ارتكب الجناة جرائم حرب أخرى مثل الاغتصاب الجماعي والنهب والحرق المتعمد، وتعد هذه المجزرة واحدة من أسوأ الفظائع التي ارتكبت خلال الحرب العالمية الثانية.

ومن المرجح أن سرعة تقدم الجيش الياباني كانت بسبب سماح قادة الجيش بالنهب والاغتصاب على طول الطريق، وقد عددت تشانغ أصناف التعذيب الذي مورس على سكان المنطقة ومنها دفن أحياء وبتر الأطراف والموت بالنار والثلج وهجوم للكلاب، بناء على شهادة الناجين من المذبحة، ووصفت مسابقة قتل بين مجموعة من الجنود اليابانيين لتحديد الأسرع في القتل.

وفي ما يتعلق بالاغتصاب الذي حدث أثناء المذبحة فقد كتبت تشانغ بأنها كانت واحدة من أكبر حالات الاغتصاب الجماعية في تاريخ العالم، وقدرت أن أعداد النساء اللواتي اغتُصبن ما بين 20 ألفاً و80 ألف امرأة، وصرحت بأن النساء المغتصبات كن من جميع الطبقات، بما فيهن الراهبات البوذيات.

وإضافة إلى ذلك فإن الاغتصاب قد وقع في جميع المواقع والأوقات، وأن كلاً من النساء الصغيرات للغاية والكبيرات جداً قد اغتصبن، ولم تُترك حتى السيدات الحوامل، وكتبت تشانغ أنه بعد الاغتصابات الجماعية كان الجنود اليابانيون أحياناً يبقرون بطون السيدات الحوامل ويقتلعون الأجنة للتسلية.

وقالت الكاتبة إن هناك علاقة بين الاغتصاب والتدمير الكامل للمدينة، إذ وضعت القيادة العليا اليابانية بعد المعركة خططاً لإنشاء نظام سري عملاق للدعارة العسكرية، وهو النظام الذي من شأنه أن يجتذب إلى شبكته مئات آلاف النساء في جميع أنحاء آسيا.

 كما كشف يوشيمي يوشياكي من أرشيف وكالة الدفاع اليابانية عام 1991 عن وثيقة بعنوان "تجنيد النساء للعمل في بيوت الدعارة العسكرية"، وذكر أن عمليات الاغتصاب لم تكن تُنفذ من قبل "جندي محبط" بل كانت منظمة من قبل الحكومة اليابانية نفسها، والنظر إلى ضحايا الاغتصاب باعتبارهن "مكافآت" للجنود وإعطاء معسكرات الاغتصاب اسماً سادياً ساخراً مثل "بيت الراحة".

100 سبية

راجع المؤرخ السوداني محمد إبراهيم أبو سليم وحقق بـ "منشورات المهدي"، وجاء فيها أن الإمام محمد أحمد المهدي أباح لأنصاره "مالاً ودماء وعرض كل من لم يؤمن بأنه المهدي المنتظر"، ولا سيما أن المهدي نفسه كانت لديه أربع زوجات إضافة إلى أكثر من 100 من السبايا، ولكن آخرين ذكروا أن التفسير الخاطئ لمنشورات المهدي هو الذي دفع رجاله إلى ارتكاب الانتهاكات التي صاحبت حصار الخرطوم، إذ دخلت قواته المدينة في ديسمبر عام 1884.

وقال الكاتب الصحافي شوقي بدري "إن من بين الأسباب أن كثيراً من أهل وسط السودان لم يتفاعلوا مع الاغتصابات التي حدثت في دارفور خلال حربها بسبب ما حدث في تاريخ السودان وأن السلطان تيراب أعد جيشاً كبيراً وتوجه إلى كردفان غازياً ليرد اعتداء السلطان هاشم سلطان على مملكة المسبعات، وهو أخ السلطان سولونج أول السلاطين من أصول عربية من بني هلال والذي حكم مملكة دارفور منتصف القرن الـ 17 ميلادي".

ويسرد بدري أن "السلطان تيراب طارد السلطان هاشم حتى انتهى به الأمر في أم درمان حيث هزم العبدلاب وكسب نحاسهم المشهور، وككل الجيوش مورس الاغتصاب وكسب النساء، كما أن جيش محمود ود أحمد في فترة المهدية بعد هزيمة قائدهم ود سعد اغتصبوا النساء، وقد ألقت بعض نساء المنطقة بأنفسهن في النيل تفادياً للاغتصاب"، وقال بدري "إن المهدية تفننت في الاغتصاب وكانت النساء يوزعن كفناجين القهوة".

محاربون شرسون

خلال حرب الجنوب بين الحكومة السودانية في عهود ما بعد الاستقلال وحتى عام 2005، وبين "الحركة الشعبية لتحرير السودان"، تُروى قصص كثيرة عن اعتداءات ولكن جرائم الحرب التي يشار إليها وظهرت بقوة كانت القتل على أساس أيديولوجي، ومع أن محاربي "الحركة الشعبية" كانوا على قدر كبير من الشراسة ومحاربي الحكومة من "قوات الدفاع الشعبي" يحركهم عنف الأيديولوجيا لتحقيق النصر بأي ثمن، فلم توثق حوادث الاغتصاب بل ذُكرت خلال الحرب على استحياء، وكان التركيز على الجرائم الأخرى.

بعد انفصال الجنوب عام 2011 وتولي "الحركة الشعبية" الحكم وقع صراع شرس على السلطة بين رئيس الدولة الجديد سلفا كير الذي ينتمي إلى قبيلة الدينكا، ونائبه رياك مشار وهو من قبيلة النوير، وقد أدت الحرب عام 2013 التي خيضت إلى حد كبير على أسس إثنية إلى قتل ما لا يقل عن 50 ألف شخص، وفقاً للأمم المتحدة، وواجه نحو 4 ملايين شخص المجاعة، وفرّ 2.2 مليون شخص آخرين من منازلهم، ورويت حكايات عن مذابح المدنيين والتعذيب وحتى أكل لحوم البشر القسري.

ونشرت مجلة "تايم" الأميركية قصة ماري من قبيلة النوير التي فرت وعائلتها للعيش في أوغندا تحت رعاية منظمة أميركية تسمى "مايك واي بارتنرز"، وقالت ماري إنها وعائلتها كانوا من بين عشرات آلاف المدنيين الذين لجأوا إلى قاعدة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة في مدينة بانتيو عندما واجهوا قوات سلفا كير على الطريق في يونيو (حزيران) 2014، وقد أخبر الجنود ماري أنهم يعتبرون النوير في المخيمات متمردين، وأنهم قتلوا أبناءها لأنهم لا يستطيعون المخاطرة بتركهم يكبرون ليصبحوا مقاتلين.

 وأضافت، "ذكروا لنا أنهم لا يقتلون النساء والفتيات، وقالوا إنهم سيغتصبوننا فقط، وكأن الاغتصاب مختلف عن الموت".

وبعد أن قتل الجنود زوجها وأبناءها أمسك بها خمسة منهم وأجبروها على مشاهدة ثلاثة آخرين يغتصبون ابنتها البالغة من العمر 10 سنوات، ثم تناوب الرجال على ماري وتوفيت ابنتها بعد بضع ساعات، وقالت "أردت أن أموت أيضاً".

وصمة كبرى

كان العنف الجنسي المرتبط بالحرب في دارفور إحدى الوصمات الكبرى التي رافقت نظام عمر البشير، وتطورت القضية إلى أن انتهت باتهامه ورجاله بتنفيذ جرائم الإبادة الجماعية وملاحقته وبعض أفراد النظام من المحكمة الجنائية الدولية عام 2009، وربما تكون تهم الاغتصاب هذه هي الأطول زمنياً في التاريخ السياسي الحديث، إذ ظلت تتكرر منذ اندلاع الحرب عام 2003، مروراً بفترة الانتفاضة على نظامه وإسقاطه وحتى الآن، وأوردت المجلة الأميركية للصحة العامة أن وزارة الخارجية الأميركية أجرت مسحاً من خلال مقابلة عينة عشوائية متعددة المراحل من آلاف اللاجئات من دارفور داخل 20 موقعاً في تشاد عام 2004، لتحليل أنماط العنف الجنسي المبلغ عنها على مستوى المنطقة، وقد أفدن بأنهن تعرضن لشتائم عنصرية مرتبطة بالاعتداء الجنسي بصورة أكثر تكراراً خلال الهجمات المشتركة التي شنتها قوات الحكومة السودانية وميليشيات الجنجويد رداً على تمرد جماعتين سياسيتين وحملهما السلاح عام 2003، وهما "حركة العدل والمساواة" بزعامة خليل إبراهيم من إثنية الزغاوة، و"حركة تحرير السودان" بزعامة عبدالواحد محمد نور من إثنية الفور التي انشق منها مني أركو مناوي، وذلك باستخدام الاعتداء الجنسي كسلاح يستهدف المدنيين من أصول أفريقية عرقية من مجموعات الزغاوة والفور والمساليت.

روايات موثوقة

في الـ 19 من يوليو (تموز) عام 2004 أطلقت منظمة العفو الدولية تقريراً حول السودان بعنوان "دارفور الاغتصاب كسلاح في الحرب"، موضحة أنه في حالات عدة اُغتصبت النساء علناً أمام أزواجهن أو أقربائهن أو أمام العامة، وبحسب ما ورد فقد "تعرضت النساء اللواتي قاومن الاغتصاب للضرب أو الطعن أو القتل، وفي حالات أخرى مورس التعذيب ضد النساء للحصول على معلومات حول مكان وجود أزواجهن أو أقربائهن الذكور، وخُطفت فتيات لا تتجاوز أعمارهن الثماني سنوات واحتجزن لممارسة العبودية الجنسية".

وأدت هذه الهجمات إلى لجوء ما لا يقل عن 1.2 مليون شخص، وأصبح ما لا يقل عن مليون شخص من النازحين داخلياً وأُجبروا على الانتقال إلى جوار المدن أو القرى الكبرى في دارفور، كما لجأ أكثر من 170 ألف شخص عبر الحدود إلى تشاد.

وتشمل الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبت في المنطقة الإعدامات خارج نطاق القضاء والقتل غير المشروع للمدنيين والتعذيب والاغتصاب والخطف وتدمير القرى والممتلكات ونهب الماشية والممتلكات وتدمير سبل عيش السكان الذين تعرضوا للهجوم والتهجير القسري، والإخفاء والتعذيب من أجل معاقبة نشطاء حقوق الإنسان والمحامين والزعماء وأفراد المجتمعات المحلية في دارفور.

وفي يونيو عام 2008 تبنى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قراراً رعته الولايات المتحدة ينص على أن "الهجمات الجنسية في مناطق الصراع تعد جرائم حرب".

وفي دارفور استشهدت المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بتقارير من شهود عيان عن "روايات متسقة وموثوقة عن الاغتصاب" من جانب القوات الحكومية والجنجويد، بينما كانت الحكومة السودانية تصر على إنكار هذه الاتهامات، وقال الرئيس السابق عمر البشير إن "الاغتصاب ليس من ثقافة السودان أو شعب دارفور، وهو غير موجود".

اغتصاب تابت

على مدى الأعوام الـ 10 التالية كانت المحاكم الدولية تجمع الأدلة من الشهود لإدانة الحكومة السودانية التي تنكر جميع تهم الاغتصاب، ولكن في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2014 شنت قوات تابعة للجيش السوداني سلسلة من الھجمات على السكان المدنيين في بلدة تابت بولاية شمال دارفور استمرت لثلاثة أيام، وشملت عمليات اغتصاب جماعي طاولت النساء والفتيات، إضافة إلى عمليات اعتقال تعسفي واعتداء بالضرب وسوء المعاملة بحق العشرات من سكان البلدة.

ونفت الحكومة السودانية وقوع أي جرائم ومنعت البعثة المشتركة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور (يوناميد) من القيام بتحقيق حول الحادثة، ولكن منظمة "هيومن رايتس ووتش" وثقت الحادثة من خلال إفادات مباشرة من 27 من النساء والفتيات اللواتي تعرضن للاغتصاب، إضافة إلى معلومات موثوقة حول 194 حادثة اغتصاب أخرى.

وأبقى جنود القوات الحكومية كثيراً من الرجال قسراً في مواقع على أطراف البلدة خلال ليالي الهجوم مما أدى إلى ترك النساء والأطفال عرضة للخطر، كما قام الجنود أيضاً باعتقال جماعي للرجال الذين تعرضوا للتھديد والاعتداءات الجسدية طوال الليل، وتمكن سكان البلدة من تحديد ھوية بعض الجنود، وأفادوا بأنھم يعملون في القاعدة التابعة للقوات المسلحة السودانية بأطراف بلدة تابت.

 وقالت المنظمة إن "عمليات الاغتصاب والاعتداءات الخطرة الأخرى التي ارتكبت ضد المدنيين في تابت تشكل انتھاكات خطرة للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، إذ يُعتبر أفراد الجيش الذين شاركوا فيھا أو الذين ساعدوا في ارتكابھا أو حرضوا عليها مسؤولين عن ارتكاب جريمة حرب". وأضافت، "الضباط الذين كانوا على علم بعمليات الاغتصاب الجماعي في تابت ولم يتخذوا إجراء لمنعھا أو معاقبة مرتكبيھا، يتحملون المسؤولية الجنائية بحكم مسؤوليتھم القيادية، إذ إن عمليات الاغتصاب الجماعي في تابت ترقى لمستوى جرائم ضد الإنسانية".

ومنذ وقوع الھجمات اتخذ مسؤولو الحكومة السودانية والقادة العسكريون والقيادات المحلية المسؤولة عن تابت تدابير صارمة لمنع نشر أية معلومات حول عمليات الاغتصاب الجماعي، واستخدموا التھديد والتخويف والضرب والاعتقال والتعذيب ضد سكان البلدة لمنعھم من التحدث حول ما جرى.

مذبحة ممنهجة

 بعد اندلاع الحرب الأخيرة في السودان والمستمرة منذ الـ 15 من أبريل (نيسان) 2023، وُجهت تُهم إلى قوات الدعم السريع بتنفيذ عمليات حرق وتدمير أثناء اقتحامهم مدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور على الحدود مع تشاد، والاستهداف بالقتل عدداً كبيراً من إثنية المساليت التي تقطن المنطقة، خصوصاً المدينة التي يزيد عدد سكانها على نصف مليون نسمة، وأعمال عنف أخرى بما في ذلك الاغتصاب.

 وقال زعيم سلطنة دار مساليت السلطان سعد عبدالرحمن بحر الدين إن "ما حدث في الجنينة مذبحة، وكل شيء كان مخططاً له ومنهجياً"، وأوضح تقرير نشره أبناء المنطقة "أن أكثر من 5 آلاف شخص قُتلوا وجُرح 8 آلاف آخرين في الجنينة وحدها في هجمات شنتها قوات الدعم السريع والميليشيات العربية بين أبريل ويونيو الماضيين عبر موجات ثلاث تهدف إلى التطهير العرقي وارتكاب إبادة جماعية ضد المدنيين الأفارقة".

ولفت خبراء الأمم المتحدة إلى افتقار الناجيات من العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي في السودان إلى الرعاية، بما في ذلك الرعاية الصحية الجنسية والإنجابية والرعاية النفسية الاجتماعية، إضافة إلى استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان والمستجيبين الأوائل الذين يوثقون الانتهاكات ويقدمون الخدمات للناجين، قائلين إن هذه الانتهاكات تحدث في ظل مستويات كارثية من الأزمة الإنسانية داخل السودان.

وخلال الأسابيع الأخيرة كشفت اختصاصية في علم الأوبئة وعضوة اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان أديبة إبراهيم السيد عن ارتفاع حالات الاغتصاب التي سجلت في المرافق الطبية المختلفة منذ بداية الحرب وحتى الآن إلى 481 حالة، كما أشارت إلى أن هذه هي الحالات التي وصلت إلى المستشفيات فقط مع الأخذ في الاعتبار أن هناك حالات كثيرة لا يتم تسجل ولا تصل إلى هناك.

وبحسب وكالات مختلفة فقد سُجلت 54 حالة اغتصاب جديدة خلال الأسابيع القليلة الماضية في أربع ولايات بينها خمس طفلات، ومن بين هذه الحالات 35 حالة بمستشفيات بحري وشرق النيل و15 حالة بمستشفيات التركي وبشائر وثمان حالات في أم درمان وأمبدة، وطفلتان بمستشفى النو، بينما سجلت ولايتا غرب وجنوب دارفور 40 حالة اغتصاب منها 25 حالة في الجنينة و15 حالة في نيالا.

ضعف التبليغ

وقالت عضو "محامو الطوارئ" نون كشكوش "خلال هذه الحرب شهدت مناطق كثيرة العنف الجنسي المرتبط بالنزاع في الخرطوم والخرطوم بحري وأمدرمان، وبعض الولايات التي تأثرت بالنزاع مثل دارفور خصوصاً في مدن الجنينة ونيالا، وامتدت مع اتساع رقعة الحرب لتسجل حالات اغتصاب جديدة في ود مدني وسنار وسنجة، ولكن لا توجد إحصاءات دقيقة".

وأوضحت أنه "وفقاً للقانون الجنائي السوداني فإن كل أشكال العنف الجنسي المرتبطة بالنزاع، بما فيها الاغتصاب، تُعد جريمة حرب لأنها جريمة ممنهجة بقصد الإذلال وإخضاع المدنيين في مناطق محددة أو التهجير القسري، كما يندرج تحتها عدد من الأفعال ومنها التحرش والحمل القسري والإجهاض القسري والبغاء والزواج القسري وزواج القاصرات".

وذكرت كشكوش أن "التبليغ عن الحالات ضعيف جداً مقارنة بعدد حالات الاغتصاب الفعلية لخوف المجتمع السوداني المحافظ من الوصمة، ونتيجة لعدم التبليغ تظهر أمراض عدة، إذ تعرضت إحدى الضحايا في ود مدني لحالات التهابية أودت بحياتها".

وأضافت عضوة "محامو الطوارئ" أن "حالات حمل كثيرة تحدث بسبب تأخر الضحايا عن طلب المساعدة التي من المفترض أن تُقدم في غضون أول 72 ساعة بعد الاغتصاب، وهو ما يُسمى بالبروتوكول ويشتمل على مضادات حيوية لمعالجة الالتهابات وأدوية أخرى لمعالجة العدوى الفيروسية مثل الإيدز والتهاب الكبد الوبائي وموانع للحمل، وغالبية الضحايا لا يتحصلون على هذا البروتوكول، إما بسبب تعذر الوصول إليهم أو بسبب رفضهم الإبلاغ بدافع الخوف أو لعدم توافره".

المجتمع الدولي

وأرجعت كشكوش عدم اهتمام المجتمع الدولي بقضية الاغتصاب في السودان إلى "ضعف الإعلام وضيق المساحة الموجهة للحرب في السودان وما يحدث فيها من انتهاكات، إضافة إلى أن السودانيين لا يملكون منصات إعلامية أو يشكلون حضوراً دولياً في القنوات الفضائية وغيرها، وهناك أيضاً عدم الرصد والتوثيق بصورة احترافية ومهنية، كما أن كثيراً ممن يشهدون على هذه الانتهاكات يمكن أن يتعرضوا للمساءلة أو الانتقام من أحد طرفي النزاع".

وأردفت كشكوش أن "هناك منظمات سودانية ومجموعات مدافعة عن حقوق الإنسان وعاملات في المجال الطبي، ولكنهن يتعرضن أيضاً للاعتداء والاغتصاب مثلما حدث لعدد من الموظفات في ضاحية الخرطوم، وهناك حال شهيرة لطالبة طب كانت تساعد في مجال الإسعافات الأولية في منطقتها وتعرضت للاختطاف والاغتصاب".

وأوضحت أن "الناجيات يتعرضن لآثار نفسية على المديين القريب والبعيد لعدم حصولهن على الدعم النفسي والصحي والقانوني اللازم في الوقت المحدد، إذ يكن تحت تأثير الصدمة فلا يستطعن تجاوزها بسهولة وقد يصلن إلى مرحلة الانتحار".

وقالت عضو "محامو الطوارئ" إنه "في حال ظهور الحمل فإن المادة (135) من القانون الجنائي السوداني حددت استثناءين للسماح بالإجهاض وهما الخوف على صحة الأم وفق ما يقرره الطبيب المتخصص، وأن يكون الحمل ناتجاً من اغتصاب، ويتم ذلك عبر إجراءات من طريق فتح بلاغ وتحريات ثم قرار من النيابة موجه للمستشفى المحدد بإذن الإجهاض على ألا يكون الحمل بلغ 90 يوماً، وتفتح البلاغات المتعلقة بهذه الحال في مناطق آمنة بعد خروج الضحية من منطقة الخطر بحسب توجيه النيابة العامة نسبة لظروف الحرب".

اغتصاب متعدد

ومن بين البلدان التي استخدم فيها الاغتصاب كسلاح في الحرب أوغندا خلال ما يُعرف بـ"حرب الأجمات" التي شنتها الحكومة الأوغندية وجناحها المسلح "جيش التحرير الوطني الأوغندي" ضد جماعات مسلحة عدة، كان من أهمها "جيش المقاومة الوطنية"، وكتب جوان إي جيلر وباتريك جيه براكن وستيلا كاباجاندا من المؤسسة الطبية الأوغندية بكمبالا عام 1991 في الدورية الطبية العالمية "ذا لانسيت" أن "الحرب والعنف السياسي تسببا في معاناة كبيرة في كثير من البلدان الأفريقية على مدى الأعوام الـ25 الماضية، وربما لا يوجد مكان أكثر معاناة من أوغندا، ففي منطقة مثلث لويرو إلى الشمال الغربي من كمبالا تعرض آلاف الأشخاص للتعذيب والقتل في عمليات مكافحة التمرد بين عامي 1982 و1985، ووفقاً لبعض التقديرات فإن 500 ألف شخص من هذه المنطقة لا يزالون في عداد المفقودين".

واستعرضت الدورية حوادث الاغتصاب وأنها لم تحظ باهتمام يذكر، إذ كثيراً ما ينظر إليها على أنه ببساطة إحدى غنائم الحرب، وغالباً ما يتم التقليل من عواقبها، ولكن الدراسات التي أجريت على النساء ضحايا الاغتصاب نتيجة للعنف السياسي أظهرت أن الآثار الشديدة وطويلة الأمد شائعة.

وفي دراسة تجريبية على نساء قرويات من مثلث لويرو اللواتي تعرضن للاغتصاب أثناء الحرب، فقد وجدت انتشاراً كبيراً للأعراض النسائية والنفسية، إذ تعرضن جميعاً للاغتصاب بين عامي 1982 و1985 وكان عمرهن بين 11 و45 سنة عندما وقعت الجريمة، وكان ثلثاهن ضحايا للاغتصاب المتعدد، إذ اغتصب بعضهن من قبل ما يصل إلى 10 جنود مرة واحدة.

عنف منسّق

وأشارت التقديرات إلى أن ما بين 25 و50 ألف امرأة وفتاة بوسنية تعرضن للاغتصاب في الحرب البوسنية من عام 1991 إلى 1995، وأن نحو 96 في المئة من حالات الاغتصاب في كوسوفو كانت مصحوبة بالتعذيب الجسدي، كما ارتكبت أنماط عنف مماثلة في يوغوسلافيا السابقة ضد المسلمين البوسنيين، وعليه عدت المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا أن "العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي المرتكب ضد المسلمين البوسنيين قد وقع على الضحايا في سياق هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد السكان المدنيين".

وحددت المحكمة من بين أمور أخرى السلوك غير القانوني الذي حدث في الهجوم على السكان المدنيين، وهو السيطرة على القرى والنهب وتدمير المعالم والمعابد والتهجير القسري لعدد كبير من المدنيين والقتل والاحتجاز القسري في مواقع الاحتجاز والاحتجاز في ظروف مروعة والاغتصاب، وغيرها من أشكال العنف الجنسي في مرافق الاحتجاز.

وفي عام 2016 دانت المحكمة رادوفان كاراديتش بالإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، ووفقاً للدائرة الابتدائية فقد تجلى ذلك في "وجود حملة من العنف المنسق أثناء عمليات الاستيلاء وفي مرافق الاحتجاز".

مزيد من العنف

عندما اندلعت الحرب بين أذربيجان وأرمينيا من أجل السيطرة على ناغورنو قره باغ التي تضم غالبية أرمينية في أواخر ثمانينيات وأوائل تسعينيات القرن الماضي، فقد كانت مقدمة لمزيد من العنف خلال الأعوام اللاحقة، وذكرت محررة الخدمة الأذربيجانية في "بي بي سي" كونول خليلوفا كيف أُجبر مئات الآلاف من الإثنية الأذرية على مغادرة أرمينيا وأصبحوا لاجئين في أذربيجان، وفي فبراير (شباط) 1992 قتل عدد كبير من سكان بلدة خوجالي الأذربيجانية الواقعة في أقليم ناغورنو قره باغ على يد القوات الأرمينية بمساعدة أفراد من الجيش الروسي، كما قتل من البلدة التي كان عدد سكانها 7 آلاف شخص أكثر من 613 شخصاً، منهم 106 من النساء و83 من الأطفال، وأخذ 1275 شخصاً كرهائن بينما فقد 150 شخصاً.

ونُقل عن تلك الحادثة أن الاغتصاب كان أحد أدوات التطهير العرقي ووسيلة لإرهاب السكان الأذريين والتأكد من عدم عودتهم لأرمينيا وقره باغ، وكان الاغتصاب شكلاً من أشكال العقاب والإهانة وأصبح رمزاً لتلك الحرب، وقد رفضت النساء المغتصبات في خوجالي العودة لأذربيجان وفضلن الموت في السجون الأرمينية.

 وذكر عضو الكونغرس الأميركي إد ويتفيلد في مناقشات الكونغرس أنه "خلال هذا الغزو الدموي قُتل ما يقارب 2000 مدني معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن، بوحشية أو جُرحوا أو أُخذوا رهائن على يد القوات العسكرية الأرمينية أثناء استيلائها على المدينة، وقد أسفر هذا عن أكبر مذبحة في العصر الحديث في القوقاز وحوض بحر قزوين".

"أطفال الذكريات السيئة"

بعد الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994 وصل عدد الأطفال الذين ولدوا لنساء نتيجة الاغتصاب إلى 5 آلاف طفل، وأصبح هؤلاء الأطفال يُعرفون باسم "أطفال الذكريات السيئة"، وواجهت كثير من النساء صعوبة في رعايتهم، وكانت هناك تقارير عن التخلي عنهم وقتلهم.

وتعرضت ما بين 250 ألفاً ونصف مليون امرأة وفتاة للاغتصاب أثناء الإبادة الجماعية، ولاحظ المقرر الخاص المعني برواندا رينيه ديجني سيجوي عام 1996 أن "الاغتصاب كان القاعدة وغيابه هو الاستثناء"، بحسب المقرر الخاص للأمم المتحدة عام 1996.

وغير بعيد عن ذلك مكانياً وزمانياً كان طبيب أمراض النساء دينيس موكويغي في مستشفى بانزي في بوكافو بإقليم جنوب كيفو بجمهورية الكونغو الديمقراطية يعالج عشرات آلاف النساء الناجيات من العنف الجنسي، وفاز بعدها بأعوام بجائزة نوبل للسلام بالمشاركة مع الناشطة العراقية الأيزيدية نادية مراد عام 2018.

وبعد اندلاع القتال في جمهورية الكونغو والتي عُرفت بحرب الكونغو الثانية خلال الفترة ما بين عامي 1998 و2003، مواصلة للحرب الأولى بين عامي 1996 و1997، فر ما يصل إلى 300 ألف شخص جنوباً من العاصمة برازافيل عبر "ممر الموت"، ولكنهم وجدوا أنفسهم محاصرين مرة أخرى، وروت نساء وفتيات تعرضهن للاغتصاب الوحشي من قبل الجنود ورجال الميليشيات وحتى العائدين الآخرين قصصهن، وفي غضون 12 شهراً وثق المستشفى العام في برازافيل أكثر من 1300 تقرير عن حالات اغتصاب، إذ واجه الأطباء هناك صعوبة في التعامل مع أشكال العنف الجنسي، وقدرت دراسة أجراها باحثون في كلية الصحة العامة بجامعة هارفارد عام 2011 أن 48 حالة اغتصاب وقعت كل ساعة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وهذا يعني اغتصاب 1152 امرأة كل يوم.

وفي الـ 25 من سبتمبر (أيلول) 2012 ألقى موكويغي خطاباً أمام الأمم المتحدة ناشد فيه بشدة عدم نسيان "الحرب العالمية في أفريقيا" في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وذكّر بأن النساء الكونغوليات تحملن وطأة هذا الصراع لمدة 16 عاماً وتعرضن للاغتصاب والاستعباد الجنسي والتعذيب.

الهرب من الجحيم

ارتكب تنظيم "داعش" العنف ضد المدنيين في سوريا والعراق بعد بداية الحرب بين التنظيم وإقليم كردستان في شمال العراق عام 2014، وفقاً لتصور انتماء ضحاياهم إلى مجموعات إثنية أو دينية أو سياسية، وتشمل المجموعات المستهدفة الإيزيديين والمسيحيين والتركمان والصابئة المندائيين والكاكائيين والأكراد والشيعة والسُنة الذين يعتقد أنهم ينتمون إلى حكومات بلدانهم، وقد قبض "داعش" على آلاف النساء والفتيات الإيزيديات ونقلوهن قسراً واحتجزوهن في مواقع احتجاز في سوريا وأُجبرن على العيش في ظروف غير إنسانية وتعرضن لمعاملة غير إنسانية ولأشكال مختلفة من العنف الجنسي مثل الاغتصاب والزواج القسري والإتجار بالبشر لأغراض جنسية. وأصدرت السلطات الدينية لـ "داعش" تعليمات للمقاتلين بتفتيش واختيار النساء أو الفتيات الإيزيديات للزواج والاحتفال بهذه الزيجات، وقد نشرت منظمات دولية عدة مثل منظمة العفو الدولية تقرير "الهرب من الجحيم: التعذيب والعبودية الجنسية في أسر داعش في العراق"، عام 2014، وآخر نشرته "هيومن رايتس ووتش" بعنوان "العراق... الهاربون من داعش يصفون عمليات الاغتصاب المنهجي" عام 2015، وتقرير مركز العدالة العالمية "جرائم داعش القائمة على النوع الاجتماعي ضد النساء والفتيات الإيزيديات"، وتقرير متحف الهولوكوست التذكاري الأمريكي، "لقد رحل جيلنا... استهداف داعش الأقليات العراقية في نينوى" عام 2015، وروايات شهود وفيديوهات شراء النساء الإيزيديات في سوق للعبيد، إذ تُظهر الفيديوهات هؤلاء المقاتلين وهم يشرحون كيف يتم تحديد سعر كل امرأة بناء على عمرها وسماتها الجسدية الأخرى.

وأفادت هذه المنظمات ووسائل الإعلام أن جرائم "داعش" المتمثلة في العنف الجنسي ضد النساء والفتيات الأيزيديات تضمنت أنماطاً من العبودية الجنسية والاضطهاد والتعذيب والاغتصاب والمعاملة اللاإنسانية والاعتداء على الكرامة الشخصية.

وفي سياق العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي تعرضت له الأيزيديات فسيكون من الضروري إثبات نية أعضاء "داعش" في تدمير المجتمع الأيزيدي كلياً أو جزئياً على هذا النحو، وبالاقتران مع الأدلة والتحقيقات الرسمية صُنفت ضمن جرائم "الإبادة الجماعية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما استخدم الاغتصاب كتكتيك حرب في نيجيريا وأجزاء من أفريقيا التي كانت تقاتل تنظيم "بوكو حرام" منذ عام 2009، عندما بدأت معركتها للإطاحة بالحكومة النيجيرية، وفي عام 2014 واجهت "بوكو حرام" إدانة دولية عندما اختطفت أكثر من 200 تلميذة من بلدة شيبوك، وقد تبع عمليات الاختطاف العنف الجنسي في وقت الصراع كقضية من قضايا السياسة الدولية.

وروت المختطفات بعد هربهن من المعسكرات التي احتجزهن فيها "الاغتصاب الممنهج وتلقينهن وتحويلهن إلى انتحاريات".

لماذا ينتشر الاغتصاب؟

للإجابة على سؤال لماذا ينتشر الاغتصاب على نطاق واسع خلال كثير من الصراعات، قالت الناشطة في مجال حقوق الإنسان رحاب سعيد إن "هناك كثيراً من الأسباب المحتملة، أولاً قوة الاغتصاب كسلاح حرب لإهانة مجتمع العدو وإضعافه، وثانياً أنه يمكن أن يحدث الاغتصاب بقصد الإبادة الجماعية، وبخاصة في المجتمعات التي تكون فيها الهوية الإثنية محل انتقاص من آخرين، وثالثاً أنه يمكن أن يكون بقصد إحداث حمل بطريقة ممنهجة لمجموعة كبيرة من النساء لتعطيل استمرار إثنية سلالة معينة، ورابعاً أن السحر لدى بعض القبائل يلعب دوراً في انتشار الاغتصاب في مناطق الصراعات، حيث تُشاع اعتقادات بأن اغتصاب النساء يجعل الرجال أقوياء مما يمكنهم من الانتصار في الحرب".

وأضافت سعيد أن "الحرب توفر للرجال طقوساً للتنفيس والترويح إما بإهانة النساء وإشباع رغابتهم أو لامتداد القوة داخل المعركة ولتضخيم للأدوار الجنسانية والذكورة المهيمنة التي تنتقص من قيمة المرأة".

وبالنسبة إلى كثير من النسويات فإن "الاغتصاب كسلاح في الحرب" يوفر وسيلة للتعبير عن الطبيعة المنهجية والمتفشية والمدبرة للعنف الجنسي في زمن الحرب التي تميزه باعتباره جزءاً لا يتجزأ من الحرب وليس عرضياً، وكانت الباحثات النسويات أول من استنتج وجود صلة بين العنف الجنسي وتاريخ الحرب، زاعمات أن الاغتصاب شكل سياسي من أشكال العدوان، بينما ترى وجهات النظر النسوية الراديكالية أن "الاغتصاب هو الأساس عمل عدواني وليس جنسياً، وأن دوافعه ودينامياته تنشأ من العداء وليس الحاجة الجنسية".

من جهتها قالت المستشارة القانونية في "اللجنة الدولية للصليب الأحمر" غلوريا غاجيولي إن "أسباب العنف الجنسي تتعدد، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، ومنها مناخ الإفلات من العقاب الذي يتفشى في النزاعات المسلحة وغياب أوامر وتعليمات واضحة تحظر العنف الجنسي وانتشار الأسلحة الصغيرة والخفيفة التي تستخدم في تهديد الضحايا وزيادة استضعاف ضحايا النزاعات المسلحة النازحين داخلياً والمهاجرين والأرامل".

وأضافت غاجيولي أنه "قد تستخدم أطراف النزاعات المسلحة العنف الجنسي أيضاً لأغراض إستراتيجية أو تكتيكية، وفي كل الحالات يُخلف عواقب وتبعات مدمرة معظمها على الضحايا أنفسهم، بسبب آثاره السلبية البدنية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية، وكذلك على أقارب الضحايا الذين قد يواجهون مشاعر الصدمة والإحساس بالمهانة والذنب لعجزهم عن حماية أقرب أقربائهم، وقد تكون له أيضاً عواقب على المجتمعات المحلية بأكملها حينما تبث مشاعر الخوف والفزع ويدمر النسيج الاجتماعي".

حظر رسمي

من الصعب وضع إحصاءات دقيقة حول حوادث الاغتصاب في الصراعات بسبب مجموعة من الأسباب الاجتماعية والمنهجية، بما في ذلك عدم الإبلاغ عن حالات الاغتصاب على نطاق واسع بسبب الوصمة الاجتماعية المرتبطة بوضع "المرأة المغتصبة" وانهيار البنية الاجتماعية الأساس التي من شأنها أن تساعد في جمع مثل هذه المعلومات، مثل الخدمات الصحية والشرطة والمحاكم والخدمات النفسية الاجتماعية، ولكن الجدل حول دقة إحصاءات الاغتصاب يشكل تشتيتاً يحجب التجارب التي عاشتها النساء والآثار الكارثية التي يخلفها الاغتصاب.

وقد تطورت المواقف تجاه الاغتصاب في الحرب على مدى القرنين الماضيين، من التسليم بالاغتصاب كقدر سيئ إلى الحظر الرسمي ولكن بالقليل من التنفيذ إلى اتجاه حديث نحو المقاضاة، ففي عام 1863 جعل أبراهام لنكولن الاغتصاب من قبل جنود الاتحاد جريمة يعاقب عليها بالإعدام، كما توجد محظورات ضد انتهاك "شرف العائلة" في اتفاق لاهاي عام 1907 واتفاقات جنيف عام 1949، ولكن لا تنص على تجريم الاغتصاب صراحة.

وعلى رغم هذه المحظورات القانونية كان هناك صمت سياسي وشعبي واسع حول الاغتصاب بتبريرات أخذت سمتاً دينياً أو تاريخياً عميق الجذور، تعترض على الاغتصاب ولكن تقبله كأثر جانبي للحرب.

وذكرت "هيومن رايتس ووتش" أن كثيرين رحبوا بالتحركات التي اتخذها المجتمع الدولي لحظر الاغتصاب في الحرب وملاحقته قانونياً، باعتباره خطوة مهمة في مواجهة ثقافة الإفلات من العقاب المحيطة بالاغتصاب في الحرب وإنهاء هذه الممارسة.

وقال المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة أن بعض المدافعين عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة يأملون في أن يكون لترسيخ مكانة المرأة كشخصية قانونية في القانون الدولي تأثير إيجابي على مكانة المرأة في الولايات القضائية الوطنية، مما يؤدي إلى مكاسب لاحقة في مجال حقوق المرأة على نطاق أوسع.

جريمة حرب

خلال تسعينيات القرن الماضي نجحت المحكمتان الجنائيتان الدوليتان لرواندا ويوغوسلافيا السابقة في مقاضاة الأفراد بتهمة الاغتصاب الجماعي، كما عمل نظام روما لعام 1998 للمحكمة الجنائية الدولية، الذي دخل حيز التنفيذ عام 2002، على تدوين الاغتصاب وغيره من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي مثل العبودية الجنسية والحمل القسري، باعتبارهما جريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب.

وسجلت أحكام المحكمة الرواندية الاغتصاب باعتباره أداة للإبادة الجماعية خصوصاً عندما يقترن بأدلة على النية العنصرية المحددة التي شكلت جوهر التعريف القانوني للإبادة الجماعية، وكان القضاة في قضية الإبادة الجماعية في أكايسو برواندا قد قرروا أن "استخدام لغة مهينة تجاه المجموعة المستهدفة" يوفر "دليلاً كافياً على النية".

وكذلك ظهر الاغتصاب باعتباره تكتيكاً حربياً في بيان صادر عن الأمم المتحدة أوضح أن "العنف الجنسي أثناء الصراعات أثبت فعاليته العالية في تحطيم معنويات العدو، خصوصاً عندما تغتصب النساء في الأماكن العامة أو عندما يجبر إجبار الأقارب المشاركة، كما أن العنف الجنسي المنتشر والمنهجي يعوق التعافي المستدام بعد الصراع".

وأورد البيان أنه ذلك الفعل "يقوض الاستقرار الاجتماعي من خلال تدمير الأسر والمجتمعات، وأن الخوف من العنف الجنسي يقيد النساء عن الحركة مما يدفعهن إلى التراجع عن النشاط الاقتصادي، ويدفع الفتيات إلى البقاء في المنزل وعدم الذهاب إلى المدرسة، وعندما يفلت مرتكبو العنف الجنسي من العقاب فإن الجهود المبذولة لترسيخ الثقة في قدرة الدولة على حماية مواطنيها وإرساء سيادة القانون تتقوض بشكل خطر".

 إن جرائم العنف الجنسي تمثل بعضاً أو كل العناصر السياقية لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، كما عرفت في "نظام روما الأساس"، ويُؤخذ "نظام روما الأساس" هنا كمرجع على رغم أن التشريعات المحلية لكل بلد قد يكون لها تعريف لكل من هذه الجرائم، والذي قد يختلف قليلاً عن التعريفات الواردة في "نظام روما الأساس" بأن العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي يرقى إلى مستوى جرائم الحرب المادة (8) ، وأية مجموعة مدنية لا تشارك في الأعمال العدائية التي تجري في أراضي الحرب فهي محمية بموجب القانون الإنساني الدولي.

وترتبط جرائم العنف الجنسي الذي يرقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية، (7) من "نظام روما الأساسي" بالصراع المسلح الدائر، لأنها تُرتكب في إطار تعزيز سياسة ما.

المزيد من تحقيقات ومطولات