Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ميكائيل أنجلو أمل رفض شروطه لرسم سقف كاتدرائية سكستين

تحفظات الفنان النهضوي الإيطالي قبل شروعه في إنجاز أعظم عمل فني في تاريخ البشرية

مشهد عام للوحة "الخليقة" على سقف كنيسة سكستين في روما (ويكيميديا)

ملخص

عندما أختير ميكائيل أنجلو لرسم سقف كنيسة سكستين في الفاتيكان، بدا ليس فقط مستغرباً ذلك الاختيار، بل رافضاً القيام به أصلاً

هو في الحسابات كلها وبأعرض قدر ممكن من الإجماع أعظم عمل فني في تاريخ البشرية، ناهيك بأنه أضخم إنجاز إبداعي قام به فرد طوال العصور النهضوية. وهذا الفرد ليس بالطبع سوى ميكائيل أنجلو بوناروتي، المعتبر واحداً من الثلاثة الكبار الذين يدين إليهم عصر النهضة بأهميته الإبداعية المطلقة، إلى جانب منافسيه الرئيسين الكبيرين، ليوناردو دا فنشي ورافائيل. ولئن كان لكل مبدع من مبدعي النهضة الكبار عمل كبير ارتبط باسمه وحقق له مكانته في تاريخ الفن، من البدهي القول هنا إن مأثرة ميكائيل أنجلو كانت "لوحته" الضخمة التي تشغل السقف المقبب لكنيسة سكستين في مركز القلب من الفاتيكان. ولعل في إمكاننا أن نحدد منذ البداية بأن مساحة تلك اللوحة تصل إلى ما يزيد على 540 متراً مربعاً، مما يجعل منها ومن بعيد أضخم اللوحات النهضوية إطلاقاً وواحدة من أكبر اللوحات الفردية مساحة في التاريخ بعرضها البالغ 13 متراً ونصف متر وطولها البالغ 40 متراً، غير أننا نعرف بالطبع أن اللوحة وعنوانها "الخليقة" لا تؤلف مشهداً بصرياً واحداً، بل عدداً كبيراً من المشاهد المتجاورة والمتقاطعة التي تتضافر لتروي تاريخ الفكر الديني المسيحي منذ لحظة التكوين المفترضة حتى زمن ميكائيل أنجلو نفسه. وتحديداً انطلاقاً من رؤية الفاتيكان كما تجلت في زمن البابا سيكستوس الذي سميت الكنيسة نفسها باسمه، وكان عم البابا الفاتيكاني الكبير جوليوس الثاني الذي سيشتهر خصوصاً برعايته للفنون وتسامحه في الحرية التي تعامل الرسامون والنحاتون والمهندسون، في تعبيرهم عنها. ولعل في تفاصيل المشاهد المكونة للوحة "الخليقة" ما يؤكد ذلك، لكن هذا الجانب ليس موضوعنا هنا.

في مكان غير مناسب

موضوعنا يتعلق بالفرضية التي تقول لنا إن هذا الصرح الفني الإنساني الإلهي الضخم، كاد ألا يوجد أبداً ليس بسبب أي عناصر خارجية أو رقابية أو مالية، فليس في الأمر أي شيء من هذا القبيل. كل ما في الأمر أن ميكائيل أنجلو نفسه، ومنذ اللحظة التي وقع عليه الاختيار ليكون هو صاحب ذلك العمل الفني، بدا ليس فقط مستغرباً ذلك الاختيار، بل رافضاً القيام به أصلاً. لم يكن مرتاحاً على الإطلاق، ودائماً من دون أن يوضح الأسباب تماماً. ولئن كان مؤرخ الفنون النهضوية الذي كان بدوره رساماً ومهندساً معمارياً جورجيو فازاري، أشار إلى توجس الفنان من الإقدام على ذلك المشروع، فإنه لم يتمكن أبداً من أن يكون مقنعاً في توضيحه أسباب ذلك، ولكن كذلك من دون أن يقول شيئاً عما انتهى إلى إقناع المبدع الكبير ميكائيل أنجلو بالتراجع عن توجسه وخوضه المشروع في نهاية الأمر. ففي النهاية تبنى فازاري الحكاية المتداولة والمتعلقة بالحوار بين المبدع والبابا، الذي انتهى بتخلي الأول عن تردده بناء على فكرة وردت في حديث الثاني خلال الحوار الأخير بينهما عشية الانطلاق في تنفيذ المشروع بالصورة التي انتهى إليها ووصلنا بالحلة التي هي له الآن. والحال أنه ربما يكون علينا كي نروي هذه الحكاية، أن ننقل عن الفنان نفسه ذلك السطر من قصيدة في رسالة بعث بها يوماً إلى صديقه جيوفاني دي بيستويا يقول فيها بكل بساطة: "إنني لواجد نفسي هنا في مكان لا يناسبني على الإطلاق، فأنا لست في الحقيقة رساماً". والمكان الذي يتحدث عنه الفنان هنا ليس سوى الباحة الرئيسة في كاتدرائية سكستين، التي ورغماً عنه سترتبط باسمه إلى الأبد مذاك وصاعداً.

للحرب وللصلاة معاً

إذا المكان غير المناسب كان القاعة الرئيسة في الكنيسة والبالغة مساحتها 540 متراً مربعاً وذات السقف المقبب المزين بمئات النجوم المشعة، ومن المعروف في ذلك الحين أن تصميم تلك الكاتدرائية صيغ ليتناسب مع وظيفتين لا يجمع بينهما جامع. فهي أولاً قاعة للصلاة كان يفترض أن تكون الأضخم من نوعها في إيطاليا، وهي في الوقت نفسه صممت بجدران لا يقل سمكها عن متر وزعت عليها منافذ يمكن بواسطتها التصدي لأية هجمات معادية. ففي ذلك الحين كان المقر الباباوي في روما جزءاً من حالات حرب وهجوم ودفاع متواصلة، وكان من المعروف أن من يتمكن من الاستيلاء على تلك الكاتدرائية سيسيطر على الفاتيكان ويهيمن على الكنيسة الكاثوليكية. ويقيناً أن تصميم الكاتدرائية وبناءها أخذ ذلك في الحسبان، لكن الرسام الكبير الذي اختير لإبدال مشهد النجوم على مسطح السقف الذي يرتفع إلى أعلى من 20 متراً سيبدل ذلك كله على أية حال. لكن بوناروتي (ميكائيل أنجلو) لم يكن ليستسيغ أن يرمي خطوطه وألوانه على سقف قلعة حربية تستخدم حين تدعو الحاجة إلى الصلاة بحسب تعبيره. كانت تلكم هي حجته المعلنة متواكبة مع تلك الحجة الأخرى التي تزعم أنه ليس ولا يريد أن يكون رساماً، والحقيقة أن هذا الفنان الذي قد يكون في حقيقة أمره غير واثق في ذلك الحين من إمكاناته الفنية التي قد تؤهله لإنجاز عمل على مثل تلك الخطورة، أسر لمقربين من البابا بأن ثمة شكوكاً تساوره بأن المهندس المعماري الرئيس للعمل الفنان برامانتي جهز له منذ البداية كل الظروف الممهدة التي سيكون من شأنها أن تفشل عمله بل تورده موارد الهلاك، مشيراً إلى أن شكوكه تتمحور من حول "الصقالة" التي قام برامانتي بتصميمها وبنائها، كي يعتليها الرسام ومساعدوه طوال السنوات التي سيحتاج إليها إنجاز الجدارية العتيدة!

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حلول لمشكلات مصطنعة

وصلت تلك الشكوى إلى البابا جوليوس الثاني الذي كان حينذاك تسلم المشروع كما سدة الرئاسة في الفاتيكان من عمه إثر رحيل هذا الأخير، فأرسل إلى ميكائيل أنجلو يقول "إذا كانت الصقالة هي العائق لا بأس فككها وأقم غيرها على حسابي الخاص!". أسقط في يد الرسام وراح يخترع الحجة بعد الأخرى، فيما راح البابا الشاب يعثر على الحل بعد الآخر. وفي أثناء ذلك كان الفنان يمعن في تصعيب الأمور حتى من الناحية الدينية، فيما جوليوس الثاني يمعن في التساهل الديني والرقابي الكنسي في الوقت نفسه. وفي نهاية المطاف لم يعد لدى الرسام أية حجة إضافية ولا سيما بعد أن بنى صقالة جديدة ووجد نفسه ذات صباح يرتقيها، ليقف هناك متأملاً ما حوله من فوق ارتفاع 20 متراً عن أرضية الكنيسة، محققاً أول نقل إلى السقف والجدران التي توصل إليه لمئات الاسكتشات التي أنجزها خلال الفترة السابقة غير واثق من أنه سيحولها حقاً إلى تلك المشاهد المذهلة التي انتهى بها الأمر إلى جعلها تشغل تلك المساحة التي ما شغل ما يساويها فنان من قبله، ومن حول موضوع واحد هو حكاية التكوين كما جاءت في العهد الجديد مستقاة من العهد القديم وحكايات أنبياء العهدين ولا سيما حكاية الطوفان التي، ولأسباب بقيت غامضة، كرس لها بوناروتي أكبر مساحة في الجدارية (السقوفية) الجبارة، كرست لحكاية واحدة من حكايات العهدين. والحقيقة أن ميكائيل أنجلو بوناروتي (1475 - 1564) وفي الساعات الأولى التي ارتقى فيها تلك الصقالة الصلبة ليباشر، على مضض، تحقيق تلك المعجزة الفنية الاستثنائية، كان واثقاً من أنه لن يكمل ذلك العمل أبداً. وكذلك كان واثقاً من أن إخفاقه سيكلفه غالياً، وبالتحديد في نظر خصميه ومنافسيه الرئيسين، دا فنشي ورافائيل، فيكون في ذلك القضاء النهائي عليه ولا سيما في مضمار كانا الزعيمين فيه، الرسم الذي كان يعتقدهما متفوقين فيه عليه تفوقاً كبيراً. فهل تراه كان في ذلك التفكير الرهابي على حق؟ الحقيقة أن الجواب على هذا السؤال هو أبسط ما يكون. وبحسب المرء اليوم أن يزور تلك القاعة نفسها، وينظر إلى السقف ليجد الجواب جاهزاً في انتظاره.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة