ملخص
لم يعد يبالي يوسف بما تقدمه مؤسسات الدولة من حوافز مالية أو حزمة حماية اجتماعية جديدة كونها، كما يتصور، لن تُشكل قيمة إضافية حقيقية على دخله الشهري في ظل الانفلات الكبير في الأسعار، واصفاً غلاء الأسعار بالوحش الذي يلتهم كل ما نتقاضاه شهرياً، "لم أعد قادراً أنا وأسرتي على تحمّل الزيادات المتلاحقة في الأسعار، وما أتمناه أن تنخفض الأسعار حتى يكون هناك تحسن معيشي حقيقي"
في شقة ضيقة بحي إمبابة بمحافظة الجيزة في مصر جلس محمد علام برفقة زوجته وأبنائه الثلاثة يحسب قيمة الزيادة المقررة 15 في المئة ضمن حزمة الحماية الاجتماعية، التي أقرتها الدولة أخيراً، على معاشه الشهري البالغ 4 آلاف جنيه (79.19 دولار أميركي) للاستفادة منها ضمن بنود مصروفات ولوازم منزله الشهرية.
شعر الرجل الستيني، الذي كان يعمل موظفاً بإحدى شركات قطاع الأعمال العام طوال 33 عاماً قبل بلوغه سن المعاش، أن نسبة الزيادة التي تُقارب 600 جنيه (11.88 دولار أميركي) المقرر تطبيقها في يوليو (تموز) المقبل، لن تكون كافية للمساعدة في احتياجات المنزل الشهرية، التي تتخطى في المعتاد نحو 10 آلاف جنيه (197.98 دولار أميركي)، نتيجة لغلاء أسعار السلع الغذائية ومستلزمات الأدوية ومصروفات المدارس، بخلاف إيجار الشقة والجمعيات التي يشترك فيها مع جيرانه بالمنطقة.
زيادات جنونية
يقول علام "قبل خمسة أعوام كنت أنتظر بلهفة سماع أي نبأ عن زيادة جديدة تقرّها الدولة، وأشعر بفرحة، كونها ستضاف إلى دخلي الشهري، حين كانت أسعار السلع مستقرة نسبياً آنذاك، لكن خلال العامين الأخيرين طرأت زيادات جنونية في أسعار السلع والأدوية والخدمات والمواد البترولية، ما أدى إلى فقدان أي زيادة جديدة قيمتها وتأثيرها، لذا لم تعد مجدية في ملاحقة الزيادات المتوالية في الأسعار".
أكثر ما يؤرّق الرجل الستيني هو لجوء كثير من التجار من ضعاف النفوس إلى رفع الأسعار والمغالاة في السلع من دون مبرر بمجرد معرفتهم بأي زيادة جديدة في المعاشات والأجور للمواطنين.
يضيف علام، خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "اضطررت رغم ظروفي الصحية نتيجة الإصابة بأمراض السكري والضغط، إلى أن أعمل بأحد محال البقالة بالمنطقة للمساعدة في نفقات المنزل وتسديد السُّلف المالية التي أستدينها من الجيران شهرياً وتسديدها حين حصولي على دوري في الجمعية".
وأقرّت الحكومة المصرية في فبراير (شباط) الماضي حزمة الحماية الاجتماعية، التي تضمنت إجراءات استثنائية عاجلة تستهدف الشرائح الأولى بالرعاية خلال شهر رمضان الجاري وعيد الفطر، إذ شملت دعماً إضافياً لـ10 ملايين أسرة الأكثر احتياجاً والمقيدة على البطاقات التموينية بكلفة إجمالية 4 مليارات جنيه.
كذلك زيادة مخصصات العلاج على نفقة الدولة لمحدودي الدخل ممن ليس لهم تغطية تأمينية بتكلفة إجمالية 3 مليارات جنيه من مارس (آذار) حتى يونيو (حزيران) 2025، والمساهمة في تمويل المنحة المقررة للعمالة غير المنتظمة المسجلة بوزارة العمل إلى 1500 جنيه (29.61 دولار أميركي) بتكلفة إجمالية ملياري جنيه حتى يونيو 2026، إلى جانب زيادة أجور العاملين بالدولة والمعاشات اعتباراً من الأول من يوليو (تموز) 2025 بكلفة إجمالية 170 مليار جنيه، ورفع الحد الأدنى للأجور إلى 7 آلاف جنيه (138.20 دولار) اعتباراً من الأول من يوليو (تموز) 2025.
من حي إمبابة إلى منطقة عين شمس (شرقي العاصمة المصرية القاهرة)، لم يختلف حال أحمد يوسف (51 عاماً)، الذي يعمل مديراً بإحدى المدارس الحكومية، عما سبقه، إذ يتقاضى راتباً شهرياً يُعادل 8200 جنيه (162.36 دولار) شاملة الحوافز والبدلات، فيما تحصل زوجته التي تعمل معه في المدرسة ذاتها على راتب شهري يقدر بـ7000 جنيه (138.60 دولار أميركي).
لم يعد يبالي يوسف بما تقدمه مؤسسات الدولة من حوافز مالية أو حزمة حماية اجتماعية جديدة كونها، كما يتصور، لن تُشكل قيمة إضافية حقيقية على دخله الشهري في ظل الانفلات الكبير في الأسعار، مردفاً "غلاء الأسعار أصبح أشبه بوحش مفترس يلتهم كل ما نتقاضاه شهرياً، ولم أعد قادراً أنا وأسرتي على تحمّل الزيادات المتلاحقة في الأسعار، وما أتمناه أن تنخفض الأسعار حتى يكون هناك تحسن معيشي حقيقي".
يقول يوسف، الذي يرعى طفلين في مراحل عمرية مختلفة، إن راتبه هو وزوجته بالكاد يكفيهم حتى نهاية الشهر، ما جعله يلجأ إلى زيادة دخله الشهري من الدروس الخصوصية، علاوة على دخوله جمعيات مع الزملاء بالمدرسة، لتدبير سيولة مالية تمكّنه من التكيف مع الأسعار الحالية ومواجهة أي طوارئ مستقبلية، منوهاً أن إجمالي احتياجات المنزل الشهرية يقدر بـ 15 ألف جنيه (296.99 دولار أميركي) لشراء مستلزمات الغذاء وسداد مصروفات انتقالات السيارة ورسوم مصروفات الدراسة للأبناء واشتراكات الأندية.
وخلال الـ5 سنوات الماضية، أقرّت الحكومة المصرية سبع حزم اجتماعية لمواجهة الغلاء وتخفيف الأعباء عن المواطنين، بكُلفة إجمالية تُقارب نحو 600 مليار جنيه، حيث بدأت بحزمة بقيمة 100 مليار جنيه عام 2020 لمساندة القطاعات المتضررة من جائحة كورونا، وبعدها بعامين أقرت حزمة بقيمة 78 مليار جنيه لمواجهة تحديات أزمة الحرب الأوكرانية، وفي العام نفسه، أصدرت حزمة جديدة بقيمة67.5 مليار جنيه لمساندة فئات المجتمع المختلفة لمواجهة الآثار المترتبة على الأزمة الاقتصادية.
وفي أبريل (نيسان) عام 2023، أقرت حزمة رابعة بقيمة 150 مليار جنيه لمساندة فئات المجتمع بعد زيادة الأسعار، وبعدها بستة أشهر اعتمدت حزمة خامسة بـ 60 مليار جنيه لمواجهة الآثار المترتبة على الأزمة الاقتصادية، وفي العام التالي أقرت حزمة اجتماعية في مارس (آذار) تتضمن رفع حد الإعفاء الضريبي لجميع العاملين في القطاعات الحكومية والعامة والخاصة بنسبة 33 في المئة، وفي فبراير (شباط) الماضي، أعلنت الحكومة أن قيمة الحزمة الاستثنائية للحماية الاجتماعية التي تبدأ في شهر رمضان تتراوح بين 35 مليار جنيه و40 مليار جنيه، بينما تصل تكلفة الحزمة الاجتماعية التي ستطبق اعتباراً من العام المالي القادم إلى 200 مليار جنيه.
خوف وقلق
ورغم ابتهاج السيدة الأربعينية صفاء واصل، التي تعمل موظفة بإحدى الهيئات الحكومية، بزيادات حزمة الحماية الاجتماعية، إلا أنها لم تخف قلقها وتخوفها في ذات الوقت من حدوث زيادات مرتقبة في الأسعار بشكل يجعل تلك الزيادات "ليس لها قيمة"، بحسب تعبيرها.
تقول صفاء، التي ترعى ثلاثة أبناء بعد وفاة زوجها وتقطن حي المعادي (جنوبي العاصمة المصرية القاهرة)، "اعتدنا مع كل زيادة جديدة تمنحها الدولة لنا في الرواتب والأجور أن يكون هناك من يفسد فرحتنا بزيادة الأسعار". مشيرة إلى أن الأوضاع المعيشية أصبحت صعبة للغاية، وأي زيادة جديدة نحن في أمس الاحتياج إليها، وستدعمنا في نفقات المنزل الشهرية.
"ما أتقاضاه شهرياً من وظيفتي الحكومية لم يعد يكفي لتلبية متطلبات المنزل ومصروفات الأبناء، ما اضطررت معه على البحث عن بدائل جديدة لزيادة الدخل من أجل لمواجهة الارتفاع الكبير في نسب التضخم والمغالاة في أسعار السلع"، بحسب صفاء.
لجأت السيدة الأربعينية لاستغلال مهارتها في أعمال "الخياطة والمشغولات اليدوية" بالعمل في المنزل بعد انتهاء مواعيد عملها الرسمية من أجل زيادة دخلها، ولكى تتمكن من التأقلم مع زيادات الأسعار الراهنة. وتطالب صفاء بضرورة تدخل الدولة لمواجهة جشع التجار ومستغلي الأزمات الذين يحاولون تحقيق مكاسب مالية على حسب عوز المواطن واحتياجه.
أمّا الرجل الأربعيني كمال إسماعيل، الذي يعمل في مهنة التشييد والبناء منذ 7 سنوات، فلم يعد يكترث بالمنح التي تقرها الدولة بين الحين والآخر للعمالة غير المنتظمة وأرباب مهنته، مردفاً "كل ما يهمني في المقام الأول هو الذهاب لأسرتي بالأجر اليومي، لأن الحياة أصبحت صعبة وشاقة وليس لدى القدرة على العمل في مهنة إضافية، لأنني أقضى أغلب أوقات عملي في البناء والردم والتكسير والتشوين خلال فترة الظهيرة في ظل درجات الحرارة المرتفعة، وأحياناً يتطلب العمل كثيراً النزول والصعود على الطوابق أكثر من مرة وأنا أحمل على أكتافي مواد البناء الثقيلة الوزن".
يقول إسماعيل، الذي يعول زوجة وطفلين ويقطن بمنطقة فيصل بمحافظة الجيزة، "لا أحد يشعر بنا واعتدنا أن نحصل على الفتات، فليس لدي أي مزايا تأمينية أو معاشات، واعتمد على رزقي اليومي للإنفاق على أسرتي". مشيراً إلى أنه يعمل10 ساعات يومياً للحصول على أجر يومي يُعادل 300 جنيها (5.94 دولار أميركي).
يقول الرجل الأربعيني، إن أكثر ما يقلقه ويشغل باله طوال الوقت هو أن يعود إلى منزله خاوياً بلا أموال في حالة عدم طلب الزبائن والمقاولين ليأخذونه من الرصيف لقضاء المهمة.
ومنذ عام 2016 تشهد سوق الصرف في مصر تغيرات كبيرة تزامنت مع إعلان الحكومة تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي بدأ بتحرير سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار (التعويم)، وخلال الأعوام الماضية خفض الجنيه المصري خمس مرات فقد خلالها نحو 84.6 في المئة من قيمته أمام الدولار.
الحزمة الاجتماعية وحدها لا تكفي
"حزمة الحماية الاجتماعية وحدها لا تكفي، ولا بد من مجموعة إجراءات حمائية إضافية لضبط التضخم ومواجهة ارتفاع الأسعار"، هكذا يُعقب نائب رئيس اتحاد العمال مجدى البدوي، مشيراً إلى أن تلك الحزمة بمثابة "خطوة جيدة" تساعد العامل نسبياً في مجابهة بعض التحديات الاقتصادية التي يواجهها نتيجة غلاء الأسعار، لكنها تتطلب أيضاً بجانبها بعض القرارات التي تستهدف محاربة جشع التجار الذين يقومون بمغالاة الأسعار حتى يكون لها مردود إيجابي، ويستفيد منها القطاع العمالي الذي يضم ما يُراوح بين 650 إلى 700 ألف عامل بالقطاع العام، ومثلهم في المؤسسات والهيئات الاقتصادية، بخلاف من يعملون بالقطاع الخاص.
ووفقاً لبحث القوى العاملة الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الصادر خلال مايو (أيار) الماضي فقد ارتفعت قوة العمل خلال الربع الأول لعام 2024 بنسبة واحد في المئة، لتصل إلى 31.1 مليون عامل، مما انعكس في زيادة عدد المشتغلين إلى نحو 29.2 مليون فرد بينهم 18.7 مليون عامل في القطاع غير الرسمي، أي ما يقارب 60 في المئة من القوى العاملة داخل مصر.
يضيف البدوي، خلال حديثه لـ"اندبندنت عربية"، أن المتعارف عليه أن أي زيادة مالية يحصل عليها المواطن من الدولة يقابلها زيادة في أسعار السلع من قبل التجار في الأسواق. مردفاً "نتمنى أن تدخل الزيادات التي أقرتها الدولة في جيب العمال لا التجار الذين سيحاولون استغلال الموقف لصالحهم لتحقيق أرباح مالية مثلما حدث في حزم الحماية الاجتماعية السابقة". مؤكداً أن العمال بحاحة ماسة إلى إجراءات ثابتة ومستمرة تضمن لهم التأقلم مع أي صعوبات أو أزمات اقتصادية مقبلة وليس مجرد إجراءات استثنائية فقط.
ويؤكد نائب رئيس اتحاد العمال أن الفئات التي ستستفيد من حزمة الحماية الاجتماعية، تشمل العاملين بالجهاز الإداري للدولة والهيئات والمؤسسات الاقتصادية وشركات قطاع الأعمال والعمالة غير المنتظمة وأصحاب المعاشات ومن يحصلون على "تكافل وكرامة".
انزلاق اقتصادي
وفي تقدير المتخصص الاقتصادي الدكتور وائل النحاس فإن حزم الحماية الاجتماعية لا تخاطب المواطن نفسه بقدر ما تخاطب مؤسسات التمويل الدولية. مشيراً إلى ضرورة إعادة النظر في تلك الحزم، لأنها "لا تمثل إضافية حقيقية لدخول المواطنين في ظل الظروف المعيشية الصعبة الحالية". منوهاً أن تلك الزيادات المالية ستؤدى إلى تآكل دخل المواطن كونه سيدخل على شرائح ضريبية أعلى ستجعل دخله الشهري ينخفض، ولا يزيد، وهو ما سيمثل أزمة كبيرة له في المرحلة المقبلة، بخاصة في ظل التوقعات بحدوث موجة جديدة من ارتفاع الأسعار في الآونة المقبلة.
ويشير النحاس، لـ"اندبندنت عربية"، إلى أنه منذ إقرار خطة الإصلاح الاقتصادي عام 2016 لم يقابلها أي تغطية أو حماية للشرائح الاجتماعية الفقيرة والأكثر احتياجاً، ونتيجة لهذا "الانزلاق الاقتصادي"، بحسب تعبيره، ظهرت طبقات اجتماعية جديدة لم يتم إدراجها ضمن فئات الضمان والحماية المستحقة للدعم، متسائلاً "الحكومة أعلنت دعماً إضافياً للعشرة ملايين أسرة الأكثر احتياجاً والمقيدة على البطاقات التموينية بكلفة إجمالية 4 مليارات جنيه، فماذا عن باقي المستحقين وما مصيرهم؟".
وتشير التقارير الرسمية إلى أن هناك 23 مليون بطاقة تموين يستفيد من خلالهم 64 مليون مواطن، كما يوجد 73 مليون يستفيدون من دعم الخبز.
يؤيد الطرح السابق المتخصص الاقتصادي الدكتور مصطفى بدرة، موضحاً أنه في ظل استمرار نسب التضخم وضعف القوة الشرائية ستتآكل الحزم التمويلية الاجتماعية التي تقدمها الدولة للمواطنين. مشيراً إلى أن الحوافز المالية التي جرى إقرارها في الحزمة لا تتناسب مع غلاء الأسعار الحالي ومستويات الدخول لغالبية الأسر الفقيرة والأكثر احتياجاً، لكن يمكن اعتبارها أشبه بـ"مساندة" من الدولة للتكفل بمصروفات بعض الفئات والشرائح الاجتماعية، مثل "أصحاب المعاشات وتكافل وكرامة وأصحاب بطاقات التموين والعمالة غير المنتظمة"، في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة.
وسجّلت مؤشرات الفقر تراجعاً ملحوظاً خلال مؤشرات بحث الدخل والإنفاق في بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2019 - 2020، حيث تراجع معدل الفقر إلى 29.7 في المئة مقارنة بـ 32.5 في المئة في عام 2017 - 2018، وذلك للمرة الأولى منذ عام 1999.
ويضيف بدرة، لـ"اندبندنت عربية"، أنه يجب مراعاة معدلات التضخم، لا سيما أصحاب الفقر المدقع، الذين ليس لديهم مصدر دخل ثابث ويعتمدون على ما يتقاضونه من أجر يومي، مردفاً "هناك فجوة حالية بين بعض الشرائح التي تحصل على الدعم مقارنة بشرائح أخرى، ومهما دعمت الدولة بحزم تمويلية لن يكون كافياً لمواجهة ارتفاع الأسعار الحالي التي ستلتهم تلك الزيادات".
ويرى بدرة أن الدولة حينما أقرت الزيادة في الحد الأدنى للأجور لم تلتزم به كل مؤسسات القطاع الخاص، كما أنه لم يحسّن الأحوال المعيشية للمواطنين بصورة نهائية في ظل الغلاء الحالي، وهو ما يتطلب ضرورة أن يكون هناك إجراءات أكثر قوة ومتانة لدعم الأسر التي تعيش تحت خط الفقر، مثل قروض المساندة في حالة إقامة المواطن لأي مشروح إنتاجي.
فجوة بين الرواتب والأسعار
الأمر ذاته عبّر عنه أستاذ الاقتصاد السياسي الدكتور كريم العمدة، مشيراً إلى أن إجمالي نسب التضخم التراكمية منذ عام 2017 حتى 2024 بلغت ما يُقارب 200 في المئة، بالتالي فإن أي زيادات مالية في الأجور والرواتب تقرها الدولة لن تستطيع مواكبة وتيرة التضخم المرتفعة وسيظل مستوى دخول المواطنين أقل من أسعار السلع في الأسواق، مما سيؤدي إلى استمرار الفجوة بين حجم الرواتب والأسعار في الأسواق.
ويضيف العمدة أن الدولة تحاول امتصاص غضب المواطنين من غلاء الأسعار بمنحهم مزايا تمويلية في الرواتب والأجور والمعاشات، لكى تمكنهم من مواجهة الضغوط المعيشية المستمرة والكوارث الاقتصادية التي بدأت منذ عام 2017.
ويؤكد العمدة، خلال حديثه لـ"اندبندنت عربية"، أن حزم الحماية الاجتماعية ليست "منحة" لكن الحكومة ملزمة بها طبقا للدستور الذي يؤكد ضرورة توفير حد أدنى لحياة كريمة للمواطنين حتى لا يتحول الأمر ليُصبح بمثابة قنبلة موقوتة، مشدداً على ضرورة أن تتدخل الدولة لوضع حلول جذرية لضبط انفلات الأسعار وجشع التجار ومراعاة الفئات الأكثر فقراً التي ليس لديها أي مزايا أو حوافز تأمينية.
وأقرت المادة الـ17 من الدستور على "تكفل الدولة توفير خدمات التأمين الاجتماعي ولكل مواطن لا يتمتع بنظام التأمين الاجتماعي الحق في الضمان الاجتماعي بما يضمن له حياة كريمة إذا لم يكن قادراً على إعالة نفسه وأسرته، وفي حالات العجز عن العمل والشيخوخة والبطالة. وتعمل الدولة على توفير معاش مناسب لصغار الفلاحين والعمال الزراعيين والصيادين والعمالة غير المنتظمة، وفقاً للقانون".