ملخص
التركيز الهندي على أفريقيا ليس وليد اللحظة، لكنه تنامى أخيراً، وتبلورت سياسات نيودلهي بوضوح أكثر إزاء القارة السمراء مع صعود رئيس الوزراء ناريندرا مودي عام 2014.
بينما ينحسر النفوذ الغربي في أفريقيا بصورة كبيرة على ضوء تحولات سياسية وعسكرية لافتة خصوصاً في مناطق الغرب، تدخل الهند بقوة على خط التنافس الدولي المحموم على المواقع في القارة السمراء الغنية بثرواتها الباطنية على غرار اليورانيوم والذهب والليثيوم.
وتسعى الهند إلى تفادي الأفخاخ التي وقعت فيها قوى عالمية أخرى حصرت تدخلاتها في مجالات محددة مثل الأمن والدفاع، إذ توسع نيودلهي أنشطتها لتشمل مجالات مثل التكنولوجيا والصحة والأمن البحري وغير ذلك.
والتركيز الهندي على أفريقيا ليس وليد اللحظة، لكنه تنامى أخيراً، وتبلورت سياسات نيودلهي بوضوح أكثر إزاء القارة السمراء مع صعود رئيس الوزراء ناريندرا مودي عام 2014، الذي كان من أشد المناصرين لتطوير العلاقات بين بلاده والدول الأفريقية التي تئن تحت وطأة أزمات أمنية وسياسية واقتصادية.
تقاسم المنافع
على خطى الصين وغيرها من القوى الطامحة لترسيخ موطئ قدم لها في أفريقيا، بذلت الهند في الأعوام الماضية جهوداً منقطعة النظير من أجل فتح قنوات تواصل وتقارب مع دول القارة السمراء.
وتجسد ذلك بصورة كبيرة من خلال الزيارات المتواترة إلى أفريقيا التي أجراها المسؤولون الهنود بما في ذلك الرئيس ونائبه ورئيس الوزراء، إذ تجاوزت 40 بلداً جرت زيارتها ودعم العلاقات معها. ولعل آخر زيارة كانت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، التي قادت مودي إلى نيجيريا لإبرام شراكة استراتيجية فتحت الباب على مصراعيه أمام الحديث عن التقدم الهندي في أفريقيا.
وتعليقاً على ذلك، قال الباحث السياسي فيناي كومار وهو أستاذ مساعد في جامعة ماهاراشترا الوطنية للقانون بالهند، إن "السياسة الخارجية الهندية تعتمد على التعاون والمنافع المتبادلة، وباعتبارها واحدة من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم وواحدة من الدول المتقدمة تقنياً، تريد الهند مشاركة تقدمها الاقتصادي والتكنولوجي مع الدول الأفريقية".
واعتبر كومار في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، أن "شعار الهند هو التأكد من عدم تخلف أحد عن الركب ويجب مشاركة ثمار التنمية الاقتصادية والتكنولوجية مع الجميع وخصوصاً الدول الأفريقية". وأضاف أن "استمراراً لهذا المبدأ، اتبعت الهند مساراً يطلق عليه أن العالم عائلة واحدة وراهنت عليه بعد عام 2014 حين وسعت بصماتها بسرعة في جميع البلدان النامية والمتخلفة لمحاربة الأعداء المشتركين مثل الفقر وسوء التغذية وتغير المناخ والأوبئة".
وأكد الباحث الهندي أن خطوات نيودلهي هذه بدت واضحة خلال وباء كورونا، إذ كانت الهند أول دولة تتقدم وتزود بعض البلدان النامية باللقاحات، عندما كان الغرب متردداً في القيام بذلك، موضحاً أن بلاده تؤمن إيماناً قوياً بالجهود التعاونية للتغلب على المشكلات المذكورة، لذلك كانت منتظمة باستمرار في الفضاءات السياسية العالمية وأفريقيا ليست استثناءً منها.
المواد الأولية
على مدى العقود الماضية حاولت الهند إظهار أنها قوة اقتصادية قادرة على ضخ استثمارات هائلة في أفريقيا، مما أثار تساؤلات حول ما إذا كانت تتجه في المرحلة المقبلة إلى استغلال الفراغ الذي يتركه الانسحاب الفرنسي من أجل التنقيب عن موارد مهمة على غرار الليثيوم والذهب.
وخلال الفترة الممتدة بين عامي 1996 و2022 بلغ حجم استثمارات الهند في القارة السمراء 74 مليار دولار، وهو رقم أهلها لتحتل موقعاً متقدماً مع القوى العالمية التي رسخت نفسها في المعادلة الأفريقية على غرار الصين.
وحاولت نيودلهي منذ أعوام تركيز استثماراتها في السودان ومصر وجنوب أفريقيا وموزمبيق وغيرها من الدول، لكن التحركات الدبلوماسية الأخيرة لمودي وغيره من المسؤولين الهنود تعكس رغبة في توسيع النفوذ الهندي إلى نيجيريا ودول أخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تجارياً، بلغ حجم التجارة البينية بين الهند وأفريقيا عام 2022 رقماً غير مسبوق إذ تجاوز 89 مليار دولار في تطور لفت الأنظار إلى نيودلهي كقوة صاعدة.
وهنا يرى الباحث السياسي في الشؤون الدولية، نزار مقني، أن "الهند مثلها مثل الصين والدول التي لها نمو اقتصادي كبير جداً، أصبحت قوة عالمية وتتعامل مثلما تتعامل بقية القوى ببراغماتية مع أفريقيا والساحة الدولية ودخلت فعلياً أفريقيا وتريد إيجاد موطئ قدم في القارة".
وتساءل مقني، "لماذا تسعى الهند إلى إيجاد موطئ قدم في أفريقيا؟ قبل أن يجيب سريعاً بقوله إن هذه القارة لم تُستغل كما يجب من جهة الطاقة المنجمية الكبيرة جداً، ومن جهة الثروات الموجودة فيها". وتابع "لذا فإن الهند كالصين تبحث عن المواد الأولية خصوصاً في ما يتعلق بالمعادن الثمينة التي تستعمل في صناعة التكنولوجيات الحديثة، وهي بذلك تتهيأ لتعويض الصين في القارة في هذه المرحلة".
مزاحمة الصين
بخلاف فرنسا وروسيا اللتين دفعتا بتدخلات عسكرية مباشرة في أفريقيا، عملت الهند على تقديم عروض تبدو سخية ومغرية لبيع أسلحة أسعارها معقولة إلى الدول الأفريقية غير القادرة على تحمل اقتناء أسلحة غربية أو روسية أغلى ثمناً.
وفي عام 2023 عرضت الصين أمام 31 مندوباً أفريقياً أسلحة محلية الصنع بما في ذلك مسيرات ومنظومات دفاع، وذلك في ختام مناورة "أفيندكس" العسكرية التي قادتها نيودلهي. ويرى مراقبون أن هذه الاندفاعة الهندية صوب أفريقيا ليست بمعزل عن الأزمة بين نيودلهي وبكين اللتين بينهما نزاع حدودي مرير.
وتبلغ صادرات الهند إلى أفريقيا من الأسلحة نحو 20 في المئة من إجمالي صادراتها العسكرية التي توجه بصورة رئيسة إلى مصر وإثيوبيا وسيشل وغيرها.
وأمام ذلك تحدث مقني عن أنه "لا نستطيع أن نتناسى أن لدى الهند استراتيجياتها الخاصة المتمثلة في الرواق الهندي الذي يشق الجزيرة العربية وإسرائيل إلى ميناء حيفا وأسواق أوروبية، وهو رواق يشكل استراتيجية موازية لطريق الحزام والحرير الذي تحاول من خلالها الصين اجتياح الأسواق الموجودة في غرب العالم أي أوروبا وأفريقيا".
ويرى أن "الهند تريد من خلال رواقها ترسيخ موطئ قدم لها في أفريقيا والتأسيس لقواعد أمامية في القارة السمراء، وهي من أولى القوى التي ذهبت إلى هناك".
وفي ظل التنافس المحموم الذي أصبحت أفريقيا محله بين الولايات المتحدة التي خسرت كثيراً بعد طرد قواتها من النيجر وغير ذلك، وأيضاً فرنسا وروسيا والصين فإن من غير الواضح ما إذا كانت الهند ستستحوذ على مواقع متقدمة من النفوذ في الأعوام المقبلة، في قارة تكتنز ثروات هائلة لكنها تعجز عن الخروج من نفق أزمات انزلقت إليها منذ عقود على غرار الفوضى الأمنية.