Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التونسيون يترقبون زيادات جديدة في الأسعار العام المقبل 

البنك المركزي يتوقع بلوغ 12.2 في المئة لتضخم المواد الطازجة العام المقبل

ضعف الإنتاج وارتفاع الطلب والجفاف ستزيد أسعار كثير من المنتجات (أ ف ب)

لا تزال الأسعار الملتهبة تشغل بال التونسيين وترهق جيوبهم في ظل تضخم مرتفع لم يخمد، دفع القدرة الشرائية والاستهلاكية لعموم المواطنين إلى المحك، لتنزل إلى مستويات مقلقة.

ويستفيق التونسيون تقريباً يومياً على أخبار تحريك منتظم ومتواصل لأسعار عديد من المنتجات خصوصاً المحررة (غير المدعومة من وزارة التجارة) التي تمتد إلى قطاعات ومجالات واسعة لتأخذ أبعاداً سعرية كبيرة.

إلى ذلك فتحريك سعر البن سيكون له وقع لافت على أسعار القهوة في المقاهي وأماكن الترفيه والوحدات السياحية وهو ما قد يطاول منتجات وسلعاً أخرى.

ويعيش التونسيون وسط حالة تخبط حكومي، ففي الوقت الذي يشير الخطاب الرسمي للحكومة التونسية إلى التزامها الحفاظ على القدرة الشرائية لعموم المواطنين، ولكن في المقابل تقدم في مناسبات عدة على تحريك أسعار عدد من المنتجات التي تمس مجالات وقطاعات أخرى.

انفلات الأسعار

في تلك الأثناء رجح رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك (مستقلة) لطفي الرياحي، استمرار وتيرة ارتفاع الأسعار في الفترة المقبلة، مضيفاً أن "المواطن التونسي خصوصاً من الفئات المحدودة والمتوسطة الدخل سيتحمل تبعات الزيادات المنتظرة في عام 2024".

وتابع الرياحي في تصريحات إلى "اندبندنت عربية"، أنه "استناداً إلى ما تضمنه مشروع قانون المالية ومشروع الموازنة العامة للدولة للعام المقبل ستكون هناك إجراءات جديدة ضمن مشروعي قانون سيكون لهما أثر مباشر في عموم التونسيين"، موضحاً "مما يعني تضاعف الإشكالات والصعوبات، خصوصاً في ظل عدم إقرار زيادات جديدة في الأجور أو مراجعة جداول الضريبة على الدخل لتقوية الأجور نسبياً".

وأكد أنه "بداية من العام المقبل ستكون هناك زيادة جديدة بنسبة أربعة في المئة على المصارف، التي ستلجأ بدورها إلى تحميل العبء على عملائها بزيادة المصروفات والعمولات البنكية".

وأشار الرياحي إلى أن البنوك تقدم نحو 50 خدمة بنكية منها 14 خدمة مجانية، قائلاً "البنوك ستعمد إلى إقرار زيادة في التعرفات والعمولات بمقابل حتى تتدارك النقص الحاصل".

وقال رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك، إن "مشروع قانون المالية لعام 2024 ينطوي على فصول تتضمن زيادات ضريبية على الوحدات السياحية والرحلات الجوية والسكن"، مضيفاً أن "تلك الزيادات ستكون لها تداعيات مباشرة على الأسعار والتعرفات في هذه المجالات، وأن المواطن سيكون الحلقة الأضعف في العملية".

وأرجع الرياحي توقعاته حول الزيادات في الأسعار العام المقبل إلى عوامل عدة، منها الجفاف واحتباس الأمطار مما سيؤثر بصورة لافتة للانتباه في أسعار المنتجات والسلع الزراعية الطازجة من خضراوات وغلال، خصوصاً في ظل قرارات وزارة الزراعة التونسية بتقليص استخدام الماء في الزراعات الملتهمة للماء في عدد من أنواع الخضر والغلال.

وحول طرق كبح جماح الأسعار اقترح الرياحي أن تدخل الحكومة مباشرة في مستوى هيكلة الأسعار وتحديد هوامش الربح لعدد كبير من المنتجات والسلع التي تشهد انفلاتاً في أسعارها، مفسراً هذا الانفلات أن عدداً كبيراً من المنتجين والمصنعين والتجار يعمدون إلى تحديد هوامش ربح خاصة بهم تضمن أرباحهم ومكاسبهم فحسب، ليجد المستهلك نفسه أمام أسعار مضاعفة.

التضخم لا يزال مرتفعاً حتى في 2024

في غضون ذلك أظهرت آخر تقديرات البنك المركزي التونسي استمرار المسار الهبوطي للتضخم في تونس ولو بصفة تدرجية، إلا أنه عند مستويات عالية نسبياً على المدى المتوسط بسبب الأخطار المحيطة.

وكشفت بيانات اطلعت عليها "اندبندنت عربية" من البنك المركزي عن أن تونس ستنهي السنة الحالية 2023 في مستوى تضخم بنسبة 9.4 في المئة، على أن تنزل هذه النسبة إلى مستوى 7.7 في المئة في عام 2024 قبل أن تتراجع إلى 5.5 في المئة في عام 2025.

وحول التضخم الأساسي توقعت البيانات أنه سيكون في حدود 9.1 في المئة في عام 2023، قبل أن يهبط إلى مستوى 7.8 في المئة في العام المقبل، ثم يواصل الهبوط إلى 5.7 في المئة في 2025.

وأشارت البيانات إلى أن معدل التضخم بالنسبة إلى أسعار المواد الطازجة في العام الحالي سيكون عند 17.2 في المئة، على أن يتراجع في العام المقبل إلى 12.2 في المئة، قبل أن يواصل الهبوط إلى 7.5 في المئة في 2025.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وحدد البنك المركزي التونسي إجمالي الأخطار المحيطة بتوقعات التضخم المتمثلة أساساً في عدم التسريع في نسق تنفيذ الإصلاحات الهيكلية وعدم تحفيز ودفع الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية (المياه، الطاقة...) إلى جانب ضعف استقطاب الاستثمارات الخارجية.

ومقابل ذلك تتزايد الأخطار المتعلقة بتواصل تآكل وتدهور وسائل الإنتاج وضعف التصدير وصعوبة التحكم في موازنة الدولة وارتفاع الطلب على التوريد، علاوة على زيادة في نسبة الضرائب مع تواصل الضغط على ميزان الدفوعات وسعر صرف الدينار.

ومنذ عام 2017 شدد البنك التونسي من سياسته النقدية للحد من تفاقم اختلال التوازن بين الطلب والعرض وتداعياته الخطرة على التضخم والاستقرار الاقتصادي والمالي للبلاد.

ويرى البنك المركزي التونسي أن الزيادة المدروسة في نسبة الفائدة زادت نسبة التضخم في تونس بصورة مخيفة، على غرار نسب التضخم في دول الجوار مثل مصر وتركيا اللتين وصلت معدلات التضخم بهما 40 في المئة و60 في المئة على التوالي.

قلة الإنتاج ستزيد من التضخم

وفي قراءة تحليلية مرتبطة بسعر صرف الدينار التونسي بالدولار ونسق التضخم، قال المحلل المالي بسام النيفر، إن هناك تأثيراً مباشراً في الأسعار في عام 2024 خصوصاً في شأن تحريك المعلوم (الرسوم) على الاستهلاك في موازنة العام المقبل، الذي سيدر على خزانة الدولة ما قيمته 356 مليون دينار (114.8 مليون دولار)، خصوصاً تحريك المعلوم على الاستهلاك في منتجات التبغ والسجائر والمشروبات الكحولية الذي صار تحريك أسعارها تقريباً سنوياً في تونس، مفسراً ذلك بأن الحكومات تعمد إلى زيادة المعلوم على الاستهلاك لتلك المنتجات لاعتبارات صحية من جهة وعدم المساس بأسعار المواد المدعمة من جهة أخرى.

وأكد النيفر في تصريحات إلى "اندبندنت عربية" أنه "بالتوازي مع إمكانية الزيادة في الأسعار لعدد من المنتجات الاستهلاكية فإن أسعار المنازل ستعرف بدورها زيادة من خلال الشروع بداية من عام 2024 في زيادة المعلوم على الأداء (الضريبة) على القيمة المضافة من 13 إلى 19 في المئة".

من ناحية أخرى أشار النيفر إلى أن مشروع قانون المالية الجديد لم يدعم الشركات الاقتصادية ولم يدعم الإنتاج، على رغم أن جزءاً مهماً من التضخم المرتفع يرجع إلى تواضع الإنتاج، وأن الإشكال الحقيقي المسبب للتضخم هو قلة الإنتاج في ظل الطلب المرتفع مما يدفع الأسعار إلى الارتفاع، لافتاً إلى أن الضغوط التضخمية ستتواصل العام المقبل.

نسق الزيادات انطلق

بصورة عملية وتيرة تحريك الأسعار خصوصاً في المواد المدعمة انطلقت في مطلع الشهر الجاري، بعد قرار وزارة التجارة وتنمية الصادرات زيادة أسعار البيع للمواطنين لمواد الرز والشاي والسكر الموردة من طرف الديوان التونسي للتجارة (حكومي).

يشار إلى أن الديوان التونسي للتجارة يحتكر توريد أربع مواد وهي السكر والقهوة والرز والشاي.

وتندرج هذه المراجعة الجديدة ضمن الحلول التي ارتأتها الحكومة للتخفيف من وطأة الخسائر المتراكمة على ديوان التجارة التي تقارب 500 مليون دينار (161.2 مليون دولار) وتعديل متواصل للأسعار في إطار التأقلم مع الأسعار العالمية التي تتغير باستمرار.