Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
يحدث الآن

تونس تتجه لتعديل قانون المخدرات وسط "حرب" مفتوحة مع مروجيها

بعدما كانت مجرد بلد عبور تحولت البلاد إلى مستهلك للمواد المخدرة

لطالما طالب ناشطون بتخفيف العقوبة بالنسبة لمستهلكي المخدرات في تونس (أ ف ب)

ملخص

تبذل قوى الأمن التونسية جهوداً مكثفة للحد من رواج المخدرات والحشيش في البلاد، لكن الانتقادات لا تتوقف إزاء ذلك، إذ ترى أوساط حقوقية وسياسية أنه لا يمكن الاقتصار فقط على المقاربة الأمنية لمعالجة هذه القضية.

تتجه تونس إلى تعديل قانون مكافحة المخدرات، إذ طرح البرلمان مبادرة في هذا الشأن في وقت تخوض فيه السلطات حرباً مفتوحة مع مروجي "الحشيش" مع حجز مئات آلاف الأقراص المخدرة وصفائح القنب الهندي. ونجحت السلطات الأمنية في تونس خلال الأشهر الماضية في تفكيك شبكات محلية وأخرى دولية تنشط في ترويج المخدرات بين الشباب والطلاب، ضمن خطوات متسارعة لتفكيك هذه المعضلة.

وما برح ملف استهلاك وترويج المخدرات يثير الجدل والسجالات السياسية العنيفة في تونس بين شق يدعو إلى التخفيف من العقوبات السجنية وشق آخر يدعو إلى تشديدها، وكان الرئيس التونسي قيس سعيد أكد في وقت سابق "ضرورة تكثيف العمل على تفكيك شبكات ترويج المخدرات"، من دون أن يكشف عن موقفه من الدعوات إلى تعديل قانون مكافحتها.

مقاربة شاملة

وقبل أيام كشف مسؤول أمني بارز في تونس عن حجز نحو 474 ألف قرص مخدر، وهو رقم وصفه المسؤول ذاته بـ"الضخم الذي يحول تونس إلى بلد استهلاك للمخدرات".

وتضع هذه الأرقام تونس أمام معادلة صعبة لمواجهة رواج المخدرات والحشيش في بلد كان في السابق يعد بلد عبور لهذه الآفات نحو السواحل الأوروبية وغيرها، لكنه الآن بات يشكل بلداً لترويجها.


وكشفت النائبة في البرلمان التونسي فاطمة المسدي عن أن "المبادرة التي يناقشها مجلس النواب تهدف إلى وضع مقاربة شاملة لمكافحة المخدرات، تشمل أبعاداً عدة مثل الوقاية والردع والإصلاح".

وقالت المسدي "في التعديلات الجديدة ستخفف العقوبات السجنية بالنسبة إلى المستهلكين، من عام سجن في القانون الحالي إلى ستة أشهر، في مقابل رفع قيمة الغرامات المالية، أما المروجين فستشدد العقوبات عليهم لتصل إلى مدى الحياة".

وأردفت أن "هذه المبادرة البرلمانية تنص على برامج موجهة إلى الشباب، إذ سيجري إنشاء لجان مختصة ويقظة في المدارس وغيرها، وسيتم كذلك في هذه الفضاءات إنشاء كاميرات مراقبة وعمليات إحاطة خاصة بالتلاميذ وتفادي للسجن إذا ما كان الشخص الذي يتعاطى المخدرات يرغب في العلاج وغير ذلك، وهو ما يوفر له فرصة ثانية، بينما ستشدد العقوبات على المهربين والتجار والمروجين".

وشددت المسدي على أن "البرلمان سيستمع إلى الأطراف والوزارات المعنية بهذا الملف لاحقاً، من أجل استكشاف مواقفها وقدراتها على تطبيق وتنفيذ هذا القانون".

لا تأثير

يأتي ذلك في وقت تبذل فيه قوى الأمن في تونس جهوداً مكثفة للحد من رواج المخدرات والحشيش في البلاد، لكن الانتقادات لا تتوقف إزاء ذلك، إذ ترى أوساط حقوقية وسياسية أنه لا يمكن الاقتصار فقط على المقاربة الأمنية لمعالجة هذه القضية.

والقانون الذي يسعى البرلمان إلى تعديله صدر في مايو (أيار) 1992، وجرى تعديله في عام 2017.

اقرأ المزيد

وقال المحامي علاء الخميري إن "مشروع القانون المطروح لا يكتسي أهمية كبيرة وغير مدروس جيداً، لماذا؟ لأنه من جانب الاستهلاك فإنه من ناحية العقوبة السجنية لم تتغير كثيراً، والتخفيف فيها ليس له قيمة كبيرة وهناك توجه أصلاً في المحاكم التونسية لتخفيف العقوبات السجنية عندما يكون المستهلك يقوم بذلك للمرة الأولى، أو حجزت لديه المواد وهو يمسكها من دون استهلاكها، يتم الإيقاف لكن المحاكم تصدر قرارات بغرامات مالية وليس السجن".

وأوضح الخميري في تصريح خاص أنه "لذلك في تقديري مجرد تنقيح بعض المواد لا أهمية له ولا يمثل إصلاحاً عميقاً للقانون، خصوصاً أنه كان في الإمكان التنصيص على أمور أخرى مهمة تهم المصلحة العامة مثل التطرق إلى العلاج من الإدمان، لا سيما أنه يوجد في تونس مركز واحد لعلاج الإدمان في منطقة جبل الوسط، وهو لا يعمل".
وبين أن "الجرائم المتعلقة بالتوريد والترويج فيها أصلاً عقوبات رادعة والمحاكم لا سلطة تقديرية لديها للنظر في التخفيف أو غير ذلك، بالتالي زيادة العقوبات لن يكون له قيمة، خصوصاً أن القانون التونسي فيه عقوبات رادعة وعالية جداً، فعقوبة التوريد مثلاً تصل إلى 30 سنة سجناً والترويج يتجاوز ست سنوات".
وأكد الخميري أن "لذلك لا أرى أي جانب إبداعي أو جديد في هذه المبادرة خصوصاً في ظل العدد المهول للدراسات التي جرى العمل عليها في تونس بعد عام 2011 حول هذا الموضوع، لا يكتسي هذا القانون أية أهمية ولن يكون له تأثير في واقع الترويج أو استهلاك المخدرات في تونس".


مشروع مجتمعي أشمل

وكثيراً ما صدمت الأرقام المتعلقة بالمخدرات الشارع في تونس، لا سيما أنها عكست في عدد من المرات رغبة من الأطفال والشباب في تعاطي المواد المخدرة. وفي دراسة سابقة له، كشف المعهد الوطني للصحة، وهو مؤسسة حكومية عن أن "16.2 في المئة من التلاميذ المستجوبين يجدون سهولة في الحصول على القنب الهندي لاستهلاكه، في حين تقدر نسبة استهلاك التلاميذ ولو مرة واحدة للأقراص المخدرة بثمانية في المئة".
واعتبر الخبير الأمني التونسي خليفة الشيباني أن "المضبوطات كبيرة جداً، وهي بصدد التطور على رغم الجهود الأمنية للتصدي لذلك، وهناك طرق جديدة جرى استنباطها من طرف مهربي ومروجي المخدرات في تونس على غرار العملية الأخيرة التي جرى على أثرها ضبط 90 كيلوغراماً من القنب الهندي الذي كان معداً للتهريب عبر مطار تونس قرطاج الدولي". وأضاف الشيباني أن "تونس لديها ترسانة قانونية مهمة وكبيرة جداً لمعالجة ملف المخدرات، والقوانين موجودة والنجاحات الأمنية كبيرة جداً هي الأخرى، لكن مكافحة ترويج واستهلاك المخدرات في البلاد يتطلب معالجة أكثر منها قانونية لتشمل مجالات أخرى مؤسساتية وإعلامية واقتصادية وغير ذلك".
وأبرز أن "هناك أدواراً يجب أن يجري القيام بها سواء من خلال المراقبة ومتابعة عملية علاج الضحايا في مراكز التأهيل، خصوصاً أن البلاد لها مركز وحيد في جبل الوسط، ويجب القيام بدراسات توضح أعداد المستهلكين ومن عاد للاستهلاك وغير ذلك".

ويعتقد الشيباني أن "هناك أيضاً معضلة حقيقية تكمن في رواج المخدرات في المدارس التونسية، إذ 13 في المئة من التلاميذ يقع اصطيادهم لتعاطي المخدرات، لذلك يجب وضع برنامج مجتمعي أشمل لا يقتصر فقط على المقاربتين القانونية والأمنية على رغم أهميتهما".

المزيد من تقارير