ملخص
اشتكى المستشار الإعلامي لوكالة "أونروا" من تقليص إسرائيل عدد شاحنات المساعدات التي تدخل قطاع غزة منذ بداية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وإدخال نحو 30 شاحنة يومياً فقط، وتلك الكميات تكفي 5 في المئة من حاجات قطاع غزة، بحسب أبو حسنة، الذي أصبح سكانه "لا يتناولون إلا الرز والعدس".
تقدم الوكالة منذ 15 عاماً كشفاً سنوياً لإسرائيل وللدول المضيفة للوكالة بأسماء موظفيها، ولم يحدث أن قدمت تل أبيب أية ملاحظة حولهم.
يدخل قرار إسرائيل القاضي بحظر وكالة "أونروا" ومنع التعامل معها حيز التنفيذ نهاية يناير (كانون الثاني) 2025، ولا تزال الوكالة تشدد على "ألا بديل عنها باعتبارها شريان الحياة لملايين اللاجئين الفلسطينيين".
وأخطرت إسرائيل الأسبوع الماضي الأمم المتحدة رسمياً بوقف التعامل مع الوكالة التي أسست منذ 75 عاماً لتقديم الخدمات الصحيّة والتعليمية والإغاثية للاجئين الفلسطينيين، وذلك إثر إقرار الكنيست الإسرائيلي نهاية الشهر الماضي قانونين يحظران عمل الوكالة في إسرائيل ويمنعان التواصل معها.
وتأسست الوكالة بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (302)، وتجدد المنظمة ولايتها كل ثلاثة أعوام، وبعد احتلال إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، تبادلت تل أبيب والوكالة رسائل شكلت أساساً للعلاقة بين الجانبين أطلق عليها "اتفاق كوماي" بعد أيام من انتهاء الحرب، وكانت الرسائل بين المفوض العام للوكالة حينها لورانس ميشيلمور والمستشار السياسي لوزير الخارجية الإسرائيلي مايكل كوماي.
مراعاة القواعد
وأشار كوماي في تلك الرسائل إلى أنه "بناء على طلب حكومة إسرائيل فستواصل 'أونروا' مساعدتها اللاجئين الفلسطينيين بالتعاون الكامل من السلطات الإسرائيلية في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة"، موضحاً أن "حكومة إسرائيل ستسهل مهمة 'أونروا' بأفضل ما في وسعها، مع مراعاة القواعد أو الترتيبات التي قد تقتضيها اعتبارات الأمن العسكري".
ولكن بعد 58 عاماً ألغت إسرائيل تلك التعهدات وحظرت عمل الوكالة في القدس التي يقع فيها المقر العام للوكالة، كما حظرت تعامل أجهزتها الرسمية معها، وتحتاج الوكالة إلى التعامل والتنسيق المباشرين مع السلطات الإسرائيلية للقيام بمهماتها في قطاع غزة والضفة الغربية بسبب وقوعهما تحت سيطرة إسرائيل.
وقال المستشار الإعلامي لوكالة "أونروا" عدنان أبو حسنة إن تنفيذ القانونين سيؤدي إلى "وقف عمليات 'أونروا' في الضفة الغربية، بما فيها القدس وقطاع غزة، وسيكون لذلك تأثير كارثي في مليوني فلسطيني داخل القطاع".
وبحسب أبو حسنة فإن "أونروا" تشكل "شريان الحياة للفلسطينيين في قطاع غزة، وتتولى المسؤولية عن 90 في المئة من العمليات الإنسانية داخل القطاع".
ويعمل في الوكالة أكثر من 18 ألف شخص داخل الأراضي الفلسطينية عبر المجالات الصحية والإغاثية والتعليمية، وتمتلك البنية التحتية اللازمة للقيام بذلك، ولهذا شدد أبو حسنة على أنه "لا يوجد بديل عنها، ولا تستطيع أية وكالة تابعة للأمم المتحدة القيام بدورها"، مشيراً إلى أن "التجربة خلال العام الماضي في القطاع أثبتت أنه لا يمكن الاستغناء عن الوكالة"، لكن أبو حسنة أشار إلى أن البديل عن ذلك هو أن "يتحمل الجيش الإسرائيلي مسؤولية تقديم الخدمات الإغاثية والصحية والتعليمية لملايين اللاجئين الفلسطينيين، وإعادة الاحتلال المدني للقطاع وليس العسكري فقط".
ووصف المستشار الإعلامي للوكالة محاولات حظر "أونروا" بـ "غير الواقعية، فهي تقوم بتقديم خدماتها مباشرة إلى الفلسطينيين عبر مقارها ومدارسها"، وضرب مثالاً على ذلك بأن موظفي "أونروا" هم من قاموا بتطعيم الأطفال في قطاع غزة ضد فيروس شلل الأطفال خلال الأسابيع الماضية، مضيفاً أن "أكثر من 6.5 مليون فلسطيني في قطاع غزة تلقوا خدمات علاجية من موظفي الوكالة العام الماضي".
العمود الفقري
لكن إسرائيل تقلل من أهمية الدور الحيوي للوكالة، مشيرة إلى أن جزءاً من المساعدات فقط يصل إلى القطاع من طريق "أونروا"، وقالت الخارجية الإسرائيلية إنها "ستواصل تسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بطريقة لا تمس بأمن مواطني إسرائيل".
وكشف أبو حسنة عن استمرار التواصل بين السلطات الإسرائيلية و"أونروا"، لكنه حذر من أن قطعه "سيؤدي إلى كارثة إنسانية لأن موظفي الوكالة موجودون على معبر كرم أبو سالم بين إسرائيل وقطاع غزة لتنسيق إدخال المساعدات، ويتولون توزيعها بعد ذلك".
وفيما رفض مجلس الأمن الدولي حظر إسرائيل التعامل مع وكالة "أونروا" ومنع عملها في إسرائيل، مشيراً إلى أنها تظل العمود الفقري لجميع الاستجابات الإنسانية في غزة، وأنه لا يمكن لأية منظمة أن تحل محل أو تستبدل قدرة "أونروا"، حذّر في بيان "من أية محاولات لتفكيك أو تقليص عمل 'أونروا' وتفويضها، ومن عواقب ذلك الوخيمة على ملايين اللاجئين"، وكذلك حث الحكومة الإسرائيلية على "الامتثال لالتزاماتها الدولية واحترام امتيازات وحصانات الوكالة، والوفاء بمسؤولياتها في السماح بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية بجميع أشكالها إلى قطاع غزة وفي جميع أنحائه بصورة كاملة وسريعة وآمنة من دون عوائق".
وعن جهود وكالة "أونروا" لاستكمال عملها داخل الأراضي الفلسطينية، قال أبو حسنة إن "موقف دول العالم الرافض للخطوة الإسرائيلية غير مسبوق، فواشنطن وموسكو وبكين توافقت على ضرورة استمرار عمل الوكالة".
ووفق أبو حسنة فإن الجهود الحالية تتركز على "إقناع الكنيست الإسرائيلي بالتراجع عن القانونين، وهو أمر في غاية الصعوبة بسبب الإجماع في إسرائيل عليهما"، والخيار الثاني، كما يشير أبو حسنة، هو "تجميد تنفيذهما كما حصل مع قوانين إسرائيلية أخرى"، لأنه لا أحد يستطيع تحمل نتائج حظر عمل "أونروا".
لكن خبراء قانونيين أشاروا إلى أن القانونين لا يوجد فيهما ما ينص على إمكان تجميدهما، واستبعدوا إمكان تدخل المحكمة العليا الإسرائيلية بسبب الإجماع على القانونين في إسرائيل، وبموجب القانون الأول فإنه "يُحظر على أية سلطة من سلطات الدولة الإسرائيلية، بما في ذلك جهات ومؤسسات وأفراد، إقامة أي تواصل مع 'أونروا' أو أية جهة من طرفها".
كما يمنع القانون الثاني "أونروا" من إقامة أو تشغيل أية ممثلية لها، أو تقديم أية خدمات بصورة مباشرة أو غير مباشرة في المنطقة السيادية لإسرائيل، في إشارة للمقر العام لـ "أونروا" وسط القدس.
وتمنح إسرائيل موظفي الوكالة الأجانب تأشيرات لدخول إسرائيل والأراضي الفلسطينية، وقد رفضت خلال الأشهر الماضية السماح للمفوض العام للوكالة فيليب لازيريني بدخول القدس وغزة.
وتعتمد الوكالة على مصرف إسرائيلي في تعاملاتها المالية، لكن القانونين الإسرائيليين لا يدعون المؤسسات الخاصة إلى حظر التعامل معها ولم يعتبروها منظمة إرهابية، ومنذ أشهر تتجاهل إسرائيل التواصل مع وكالة "أونروا" وتتعامل مع مكتب الأمين العام للأمم المتحدة لإيصال الرسائل إلى الوكالة الأممية.
ويرى أبو حسنة في ذلك "نهجاً إسرائيلياً درجت عليه تل أبيب، ونوعاً من التجاهل للوكالة"، وحول اتهامات إسرائيل لها "بتشغيل موظفين ارتكبوا عمليات إرهابية"، رفض أبو حسنة هذه الاتهامات مشيراً إلى أن إسرائيل لم "تقدم أي دليل على ذلك، وأن لجان التحقيق التي شكلتها الأمم المتحدة أثبتت خطأ ذلك، فالوكالة تقدم منذ 15 عاماً كشفاً سنوياً لإسرائيل والدول المضيفة للوكالة بأسماء موظفيها، ولم يحدث أن قدمت تل أبيب أية ملاحظة حولهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ضياع جيل كامل
وعلى رغم أن الوكالة أصبحت منذ بداية الحرب على قطاع غزة تقدم المساعدات الغذائية والطبية لفلسطينيي القطاع كافة، لكنها كانت قبل الحرب مسؤولة عن نحو 80 في المئة منهم باعتبارهم لاجئين، ويدرس في مدارسها داخل القطاع 300 ألف طالب من أصل 600 ألف، فيما يذهب إلى مدارس الوكالة في الضفة الغربية نحو 50 ألفاً.
وحذر أبو حسنة من "انهيار المنظومة التعليمية وضياع جيل كامل واتجاهه نحو التطرف، فغياب 'أونروا' يعني التطرف"، مضيفاً أن المناهج التعليمية للوكالة تتضمن مواد حول الديمقراطية وحقوق الإنسان.
واشتكى المستشار الإعلامي لوكالة "أونروا" من تقليص إسرائيل عدد شاحنات المساعدات التي تدخل قطاع غزة منذ بداية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وإدخال نحو 30 شاحنة يومياً فقط، حيث لا تكفي تلك الكميات خمسة في المئة من حاجات قطاع غزة، بحسب أبو حسنة، الذي أصبح سكانه "لا يتناولون إلا الرز والعدس".
ووصف أبو حسنة الأوضاع في القطاع بأنها "الأسوأ منذ بداية الحرب قبل أكثر من 400 يوم"، وحول الوضع في محافظة شمال قطاع غزة التي تشن عليها إسرائيل حملة عسكرية وتفصلها عن مدينة غزة، حذر أبو حسنة من وصول 100 ألف فلسطيني فيها إلى "المجاعة الحقيقية"، وقال إن إسرائيل "ترفض منذ 38 يوماً السماح بإدخال شاحنات غذائية، لكنها أدخلت مساعدات طبية إلى مستشفيات المحافظة".