وسط مشهد كارثي خلفته الحرب، وفي ظروف صعبة ألمت بملايين النازحين واللاجئين السوريين الذين يعيشون ويلات النزاع وآثاره، بالإضافة إلى جيل بأكمله يفتقد التعليم، والقسم الأكبر منه لم يذهب أبداً إلى المدرسة، ثمة نور في وسط الظلام الحالك.
"سارة" الطفلة السورية ذات الأعوام الثمانية، لم تبرع في مادة الرياضيات فحسب، بل تفوقت في العمليات الذهنية المعقدة، وباتت تحصد أرقاماً قياسية، ليس على الصعيدين المحلي والعربي فحسب، بل والعالمي أيضاً، لافتة النظر إلى موهبتها الحسابية، وآخرها كان تحقيقها ترتيباً متقدماً في مسابقة دولية في الصين.
تحدي الظروف والبداية
تعيش سارة في محافظة إدلب السورية في بلدة حزانو، حيث استرعت انتباه مدرسيها إلى ما تمتلكه من قدرات كبيرة.
ويتحدث مدرسو سارة عنها بكثير من الشغف، وهي تتحدر من عائلة مثقفة، فوالدتها ووالدها يعملان في مجال الهندسة، ويحرصان على تعليمها وتنمية مهاراتها.
بدأت حكاية سارة مع الحساب الذهني (طريقة حسابية سريعة لأرقام معقدة وكبيرة) بعدما شدت الأنظار إلى إجادتها الكتابة والقراءة في عمر أربع سنوات، وتميزت في مدرستها بفارق كبير عن أقرانها في المواد العلمية والأدبية كالرياضيات، واللغة العربية، والإنجليزية.
في المقابل، حرصت أسرة سارة مع المدرسة على رعايتها والعناية بها، وحتى وقت ليس ببعيد تمكنت الطفلة من دخول عالم الحساب الذهني، وأثبتت نفسها في هذا المجال، وبجدارة.
الحجر المنزلي
"رب ضارة نافعة"، مقولة طبقتها سارة التي سارعت بعد انقطاعها عن المدرسة في زمن الحجر المنزلي، وبدعم من عائلتها إلى التعلم عن بعد، وعلى الرغم من صعوبات الاتصال بشبكة الإنترنت فإنها نجحت في ذلك وأطلقت العنان لمخيلتها من خلال تدريب يومي مدته ساعة مكنها من اكتساب أساسات (الحساب الذهني) والولوج إلى عالمه بشكل متدرج.
في المقابل، ومع ميزات التعلم السريع الذي تتقنه "سارة" حصدت الطفلة تفوقها من خلال الالتزام بالدروس من دون انقطاع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتقول المشرفة على تدريبها، تهاني عساف، إن لدى سارة كثيراً من الشغف لنيل المراتب المتقدمة. وتتحدث أيضاً عما تمتلكه من مهارات وذاكرة قوية جداً بحفظها جدول الضرب وهي لم تتجاوز الخامسة من عمرها.
تدريب سارة في زمن كورونا بدأ لمدة ساعة في اليوم. وتقول مدربة الحساب الذهني "لاحظت مدى القدرات العقلية لديها؛ إذ تتمتع بذكاء خارق، وتجيد العمليات الحسابية وتستجيب للتدريب والفهم بشكل سريع، على الرغم من عدم معرفتها المسبقة لعمليات الحساب الذهني (الأباكوس) أو (السوروبان)".
وتضيف "بدأنا بقواعد الحساب، وبعدها العد على أصابع اليدين، ومن ثم الحساب بالخيال، وتنقلنا عبر هذه المراحل على كل العمليات الحسابية (الجمع والطرح والضرب)".
مع دخول فصل الصيف الماضي باتت التلميذة جاهزة لدخول المنافسات وقادرة على تحقيق إنجازات متقدمة فيها. وشاركت بأول مسابقة رسمية لها على المستوى المحلي في سوريا من تنظيم مؤسسة (علمني)، وحصلت على التصنيف الأول، وبدأت تدخل عالم المنافسات والعديد من المسابقات عن بعد.
واستطاعت سارة أن تجيب عن مئة رقم خلال دقيقة واحدة، وأن تعالج هذه الأرقام بأي عملية حسابية، متحدية بذلك ما يطلق عليه (الآلة الحاسبة).
ونالت الطفلة السورية شهرتها في دخول منافسات دولية عن بعد في اليابان والصين. ولعل مشاركتها في برنامج "برين كيدز" اللبناني وضعها على أول الطريق للوصول إلى العالمية.
وترى عساف أن مسابقة (ACIDA) الصينية تمثل خطوة رائدة لسارة ولأقرانها وتجربة مميزة، وحصلت على الجائزة الكبرى بين 6114 طالباً، وسجلت رقماً قياسياً بعد أن نالت الترتيب الأول ضمن 10 بالمئة من مجموع عدد المشاركين من دول أجنبية وعربية.