ملخص
الإعلان عن موعد افتتاح سد النهضة جاء منسجماً مع مراحل متعددة سابقة وضمن خطوات شملت عديداً من إعلانات ملء بحيرة السد وتركيب التوربينات واستغلال الطاقة، ويؤكد أن سد النهضة أصبح واقعاً حقيقياً ضمن جغرافية المنطقة، بعدما أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أن الافتتاح سيتم خلال الأشهر الستة المقبلة.
جاء إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الذي أدلى به في جلسة البرلمان الفيدرالي في الـ20 من مارس (آذار) الجاري عن موعد افتتاح سد النهضة نهاية العام الحالي بمثابة إسدال الستار على قضية سد النهضة الإثيوبي ولغط المشروع بعد الفراغ منه وامتلاء البحيرة بنحو 74 مليار متر مكعب.
مياه النيل تمس بصورة مباشرة حياة ما يزيد على 300 مليون يمثلون مجموع تعداد سكان حوض النيل في مصر والسودان وإثيوبيا وارتبط خلاف سد النهضة منذ بدء المشروع في أبريل (نيسان) 2011 بتبعات الضرر الناشئ من نقص المياه المتدفقة إلى دولتي وادي النيل السودان ومصر، وبخاصة في سنوات الجفاف والجفاف الممتد إلى تبعات أخرى في الظروف الاستثنائية، واستمرت المفاوضات أكثر من 10 أعوام باءت بالفشل بسبب خلافات تباري السيادة، وضمان الحقوق بين الدول الثلاث، وبخاصة إثيوبيا ومصر لما يمثله سد النهضة من تحدٍّ للجانبين.
تصريح آبي أحمد جاء منسجماً مع مراحل متعددة سابقة وضمن خطوات شملت عديداً من إعلانات ملء بحيرة السد وتركيب التوربينات واستغلال الطاقة، ويؤكد أن سد النهضة أصبح واقعاً حقيقياً ضمن جغرافية المنطقة، وأعلن رئيس الوزراء الإثيوبي أن الافتتاح سيتم خلال الأشهر الستة المقبلة ومطلع العام الإثيوبي المقبل.
اكتمال الحلم الإثيوبي
يقول الكاتب المتخصص في الشؤون الأفريقية يوسف ريحان إن "تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد عن افتتاح السد نهاية العام الحالي تعد إعلاناً عن اكتمال الحلم الإثيوبي والمشروع الضخم الذي حظي بإجماع منقطع النظير، وهو مشروع بحساب السنين استغرق 15 عاماً، وكان مقرراً دخوله الخدمة في عام 2020، لكن التأخير ارتبط بحساسية الملف وتعقيداته وتداخله بين الهندسي والفني، ثم السياسي والأمني والإعلامي الذي تابعته وتناقلته شعوب المنطقة وتأثرت به".
وأكد ريحان "إذا استفتينا عن أكثر الملفات التي أثارت جدلاً وما زالت فسنجد ملف سد النهضة يتربع على قمتها، بخاصة من انطلاق المشروع، ولا نستطيع أن نقول إن الاختلاف في هذا الملف وما يمكن أن يترتب عليه انتهى"، مشيراً إلى أن "سد النهضة ارتبط في وجدان الإثيوبيين بالمشروع الذي سيقلب الموازين ويغير الأوضاع إلى الأفضل، كون الكهرباء أهم عناصر البنية التحتية بما تسهم به في عملية النهضة والتنمية والصناعة أو بمعنى آخر رفع المستوى المعيشي للشعب الإثيوبي بصورة مباشرة".
وأضاف المتحدث "على رغم أن بدايته كانت في عهد الرئيس الراحل ملس زيناوي فإن كتابة نهايته على عهد رئيس الوزراء آبي أحمد سيعزز من مكانته أكثر لدى الشعب الإثيوبي وستظل صورته كقائد للنهضة الإثيوبية وزعيم في ذهنية الإثيوبيين".
وحول موقف دولتي المصب أوضح ريحان أن "السودان مشغول الآن بنفسه وبالدفاع عن الهجمة الشرسة التي يواجهها، وقد حقق الجيش انتصارات كبيرة على الأرض، وقد كان السودان ولا يزال موقفه من قضية سد النهضة كما هو على رغم وقوفه على عتبتين، إذ ظل داعماً لبناء السد على رغم عن تحفظاته المرسلة لاحقاً عن تبادل المعلومات والاتفاق الملزم، وتحركه من منصة التوفيق بين الطرفين المصري والإثيوبي، وتقريب وجهات النظر إلى باحث عن مصلحته الخاصة بعدما غاب عن مسيرة الملف روح التعاون وسيطر عليها التنافس، مما حدا به أن ينظر هو الآخر إلى السد بأعين توازن بين الفوائد والأضرار، وإن فسر ذلك الموقف على غير ما هو عليه تارة من هنا، وأخرى من هناك".
وأشار باحث الشؤون الأفريقية إلى أن مصر التي تمثل المصب في آخر حوض النيل، لافتاً إلى أن النيل الأزرق يسهم بنسبة 85 في المئة من إيراد النيل الذي يصل إليها من جانب، وبتعدادها السكاني الكبير من جانبٍ ثانٍ، واستخدام مياه النيل في نشاطها الزراعي في دولة تقل فيها الأمطار من جانب ثالث، مؤكداً أن موقفها يختلف كونها تشعر بأنها أكثر المتضررين مما يجعلها في طرف وإثيوبيا في الطرف الآخر النقيض، ويظل السودان منزلة وسط بينهما مع اختلاف طفيف".
ونوه ريحان إلى أنه "قد يكون سد النهضة اكتمل بالنسبة إلى إثيوبيا، أما بالنسبة إلى بقية الأطراف فإن الخلاف بحكم الأمر الواقع قد انقضى منه 90 في المئة أن لم يكن أكثر، وذلك يعني بالضرورة أن الـ10 في المئة أو غيرها نحتاج فيها إلى نقاش وتوافق، ورغماً عن الاختلاف الكبير بين الأطراف الثلاثة والزوايا التي ينظر بها إلى المشروع، فإن ما يحمد لهم أنهم لم يسلكوا نهجاً حاداً في الخلاف، ولم يلجأوا إلى العنف ولا استخدام القوة، بل استمروا في الحوار وانسحبوا من التفاوض في بعض الأحيان كتعبير فقط عن الاعتراض ثم عادوا إليه مرة أخرى، وذلك يرجع لحكمتهم جميعاً وتأكيدهم في إعلان المبادئ الذي وقع في الخرطوم 2015 والتزامهم الحل السلمي لحل النزاع القائم بينهم". وتابع "ويمكن عبر اتفاق إعلان المبادئ أن نكمل المشوار بذات النهج وبجدية أكبر لنطوي الملف بالحوار وبالتراضي وبتفهم حاجات بعضنا بعضاً، إذ لا تزال هنالك قضايا كتبادل المعلومات بالنسبة إلى السودان والملء في فترات الجفاف الممتد بالنسبة إلى مصر والاتفاق الملزم بالنسبة إليهما، وهذه نقاط اختلاف نحتاج فيها إلى اتفاق، وهو ممكن بخاصة أن البناء قد اكتمل وتحقق لإثيوبيا ما تريد، بالتالي إحداث المرونة فيما تبقى لن يضر أي طرف، بل يمكن أن يعيد إليهم جميعاً التعاون والثقة اللذين فقدا في مسار التفاوض، ويفتح لهم آفاق التعاون بصورة أوسع، سواء باستفادتهم المباشرة من السد أو في جوانب أخرى".
وأكمل المتحدث قائلاً "في ما يتعلق بانعكاسات قضية سد النهضة على عموم المنطقة والإقليم، فمعلوم أن ملف السد لم يتوقف في تفاصيله على الجوانب الفنية فحسب، إنما تجاوزها إلى جوانب أخرى استخدمت فيها أوراق غير المياه ككروت ضغط للتأثير في المواقف التفاوضية المتعلقة بالسد من دون أن تحرز التقدم المطلوب، ومن المعلوم أن هنالك كثيراً من التحالفات التي بدأت في الظهور، والاتفاقات التي وقعت في نظري كرد فعل لملف السد استثمرت فيها التناقضات التي تم توظيفها لرسم خريطة جديدة للتحالفات في المنطقة كمثال على ذلك التقارب المصري - الإريتري والصومالي الذي لا نعلم مدى نجاحه، خاصة بعد التقارب الإثيوبي - الصومالي عبر الاتفاق الذي رعته تركيا".
موافقات ضمنية
من جهته يقول الباحث المهتم بالشؤون الدولية عادل عبدالعزيز حامد إن "إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد عن موعد افتتاح سد النهضة هو في الحقيقة تتويج لجهود كبيرة وانتصار سياسي لإثيوبيا، فقد نجحت القيادة الإثيوبية في كل المراحل ضمن الخطوات التي أعلن عنها منذ بداية رسم مشروع سد النهضة في الأذهان والتطلعات، وسار التنفيذ قوياً على رغم التحديات التي واجهها، وصولاً إلى اكتمال كل المراحل بصبر وعزيمة".
وأضاف حامد، "يبدو لنا أن مشروع سد النهضة في حقيقته غير المعلن عنها ربما كان يحمل موافقات ضمنية من قوى عظمى وجهات تابعة وممثلة لها في المنطقة، لكن إنجاز سد النهضة يعكس قوة أفريقيا، وأنها يمكن أن تجعل من المشاريع الكبرى واقعاً حقيقياً، وأن هناك رؤساء أفارقة يتحدثون فحسب، وهناك رؤساء يجعلون المشروعات تتحدث عن أفعالهم".
وتابع عادل، "ليكن مشروع سد النهضة نموذجاً لدول العالم الثالث التي تسعى إلى التنمية والنهضة بأن تخطط وتعمل من دون ضوضاء أو تهريج إعلامي وسياسي".