ملخص
مشكلات عدة تواجه سير العملية التعليمية في السودان من بينها عدم توافر المدارس بسبب الدمار الذي لحق ببعضها، وتحول كثير منها إلى مراكز إيواء، إضافة إلى استخدام أخرى لأغراض عسكرية.
تسببت الحرب المندلعة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" منذ منتصف أبريل (نيسان) عام 2023 في خلق صعوبات كبيرة لاستمرار العملية التعليمية في مناطق البلاد كافة نتيجة نزوح الطلاب مع أسرهم وانعدام الأمن جراء القتال المتواصل، إضافة إلى تدمير عدد كبير من المدارس وتحويل غالبيتها إلى مراكز إيواء، فضلاً عن غياب المعلمين الذين فروا من مناطق الصراع.
وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) فإن أكثر من 90 في المئة من الأطفال في السودان، وعددهم 19 مليوناً في سن الدراسة تأثروا جراء هذه الحرب، إذ يوجد 17 مليوناً منهم خارج المدارس حالياً، بينهم 7 ملايين كانوا خارج النظام التعليمي قبل الحرب، مشيرة إلى أن هذه الأزمة تعد من أسوأ أزمات التعليم في العالم بالنظر لما شهدته العملية التعليمية من تذبذب واضح.
فكيف ينظر المتخصصون إلى واقع ومستقبل التعليم في ظل التحديات التي خلفتها الحرب، فضلاً عن الآثار النفسية والاجتماعية التي يمكن أن يتعرض لها قطاع عريض من الطلاب؟
قصف متواصل
يقول الخبير التربوي عبدالمنعم جبريل "هناك مشكلات عدة تواجه سير العملية التعليمية في البلاد من أبرزها عدم توافر المدارس بسبب الدمار الذي لحق ببعضها وتحول كثير منها إلى مراكز إيواء، إضافة إلى استخدام أخرى لأغراض عسكرية، كما أدى غياب المعلمين عن المشهد إلى توقف العملية التعليمية التي تحتاج إلى كوادر قادرة على مواجهة الظروف، فضلاً عن أن الحال المادية المتدنية بسبب الحرب وعدم قدرة أولياء الأمور على إلحاق أبنائهم بالمدارس التي تحتاج إلى مصاريف سنوية وشهرية ويومية زادت من تعقيد الوضع، كما أن انعدام الأمن أدى إلى عزوف الطلاب عن الدراسة بسبب القصف المتواصل بين طرفي الحرب، فشهدت مدارس عدة قصفاً مدفعياً راح ضحيته عشرات الطلاب".
وأضاف جبريل أنه "يمكن في ظل هذه الأوضاع إيجاد حلول لدعم العملية التعليمية مثل إنشاء مدارس موقتة أو فصول دراسية متنقلة لمواصلة التعليم في المناطق الآمنة، أو الاستعانة بالإنترنت أو الراديو لبث الحصص وتقليل الفجوة التعليمية، إضافة إلى توفير منح دراسية، سواء من خلال جهود الدولة أو مبادرات شعبية، لضمان استمرار الطلاب في تعليمهم على رغم الظروف الراهنة".
ويرى جبريل أن "التعليم عن بعد ليس الحل الأمثل، فمن الصعب أن يلتحق به الطلاب بسبب انقطاع الإنترنت والكهرباء وضعف الشبكة، إضافة إلى عدم توافر أجهزة جيدة، وهي كلها عوامل حرمت الآلاف من الاستفادة منه لذلك لم يستمر طويلاً، إذ حاول كثير من المدارس تقديم حصص عن بعد عبر تطبيقات الإنترنت، لكنها لم تلقَ إقبالاً كبيراً، مما أدى إلى توقفها".
ضغوط نفسية
في حين أوضحت الاختصاصية النفسية والتربوية إخلاص عشرية أن "انقطاع الطلاب عن الدراسة لفترة طويلة يؤدي إلى زيادة الضغط النفسي والقلق والشعور بعدم الأمان، مما يؤثر في قدرتهم على التركيز والتعلم".
ولفتت إلى أن الحرب تسببت في نقص الموارد التعليمية مثل الكتب والمواد الدراسية وتدهور البنية التحتية، مما انعكس سلباً على جودة التعليم ومخرجاته، إضافة إلى أن هناك اختلافات فردية بين الطلاب في قدراتهم واستعداداتهم، مما يجعل التأثير السلبي يظهر على نحو أوضح عند بعضهم".
وقالت "على المستوى المهني يمكن أن تؤدي الحرب إلى تأخير إكمال أعوام الدراسة، مما يؤثر في فرص العمل والتقدم المهني، وكذلك في اكتساب المهارات الاجتماعية والقيادية، مما ينعكس على جاهزية الطلاب لسوق العمل".
ونبهت إلى الآثار النفسية السلبية للحرب التي تتمثل في زيادة القلق والخوف لدى الطلاب، مما ينعكس على صحتهم النفسية، إضافة إلى الشعور بالاكتئاب والحزن، وتأثير ذلك في العلاقات مع الأسرة والأصدقاء، مما يتطلب وضع حلول مدروسة لمساعدة الطلاب في تجاوز هذه الأزمات، مثل توفير كوادر للدعم النفسي والإرشاد وتقديم خدمات نفسية للطلاب وأسرهم مع إيجاد بدائل تعليمية وفرص وظيفية لتعزيز الصحة النفسية.
وأشارت عشرية إلى ضرورة إيجاد وسائل لضمان استمرار العملية التعليمية من أهمها استخدام التعليم المتنقل لتقديم الدروس في المناطق التي يتعذر الوصول إليها بسبب الحرب وتعزيز التعليم عن بعد على رغم التحديات، فضلاً عن أهمية التركيز على التعليم غير الرسمي لمساعدة الطلاب الذين تعذر عليهم الالتحاق بالتعليم الرسمي.
انعدام الرغبة
وعن رأي الطلاب بتلك التحديات، يقول الطالب في المرحلة الثانوية خالد محمد "بالتأكيد أن انقطاع الدراسة لأعوام طويلة بسبب الحرب قتل في داخلي الرغبة في مواصلة التعليم، فما زلت معلقاً في الصف الثالث ثانوي لقرابة ثلاثة أعوام، وحتى بعد عقد امتحان الشهادة الثانوية خلال الفترة الأخيرة، إلا أنني لم أتمكن من خوض الامتحان لوجودي في أطراف العاصمة الخرطوم التي تشهد معارك متواصلة منذ قرابة عامين، مما جعلني أفكر جدياً في ترك التعليم نهائياً، إذ لا أرغب في إضاعة مزيد من الوقت".
وتشير الطالبة بيان عبدالعزيز التي تدرس في نهاية مرحلة الأساس (المتوسطة) بالقاهرة إلى أنها جاءت إلى مصر مع أسرتها هرباً من الحرب والتحقت مباشرة بإحدى المدارس التي تدرس المنهج التعليمي السوداني، لكن المشكلة أن استمرار الحرب أثر بصورة مباشرة في استمرارية دراستنا. فما زلنا ندرس بصورة غير منتظمة بسبب إغلاق المدارس في السودان، بالتالي لا يمكننا الانتقال من مرحلة إلى أخرى إلا بموافقة وزارة التربية والتعليم السودانية، مما يجعل وضعنا مشابهاً لحال الطلاب داخل البلاد فنشعر بإحباط نفسي ونعجز عن إيجاد حل".