Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حكومة سرية في وريقة... الـ"سي آي أي" واغتيال الرئيس

الاستخبارات المركزية أشركت 300 موظف بكلفة مليون دولار سنوياً لفتح رسائل بريد شملت قراءة خطابات القاتل

خلال فعالية في مقبرة أرلينغتون الوطنية لإحياء الذكرى الـ50 لاغتيال روبرت ف. كينيدي، 6 يونيو 2018 (أ ف ب)

ملخص

لم تكن هذه سوى فقرة واحدة في وثيقة حكومية واحدة من بين عدد لا حصر له من الوثائق ألقي به منذ تسعينيات القرن الماضي في غياهب روايات ونظريات اغتيال كينيدي، وهو ما يثير أسئلة واسعة حول سبب حجب تفاصيل نطاق برنامج "سي آي أي" للتجسس على البريد كل هذه الأعوام.

حتى الآن، لا شيء من آلاف الوثائق السرية التي كُشف عنها يبدد بشكل قاطع فكرة أن لي هارفي أوزوالد كان المسلح الوحيد في عملية قتل الرئيس الأميركي جون كينيدي في الـ22 من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1963، لكن مع إصدار الأرشيف الوطني مزيداً من سجلات الاغتيال، برزت وثيقة صغيرة أثارت شكوك أحد أبرز المؤرخين الأميركيين حول دور قسم مكافحة التجسس بوكالة الاستخبارات الأميركية في اغتيال كينيدي، الذي ظل يتابع على مدى عامين رسائل بريد قاتل كينيدي حينما كان يقيم في الاتحاد السوفياتي، فما تفاصيل الوثيقة؟ ولماذا حجبت تفاصيل نطاق برنامج الاستخبارات المركزية للتجسس على البريد لمدة 60 عاماً؟

غياهب الحكومة السرية

في الصفحة الثالثة من مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي عام 1958، وهي وثيقة مصنفة سرية برزت فقرة صغيرة، لم تكشف ما كان معلوماً منذ فترة طويلة بأن الحكومة الأميركية كانت تفتح المظاريف وتتجسس على بريد المواطنين الأميركيين، لكنها حددت أن وكالة الاستخبارات المركزية كانت تشرك ما يصل إلى 300 من موظفيها في جوانب مختلفة من عملية تغطية البريد بكلفة مليون دولار سنوياً، التي شملت قراءة رسائل قاتل الرئيس كينيدي لي هارفي أوزوالد.

ولم تكن هذه سوى فقرة واحدة في وثيقة حكومية واحدة من بين عدد لا حصر له من الوثائق ألقي به منذ تسعينيات القرن الماضي في غياهب روايات ونظريات اغتيال كينيدي، وهو ما يثير أسئلة واسعة حول سبب حجب تفاصيل نطاق برنامج "سي آي أي" للتجسس على البريد كل هذه الأعوام، وما إذا كان هذا الكشف وغيره من قطع الألغاز المشابهة لها ستحدد من قتل كينيدي، أم أن هذه القطع الصغيرة تقدم فقط سياقاً أوسع وخيوطاً متفرقة حول الحكومة السرية الأميركية.

اقرأ المزيد

تصف رسالة مكتب التحقيقات الفيدرالي التي كتبها أي أتش بلمونت عام 1958، وهو مسؤول كبير في المكتب (متوفى حالياً)، كيف علم "أف بي آي" أن العملاء السوفيات حول العالم كانوا ملزمين إذا أرادوا مقابلة مديرهم، إرسال مراسلات إلى شخص يدعى سميرنوف، وتوجه إلى مكتب البريد المركزي في فلاديمير بالاتحاد السوفياتي، ولهذا استفسر مكتب التحقيقات الفيدرالي من خدمة البريد الأميركية حول تقييم جدوى فتح البريد المتجه إلى الاتحاد السوفياتي.

لكن في الوقت نفسه تقريباً من شهر يناير (كانون الثاني) تواصل رئيس قسم مكافحة التجسس في وكالة الاستخبارات المركزية، جيمس أنغليتون، الذي اتضح بعد ذلك أنه كان يتعقب أوزوالد قبل اغتيال كينيدي في دالاس عام 1963، مع مسؤول في مكتب التحقيقات الفيدرالي كان قد علم باستفسارات المكتب مع هيئة البريد، وأراد أن يطلعه على أمر سري قال إنه قد يؤدي إلى فصله من الوكالة، وفقاً للمذكرة.

أخبر أنغليتون مسؤول مكتب التحقيقات الفيدرالي أن "سي آي أي" لديها بالفعل برنامج قيد التشغيل لاعتراض البريد، وأن هدفه الوحيد هو تحديد هوية الأشخاص المحتمل تجنيدهم لمصلحة الوكالة خلف الستار الحديدي (داخل الاتحاد السوفياتي) الذين يحتمل أن تكون لهم صلات بالولايات المتحدة، كذلك أخبر مسؤول المكتب أن البرنامج يدار من نيويورك، ويتضمن مجموعة معقدة من أجهزة "آي بي أم" لجمع النتائج وتصنيفها، بحسب مذكرة مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تلخص ما قاله أنغليتون.

ثم كشفت المذكرة للمرة الأولى عن أن مئات من موظفي وكالة الاستخبارات المركزية كانوا منتظمين حصرياً في جوانب مختلفة من التغطية لهذه العملية (التجسس على البريد)، التي تجاوزت كلفتها مليون دولار سنوياً، وهو رقم كبير في ذلك الوقت، ووصفت رسالة "أف بي آي" بعض إجراءات وكالة الاستخبارات المركزية مثل كيف صورت المظاريف في البداية على ميكروفيلم، وفهرست الأسماء والعناوين الظاهرة عليها باستخدام أجهزة "آي بي أم"، وكيف فتحت الوكالة قبل أشهر عدة بعض هذه الرسائل، وصورت محتوياتها على ميكروفيلم، وفهرست البيانات ذات الصلة، إذ فهرست الوكالة ما يقارب 250 ألف اسم.

مسؤولية الـ "سي آي أي"

غير أن المراسل السابق في صحيفة "واشنطن بوست"، جيفرسون مورلي، وهو أحد أبرز المؤرخين والباحثين في شؤون كينيدي، الذي كتب سيرة ذاتية موسعة عام 2017 عن جيمس أنغليتون، رئيس قسم مكافحة التجسس في "سي آي أي"، نشر مساء الخميس الماضي عبر منصة "سابستاك" استنتاجاً مذهلاً تحت عنوان "حقائق جون كينيدي"، مفاده أن نمط الحقائق المستقاة من وثائق جون كينيدي الجديدة يؤكد أن زمرة صغيرة في قسم مكافحة التجسس بوكالة الاستخبارات المركزية كانت مسؤولة عن اغتيال جون كينيدي.

وفي وقت لاحق من تلك الليلة شرح تفاصيل أكثر خلال مشاركة عامة عبر تطبيق "زووم" مع متابعيه والنائبة الجمهورية، رئيسة فريق عمل مجلس النواب المعني برفع السرية عن الأسرار الفيدرالية، آنا بولينا لونا، وهو ما جعل لونا تعلن أن مورلي سيشهد في جلسة استماع لفريق العمل في الأول من أبريل (نيسان)، لتعزز بشهادته سعيها في البحث عن تقرير حول مخالفات وكالة الاستخبارات المركزية صدر عن مكتب المفتش العام للوكالة، ويورطها في اغتيال جون كينيدي.

قال مورلي خلال مكالمته المفتوحة عبر "زووم" إن أنغليتون كان العقل المدبر وراء اغتيال لي هارفي أوزوالد الذي اغتال كينيدي، مشيراً إلى أن فشل أنغليتون في اعتراض أو اتخاذ أي إجراء في شأن أوزوالد في وقت كان يدير عمليات حوله، يشير إلى أن أنغليتون لعب دوراً متواطئاً في اغتيال كينيدي.

ظل اهتمام مورلي منصباً على أنغليتون بطل تحقيقه الذي استمر أعواماً في كتابه، وهو رجل قضى حياته المهنية في البحث عن مسؤولي وكالة الاستخبارات المركزية الذين يعملون سراً لمصلحة السوفيات، كذلك درس مورلي في السابق برنامج التجسس على البريد التابع لوكالة الاستخبارات المركزية، الذي استمر من عام 1956 إلى عام 1973 تقريباً، وفحص الرسائل بين أوزوالد ووالدته عندما كان يعيش في الاتحاد السوفياتي أكثر من عامين.

ومع متابعاته الدقيقة للوثائق السرية التي ظلت تتكشف تباعاً خلال الأعوام الأخيرة، فوجئ مورلي بحجم العملية، وهو نطاق يوحي له بأن مراقبة الوكالة أوزوالد قبل الاغتيال كانت جزءاً من جهد منسق وواسع النطاق لتجنيد أميركيين يعيشون أو يسافرون إلى الاتحاد السوفياتي كجواسيس، وعلى رغم علمه بأن مكتباً واحداً لـ "سي آي أي" في نيويورك كان يتولى هذه المهمة، فإن اتساع نطاق التجسس على البريد يظهر أن الأمر كان أكبر مما كان يعتقد، وأن أكثر من 10 ملايين دولار سنوياً كانت تنفق على العملية في الأعوام التالية.

وبينما كان الشعب الأميركي يعلم منذ زمن طويل ببرنامج اعتراض البريد الذي تنفذه الوكالة ضد الأميركيين، إلا أن مورلي يتفهم سبب كتمان الحكومة هذه العملية ونطاقها على مدى ستة عقود نظراً إلى حساسية الأمر.

المزيد من تقارير