عاد موضوع الحريات ليشغل بال الجزائريين بعد توقيف وزير سابق وصحافي، وفي حين يندرج اعتقال الأول في سياق تحقيقات أمنية تتعلق بالفساد لا يزال حبس الثاني يثير تساؤلات، لا سيما أن ذلك يأتي بعد أيام من إطلاق صحافي ورفع تهم الإرهاب عن عدد من الناشطين.
وكشف مصدر مطلع رفض الكشف عن هويته لـ "اندبندنت عربية"، أن اعتقال الوزير والسفير السابق عبدالقادر خمري يأتي في إطار التحقيقات الجارية في شأن قضايا فساد تخص "الوكالة الوطنية للنشر والإشهار" الحكومية التي كان مديرها، وأضاف المصدر أنه تقرر وضعه قيد التوقيف على ذمة التحقيق.
وشغل خمري مطلع التسعينيات منصب وزير الشباب والرياضة، ثم في عام 1999 تقلد مسؤولية المدير العام لشركة النشر والإشهار التي تحتكر توزيع الإعلان العمومي في الصحف ونشر الكتب، وبعدها بات مديراً لمجمع الصحافة والاتصال الحكومي قبل أن يعينه الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة سفيراً في بولندا من 2009 وحتى 2014، حين عين وزيراً للشباب والرياضة مدة عام.
ولم يهتم الشارع بقضية الوزير السابق خمري كون الأمر يتعلق بقضايا فساد تنتمي إلى فترة النظام السابق، وفي هذا الشأن قال الحقوقي كمال جودي لـ "اندبندنت عربية" إنه "على رغم عدم الاكتراث الشعبي باعتقال أحد وزراء نظام بوتفليقة، إلا أن الخطوة مريحة وتؤكد تمسك الحكومة باستمرار ملاحقة الفاسدين من أجل وضع حد للفساد"، مشيراً إلى أن "الاعتقال أحيط بنوع من الهدوء ولم يتم الإعلان عن أسباب التوقيف، إلا أن الأصداء تتحدث عن سوء تسيير مؤسسات حكومية".
توقيف صحافي
وفي المقابل رافق توقيف الصحافي لزهاري لبتر انتقادات واسعة بلغت حد التحذير من تدهور الحريات في الجزائر، خصوصاً أنه يأتي عقب الإفراج عن صحافي كان معتقلاً لفترة، ورفع تهم الإرهاب عن ناشطين.
وقالت عائلة لبتر إن عنصرين من مصالح الأمن توجها إلى منزل لبتر لتبليغه الاستدعاء إلى مركز الأمن حيث أمضى ليلة قيد التوقيف التحفظي، من دون أن يتم إبلاغ أسرتة بأسباب التوقيف وطبيعة القضية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكتب ابنه أمين لبتر على "فيسبوك" "تقدم ضابطا أمن بالزي المدني إلى منزل لزهاري لبتر عند الساعة السادسة والنصف مساء، ومعهما استدعاء لا أعرف محتواه".
وأضاف أنه لا يعرف السلطة التي ينتميان إليها ولا سبب التوقيف، وذكر أن والده البالغ 70 عاماً موقوف في المركز الرئيس للشرطة في العاصمة الجزائرية وأنه "سيقضي الليلة هناك". وختم أن لزهري لبتر مثقف وصاحب دار نشر، "ولا شك في أن اعتقاله على علاقة بما يكتب أو بما يقول أو بطريقة تفكيره".
وأوضحت العائلة في منشور أن لبتر لا يزال في مركز الشرطة بالعاصمة، وقد زاره ابنه أمين وحالته جيدة، لكن توقيفه مدد 24 ساعة.
وسبق للصحافي لبتر أن نشر أكثر من 60 مؤلفاً في الشعر والأدب والتاريخ، ويعتبر من المهتمين بمجال الرسوم المتحركة الجزائرية إذ ألف فيه كتابين، وترأس نقابة الناشرين وشغل منصب منسق الفيدرالية الدولية للصحافيين، وهو أحد مؤسسي النقابة الوطنية للصحافيين في الجزائر.
تراجع الحريات
من جانبه، يعتقد الكاتب الصحافي حكيم مسعودي في تصريح إلى "اندبندنت عربية" أن "الاعتقال بهذه الطريقة لا يعكس الإجراءات التي يفترض العمل بها في دولة دستورها يعج بالحقوق والحريات الأساس للمواطنة".
واعتبر مسعودي ذلك "تعسفاً في حق لبتر وغيره من المعتقلين"، مشدداً على "أننا لسنا في حال طوارئ كي يتم اعتقال المطلوبين بهذه الطريقة".
ويقول إن "الوضع هو الأسوأ منذ عقود، والسلطة تتحمل مسؤولية استمرار هذه السياسة القمعية ضد كل من يخالفها الرأي والموقف والتوجهات".
وحذر من أن "هناك تراجعاً في مجال الحريات العامة والممارسة الديمقراطية".
تجاذبات ساخنة
ويشهد ملف سجناء الرأي والصحافيين تجاذبات ساخنة بين السلطة من جهة وحقوقيين وسياسيين من جهة أخرى، فالرئيس عبدالمجيد تبون ينفي وجود سجناء رأي ويعتبر الحديث عن وجودهم بمثابة "أكذوبة القرن"، مشدداً على أن "من يسب ويشتم تتم معاقبته وفقاً لأحكام القانون العام مهما كانت صفته".
ويقول إنه لا يقبل من أي شخص مهما كانت صفته المساس بمؤسسات الدولة وبرموز تاريخ البلاد"، موضحاً أن حرية التعبير مضمونة في الجزائر شرط أن تمارس بطريقة حضارية.
وفي المقابل يتمسك "حزب العمال اليساري" بوصف النشطاء الموقوفين في السجون بأنهم "سجناء سياسيون ومعتقلو رأي"، داعياً السلطات إلى إطلاقهم جميعاً ورفع القيود المفروضة على ممارسة الحريات الديمقراطية.
وعبرت "جبهة القوى الاشتراكية" عن القلق من استمرار سياسيات الإغلاق السياسي، وقالت إنه "لا يمكن الحديث عن تماسك الجبهة الداخلية في ظل استمرار الإغلاق المحكم للمجال السياسي والإعلامي".
ويقول المحامي عبدالغني بادي "لن أقول إن هناك سجناء رأي، لكني أدعو من ينفي ذلك إلى النظر في الملفات، ولن يجد سوى مساءلات حول منشورات في ’فيسبوك‘ حول مواقف من الشرعية السياسية للسلطة وأفكار تعبر عن خيارات وتوجهات سياسية لأصحابها".
ويضيف، "القانون الجزائري يعتبر أن جنحة السب والشتم لا تستحق السجن وغالباً ما تنتهي بغرامة مالية، لكن يتم تكييف قضايا خطرة بحق النشطاء المسجونين تتعلق بالمساس بالوحدة الوطنية والمؤامرة على سلطة الدولة والإرهاب".