ملخص
في موازاة التقييمات الأمنية أكد وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين أن الجيش لن ينسحب من لبنان بل سيعزز القواعد الـ5 التي بقي فيها بمزيد من الجنود استعداداً لاحتمال أي تطورات "إطلاق الصواريخ يؤكد أن القرار الذي اتخذناه بإبقاء الجيش في 5 قواعد في لبنان هو قرار صائب، بل إن التطورات الأخيرة تدفع لمزيد من الاحتياطات".
أبقى المجلس الوزاري الأمني المصغر للحكومة الإسرائيلية معادلة بيروت - المطلة على طاولة أبحاثه بعد الجلسة التي عقدها، أمس الأحد، لليوم الثاني على التوالي، وبحث فيها سبل التعامل مع الملف اللبناني. في الاجتماع تقرر تكثيف القصف على مناطق واسعة في جنوب لبنان بذريعة استهداف البنى التحتية لـ"حزب الله" ومنصات قواعد إطلاق النار.
وأثارت التهديدات التي أطلقها وزير الأمن يسرائيل كاتس، بعد ساعات من سقوط الصواريخ من لبنان باتجاه المطلة، السبت، بتنفيذ معادلة بيروت - المطلة، نقاشاً مع واشنطن وأيضاً في الداخل الإسرائيلي، وتفاقمت بعد موجات القصف المكثفة التي نفذها سلاح الجو حتى ظهر الأحد، وأدى إلى مقتل ما لا يقل عن ثمانية لبنانيين وإصابة آخرين.
جلسات مشاورات أمنية
في إسرائيل وبعد جلسات مشاورات أمنية على مدار يومي السبت والأحد، بمشاركة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وكاتس والأجهزة الأمنية ورئيس أركان الجيش إيال زامير، اتخذت سلسلة قرارات تجاه لبنان، في محورها، استمرار القصف وتكثيفه على لبنان في وقت حمل نتنياهو وكاتس الدولة اللبنانية والجيش اللبناني المسؤولية، معتبرين الطرفين مسؤولين عن تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، واعتبرا إطلاق الصواريخ انتهاكاً للاتفاق.
وعدت جهات أمنية أن موجات القصف على لبنان، التي أقرها المجلس الوزاري المصغر، من شأنها أن تشعل هذه المنطقة من جديد، وحذرت من التداعيات مع توسيع القتال على مختلف الجبهات، وفي أعقاب الخطة الحربية الجديدة التي صدق عليها الكابينت تجاه غزة التي من شأنها أن تؤدي إلى إعادة احتلال القطاع، وإقامة حكم عسكري فيه. وبحسب هذه الجهات، فإن فتح جبهة لبنان على مصراعيها، من جديد، من شأنه أن يعيد حرب "طوفان الأقصى" إلى مربعها الأول.
جاء القصف على لبنان في وقت كان الجيش الإسرائيلي أخرج قوات عسكرية من منطقة الشمال، وبينها المنتشرة على الحدود تجاه لبنان، وتم نقلها إلى الجنوب للتدريب على أكثر من سيناريو قتال شملته خطط الحكومة الإسرائيلية للمراحل المقبلة للحرب التي تشنها على غزة.
القصف الجديد من لبنان
في أعقاب القصف الجديد من لبنان اضطر الجيش، وعلى إثر جلسة تقييم مع الأجهزة الأمنية، إلى تعزيز ونشر قواته على طول الحدود، كما قرر إدخال قوات معززة إلى القواعد الخمس التي بقي فيها في لبنان، مما قد يسهم في توتير الوضع داخل لبنان.
وفي أعقاب هذه التطورات، سيكون الجيش مضطراً لتعزيز الجبهة الشمالية من جديد بقوات عسكرية بدأت أساساً، عملياً، التدريب في الجنوب على الحرب على القطاع، مما أدى إلى وضع إسرائيل في معضلة حقيقة، وإلى عدم الحسم في معادلة بيروت - المطلة التي اتخذ القرار في شأنها نتنياهو وكاتس، في اجتماع عقد بعد ساعات من إطلاق الصواريخ، وأصدرا، في نهايته، تعليمات للجيش بالرد على عشرات منصات إطلاق الصواريخ التي تقول إسرائيل إنها أطلقت منها، إلى جانب أهداف أخرى تابعة لـ"حزب الله" في الجنوب، وهددا بتوسيع الرد والهجمات على لبنان بذريعة حماية أمن إسرائيل وسكانها.
الجنوب مروراً بالليطاني حتى بيروت
المستوى السياسي الإسرائيلي يرى، حتى اللحظة، ضرورة عدم الدخول في مواجهات مع واشنطن التي انتقدت الرد الإسرائيلي المكثف على لبنان. ونقل مسؤول إسرائيلي عن مصدر أميركي موثوق أن الرئيس اللبناني جوزاف عون ضغط على واشنطن للعمل على وقف القصف الإسرائيلي وأكد أنه سيجري بحثاً معمقاً لمعرفة الجهة التي أطلقت الصواريخ.
من جهتها، أوضحت إسرائيل أنه "بغض النظر عن الجهة التي أطلقت الصواريخ، حزب الله أو أي جهة فلسطينية أو لبنانية، فإن تل أبيب تتعامل مع لبنان الدولة والجيش اللبناني كطرفين مسؤولين عن الأمن وضمان تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار".
ليئور أكرمان المسؤول السابق في "الشاباك" رأى ضرورة التعامل بجدية مع إعلان "حزب الله" عدم علاقته بإطلاق الصواريخ. وبحسبه، فإن "لحزب الله مصلحة في الحفاظ على الهدوء، ومن غير مصلحته أو خططه الهادفة إلى إعادة تمركزه في الجنوب، وبناء قدراته العسكرية والصاروخية، توتير الجبهة اللبنانية باتخاذ خطوات من شأنها إشعال المنطقة من جديد، ومن ثَم إعادة دخول الجيش الإسرائيلي إلى مناطق واسعة في الجنوب مما سيعوق نشاط الحزب لتعزيز قدراته وتسلحه والنظر إلى مستقبله". لكن، أكرمان أكد أن إسرائيل غير ملزمة بتغيير قواعد لعبتها تجاه لبنان، "وعليها أن تؤكد أن دولة لبنان هي المسؤولة، وإذا لم تحافظ على تنفيذ الاتفاق فستتعرض للهجوم كدولة".
وفي تقييمات أمنية إسرائيل، تحاول "حماس" إعادة تسخين الجبهة اللبنانية من خلال إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل من الأراضي اللبنانية، في ظل تصعيد الحوثيين في اليمن وتجدد القتال الإسرائيلي في قطاع غزة "وتجد حماس الآن صعوبة في تنفيذ عمليات في الضفة الغربية في ظل النشاط المكثف الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي وتحاول تسخين كل قطاع ممكن".
في موازاة التقييمات الأمنية أكد وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين أن الجيش لن ينسحب من لبنان بل سيعزز القواعد الخمس التي بقي فيها بمزيد من الجنود والعتاد العسكري استعداداً لاحتمال أي تطورات "فإطلاق الصواريخ يؤكد أن القرار الذي اتخذناه بإبقاء الجيش في خمس قواعد في لبنان هو قرار صائب، بل إن التطورات الأخيرة تدفع لمزيد من الاحتياطات". وكوهين غير راض عن الهجمات التي نفذها الجيش، وقال إنه سيطلب في جلسة الحكومة المقبلة، إجراء مراجعة كاملة، للقرارات وتصعيد القصف "إذ إن الوضع يتطلب الرد ليس فقط في جنوب لبنان، وليس فقط في صور، إنما، أيضاً، في عمق لبنان وفي بيروت نفسها". ورأى، أيضاً، أن المنطقة برمتها تجاه لبنان وسوريا وغزة لن تهدأ طالما لم يتم التعامل مع القضية الإيرانية "علينا أن نقول بوضوح إنه حتى نتعامل مع القضية الإيرانية، ستظل منطقتنا تتسم بعدم الاستقرار".
الوزير كوهين ليس الوحيد الذي يطالب بقرارات فورية لتصعيد القصف حتى العودة إلى القتال في لبنان، فما طرح على طاولة الحكومة، في جلسة الأحد، وقبلها المجلس الوزاري المصغر، يعيد الحرب في لبنان إلى ذروة خطورتها. وتعالت أصوات الوزراء، في أعقاب ما كشفه رؤساء بلدات الشمال الإسرائيلي من المطلة وكريات شمونة وشلومي وغيرها، بأن مئات العائلات التي عادت إلى الشمال بعد سنة ونصف السنة من التهجير حزمت أمتعتها وغادرت بيوتها من جديد، مما أثار ما سماه بعض الوزراء خطورة الوضع الأمني على الجبهة اللبنانية وهشاشة اتفاق وقف إطلاق النار.
النائب السابق لرئيس الأركان الإسرائيلي عوزي ديان قال إن على إسرائيل عدم التسامح مع إطلاق النار بغض النظر عن الجهة التي أطلقته. وبرأيه، فإن ما نفذه سلاح الجو من رد غير كاف على ما تعرضت له المطلة السبت الماضي، "على الجيش تدمير الجنوب بالكامل حتى الليطاني، ويعني بالكامل تسويته بالأرض حتى لا يكون للإرهابيين مكان يعودون إليه". ووصف ما تتعرض له إسرائيل من قصف من لبنان واليمن وغزة بـ"التقطير" قائلاً "نحن الدولة الوحيدة في العالم، التي تتعرض لتقطير من الصواريخ ولا ترد كما يجب، بل تتحمل ذلك، هذا أمر لا يمكننا تحمله، ويجب أن نتفاعل بل نرد بأكثر قسوة، بغض النظر من الجهة التي قصفت سواء كان حزب الله أو أي حركة تدعمه".
لا تنازل عن منطقة عازلة
الجبهة الداخلية، من جهتها، حاولت طمأنة السكان بالبقاء في بيوتهم لكن شيئاً لم يساعد في إعادة كثيرين ممن غادروا الشمال متوجهين إلى المركز. بينما التزم من بقي في هذه البلدات بأوامر الجبهة الداخلية، وبقي قرب مناطق آمنة، في حين عد رئيس المجلس الإقليمي للجليل الأعلى آسف لنغلبن أن صفارات الإنذار وإطلاق الصواريخ بمثابة إنذار للحكومة للتعامل مع منطقة الشمال كمهمة وطنية وعدم الاستمرار بإهمالها وضمان إعادة تأهيلها واستكمال خطة حماية على طول "الخط الأزرق" مع لبنان إلى حين إقامة منطقة عازلة.
ديفيد أزولاي رئيس مجلس المطلة أكد، بدوره أن معظم السكان لن يعودوا إلى الشمال قبل إقامة المنطقة العازلة وقال، "هناك الاتفاق رقم 1701 في عام 2006، وأيضاً في عام 2025، ويجب تنفيذه بحذافيره، وعلى رئيس الحكومة وقف الاتفاق الموقع وأخذ زمام الأمور إلى أيدينا"، وأضاف "لا يمكن أن نقول إننا انتصرنا قبل أن يكون في لبنان جيش واحد وقوي، وليس مجموعات وتنظيمات مسلحة وجيش لبناني غير قوي. على حكومة إسرائيل أن تتخذ قراراً جديداً تجاه لبنان بإلغاء الاتفاق وأخذ زمام الأمور إلى أيدينا".
وساند أزولاي في مطلبه يارون بوسكيلا المدير العام لـ"حركة الأمنيين"، الذي دعا إلى تغيير قواعد اللعبة والعودة إلى القتال الساخن ضد "حزب الله" حتى يتم تدمير قدراته "هذه المرة، علينا أن نعود ونقاتل حزب الله ونضربه حتى ينهار كلياً. يجب أن توضع المسؤولية على عاتق الحكومة اللبنانية، فهي مسؤولة عن كل ما يحدث في لبنان، بما في ذلك حزب الله. كان بإمكان الحكومة اللبنانية طرده من البلاد، لكنها اختارت عدم القيام بذلك".
ودعا بوسكيلا، أيضاً، إلى خطوة حازمة بما في ذلك إلحاق الضرر المباشر بالبنى التحتية اللبنانية "نحن في حاجة إلى ضرب حزب الله ولبنان كدولة، أي البنى التحتية اللبنانية، وعدم وقف القتال. يجب أن نحافظ على عملية حربية مفتوحة ضد الحزب من دون السماح له بالتعافي حتى لا يعود إلى نقاط القوة نفسها التي كان يتمتع بها قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023".