ملخص
حذر تقرير لـ "مركز العودة الفلسطيني" في لندن من خطة إسرائيلية جديدة لطرد 450 معتقلاً فلسطينياً من شرق القدس وإسرائيل إلى مناطق تابعة للسلطة الفلسطينية بدعوى "ارتباطات مزعومة بالإرهاب".
في ظل الحديث عن تقدم غير مسبوق في المفاوضات غير المباشرة في شأن إبرام صفقة لتبادل أسرى بين إسرائيل وحركة "حماس"، وزعم وسائل إعلام أن الأيام القليلة المقبلة ستكون حاسمة، يعيش ذوو المعتقلين الفلسطينيين في السجون حالاً من التفاؤل المشوب بالترقب والقلق، ليس لأن التغييرات في الاتصالات أو الأحداث الأمنية غير المتوقعة يمكن أن تعطل الاتفاق، بل لأن حكومة بنيامين نتنياهو تشترط إجلاء بعض الأسرى المقرر الإفراج عنهم ضمن الصفقة المرتقبة إلى خارج فلسطين بدعوى تشكيلهم خطراً على أمن إسرائيل.
وجاء الشرط الإسرائيلي لتجنب تكرار مشاهد الاحتفالات التي حدثت في صفقة الأسرى السابقة قبل عام، وللحد من احتمال عودة معتقلين إلى أخذ دور فعال في الفصائل الفلسطينية، على غرار ما جرى مع يحيى السنوار الذي كان واحداً من بين أكثر من 1000 معتقل فلسطيني حرروا في مقابل الجندي جلعاد شاليط عام 2011 ضمن صفقة تبادل عرفت بين الفلسطينيين آنذاك باسم صفقة "وفاء الأحرار"، بحسب إعلام إسرائيلي.
وعلى رغم الكم الكبير من التصريحات الإسرائيلية التي تشي بالاستعداد لإنجاز صفقة، كانت ولا تزال قضية الإبعاد لبعض المعتقلين من الذين يتوقع أن يشملهم التبادل هاجساً لكثيرين، ولا سيما من ذوي الأحكام العالية.
وعبرت الأمم المتحدة في وقت سابق عن قلقها من وجود إبعاد قسري غير مشروع طبقاً للقانون الدولي الإنساني الذي يجرم نقل سجناء الحرب قسراً أو ترحيلهم لدولة أخرى من دون إرادتهم.
ووفقاً للمادة الـ (49) من "اتفاق جنيف الرابع" يُعتبر الإبعاد عمليات نقل غير مشروعة، في حين تعتبرها المادة الـ (47) من الاتفاق نفسه "جريمة حرب".
وعرّف "قانون روما الأساس" للمحكمة الجنائية الدولية الإبعاد القسري بأنه "تهجير قسري للأشخاص المعنيين من طريق الطرد أو غيره من أفعال الإكراه"، كما اُعتبر إبعاد جزء من سكان الأراضي المحتلة أو جميعهم، سواء داخل أراضيهم أو خارجها على أيدي قوة الاحتلال "جريمة حرب".
ونصت المادة السابعة من القانون ذاته على أن "الإبعاد القسري للسكان يشكل كذلك جريمة ضد الإنسانية في حال تنفيذه على نطاق واسع أو بطريقة منظمة كجزء من سياسة حكومية"، وجاء في نص المادة التاسعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنه "لا يجوز اعتقال أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً"، وتعتبر ممارسة ذلك أياً كانت الظروف والدوافع جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب تستوجب الملاحقة والمحاكمة الدولية.
سياسة قديمة
واستناداً إلى نص المادة الـ (112) من "قانون الطوارئ" لعام 1948 فقد تمكنت إسرائيل من ممارسة سياسة الإبعاد ضد الفلسطينيين ونقلتهم بالقوة إلى خارج أراضيهم، واتخذت عام 1967 سلسلة من الإجراءات والقرارات العسكرية التي طبقتها في كل من الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس وقطاع غزة، إذ منحا الأمران العسكريان (290) و(329) القائد العسكري الصلاحية لطرد أي إنسان فلسطيني من الضفة وغزة خارج البلاد، سواء اتهم بأي جرم أم لا، كما صادقت المحكمة العليا الإسرائيلية آنذاك على سياسة الإبعاد إلى نقطة الحدود مع الأردن أو مصر أو لبنان أو سورية من دون محاكمة.
وبحسب المصادر الفلسطينية فقد بلغ عدد الفلسطينيين الذين أبعدوا من مدنهم وقراهم منذ بداية حرب عام 1967 وحتى نهاية عام 1968 قرابة 408 آلاف، منهم 361 ألفاً من الضفة و47 ألفاً من قطاع غزة، على رغم أن عمليات إبعاد الفلسطينيين بعد ذلك سارت بصورة متعرجة وتصاعدت خلال فترة الانتفاضة الأولى بين عامي 1987 و1993 بصورة فردية وجماعية.
ومن أبرز عمليات الإبعاد ما حدث في ظل حكومة رئيس الوزراء السابق إسحاق رابين في الـ 17 من ديسمبر (كانون الأول) 1992 حين أبعد 416 من قيادات حركتي "حماس" و"الجهاد الاسلامي" إلى بلدة مرج الزهور في محافظة النبطية جنوب لبنان، رداً على اختطاف وقتل جندي إسرائيلي، وعلى رغم اضطرار إسرائيل إلى إعادة المبعدين على مراحل بعد ضغوط دولية ووساطة أميركية لاستئناف المفاوضات في واشنطن آنذاك، واشتراط الفلسطينيين تخلي إسرائيل رسمياً عن سياسة الإبعاد، لكن سرعان ما تصاعدت وتيرتها خلال الانتفاضة الثانية عام 2000 بصورة لافتة، ففي العاشر من مايو (أيار) عام 2002 أبعدت إسرائيل 39 فلسطينياً احتموا داخل كنيسة المهد في مدينة بيت لحم، ووفقاً لاتفاق فلسطيني- إسرائيلي من أجل إنهاء حصار الجيش الإسرائيلي للكنيسة والذي استمر 39 يوماً، جرى إبعاد 13 ممن كانوا داخل الكنيسة إلى قبرص، ومن ثم وزعوا على دول أوروبية عدة، فيما أبعد بقيتهم إلى قطاع غزة.
وفي عام 2003 قررت المحكمة العليا الإسرائيلية إبعاد 18 فلسطينياً من المعتقلين الإداريين في الضفة الغربية إلى قطاع غزة، كما أبعدت عدداً من أقارب المطلوبين لها أو المنفذين لعمليات ضد إسرائيليين.
وفي إطار صفقة التبادل بين حركة "حماس" وإسرائيل عام 2011 أبعدت السلطات الإسرائيلية 43 أسيراً ممن كانوا ضمن "صفقة شاليط" إلى خارج فلسطين، إضافة إلى إبعاد 163 إلى قطاع غزة، وأدى ذلك لإدانة واسعة من قبل أعضاء مجلس الأمن الدولي الذين أعربوا عن قلق عميق بسبب إصرار إسرائيل، بوصفها السلطة القائمة بالاحتلال، على مواصلة سياستها في ترحيل المدنيين الفلسطينيين، وعدت ذلك انتهاكاً لقرارات مجلس الأمن والمادة الـ (49) من "اتفاق جنيف الرابع"، وطلبت الإقلاع فوراً عن ترحيل أي مدني فلسطيني وأن تكفل سلامة عودة من سبق ترحيلهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال متابعون لشؤون الحركة الأسيرة الفلسطينية في حديثهم إلى "اندبندنت عربية" إن خطورة الإبعاد والنفي للمعتقلين الفلسطينيين لا تكمن فقط في إبعادهم من ذويهم وعائلاتهم بعد أعوام وربما عقود من السجن، أو نفيهم كغرباء إلى دول لا يعرفون فيها أحداً، بل في غياب أية ضمانات لحياة كريمة للمبعدين في البلدان التي ينفون إليها، إضافة إلى وجود تهديدات محتملة لحياتهم بالتصفية والاغتيالات.
وظلت الهواجس بالإبعاد أو إعادة الأحكام السابقة رديفة المعتقلين المحررين في عمليات التبادل، إذ أعادت إسرائيل الحكم المؤبد والأحكام السابقة لعدد منهم بعد انتهاء الصفقة، كما أنها ساومتهم على الإبعاد أو قضاء ثلثي مدة الحكم الأصلي.
إخلال بالولاء
ولم يقتصر استخدام إسرائيل لسياسة الإبعاد ضد الفلسطينيين في الضفة والقطاع، بل سارعت إلى إبعاد المقدسيين والفلسطينيين ممن يعيشون داخل إسرائيل ويحملون جنسيتها، ومنذ سن قانون الدخول لإسرائيل عام 1952 يتمتع وزير الداخلية استناداً إلى بند في القانون بصلاحية سحب الإقامة الثابتة أو الموقتة لشخص موجود في إسرائيل وإبعاده خارج البلاد بدعوى "الإخلال بالولاء للدولة"، حتى لو لم يثبت ذلك من خلال إجراء قانوني ينتهي بإدانة في المحكمة.
وكان ثلاثة من نواب المجلس التشريعي ممثلين عن حركة "حماس" ووزير سابق أبعدوا من مدينة القدس إلى الضفة الغربية بالادعاء ذاته، وسحبت هوياتهم بعد خوضهم الانتخابات التشريعية عام 2006 ومشاركتهم في الحكومة الفلسطينية الـ 10 آنذاك.
وفتحت مصادقة الكنيست الإسرائيلي على تعديل القانون عام 2018 وتوسيع مصطلح "الإخلال بالولاء" على أنه يشمل "عملاً إرهابياً" بحسب "قانون منع الإرهاب"، الباب أمام طرد المقدسيين إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، إذ يمنح القانون وزير الداخلية صلاحية سحب إقامة المقدسيين بادعاء "النشاط في تنظيم إرهابي أو القيام بنشاط يمهد لعمل إرهابي حتى وإن لم يخرج لحيز التنفيذ"، ولا يشترط القانون وجود إدانة لسحب الإقامة وبالتالي يسهل إبعاد وطرد المقدسيين.
وصحيح أن قانون الدخول يسري على الغرباء من سياح وعمال أجانب أو أي أحد ليست له أية علاقة بالمكان ويطلب الدخول إلى إسرائيل، إلا أن الأخيرة عاملت السكان الفلسطينيين في القدس وكأنهم غرباء وطبقت عليهم قانون الدخول، خصوصاً وأن القانون الإسرائيلي منذ عام 1967 وحتى اليوم لم يحدد المكانة القانونية لأهل القدس.
وجرى خلال الأعوام الماضية إبعاد مئات من سكان القدس الذين جرى سحب هوياتهم لسبب أو لآخر وطردوا إلى الضفة أو غزة، ففي عام 2022 طردت السلطات الإسرائيلية المحامي المقدسي صلاح الحموري الذي يحمل الجنسية الفرنسية من القدس إلى باريس بعد سحب إقامته بادعاء "الإخلال بالولاء للدولة" وعلاقته بـ "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" التي تعتبرها إسرائيل والاتحاد الأوروبي "منظمة إرهابية".
وفي أواسط أكتوبر (تشرين الأول) عام 2015 ناقش المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر سحب هويات وإبعاد المقدسيين الذين عزلهم الجدار في أحياء خارج المدينة في مخيم شعفاط وكفر عقب وبلدة السواحرة وغيرها من الأحياء، وقدر عددهم بعشرات الآلاف.
وبحسب "الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني" في كتاب القدس السنوي 2024 فلا تزال البيانات عن إبعاد ومصادرة وإلغاء بطاقات الهوية المقدسية تستند بصورة أساس إلى ما يجري الإعلان عنه رسمياً من خلال وزارة الداخلية الإسرائيلية والتي تشير إلى مصادرة 14805 بطاقات خلال الفترة ما بين عامي 1967 و2022، ويمثل جزء من هذا الرقم هويات أرباب الأسر، مما يعني أن عدد الأفراد الذين سُحبت هوياتهم وأبعدوا من القدس أعلى من هذا الرقم بكثير.
تخوفات فلسطينية
وحذر تقرير لـ "مركز العودة الفلسطيني" ومقره لندن من خطة إسرائيلية جديدة لطرد نحو 450 معتقلاً فلسطينياً من شرق القدس وإسرائيل إلى مناطق تابعة للسلطة الفلسطينية بدعوى "ارتباطات مزعومة بالإرهاب"، مشيراً إلى أن هذه النية من قبل السلطات الإسرائيلية تنتهك المادة الثانية من اتفاق الأمم المتحدة الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها، زاعماً أن "هناك جهداً منسقاً من قبل السلطات الإسرائيلية بما في ذلك أعضاء الكنيست، لطرد هذا العدد من الفلسطينيين لأسباب سياسية".
وقال التقرير إن الادعاءات في شأن ارتباطات بالإرهاب التي اُتهم بها 450 معتقلاً سياسياً فلسطينياً وتطالب إسرائيل بإبعادهم إلى الضفة الغربية غير مثبتة، داعياً أعضاء مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى "الاطلاع على قضية المعتقلين وإدانة عمليات النزوح القسري والإبعاد للفلسطينيين من قبل إسرائيل، والعمل على استخدام الدبلوماسية لضمان عدم وقوع هذه الجريمة"، بحسب تعبيره.
ووفقاً لما نقلته صحيفة "يديعوت أحرنوت" فقد انتقد مسؤولون إسرائيليون اشتراط وإصرار إسرائيل أخيراً إبعاد السجناء الأمنيين من ذوي الأحكام العالية إلى خارج الضفة والقطاع بزعم قدرتهم على مواصلة نشاطهم في الخارج، وضربوا مثالاً بحال صالح العاروري الذي جرى ترحيله إلى تركيا وواصل قيادة نشاطات "حماس" في الضفة الغربية كرئيس لمكتبها حتى اُغتيل في العاصمة اللبنانية بيروت مطلع العام الحالي، فيما نقل "موقع أكسيوس" الأميركي عن مصادر مطلعة في إسرائيل قولها إن "قادة الأجهزة الأمنية يرون أن على حكومة نتنياهو تعديل موقفها للتوصل إلى صفقة في غزة."