ملخص
"لا يمكن لتونس لوحدها معالجة أزمة المهاجرين الأفارقة ويجب اللجوء إلى إنشاء مدونة سلوك عالمية تنظر إلى هذه الأزمة بمقاربات جديدة وتوفر لها حلولاً جذرية لأن المعضلة تتفاقم".
تراهن تونس التي تئن تحت وطأة كثير من الأزمات الاجتماعية والاقتصادية على العودة الطوعية للمهاجرين غير النظاميين الذين يتحدرون من جنسيات أفريقية من أجل حل معضلة هؤلاء.
وفتح الرئيس التونسي قيس سعيد هذا الملف مجدداً خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي، حيث دعا إلى "ضرورة مضاعفة العمل على المستوى الدبلوماسي لتأمين العودة الطوعية للمهاجرين غير النظاميين الموجودين على التراب التونسي إلى بلدانهم الأصلية في أقرب الأوقات".
وتابع سعيد الذي فاز قبل أسابيع قليلة بولاية رئاسة ثانية أن بلاده "قدمت كل ما يمكن تقديمه بناء على القيم الإنسانية وتحملت كثيراً من الأعباء ولا يمكن أن يتواصل الوضع على ما هو عليه".
ليست آلية ناجعة
وإثر اجتماع مجلس الأمن القومي بساعات، سارع وزير الخارجية التونسي محمد علي النفطي إلى عقد لقاء مع رئيس منظمة الهجرة الدولية التي لا تتوانى منذ أعوام عن قيادة معظم عمليات العودة الطوعية للمهاجرين غير النظاميين.
وذكر بيان لوزارة الشؤون الخارجية التونسية أن اللقاء تناول "وضعية المهاجرين المقيمين بصفة غير نظامية التي تستدعي تكثيف الجهود ومضاعفتها من أجل تطوير نسق التعاون القائم مع المنظمة الدولية للهجرة التي دأبت على تأمين العودة الطوعية لهؤلاء المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية".
وقال النائب البرلماني التونسي السابق المقيم في إيطاليا مجدي الكرباعي إن "العودة الطوعية للمهاجرين غير النظاميين الموجودين في تونس بحسب القانون لا تتكفل بها الدولة التونسية، وأصلاً لا توجد موازنة مخصصة من أجل تأمين العودة الطوعية وهو أمر بكل تأكيد يطرح تساؤل من يتكفل بهذه العودة؟، هما منظمتان إما المفوضية العليا لشؤون اللاجئين أو المنظمة الدولية للهجرة".
وأوضح الكرباعي في حديث إلى "اندبندنت عربية" أن "المنظمة الدولية للهجرة مثلاً كشفت عن أنه حتى يوليو (تموز) الماضي هناك نحو 4100 مهاجر غير نظامي طلبوا العودة الطوعية لبلدانهم وكذلك رصدت إيطاليا أموالاً لهذه المنظمات من أجل تسريع العودة الطوعية".
وشدد على أن "الهيكل المسؤول عن مهمة إعادة المهاجرين بصورة طوعية إلى دولهم هو المنظمة الدولية للهجرة التي حتى بغياب اتفاقات بين تونس والدول الأفريقية في هذا الشأن، فإن هذه المنظمة قادرة على تسهيل العودة".
واستدرك الكرباعي قائلاً "4100 مهاجر يطلبون العودة الطوعية من يناير (كانون الثاني) الماضي حتى يوليو، وهو رقم يُعدّ ضئيلاً جداً مقارنة بعدد المهاجرين الموجودين في البلاد الذين تم منعهم من العبور نحو الضفة الأخرى من المتوسط، بالتالي لن تكون آلية ناجعة في اعتقادي للقضاء على الهجرة أو حتى تخفيف ضغط المهاجرين في تونس".
أعسر قضية
وعام 2023، أمنت منظمة الهجرة الدولية العودة الطوعية لنحو 2557 مهاجراً من تونس إلى دولهم الأصلية على متن رحلات جوية، مما يشكل زيادة بنسبة 45 في المئة عن عام 2022.
ولا تتوقف مهمة المنظمة عند هذا الحد، إذ تعمل بعد إعادة هؤلاء المهاجرين إلى دولهم على تقديم المساعدات المخصصة لإعادة إدماجهم في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والنفسية.
وفي يناير من عام 2023، أطلق الاتحاد الأوروبي برنامجاً بدا طموحاً لحماية المهاجرين وإعادة إدماجهم في منطقة شمال أفريقيا، لكن مثل هذه البرامج لا تزال تواجه انتقادات حادة.
واعتبر الباحث السياسي التونسي بوبكر الصغير أن "الهجرة غير النظامية من أعسر القضايا التي تواجهها تونس كما العالم في العصر الحالي لأن الحروب والأزمات الأمنية والسياسية التي تعرفها دول قريبة منا سواء في دول أفريقية أو الشرق الأوسط تفاقم هذه الظاهرة".
وأبرز الصغير في تصريح خاص أنه "لا يمكن لتونس لوحدها معالجة هذه الأزمة أو أن تتخذ القرارات من دون تنسيق مع دول أخرى لأنها أزمة مركبة ومعقدة، لذلك في اعتقادي يجب اللجوء إلى إنشاء مدونة سلوك عالمية تنظر لهذه الأزمة بمقاربات جديدة وتوفر لها حلولاً جذرية لأن المعضلة تتفاقم".
وشدد على أن "تونس التي تواجه مشكلة الهجرة غير النظامية هي نفسها تطرح أزمة لبعض الدول الأوروبية بخصوص هجرة التونسيين إلى هناك والإقامة بصورة غير قانونية، بالتالي هناك اتفاقات ظرفية وحلول تمت الاستعانة بها لخدمة أغراض انتخابية وسياسية، ولذلك لم تشكل حلاً حقيقياً للأزمة".
وخلص الصغير إلى أن "هذه الحلول والاتفاقات الظرفية لم تعالج جذور الأزمة والمشكلة أي نزع فتيل التوترات والأزمات الإنسانية التي تعانيها الدول الأفريقية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أزمة قد تستفحل
وفي تونس، تشهد مدينة صفاقس معادلة صعبة في مواجهة أزمة الهجرة غير النظامية، إذ تعج منطقتا العامرة وجبنيانة بالمهاجرين الذين فشلوا في العبور نحو الضفة الأخرى للمتوسط. وعاشت المنطقتان أخيراً اشتباكات وفوضى بين المهاجرين والسكان المحليين وقوى الأمن، مما سلط الضوء على تفاقم الظاهرة وجعل السلطات تسعى إلى تأمين العودة الطوعية لهؤلاء.
وهؤلاء المهاجرون تدفقوا إلى تونس بالآلاف في ظل فوضى أمنية وسياسية تشهدها دولهم على غرار دول الساحل الأفريقي التي تشمل النيجر وبوركينا فاسو ومالي وتشاد وموريتانيا.
وتُعدّ تونس وليبيا نقطتي انطلاق رئيستين للمهاجرين الأفارقة في منطقة شمال القارة نحو السواحل الأوروبية، وفي يوليو الماضي وقعت تونس مع الاتحاد الأوروبي شراكة استراتيجية في شأن مكافحة الهجرة غير النظامية مقابل مساعدات مالية وأيضاً تعاون في مجالات عدة من بينها تعزيز الهجرة النظامية.
واعتبر الصغير أن "المشكلة قد تستفحل إذا لم يتم إيجاد حلول جذرية، خصوصاً لتلك النزاعات في الدول الأفريقية والشرق الأوسط، مما ينعكس على موجات نزوح وهجرة غير نظامية إلى تونس وغيرها من دول شمال القارة".