ملخص
ينحدر إمام أوغلو من عائلة كانت تعمل في الزراعة في طرابزون، وبدأ مسيرة التعليم في مرحلة مبكرة جداً من عمره، فكان يقرأ القرآن الكريم باللغة العربية وهو في سن الخامسة، ثم التحق بالمدرسة الابتدائية بقرية "يلدزلي"، وتابع تعليمه الثانوي في مدرسة مدينة طرابزون للثانوية العامة.
في كنف طرابزون حيث جنة الأتراك وملاذهم إلى جمال الطبيعة، شق أكرم إمام أوغلو المولود في الثالث من يونيو (حزيران) 1971 طريقه نحو عالم السياسة، حين دارت الأعوام وتحول ذلك الطفل إلى شخصية رئيسة في السياسة التركية تارة بإثارة الجدل وأخرى بطموح قاده إلى تجهيز الذات لمواجهة رجب طيب أردوغان في انتخابات الرئاسة 2028.
لكن الرياح التركية جرت بما لا تشتهي سفن إمام أوغلو، فعصفت به ملفات تتعلق بالفساد والإرهاب وقضايا أخرى تهدد مستقبله السياسي بالكامل.
لم يكن إمام أوغلو معروفاً في الوسط السياسي قبل عام 2014، ففي ذلك العام رشحه حزبه (الشعب الجمهوري)، لانتخابات بلدية منطقة بيليك دوزو في إسطنبول، ففاز بها، وبدأ نجمه يبرز بالسياسة التركية على الصعيدين الخدمي في البلديات والسياسي في الحزب المعارض، حتى تمكن من كسب ثقة قادة الحزب ليدعموا ترشيحه لانتخابات بلدية إسطنبول الكبرى، وهنا أيضاً تمكن من الفوز على منافسه مرشح حزب العدالة والتنمية بن علي يلدرم، على رغم أن الأخير كان يشغل منصب رئيس الوزراء.
في محاولة لحفظ ماء وجه الحزب الحاكم سارع "العدالة والتنمية" إلى الطعن في نتائج الانتخابات، وبعد تحقيقات أجراها المجلس الأعلى للانتخابات قرر إلغاء النتيجة، وإعادة الجولة التصويتية، فتحولت جولة الإعادة من محاولة هزيمة أكرم إلى تحقيقه فوزاً ساحقاً، ليستمر في منصبه هذا خمسة أعوام. عاد الرجل وترشح مجدداً وفاز مرة ثانية برئاسة بلدية إسطنبول في الـ31 من مارس (آذار) 2024، حتى بات ينظر إليه على أنه المرشح الأقوى للمنافسة في انتخابات الرئاسة المقبلة، إلا أن هذا الاحتمال بدأ يتلاشى تدريجاً بعد إلغاء شهادته الجامعية واعتقاله لتهم متعددة بينها دعم الإرهاب، وهي تهمة يقول مراقبون إنه لا تحمد عقباها.
المحطات التعليمية
ينحدر إمام أوغلو من عائلة كانت تعمل في الزراعة في طرابزون، وبدأ مسيرة التعليم في مرحلة مبكرة جداً من عمره، فكان يقرأ القرآن الكريم باللغة العربية وهو في سن الخامسة، ثم التحق بالمدرسة الابتدائية بقرية "يلدزلي"، وتابع تعليمه الثانوي في مدرسة مدينة طرابزون للثانوية العامة، وبعد تخرجه التحق بجامعة شرق البحر الأبيض المتوسط في جمهورية شمال قبرص التركية، لكنه لم يدرس فيها سوى أيام قليلة قبل أن ينتقل إلى جامعة جيرني الأميركية، وتحديداً في كلية الاتصالات.
عام 1987 انتقل مع عائلته إلى مدينة إسطنبول، العاصمة الفعلية لتركيا وكبرى مدنها وأهمها، فالتحق عام 1990 بكلية إدارة الأعمال (قسم اللغة الإنجليزية) في جامعة إسطنبول، ليتخرج فيها بعد أربعة أعوام، وخلال عام 1995 بدأ إمام أوغلو دراسة الماجستير في معهد العلوم الاجتماعية التابع للجامعة نفسها.
الكيس الطائر
إلى جانب حياته التعليمية، لدى إمام أوغلو شغف برياضة كرة اليد، فبدأ باللعب منذ التحاقه بالمدرسة الابتدائية، كما التحق بفريق مدرسة طرابزون الثانوية كحارس مرمى، وخلال وجوده في قبرص كان أحد حراس مرمى نادي "ترك أوجاجي ليماسول"، وبدا أداؤه جيداً حتى لقبه الفريق بـ"الكيس الطائر"، في الفترة بين عامي 2002 و2003 كان عضواً في مجلس إدارة نادي طرابزون سبور.
في إسطنبول استقرت عائلته بمنطقة "كادي كوي" ذات الطابع الغربي، وخلال الفترة ما بين 1992 وحتى 2001، كان إلى جانب تعليمه، يدير مقهى "إمام أوغلو" الذي تملكه عائلته، وكان له أفرع عدة في مناطق مختلفة من إسطنبول.
نفق السياسة
على الصعيد السياسي كانت التجربة الأولى لأكرم إمام أوغلو من خلال مشاركته في اجتماعات فرع الشباب في "حزب الوطن الأم" بداية التسعينيات، حين كان والده السيد إمام هو أحد الرؤساء المؤسسين للحزب. ومع مطلع القرن الـ21 بدأت تستهويه أفكار حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك، لكنه في البداية لم يستطع الانسجام مع قيادة الحزب بسبب خلافات حول "الأفكار الكمالية"، وفق ما أفادت به وسائل إعلام تركية.
ومع ذلك استمر بالعمل مع الحزب، فعُين رئيساً لفرع الحزب في مقاطعة بيليك دوزو عام 2009، وخلال خمسة أعوام في هذا المنصب استطاع تحقيق إنجازات وصفت بـ"الكبيرة" للحزب، لدرجة أن البلدية التي كانت من صالح حزب العدالة والتنمية أصبحت إحدى الحواضن الشعبية لحزب الشعب الجمهوري، لذلك قرر الحزب ترشح إمام أوغلو لمنصب رئيس بلدية بيليك دوزو، واستطاع الفوز في انتخابات 2014، وبقي في منصبه هذا خمسة أعوام أيضاً استطاع خلالها كسب مزيد من ثقة الحزب.
بات أكرم إمام أوغلو شخصية معروفة في إسطنبول، فقرر حزب الشعب الجمهوري وضعه في منافسة مرشح حزب العدالة والتنمية في انتخابات البلديات عام 2019، وعلى رغم أن أملهم في هزيمة الحزب الحاكم كان ضئيلاً فعلها الرجل وفاز برئاسة بلدية إسطنبول، وهنا سطع نجمه وبات شخصاً معروفاً في كل أنحاء تركيا، بل والصعيد الإقليمي والدولي.
محاولة اغتيال مزعومة
في مساء الأول من ديسمبر (كانون الأول) 2020، زعمت وسائل إعلامية تابعة للمعارضة التركية، أن تنظيم "داعش" الإرهابي خطط لاغتيال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو.
من جهتها أكدت بلدية إسطنبول هذه المزاعم، قبل أن تصدر المديرية العامة للأمن في وقت لاحق بياناً رسمياً نفت فيه صحة مثل هذه "الإشاعات".
التحالف السداسي
مطلع عام 2023 بدأت الانتخابات الرئاسية التركية بالاقتراب، وبات على المعارضة اختيار مرشح قوي يمكنه هزيمة أردوغان، فتشكل قبل ذلك ما يسمى "الطاولة السداسية"، وهو تحالف بين ستة أحزاب تركية معارضة، من بينها حزب الشعب الجمهوري، فظهرت توقعات بأن تقوم "الطاولة السداسية" باختيار إمام أوغلو لمنافسة أردوغان، لكن خلافات حادة بين قادة حزب الشعب الجمهوري حالت دون ذلك.
وبالفعل جرى ترشيح كمال كليتشدار أوغلو، الذي لا يتمتع بشخصية قوية مثل أكرم إمام أوغلو، وليس لديه الشعبية التي يمكنه من خلالها مواجهة أردوغان، فركز كليتشدار أوغلو في حملته الانتخابية على معاداة اللاجئين، ووصل به الأمر إلى نشر لافتات طرقية كبيرة يهدد بها اللاجئين السوريين بشكل خاص ومباشر، مما أثار غضب شريحة واسعة من مؤيدي حزب الشعب الجمهوري، وكان أحد أسباب خسارته في الانتخابات، وإعادة فوز أردوغان مجدداً.
عواصف داخلية
هزيمة كليتشدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية فتحت صفحة جديدة من الخلافات بين قادة حزب الشعب الجمهوري، ووصل الأمر إلى خروج أكرم إمام أوغلو في مقطع مصور يدعو فيه إلى "التغيير في قيادة الحزب"، وهو ما اعتبر هجوماً مباشراً من أكرم على كمال.
بعد أشهر قليلة انتُخب أوزغور أوزال رئيساً للحزب بدلاً من كليتشدار أوغلو، لكن أوزال أيضاً لا يتمتع بالكاريزما ولا بالشعبية التي يحظى بها إمام أوغلو، فبدأ الأخير يطمح لرئاسة الحزب، ثم رئاسة الجمهورية، لكن بنظرة من كثب هناك منافس آخر يراقب، وهو منصور يافاش، أحد أبرز قادة الحزب، ورئيس بلدية أنقرة، وهو الذي خرج بتصريحات أثارت الجدل بعد اعتقال أكرم، حين قال إن القانون يجب أن يأخذ مجراه.
قضايا الفساد والإرهاب
خلال ترأسه بلدية إسطنبول، واجه إمام أوغلو عدداً من قضايا الفساد، وأثار الجدل في أكثر من مناسبة، بما في ذلك زياراته المتكررة للدول الأوروبية، ولقاءاته المتعددة في إسطنبول مع سفراء الدول الغربية، كذلك ابتعد كلياً من الشأن السياسي الإقليمي، ولم يكون علاقات مع الدول العربية أو دول الجوار التركي، فيما أثارت السلطات شبهات لتعاون بين حزب الشعب الجمهوري وحزب العمال الكردستاني بتقديم تسهيلات أشرف عليها إمام أوغلو شخصياً، وهذا الأمر يعد واحداً من أكثر القضايا حساسية في البلاد.
في مساء الـ18 من مارس الجاري أعلن مجلس إدارة جامعة إسطنبول سحب شهادات 28 شخصاً من بينهم إمام أوغلو، لأسباب عدة وفق بيان الجامعة، بينها "الغياب" و"الخطأ الواضح" و"عملية نقل أفقي غير منتظم في برنامج اللغة الإنجليزية بالجامعة عام 1990"، إلا أن إمام أوغلو رفض القرار ووصفه بأنه "غير قانوني".
في صبيحة اليوم التالي اعتقلت الشرطة التركية إمام أوغلو في إطار تحقيقات بـ"الإرهاب والجريمة المنظمة"، ولا يزال رهن الاعتقال حتى لحظة إعداد هذا التقرير.