Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

النيجر تطارد "أشباح فرنسا" في شوارعها

يقول ناشطون إن الهدف محو آثار الماضي الاستعماري وتعزيز شرعية المجلس العسكري بين السكان

حملة واسعة تستهدف استبدال أسماء الشوارع والساحات والميادين الفرنسية بأخرى وطنية وأفريقية في النيجر (أ ف ب)

ملخص

-"قرار المجلس العسكري الأخير في شأن استبدال أسماء الشوارع والميادين الفرنسية بأخرى وطنية وأفريقية يعد قراراً رمزياً من أجل إضفاء الشرعية من قبل الناس على المجلس".

-هناك عوامل من شأنها أن تقوض ثقة النيجريين في قدرة الحكام الجدد على إدارة البلاد على رغم صمودهم بوجه العقوبات الإقليمية والدولية

في خطوة تكرس القطيعة المستمرة بين الطرفين منذ نحو عام باشر المجلس العسكري في النيجر حملة واسعة تستهدف استبدال أسماء الشوارع والساحات والميادين الفرنسية بأخرى وطنية وأفريقية.

وقال وزير الشباب والرياضة النيجري الكولونيل ميجور عبدالرحمن أمادو، إن "معظم طرقنا وشوارعنا تحمل أسماء تذكر ببساطة بما عاناه شعبنا خلال محنة الاستعمار، فالشارع الذي يحمل اسم الجنرال شارل ديغول أصبح الآن يسمى شارع جيبو باكاري وهو سياسي نيجري كان مؤيداً للاستقلال الذي تحقق عام 1960".

وغيرت السلطات في نيامي اسم المركز الثقافي الثنائي الفرنسي – النيجري إلى مصطفى الحسن وهو سينمائي نيجري ذائع الصيت، كما تم استبدال نصب تذكاري للقائد والمستكشف الفرنسي بارفيه لويس مونتيل المنحوت على الحجارة منذ عقود في العاصمة، بلوحة تذكارية بصورة رئيس بوركينا فاسو السابق توماس سانكارا الذي قتل في انقلاب عام 1987.

قرار رمزي لإضفاء شرعية

وتأتي خطوات المجلس العسكري في النيجر الجديدة ضد فرنسا، في وقت تستعر الأزمة السياسية والاجتماعية في النيجر خصوصاً في ظل استمرار القطيعة مع دول الجوار بسبب الانقلاب الذي شهدته البلاد العام الماضي.

وفي الـ25 من يوليو (تموز) 2023 قام قائد الحرس الرئاسي عبدالرحمن تياني، بانقلاب عسكري عزل من خلاله الرئيس المنتخب ديمقراطياً محمد بازوم في خطوة لقيت ترحيباً شعبياً كبيراً إذ مهدت الطريق لطرد القوات الفرنسية من البلاد شأنها شأن البعثة الدبلوماسية لباريس.

وقال الباحث السياسي النيجري موسى تشانغاري، إن "قرار المجلس العسكري الأخير في شأن استبدال أسماء الشوارع والميادين الفرنسية بأخرى وطنية وأفريقية يعد قراراً ذا قيمة رمزية من أجل إضفاء الشرعية من قبل الناس على المجلس".

وأوضح تشانغاري في حديث إلى "اندبندنت عربية" أن "التوترات مع فرنسا تساعد في النيجر على إضفاء شرعية على المجلس العسكري من قبل قطاعات واسعة من الناس، وعلى رغم ذلك فإنه لا يمكن القول إن العلاقات بين باريس ونيامي قد وصلت إلى نقطة اللاعودة".

وتابع أن "هذا النهج أي إلهاء الناس بالمشكلات والتوترات مع فرنسا لا يمكن أن يصمد كثيراً لعديد من الاعتبارات أهمها أن لدى المواطنين في النيجر مشكلات ملموسة ويتوقعون حلولاً لها، لذلك لا يمكنهم الاستمرار في دعم هذا التصعيد أو الاقتناع بضرورة القيام به تجاه فرنسا".

واستنتج تشانغاري أن "من بين المشكلات الوضع الأمني الذي لا يزال هشاً ولا يشهد أي تحسن، لذلك أعتقد أن مثل هذه التحركات لن تساعد المجلس العسكري طويلاً".

وتأتي هذه الخطوة في خضم أزمة حادة تعرفها النيجر بالفعل حيث يتصاعد التوتر بين رئيس المجلس العسكري، عبدالرحمن تياني، وزعيم "القوات المسلحة الحرة" وهي ميليشيات محلية تأسست في أعقاب انقلاب 2023 ريسا أغ بولا.

كما تشهد البلاد تنامياً لنشاط الجماعات المتمردة والمتطرفة، ناهيك بالأزمة المستمرة مع بنين المجاورة في ظل غلق الحدود بين البلدين، كلها عوامل من شأنها أن تقوض ثقة النيجريين في قدرة الحكام الجدد على إدارة البلاد على رغم صمودهم بوجه العقوبات الإقليمية والدولية.

بادرة تحد

ويعتقد المؤرخ الفرنسي والباحث السياسي رولان لامباردي، أن "مبادرة المجلس العسكري في النيجر لإعادة تسمية الشوارع والميادين الفرنسية تعد عملاً رمزياً يندرج في إطار استراتيجية أوسع للقطيعة مع المستعمر السابق، فرنسا".

وأضاف لامباردي في تصريح خاص أن "تغيير الأسماء هذا هو في المقام الأول بادرة تحد، تهدف إلى إظهار الاستقلال الوطني والابتعاد عن النفوذ التاريخي والثقافي الفرنسي، إنها شكل من أشكال حرب الرموز التي تهدف إلى محو آثار الماضي الاستعماري الذي ينظر إليه على أنه مهين، وتعزيز شرعية المجلس العسكري بين سكان النيجر، الذين غالباً ما يكونون حساسين لرموز السيادة ورفض الاستعمار الجديد".

ولفت المتحدث إلى أنه "لا يمكن إنكار أن العلاقات بين فرنسا والنيجر وصلت إلى نقطة التوتر الشديد، ومع ذلك فإن الحديث عن نقطة اللاعودة يتطلب تحليلاً أكثر دقة وعمقاً".

طريق مسدود

والخطوات الرامية إلى القطع مع كل ما هو فرنسي في النيجر ليس وليد اللحظة، على رغم أن الحملة الحالية هي الأشرس، إذ سارعت السلطات الجديدة للبلاد الواقعة في الساحل الأفريقي العام الماضي إلى تغيير النشيد الوطني الرسمي الذي كتبه الملحن الفرنسي، موريس ألبير تيرييه عام 1961.

وفي العاصمة نيامي، قامت السلطات في الأيام الماضية بتغيير اسم ساحة الفرنكوفونية وهي ساحة شهيرة باسم "ساحة تحالف الساحل الجديد"، في إشارة إلى تجمع إقليمي ثلاثي بات يجمع مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وهي دول شهدت انقلابات عسكرية صعدت بقادة وحكام مناهضين لفرنسا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال حاكم نيامي وهو من أبرز رموز السلطات العسكرية، عثمان هارونا، معلقاً على قرار حكومة بلاده الأخير "من هنا فصاعداً، سنكرم أسلافنا".

ويشير بذلك هارونا إلى تحويل السلطات نصباً تذكارياً في العاصمة يحمل اسم "ضحايا الحربين العالميتين الأولى والثانية" إلى آخر يحمل اسم "جميع الضحايا المدنيين والعسكريين للاستعمار".

وأطلت المشاعر المناهضة لفرنسا، المستعمر السابق للنيجر، برأسها في أعقاب الانقلاب الذي نفذه تياني وقواته في يوليو 2023 مما حفز السلطات الجديدة على اتخاذ إجراءات تهدف إلى القطيعة مع باريس.

وقال رئيس أحد مراكز البحوث الاستراتيجية عبدالصمد ولد امبارك، إن "هذا الإجراء من السلطات الجديدة في النيجر يحمل أكثر من دلالة في استرجاع السيادة الوطنية وتكريس الدولة الوطنية القوية الجديدة التي جسدت في الرؤية الجديدة للسلطات، التي ترى أنه يجب القطع مع الامتداد وتوريث الاستعمار والعلاقات التي كانت قائمة مع فرنسا وهي علاقات تجسد التبعية".

وشدد ولد امبارك في تصريح خاص على أن "الوضع بين السلطات الجديدة في النيجر والحليف التقليدي، فرنسا، وصلت إلى طريق مسدود ونقطة اللاعودة إلى مسارها الطبيعي، من ثم هناك استقصاء لجذور هذه العلاقات من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتراثية كذلك".

وخلص المتحدث إلى أن "القرار الأخير يجسد قطيعة تامة مع الحليف السابق".

وفي خضم ما آلت إليه العلاقات الراهنة من توتر بلغ حد قطع كل الصلات بين فرنسا والنيجر، فإن الغموض يلف بالفعل مصير هذه العلاقات لا سيما أن باريس لم تفقد نفوذها فقط في نيامي بل أيضاً في وأوغدوغوا وباماكو، وهي مناطق باتت خاضعة للنفوذ الروسي بصورة متزايدة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير