شنت جماعة "الإخوان المسلمين" في الأردن حملةً غير مسبوقة من الانتقادات ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بسبب استقباله للرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ بحفاوة في أنقرة.
وذكرت مصادر داخل "الإخوان" أن حدة هذا النقد غير المسبوق لأردوغان، تشير إلى تخلي الرئيس التركي عن تحالفه غير المعلن مع الجماعة، بدليل البيان شديد اللهجة الذي صدر عنها.
وتشير المعلومات الواردة لـ "اندبندنت عربية" أن الأشهر المقبلة ستشهد هجرة عكسية لكثير من الأفراد والقيادات الإخوانية المقيمة في إسطنبول، إلى الأردن.
ولم يكن استقبال الرئيس التركي نظيره الإسرائيلي، الوجه الوحيد للخلاف بينه وبين "الإخوان"، إذ أبدت الجماعة انزعاجها من التقارب الأخير بين أبو ظبي وأنقرة، الذي تمثل بتبادل الزيارات بين أردوغان وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل مكتوم. واعتبرت الجماعة أن أبرز نتائج هذا التقارب ستكون التضييق على أنصارها المقيمين في تركيا، وربما المطالبة بمغادرتهم البلاد في وقت لاحق.
"طعنة للفلسطينيين"
ورفضت "جبهة العمل الإسلامي"، الذراع السياسية لجماعة "الإخوان المسلمين" في الأردن، كافة أشكال السلام مع إسرائيل. وأكد مسؤول "الملف الإسلامي" في الجبهة، أيمن أبو الرب، استنكاره استقبال الرئيس الإسرائيلي في أنقرة، "لا سيما في ظل تصاعد الاعتداءات التي تُمارس بحق الشعب الفلسطيني"، معتبراً أن "هذا الاستقبال لا ينسجم مع مواقف الشعب التركي الداعم لصمود الشعب الفلسطيني".
ودعا أبو الرب، الحكومة التركية إلى التراجع عن هذا المسار السلمي مع الاحتلال "الذي نرفضه بكافة أشكاله، إذ لا يمكن تحقيق أي مصلحة لأي بلد عربي أو مسلم عبر العلاقات مع الاحتلال، التي تمثل ضوءاً أخضر للاحتلال لمواصلة جرائمه بحق الشعب الفلسطيني والمقدسات". ورأى أن الحكومة التركية يجب أن "تنسجم مع مواقف الشعب التركي وشعوب الأمتين العربية والإسلامية التي ترى في الاحتلال، العدو الأول للأمة".
كما دانت نقابات مهنية، استقبال هرتسوغ في تركيا، من بينها نقابة المهندسين التي تُعد الأكبر في الجسم النقابي الأردني، فاعتبرت في بيان قاس أن "الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فتح أحضان تركيا للرئيس الإسرائيلي ووجه طعنةً لنضال الشعب الفلسطيني وكفاحه، فيما يمعن الاحتلال الإسرائيلي بعدوانه على الشعب العربي الفلسطيني".
ورأت نقابة المهندسين، في هذه الخطوة من قبل رئيس تركيا في هذا الوقت، "مؤامرة حقيقية على الشعب الفلسطيني، لإضعاف نضالاته، تكشف حقيقة الدور الذي يلعبه الرئيس التركي وحكومته في دعم مخططات الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة".
منفى طوعي
وتحولت إسطنبول في السنوات الخمس الأخيرة إلى ما يشبه المنفى الطوعي، لكثير من قيادات الجماعة وأفرادها، إذ إن بعضهم وجد في الأراضي التركية ملاذاً استثمارياً آمناً، ومحطة استقرار للمشاريع التجارية، بعدما ضيقت السلطات الأردنية الخناق على الرئة الاقتصادية للجماعة، المتمثلة بـ"جمعية المركز الإسلامي"، التي تُعد إمبراطورية مالية ضخمة تضم مدارس ومستشفيات وعقارات وجامعات، وظلت لسنوات طويلة مصدر التمويل الأول للجماعة، قبل أن تغلقها الحكومة الأردنية وتضع يدها عليها. وظلت تركيا إلى وقت قريب، مقراً رسمياً للتنظيم العالمي لـ"الإخوان المسلمين" الذي يشكل إخوان الأردن جزءاً مهماً وفاعلاً فيه.
ولقي إخوان الأردن ترحيباً منقطع النظير من "حزب العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا، وقدم لهم تسهيلات لوجستية لاجتماعاتهم ونشاطاتهم وندواتهم ومؤتمراتهم، وهو ما رصدته الأجهزة الأمنية الأردنية منذ سنوات بقلق وترقب.
بل إن الأمر يتجاوز ذلك إلى الحديث عن استثمارات تجارية وعقارية ضخمة لأشخاص محسوبين على الجماعة بملايين الدولارات في تركيا، فضلاً عن توفير فرص عمل لهم، بخاصة في المؤسسات الإعلامية.
وقبل أسابيع، بدا أن شهر العسل بين تركيا وحركة "حماس" انتهى، بعد الحديث عن توتر مكتوم بين الطرفين، أكدته صحيفة "حرييت" التركية، في تقرير أشار إلى أن أنقرة تبحث عن مقر جديد للحركة خارج أراضيها، سبق ذلك إبعاد بعض قياداتها، كصالح العاروري.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
استدارة سياسية
في السياق، صنف الباحث، أستاذ العلاقات الدولية حسن البراري، ما قام به أردوغان بأنه "استدارة سياسية، تخدمه في معركة البقاء السياسي في بيئة سياسية تركية متقلبة". وأضاف أن "زيارة هرتسوغ ليست نقطة تحول جديدة، بل تكشف عن تحول كان يجري في عقل أردوغان بعدما خسر رهانات إقليمية، فتركيا من أوائل الدول التي اعترفت بإسرائيل واحتلت مركزاً مهماً في عقيدة بن غوريون التي استندت إلى ركائز ثلاث، منها التحالف مع دول الأطراف غير العربية لتطويق العرب" (إيران الشاه، إثيوبيا، وتركيا).
وأكد البراري أن "أردوغان عبر إعادة العلاقة الاستراتيجية مع إسرائيل، يفقد مصداقية أي ادعاء بأنه يقف مع الفلسطينيين في معركة تقرير المصير، في وقت تحقق فيه تل أبيب اختراقاً جديداً في الإقليم يعزز من حالة سيولة التحالفات الإقليمية".
واعتبر البراري أن "الإخوان المسلمين فقدوا حليفاً استراتيجياً مهماً، لكنه كان يتحالف معهم تكتيكياً، ولمصالح محدودة الأجل". ووصف أردوغان بأنه "زعيم تمكن من اللعب على ورقة العداء مع إسرائيل لتحقيق اختراقات إقليمية، لكن هذه الاختراقات هي التي دفعته لنقل البندقية إلى كتف آخر حتى يستمر في لعبة المصالح، وكان بارعاً في استثمار تعطش الشعوب العربية إلى مَن يقف في وجه إسرائيل، فلعب الدور باقتدار".
توظيف الإسلام السياسي
من ناحية ثانية، اعتبر الصحافي الأردني حاتم الهرش أن "أنصار الإسلام السياسي سارعوا إلى إدانة زيارة الرئيس الإسرائيلي إلى تركيا، ليريحوا ضمائرهم من مسؤولية السلام مع إسرائيل". وأضاف الهرش أن "لا تعويل على حل قضايانا إلا بمشروع عربي فقط، ولا يمكن لأي مشروع إقليمي مهما كنت تلتقي معه على مساحات مشتركة، كبُرت أم صغُرت، أن يكون مُعبراً عن المشروع العربي". وتابع "إيران مشروع مذهبي طائفي، وتركيا مشروع قومي مسقوف في إطار النظام الدولي في كل ملفات المنطقة"، معتبراً أن "الإسلام السياسي السني لم يكن حليفاً لتركيا، وإنما تم توظيفه سياسياً".
الخناق يضيق على الجماعة
في الأثناء، وجدت جماعة "الإخوان المسلمين" نفسها أمام مصير مجهول، بخاصة بعد تشظيها وانقسامها لجماعات متناحرة عدة، وتراجع شعبيتها في الشارع الأردني، وحلها قانونياً في عام 2020 بقرار قضائي قطعي.
كما ضاق الخناق أكثر على الجماعة بعد سلسلة إخفاقات انتخابية في النقابات المهنية الأردنية كان آخرها نقابة المهندسين، إضافة إلى حل نقابة المعلمين التي تسيطر عليها، وتعليق مشاركتها في الانتخابات البلدية المقررة في نهاية مارس (آذار) الحالي.