ملخص
كثر يتساءلون عن أثر معركة وسط الخرطوم التي بسط فيها الجيش السوداني سيطرته التامة على هذه المنطقة الاستراتيجية من قبضة قوات "الدعم السريع"، على مجريات ومسار الحرب ووضع ومستقبل "الدعم السريع" في ضوء تراجعه القتالي، وكذلك وجهة الجيش القادمة.
لا يزال صدى معركة وسط الخرطوم التي بسط فيها الجيش السوداني سيطرته التامة على هذه المنطقة الاستراتيجية من قبضة قوات "الدعم السريع" قرابة العامين يتردد وسط السودانيين في مواقع التواصل الاجتماعي من خلال تداول عديد من مقاطع الفيديو التي بثها أفراد من الجيش عن ضراوة المعارك العنيفة التي خاضوها، فضلاً عن كثافة النيران وحجم الدمار الذي لحق بمعظم المواقع المهمة خاصة القصر الجمهوري والوزارات المختلفة.
لكن كثراً يتساءلون عن أثر هذه المعركة على مجريات ومسار الحرب ووضع ومستقبل "الدعم السريع" في ضوء تراجعه القتالي، وكذلك وجهة الجيش القادمة.
ملحمة بطولية
المتخصص في إدارة الأزمات والتفاوض في مركز البحوث الاستراتيجية بالخرطوم اللواء أمين إسماعيل مجذوب قال إن "معركة وسط الخرطوم التي بسط فيها الجيش السوداني سيطرته التامة على تلك المنطقة المهمة التي تقع فيها المواقع السيادية والتاريخية، كانت ملحمة بطولية، إذ ألحق الجيش وحلفاؤه هزيمة ساحقة بتلك القوات المتمردة التي لم يصبح لها وجود على الأرض، بل انحسرت تماماً وأصبحت في موقع الدفاع، فضلاً عن قيامها بقصف المدنيين بالمدفعية واستخدام المسيرات لمجرد إثبات وجود".
وأضاف مجذوب "من المؤكد أن الجيش سيتوجه عقب انتهائه من تمشيط وسط العاصمة إلى تطهير أحياء جنوب وشرق الخرطوم من هذه الميليشيات التي أصبحت أمام خيار واحد هو الانسحاب باتجاه جسر جبل أولياء للعبور غرباً لولايتي كردفان ودارفور في محاولة لتجميع صفوفها، أو الفرار إلى دول الجوار للنجاة من الموت، وذلك بعد انقطاع خطوط الإمداد عنها داخل الخرطوم، سواء إمدادات لوجيستية أو ذخائر أو وقود".
وأشار المتحدث إلى أن قوات "الدعم السريع" أصبحت "في وضع سيئ للغاية معنوياً وقتالياً وتعاني ارتباك صفوفها، حيث تلفظ أنفاسها الأخيرة، فلم يعد لديها قيادات ميدانية على الأرض أو سيطرة مركزية، وإنما هي مجموعات منفصلة عن بعضها بعضاً يحاصرها الجيش من كل الجهات".
ولفت مجذوب إلى أن "الانتصارات المتلاحقة للجيش ستتيح له الاتجاه إلى أهداف أخرى في جنوب أم درمان وغربها وربما تتحرك فرقه ووحداته العسكرية الأخرى نحو ولايات كردفان ودارفور لتطهيرها من هذه القوات المتمردة".
وأوضح المتخصص في إدارة الأزمات والتفاوض بمركز البحوث الاستراتيجية أن "الجيش حقق مكاسب وانتصارات مذهلة، لكن هذا لا يعني أن الحرب انتهت، إذ ما زالت للميليشيات جيوب في الولايات الغربية، لكن مؤكد أننا في مرحلة العد التنازلي لهذه الحرب".
قوة منهكة
من جانبه أفاد الباحث في الشؤون العسكرية اللواء ركن عبدالغني عبدالفراج عبدالله أن "الدعم السريع" كانت تسيطر على كامل ولاية الخرطوم في بداية الحرب، بحكم أنها "كانت تقوم بتأمين كل المرافق الاستراتيجية بما فيها القصر الجمهوري والقيادة العامة والوزارات والإذاعة والتلفزيون وحراسة الشخصيات المهمة، فهي تتميز بتدريب عالٍ وتسليح متكامل وعمليات تجنيد مستمر في كل الولايات، مما مكنها من التفوق العددي والتسليح، لكن سرعان ما أعاد الجيش ترتيب خططه من خلال تكثيف عملية الاستنفار وعودة الاحتياط المركزي والقوات المشتركة بما فيها قوات درع السودان بقيادة أبو عاقلة كيكل".
وتابع عبدالله "أي انتصار تحقق أو يتحقق يصب في قرب انتهاء الحرب، ويرجع تفوق الجيش إلى الضربات القوية التي سددها سلاح الجو التابع له، والتي أدت إلى مقتل معظم قادة ’الدعم السريع‘ وتدمير قوتها الصلبة، فضلاً عن افتقاد تلك القوات ميزة الفزع وكثافة النيران، كما أن فقدها المستمر لقواتها جعلها تستعين بأفراد من المتعاونين من دون إخضاعهم للتدريب".
وأضاف الباحث في الشؤون العسكرية في الحديث "لم يتبق لـ’الدعم السريع‘ سوى الاستسلام بعدما فقدت معظم أراضيها وقواتها، وأصبحت قوة متهالكة ومنهكة، إذ تمر بحالة من الانهيار التام، فالخطوة القادمة للجيش ستكون الاتجاه إلى كردفان الكبرى بولاياتها الثلاث، وفك حصار الفاشر عاصمة شمال دارفور، ومن ثم الزحف نحو الجنينة ونيالا والضعين وزالنجي، وبذلك تكون البلاد خالية من كل أفراد الميليشيات".
دافع معنوي
في السياق أوضح المراقب العسكري اللواء عمران يونس أن "انتصارات الجيش تشكل دافعاً معنوياً كبيراً لمزيد من العزيمة والإصرار لنظافة البلاد من المتمردين والمرتزقة الذين لا هدف لهم غير القتل والدمار".
ولفت يونس إلى أن تفوق الجيش الحالي ليس بمستغرب لما له من تاريخ طول في القتال يمتد إلى 100 عام، فضلاً عن اعتماده على التخطيط العلمي والاستفادة من التقنيات الحديثة والتدريب الجيد، وأهدافه الواضحة عكس المتمردين الذين يقاتلون مقابل الغنائم التي يحصلوا عليها بالنهب والسرقة وممارسة كل أنواع الانتهاكات الوحشية في حق المواطنين العزل.
ومضى المراقب العسكري في القول "بانتهاء معركة وسط العاصمة التي كانت بمثابة معركة تكسير عظام أصبحت الخرطوم نظيفة من الميليشيات إلا من بعض الجيوب في جنوب الخرطوم وغرب أم درمان وجنوبها، ومن المؤكد أن الجيش سيواصل زحفه حتى إعلان انتهاء التمرد نهائياً، ولا أعتقد أن يكون لـ’الدعم السريع‘ مستقبل عسكري أو سياسي".
تضليل إعلامي
من جهته أشار الأمين العام للقيادة المركزية العليا لضباط وضباط الصف والجنود السودانيين المتقاعدين (تضامن) المقدم محمد نور بالقول "في تقديري إن استخدام الجيش للطيران والمدفعية الثقيلة والمتوسطة كان له الفضل في إرباك تحركات ’الدعم السريع‘، كما مكنه من التقدم في عدة محاور في العاصمة والتي كان آخرها وسط الخرطوم، فضلاً عن سيطرته على الجسور المهمة، على رغم أنه خلف ضحايا وإصابات وسط المدنيين وتدمير للبنية التحتية"، مضيفاً أن وجود "الدعم السريع" في الجهة الغربية من مطار الخرطوم والقيادة العامة قد يشكل تهديداً متوقعاً ربما يؤثر في تقدم الجيش وهي طبيعة المعارك الدائرة والتي تتميز فيها "الدعم السريع" بخفة الحركة وسرعة الالتفاف.
وأضاف المسؤول العسكري السابق "المراقب للموقف العملياتي يلحظ أن الجيش ركز في إعادة تنظيمه وترتيب خططه على قوات المشاة والتي كان يفتقدها طوال تطورات الحرب، لذلك لم تكن لديه سيطرة على الأرض، بينما نجد أن فقدان ’الدعم السريع‘ قادة مؤثرين تسبب في فقدانها عنصر القيادة والسيطرة وسط قواتها، كما أن انفتاحها على ولايات عدة، بخاصة ولايتي دارفور وكردفان أثر على خطوط إمدادها وكان عاملاً مؤثراً في سير المعارك".
وتابع نور "لكن علينا أن نضع في الاعتبار أن قوات ’الدعم السريع‘ تعتمد في معاركها على الفزع وعمليات الكر والفر، في حين يعتمد الجيش على التقدم والارتكاز رغم ضعف ارتكازاته التي قد تجدها الأولى (الدعم السريع) فرصة لتحقيق خسائر وسط الجيش وهو ما يجعل قراءة المعركة وتطوراتها قيد الاحتمالات المفتوحة على الجانبين، وكما ركز الجيش على ولاية الخرطوم يمكن أن تستهدف ’الدعم السريع‘ مناطق أخرى كالولايات الشمالية مع ملاحظة أن الطرفين تلقي دعم في جانب التسليح على مستوى المشاة والطيران خاصة المسيرات".
واستطرد المتحدث "نلحظ أن انسحابات ’الدعم السريع‘ باتت عملية تكتيكية بما يسمى انسحاب، ثم الالتفاف لإحداث أكبر قدر من الخسائر في صفوف الجيش، كما أن حصول الأولى على المسيرات أعطاها قدرة على الضرب لمسافات بعيدة، مما يجعل الأخير (الجيش) في وضع الاستنزاف وتشتيت خططه الدفاعية".
وأوضح نور أن "تحالف ميثاق نيروبي الذي وقع أخيراً ويتضمن تشكيل حكومة موازية لسلطة بورتسودان أعطى ’الدعم السريع‘ دفعة معنوية واستقطاب جديد، مما سينتج منه معارك شرسة بين الطرفين في الأشهر القادمة، بالتالي فإن هذه الحرب لن يستطيع أي من طرفيها تحقيق انتصار حاسم".
وختم الأمين العام للقيادة المركزية العليا لضباط وضباط الصف والجنود السودانيين المتقاعدين قائلاً إن "الحديث عن تفوق واضح للجيش قد يكون جزئياً لأننا نشهد في الوقت ذاته عمليات ناجحة لـ’الدعم السريع‘ جرت أخيراً في المالحة والدمازين وحصار لكل من الأبيض والفاشر، فضلاً عن تحييدها لقوات الحركة الشعبية - شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو التي تسيطر على أجزاء واسعة في منطقة جنوب كردفان، ومراكز ثقل عسكرية أخرى بعد اتفاق نيروبي الأخير، وبغض النظر عن تقييم تطورات هذه الحرب أو التنبؤ بمآلاتها فإن النظرة الشاملة لهذا الصراع لا يمكن الجزم حالياً بتقييم نهائي له، فضلاً عن اتجاه الطرفين للتضليل الإعلامي من خلال بث معلومات غير حقيقية عن تطورات العمليات في كثير من الأحيان".