Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يحل اليورانيوم مشكلة الطاقة في العالم؟

زيادة التوليد بالمفاعلات النووية ترفع أسعار المعدن المشع

يبقى التحدي الأساس في عملية استخراج اليورانيوم وتنقيته عبر معالجات عدة ليصبح وقوداً نووياً (أ ف ب)

ملخص

تعد روسيا أكبر مراكز تخصيب اليورانيوم في العالم إذ تهيمن على 44 في المئة من قدرات التخصيب و22 في المئة من عمليات التحويل

اليورانيوم هو واحد من أثقل العناصر الطبيعية على الأرض ويحمل في جداول المعادن الرقم (92) لأن بذراته هذا العدد من الإلكترونات وعدداً مماثلاً من البروتونات، وهناك عدد من النظائر للمعدن تحمل أرقاماً مختلفة وفق عدد النيوترونات في ذرته، أشهرها "اليورانيوم-238" الذي يمثل القدر الأكبر من اليورانيوم الموجود على الأرض. ويعد اليورانيوم عنصراً مشعاً يطلق جزيئات ألفا ببطء، ويستغرق خموله أعواماً طويلة جداً قد تصل إلى أكثر من أربعة مليارات عام، لذا يستند إليه الأثريون وعلماء الأنثروبولجيا في تحديد عمر المناطق والآثار على الكوكب.

صحيح أن تكوّن عنصر اليورانيوم في الطبيعة يأخذ وقتاً طويلاً، سواء في الأرض أو في البحر، لكنه بحسب منظمة الطاقة النووية عنصر مستدام يجري تجدد مخزونه بالقدر ذاته من معدل استخدامه، ويذهب بعض المحللين إلى أن اليورانيوم كمصدر للطاقة مستدام بما لا يقل عن الشمس والرياح، ويبقى التحدي في عملية استخراجه وتنقيته عبر معالجات عدة ليصبح وقوداً نووياً.

إذا كان اليورانيوم مرتبطاً في الأذهان بالأسلحة النووية المدمرة، بعد اكتشاف العلماء كميات الطاقة الهائلة من انشطار ذراته، إلا أن استخداماته في صالح البشرية كان يسير بصورة موازية، وبخاصة في الطب وغيره، وأخيراً، وفي ظل بحث العالم عن سبل مكافحة التغيرات المناخية باستخدام مصادر طاقة "نظيفة"، أي عديمة الانبعاثات الكربونية، نشهد توسعاً في محطات الطاقة التي تعمل بالوقود النووي.

الطاقة النووية

على مدى العقدين الأخيرين استثمر العالم نحو 10 تريليونات دولار في مصادر الطاقة المستدامة المتجددة المنخفضة أو المعدومة الانبعاثات الكربونية في سياق جهود مكافحة التغيرات المناخية، وكان التركيز على توليد الكهرباء من الشمس والرياح للتحول إلى الطاقة النظيفة، وذلك على رغم أن تلك الاستثمارات الهائلة والتطورات التكنولوجية المستمرة لم تلب الطاقة من المصادر المتجددة سوى نسبة أربعة في المئة من الطلب العالمي على الطاقة بحسب بيانات منظمة "أوبك" وغيرها.

كانت محطات الطاقة التي تعمل بالوقود النووي تتركز في الدول المتقدمة والاقتصادات الكبرى، مثل فرنسا والسويد في أوروبا إضافة إلى الولايات المتحدة وروسيا واليابان وغيرها، لكن في العقدين الأخيرين، ومع دعوات التحول في مجال الطاقة، إضافة إلى تطور اقتصادات الدول الصاعدة، بدأت دول كثيرة تسعى إلى إقامة المفاعلات النووية لتوليد الطاقة الكهربائية، لذا زاد الطلب على اليورانيوم، سواء الخام المستخرج من المناجم في الدول الغنية به أو المعالج والمخصب الذي تخصب غالبيته في روسيا تقليدياً.

وفي منطقتنا، بدأت الإمارات تشغيل أربع محطات طاقة نووية قرب أبوظبي على الخليج، فيما تخطط السعودية لبناء عدد من محطات الطاقة النووية، وكذلك بدأت مصر في بناء محطات طاقة نووية على ساحلها الشمالي، وتلك مجرد نماذج لزيادة الإقبال على توليد الطاقة بمفاعلات نووية تعمل بالوقود الذي يأتي من نظائر اليورانيوم أساساً.

وبدأت دول كثيرة، صاعدة ونامية، تطوير تعدين اليورانيوم وجلب التكنولوجيا لاستخراجه من مناجم في أراضيها لا تزال بكراً كما في السعودية وموريتانيا، أو تطوير المناجم الحالية كما في النيجر التي تضم نحو خمسة في المئة من مخزون العالم من اليورانيوم الخام في أراضيها، وكازاخستان التي تضم نحو 12 في المئة من احتياطات اليورانيوم العالمية.

الأسعار والتوترات الجيوسياسية

وتعمل الدول المتقدمة التي لديها مناجم للمعدن المشع ومفاعلات لتوليد الطاقة بالوقود النووي، إلى جانب الاستخدامات الأخرى، مثل الولايات المتحدة وروسيا وغيرها على تطوير أجيال جديدة من المفاعلات النووية لمحطات الطاقة، وهناك أيضاً جهود تكنولوجية متواصلة من دول مثل كوريا واليابان والصين وغيرها، كما أن دولاً عدة بدأت تطور عمليات التخصيب الخاصة بها، مثل باكستان وإيران، فضلاً عن تنافس غير مباشر على احتياطات بكر من المعدن المشع في دول فقيرة مثل ما في أراضي أفغانستان.

ويتوقع كثير من المحللين والمعلقين أن يرتفع الطلب على اليورانيوم وعلى تخصيبه في الأعوام المقبلة مع زيادة التحول إلى الطاقة النووية، في ظل شبه تشبع توليد الطاقة من المصادر المستدامة الأخرى، وأدى ذلك إلى ارتفاع أسعار اليورانيوم في أشكاله المختلفة، من "الكعكة الصفراء" (المستخرج الأول المعالج من التعدين لفصل اليورانيوم عن الشوائب الأخرى في المنجم) وحتى أصابع الوقود للمفاعلات النووية.

نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" هذا الأسبوع تقريراً حول الارتفاع الكبير في أسعار اليورانيوم منذ بدء الحرب في أوكرانيا عام 2022، مع القيود الغربية المفروضة على روسيا، التي تعد أكبر مراكز تخصيب المعدن في العالم، إذ تهيمن على نسبة 44 في المئة من قدرات التخصيب العالمية، ونسبة 22 في المئة من عمليات تحويل اليورانيوم، ومن بين الدول التي لديها قدرات تحويل وتخصيب اليورانيوم إلى جانب روسيا الولايات المتحدة وفرنسا وكندا والصين.

على مدى العامين الأخيرين تضاعف سعر اليورانيوم المخصب ثلاث مرات ليصل إلى 176 دولاراً لوحدة الفصل العملية (وحدة قياس جهد عزل نظائر اليورانيوم) بحسب بيانات شركة "يو أكس سي".

أما سعر غاز سداسي فلوريد اليورانيوم (وهو الغاز الذي تحول إليه الكعكة الصفراء ثم يكثف ليصبح أصابع الوقود للمفاعلات)، فتضاعف أربع مرات في تلك الفترة ليصل إلى 68 دولاراً للكيلوغرام. وبحسب كثير من المراقبين، فإن سلاسل الإمداد في مجال تحويل اليورانيوم وتخصيبه كانت الأكثر تضرراً من التوترات الجيوسياسية، وبخاصة حرب أوكرانيا والعقوبات على موسكو.

الاستثمار في التعدين

كل تلك العقبات، وعلى رغم ارتفاع الأسعار، أدت إلى تراجع هامش الأرباح للشركات التي تعمل في تعدين اليورانيوم مثل شركة "أورانو الفرنسية" وشركة "يورنكو الألمانية البريطانية الهولندية". وتحتاج تلك الشركات إلى الاستثمار بكثافة في عمليات الاستكشاف والاستخراج والفصل الأولي للمعدن المشع كي تتمكن من تلبية الطلب العالمي المتزايد، وعلى سبيل المثال، أعلنت شركة "أورا إنرجي" الأسترالية أخيراً عن زيادة عمر منجم اليورانيوم التابع لها في موريتانيا من 17 إلى 25 عاماً، متوقعة زيادة الإنتاج منه بنسبة 44 في المئة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي ورقة بحثية مطلع هذا العام حذر معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية الفرنسي من أن العالم يمكن أن يكون متجهاً نحو أزمة نقص في اليورانيوم، وذلك مع ارتفاع الطلب نتيجة منحى توليد الطاقة من محطات نووية وأيضاً عدم الاستثمار بالقدر الكافي في التعدين ومشكلات سلاسل توريد عمليات التحويل والتخصيب، إلا أن الورقة اعتمدت إلى حد كبير على بيانات ومعلومات وكالة الطاقة الدولية التي تقود حملة على الوقود الأحفوري ضمن سيناريو "صفر كربون"، لذا تضخم أحياناً من مشكلات مصادر الطاقة المتجددة النظيفة لحث العالم على الاستثمار فيها بدلاً من النفط والغاز.

وإذا كانت الشركات الغربية تتردد في الاستثمار بكثافة في تعدين اليورانيوم، وتتحسب للكلفة المتزايدة لعمليات التحويل والتخصيب مما يقلل هامش الربح فإن دولاً مثل الصين تستثمر بكثافة باستمرار في تطوير تكنولوجيا التعدين، كما في مناجمها بناميبيا وغيرها وأيضاً في عملية الفصل للمعدن من الشوائب لإنتاج "الكعكة الصفراء".

يبقى هناك جانب مهم لم يسبر غوره بعد وهو استكشاف اليورانيوم واستخراجه من البحار، ومع أن ذلك قد يبدو استثماراً عالي الكلفة لكن تطوير التكنولوجيا للوصول إلى رواسب المعدن الهائلة تلك قد يجعلها فعالة اقتصادياً على المدى الطويل.

اقرأ المزيد