ملخص
تتوقع أوساط سياسية هجوماً وشيكاً من قبل تل أبيب على إيران بعد قطع طريق الإمداد من طهران إلى لبنان مروراً بالعراق وسوريا.
وإن هدأت سماء سوريا من ضجيج المقاتلات السورية الحربية التي كانت تقصف ليلاً نهاراً أراضي البلاد بالصواريخ على مدار عقد من الزمن خلال الصراع المسلح منذ عام 2013، بدأت مقابلها الطائرات الإسرائيلية بضرب مواقع مهمة للجيش السوري اشتدت عقب سقوط الأسد، لتطاول مناطق تمتد بين ريف العاصمة دمشق وعدة مدن وأرياف تحوي أسلحة متطورة ومنظومات حديثة، وذلك لقطع الطريق أمام وقوع تلك الأسلحة بيد الفصائل المعارضة، بحسب تل أبيب.
وكشف الجيش الإسرائيلي عن تنفيذه ضربات قضت على 80 في المئة من القدرات العسكرية السورية في عملية تعد الأوسع في تاريخ سلاح الجو الإسرائيلي، مع توغل إسرائيلي تجاوز 25 كيلومتراً إلى الجنوب الغربي من العاصمة دمشق، مستغلاً ما تعيشه البلاد من فترة انتقالية بعد سقوط حكم بشار الأسد خلال الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، وسط مطالبة الحكومة السورية الانتقالية مجلس الأمن الدولي بوقف الهجمات الجوية والتوغل داخل الأراضي الحدودية.
الإدارة السورية الجديدة
وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره لندن توثيق 61 ضربة جوية استهدفت سوريا يوم السبت الـ14 من ديسمبر الجاري مستهدفة أنفاقاً تحوي مستودعات صواريخ باليستية داخل الجبال، وبهذا ترتفع عدد الضربات الإسرائيلية إلى 446 غارة طاولت 13 محافظة سورية منذ سقوط النظام، منها مستودعات أسلحة في منطقة القلمون قرب دمشق وقرب درعا والسويداء جنوباً، مع ضرب معاهد علمية ومراكز بحوث في برزة داخل العاصمة من الجهة الشمالية الشرقية، وكذلك مطار عسكري وقاعدة صواريخ داخل قاسيون.
في الأثناء تتضارب التوقعات حول مدى استكمال تل أبيب توسعها داخل الأراضي السورية وإلى أي حد يمكن أن تلتزم الإدارة السورية الجديدة الصمت، لكن الأكاديمي والأستاذ في جامعتي "القدس" و"بيرزيت" محمد هلسة يجد أن "التوجس من السلطة السورية الانتقالية والخوف من الحالة الضبابية التي تسود، حالتان استدعتا السيطرة على المنطقة والتتمدد بها وإلغاء الاتفاقية الدولية، وهذا بظاهر الأمر". ويعتقد أن "ما تريده إسرائيل في الحقيقة تنفيذ جملة من الأهداف على رأسها إيصال رسالة من نار بأن أي حكم جديد في سوريا سينشأ تحت سيف التهديد الإسرائيلي، بمعنى فرض قواعد ردع عليها مشابهة للقوى التي تقاتلها بالمنطقة"، وجاء في حديث هلسه لـ"اندبندنت عربية" أن "الإسرائيلي لا يكتفي بذلك بل يؤسس من خلال وجود قواته البرية لمنطقة ليست على مسافة بعيدة من دمشق، وأي نظام ينشأ في سوريا سيكون تحت التهديد المستمر".
يضيف "هذا التحرك يعني بإمكان أن تطأ المجنزرات العسكرية أراضي العاصمة السورية، وكأنه يجعل من هذا الوجود ورقة مساومة من منطق القوة مع أي نظام حديث العهد إن لم يأت بسلام مع تل أبيب، أو يكفي أن يكون محايداً ولا نية لديه لقتال إسرائيل ناهيك بالسيطرة على جبل الشيخ والمطل على كامل الموارد المائية ونقطة استطلاع متقدمة للمراقبة على موقع استراتيجي عند مربع الحدود الفلسطينية - الأردنية - السورية – اللبنانية".
لا نية للقتال
في غضون ذلك ندد زعيم "هيئة تحرير الشام" أحمد الشرع بتوغل القوات الإسرائيلية بعد سقوط بشار الأسد وهربه خارج البلاد، معرباً عن عدم وجود نية للدخول في صراعات جديدة، وقال في تصريح له إن "الوضع السوري المنهك بعد أعوام من الحرب لا يسمح بالدخول بصراع جديد"، وأضاف "لقد تجاوزت إسرائيل خطوط الاشتباك، مما يهدد بتصعيد غير مبرر في المنطقة".
في هذه الأثناء تتوقع أوساط سياسية هجوماً وشيكاً من قبل تل أبيب على إيران بعد قطع طريق الإمداد من طهران إلى لبنان مروراً بالعراق وسوريا، في وقت وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سقوط الأسد بـ"اليوم التاريخي في الشرق الأوسط"، وأضاف خلال جولة له داخل هضبة الجولان "لن نسمح لأية قوة معادية بتثبيت نفسها على حدودنا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويفسر المتخصص في العلاقات الدولية في جامعة "حلب" رائد حاج سليمان إجراءات إسرائيل قائلاً "ما يحكم السلوك التوسعي الإسرائيلي هو عدم معرفتهم بالنظام السوري الجديد، ومنطق الأمن القومي في تل أبيب يعمل على تدمير كل مقدرات الجيش السوري سواء الصواريخ والمضادات الجوية، وكل ما يتعلق بالمراكز والمرافق التابعة للبحوث العلمية وهذه النقطة الأساس، ولا سيما السلاح الكيماوي بعد تطويره في فترة ثمانينيات القرن الماضي، وهذا السلاح أخذه النظام وقصف به مناطق عدة في سوريا، وبعد ضغوط على النظام تم تسليمه أثناء الحرب ولكن ليس بالكامل".
ويتابع "الآن تريد إسرائيل الحصول عليه بأية طريقة والوصول إلى بقية الترسانة، في وقت أعطى الشرع موقفاً واضحاً حيال التعاون مع المنظمات الدولية للتخلص من الترسانة الكيماوية، ولعل السؤال لماذا يريد التخلص منها؟ الإجابة تحتمل أوجهاً عدة من كونه يأتي من موقف ديني يحظر استخدام هذه الأسلحة، ومن جهة أخرى العمل على الوصول نحو انفراجات وتفاهمات مع الغرب ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية".
دور استعماري تاريخي؟
وسط هذه الأجواء، دانت جامعة الدول العربية توغل إسرائيل داخل المنطقة العازلة في جبل الشيخ وداخل أراضي محافظتي القنيطرة وريف دمشق في مخالفة لاتفاق فض الاشتباك، وعقد مجلس الجامعة اجتماعاً غير عادي على مستوى المندوبين بمبادرة مصرية، وأفضى إلى "قرار إدانة هذا التوغل". واعتبر المجلس أن ما حدث انتهاك واضح لميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن (242 و338 و497) ونوه إلى أهمية استمرار دور قوة الأمم المتحدة "يوندوف" في مراقبة فض الاشتباك. ويأتي قرار المجلس قبل انعقاد لجنة الاتصال الوزارية بالجامعة العربية في شأن سوريا، والذي عقد داخل مدينة العقبة الأردنية خلال الـ14 من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، والذي دان أيضاً التوغل وعده خرقاً للقانون الدولي.
وقال هلسه في معرض شرحه للنيات الإسرائيلية "هناك دور آخر يتجاوز بسقوفه الأمنية والاستراتيجية وهو الدور الوظيفي الاستعماري التاريخي. يمكن أن تكون إسرائيل من خلال تدخلها في سوريا تسعى إلى عرقلة أية إرادة ناشئة لهذه الأمة وإمكانية أن تختار من يقودها، وهذا يضمن استمرار حالة التفرقة والتشظي والتشرذم بما يضمن ويخدم هيمنة إسرائيل واستمرارها على مدار أعوام، ويكفل تشرذم المحيط العربي".
ولم يستبعد الباحث الأكاديمي احتمال "حدوث اصطفاف مستقبلاً ضد عدو يستبيح الأرض".
وكانت كل من دمشق وتل أبيب وقعتا على اتفاقية فك الاشتباك والتي تفرض الامتناع عن أية عمليات عسكرية مع وقف إطلاق النار في البر والبحر والجو، تنفيذاً لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 338 في الـ22 من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973 عقب انتهاء حرب السادس من أكتوبر 1973، واستعادت بعدها القوات السورية مدينة القنيطرة من إسرائيل، إذ احتلت تل أبيب خلال يونيو (حزيران) عام 1967 هضبة الجولان وضمتها لأراضيها وسط اعتراض دولي.
وهذا التوغل يمكن أن "يقلب السحر على الساحر" بحسب وصف الأستاذ الجامعي هلسه "قد نشهد اصطفافات سورية جديدة تخالف الرغبات الإسرائيلية، بمعنى أن تل أبيب خلقت تحديات حول طريقة الحكم وإدارته من خلال فرض منطق القوة والاحتلال والتدمير".
تلف أرشيف استخباراتي؟
في المقابل، يرجح الأستاذ الجامعي والمتخصص في العلاقات الدولية حاج سليمان "أن هذا التوغل سيتبعه انسحاب من كل المناطق التي اجتاحتها إسرائيل خلال الفترة الأخيرة، والتزام بخط هدنة عام 1974 ما إن تستتب حكومة دمشق، وهي مسألة لا تدعو للقلق"، ويضيف "هناك متغير آخر لا بد من التركيز عليه هو أن إسرائيل لم تعد تكتفي بضرب منظومة الصواريخ والمنظومات الدفاعية، بل هناك أرشيف يبدو في مراكز الاستخبارات سيكشف مدى تعاون النظام الهارب مع إسرائيل، وهي حريصة على ألا يصل للأيدي، وهناك ضربات تنال أيضاً من أرشيف أبنية الاستخبارات ومقارها".
وعلى رغم العداوة بين "هيئة تحرير الشام" و"حزب الله" أطل الأمين العام للحزب نعيم القاسم، وترك في خطابه فرصة لمناورة جديدة مع دمشق (الجديدة)، إذ قال في خطاب له "لا يمكن الحكم على النظام الجديد إلا بعد استقراره وانتظامه، ولقد خسر ’حزب الله‘ طريق الإمداد عبر سوريا ويمكن أن يعود الطريق عبر النظام الجديد أو البحث عن طرق بديلة، فالمقاومة مرنة وتتكيف مع الظروف لتقوية قدراتها".
ويستذكر الأكاديمي السوري حاج سليمان عندما زار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الولايات المتحدة الأميركية عام 2012 في مؤتمر منظمة "إيباك" فترة رئاسة الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي طلب بصورة واضحة أن يبقى الأسد في السلطة لحين التخلص من الترسانة النووية.