ملخص
على رغم تمثيلها سياسياً تحت قبة البرلمان بـ31 نائباً عبر حزب جبهة العمل الإسلامي، يدفع الإخفاق والتراجع في حشد الشارع والتأثير في السياسات العامة الجماعة اليوم إلى تبني إستراتيجيات جديدة تشكل لها أداوت ضغط ومناورة سياسية بوصفها التيار السياسي الأكبر في البلاد والأكثر تنظيماً.
في ظل تصاعد الخطاب الحاد ضدها خلال الأشهر الأخيرة تسعى جماعة الإخوان المسلمين في الأردن إلى استعادة حضورها السياسي وتعزيز نفوذها من خلال الانتخابات النقابية، إدراكاً منها لأهمية النقابات المهنية كمنصات مؤثرة في المشهد السياسي والاجتماعي بالمملكة.
وتسعى الجماعة إلى تحقيق نتائج إيجابية في هذه الانتخابات وتصدر القوائم، تعويضاً لتراجعها الملاحظ في الشارع وإعادة ترسيخ وجودها في مراكز صناعة القرار النقابي، مما قد يمنحها أوراق ضغط جديدة في معادلة التوازنات السياسية الداخلية في الأردن.
الحزب لا يكفي
على رغم تمثيلها سياسياً تحت قبة البرلمان بـ31 نائباً عبر حزب جبهة العمل الإسلامي، يدفع الإخفاق والتراجع في حشد الشارع والتأثير في السياسات العامة الجماعة اليوم إلى تبني إستراتيجيات جديدة تشكل لها أداوت ضغط ومناورة سياسية بوصفها التيار السياسي الأكبر في البلاد والأكثر تنظيماً.
واتسمت المشاركات البرلمانية للجماعة بسلسلة من النجاحات والانتكاسات، ففي الانتخابات البرلمانية لعام 2016 عاد الإخوان للمشاركة بعد مقاطعة دامت ثمانية أعوام، وحصلوا على 15 مقعداً من أصل 130، مما شكل ما نسبته 13.8 في المئة من إجمال المقاعد، أما في انتخابات 2020 فتراجعت حصتهم إلى ثمانية مقاعد فقط، مما عُد انتكاسة للجماعة، التي عادت لتحقيق تقدم في انتخابات 2024، بحصولها على 31 مقعداً من أصل 138، مستفيدين من قانون انتخابي جديد يعزز دور الأحزاب السياسية ويزيد من نسبة تمثيلها.
عين على النقابات
إلى جانب البرلمان والعمل الحزبي، حاولت جماعة الإخوان المسلمين السيطرة تاريخياً على عدد من النقابات المهنية وتعزيز نفوذها في واحدة من أنشط منصات العمل السياسي والاجتماعي في البلاد.
فمنذ تسعينيات القرن الـ20، سيطر الإخوان المسلمون على عدد من النقابات المهنية البارزة كنقابات المهندسين والمحامين والأطباء، ولاحقاً نقابة المعلمين التي أغلقت بقرار قضائي عام 2020.
وفي الأعوام الأخيرة تراجع حجم نفوذ الإخوان في النقابات المهنية لصالح تيارات سياسية وسطية قريبة من الحكومة، مما دفع مرشحي الجماعة إلى الانسحاب من كثير من هذه النقابات واتهام الحكومات بالسيطرة عليها والتأثير في نتائجها.
ويرى مراقبون أن الجماعة تبحث عن تعزيز وجودها في النقابات المهنية لتعويض التراجع العام لها والحفاظ على نفوذها الاجتماعي والسياسي، مما يعكس قدرتها على التكيف مع المتغيرات السياسية، وبناء التحالفات مع قوى سياسية واجتماعية.
ماراثون انتخابي
من جهته أكد النقابي البارز أحمد أبو غنيمة أن ماراثون الانتخابات النقابية مؤشر إلى مصداقية الدولة بمنظومة التحديث السياسي، ووقف التدخلات الرسمية فيها.
وأوضح أن معظم منتسبي النقابات المهنية أعضاء فاعلون في الأحزاب السياسية، لذلك لم يكن هناك فصل بين العمل النقابي والحزبي، بل عُزز "تحزيب" النقابات وليس تعزيز "مهنتها" كما كانت الدولة تطالب دوماً.
وطالب أبو غنيمة بعدم تدخل الدولة في انتخابات النقابات المهنية، وأن تلتزم ممارسة الحيادية، بينما على القوى والتيارات الفاعلة في النقابات أن تضع مصالح نقاباتها والمنتسبين لها في سلم أولوياتها في المرحلة المقبلة بعيداً من المناكفات السياسية أو الفكرية أو الحزبية.
وتصر جماعة الإخوان على ترديد تهمة التدخل الرسمي في انتخابات النقابات المهنية على رغم نفي الحكومة ذلك، واليوم تحذر الجماعة مجدداً من تكرار سيناريو التدخلات في انتخابات النقابات المهنية عام 2022 التي تسببت بتراجع دور ومكانة النقابات المهنية على حد تعبيرها.
ووجه حزب جبهة العمل الإسلامي الذراع السياسية لجماعة الإخوان مذكرة إلى رئيس الوزراء الأردني جعفر حسان، طلب فيها وقف التدخل في انتخابات النقابات المهنية التي ستجرى هذا العام.
سياسة أم خدمات؟
يعتقد مراقبون أن النقابات المهنية في الأردن شهدت تراجعاً ملحوظاً في دورها وحضورها، مقارنة بأعوامها الذهبية في تسعينيات القرن الـ20 ومطلع الألفية الجديدة، حين كانت تشكل أحد أبرز الفاعلين في المشهد السياسي والاجتماعي، فبعدما لعبت دوراً محورياً في التأثير في القرارات السياسية وقيادة الحراك الشعبي، تراجع نفوذها اليوم تحت وطأة المتغيرات السياسية والتشريعية والتحديات الداخلية، فضلاً عن تراجع الأحزاب التي شكلت المحرك الأساس لها.
وأكد نقيب المهندسين السابق عبدالله عبيدات أن ثمة تدخلات رسمية وغير رسمية في انتخابات نقابة المهندسين، مما يؤثر بشكل مباشر في مسار العملية الانتخابية.
في حين يعتقد نقيب المحامين السابق مازن إرشيدات أن أعضاء النقابات يبحثون عمن يعالج قضاياهم المعيشية كالتقاعد والتأمين والخدمات الأخرى، وأن توجهات الناخبين باتت تعتمد كثيراً على العلاقات الشخصية وليس الانتماء الحزبي.
غير أن تيارات أخرى مناوئة للإسلاميين تقول إن ما يحدث فعلياً هو تراجع حضور الإسلاميين في النقابات، ومن ثم تراجع الثقة بمشروعهم السياسي وتفضيل مشاريع سياسية ونقابية أخرى، لذا فمن غير المنصف تحميل فشل هذا المشروع للآخرين، إلا أن هذا لا ينفي قدرة السلطات الأردنية على ترويض وتحجيم الإسلاميين في العمل النقابي، وهم الذين مارسوا العمل السياسي على حساب النقابي في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة يعانيها الأردنيون.
من المعارضة إلى التكيف
بين هذا وذاك رأى النقابي هشام البستاني الذي يمثل التيار اليساري أن النقابات المهنية الأردنية كانت تمثل أحد أبرز أوجه الحراك السياسي والاجتماعي في البلاد، وتبنت قضايا حساسة كمقاومة التطبيع والدفاع عن القضية الفلسطينية ومناهضة السياسات الاقتصادية الحكومية والمطالبة بالحريات العامة.
إلا أن البستاني عاد ليشير إلى أن ما شهدته النقابات من تحولات في أدوارها بسبب تحكم الإسلاميين ممثلين بجماعة الإخوان المسلمين واستثمار هذا التحكم كأداة للصراع مع الدولة وأيضاً بسبب تسلل قوى مقربة من الحكومة، أدى إلى تراجع القوى القومية واليسارية.
وأوضح البستاني أن "النقابات كانت في الماضي تمثل ضمير المجتمع، لكنها اليوم باتت أداة في الصراع السياسي بين الإسلاميين والسلطة، وشهدت الأعوام الأخيرة صعود قيادات نقابية من خلفيات اقتصادية نافذة، ويبدو لي أن النقابات المهنية الأردنية، التي كانت يوماً ما رأس الحربة في المشهد السياسي والاجتماعي، تخلت عن موقعها كمحرك رئيس للحراك الشعبي، واتجهت نحو التكيف مع الواقع السياسي السائد".
وتعتبر النقابات المهنية في الأردن من أبرز مؤسسات المجتمع المدني، إذ يتجاوز عدد أعضائها نصف مليون منتسب، وتقدم لمنتسبيها عدداً من الخدمات المهمة مثل القروض وخطط الإسكان والتأمين الصحي ومعاش التقاعد وخدمات أخرى، كذلك فإنها تشكل مظلة حماية اجتماعية لمنتسبيها.