ملخص
تداعيات التوتر جنوب لبنان تدفع اللاجئين السوريين للبحث عن أماكن أكثر أماناً
تداعيات التوتر في جنوب لبنان والقتال الدائر بين "حزب الله" وإسرائيل لم توفر النازحين السوريين الذين يبحثون عن أماكن أكثر أماناً، وتشير المعلومات إلى أن نسبة كبيرة منهم باتت تخطط إما للعودة إلى سوريا وإما محاولة العبور إلى قبرص في رحلات بحرية غير شرعية.
وبحسب المعلومات المتوافرة، فإن آلاف النازحين السوريين غادروا منطقة جنوب نهر الليطاني (جنوب لبنان) مع من نزح من أهالي القرى الحدودية، في ظل تغييب تام لهؤلاء عن خطة الطوارئ الحكومية، وعدم اكتراث المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. وكان الجانب الوحيد من النقاش، الذي لم يوضع له إطار تنفيذي، هو طرح فكرة إقامة مخيم على الحدود اللبنانية - السورية لنحو 86 ألف نازح سوري من الجنوب في حال توسع الحرب لكن الأمر بقي خارج المتابعة الجدية.
المواقع العسكرية
وتشير الأرقام والمصادر الميدانية إلى أنه على رغم حدة الاشتباكات والأخطار التي يواجهها سكان المناطق الحدودية، بقيت النسبة الكبرى من اللاجئين السوريين في مناطق سكنهم ولم يغادروا باتجاه مناطق أكثر أمناً في عمق الجنوب أو النزوح باتجاه المناطق الداخلية مثل البقاع أو محافظة جبل لبنان. وربط بعض المصادر بقاء اللاجئين في هذه المناطق بموسم قطف الزيتون والاهتمام بالأراضي الزراعية، في حين تحيك مصادر قريبة من "حزب الله" نظريات المؤامرة حول وجودهم وتوجه إلى بعضهم تهم مراقبة النشاطات العسكرية للحزب وإبلاغ إسرائيل بمواقع انتشاره مما سبب لهم حالاً كبيرة من الهلع والخوف.
وتؤكد مصادر ميدانية أن مئات العمال السوريين منعوا من دخول البساتين الزراعية حيث كانوا يعملون من قبل الحزب، في حين أن عدداً منهم تم اقتياده للتحقيق واتهامه بالتواصل مع إسرائيل وتسببه بكشف خلايا الحزب أو المجموعات الفلسطينية التي تنشط قرب الحدود الإسرائيلية.
اليد العاملة
الوجود السوري في لبنان ليس حديثاً، فلطالما شكل السوريون يداً عاملة أساسية في قطاعي الزراعة والبناء. غير أن موجة النزوح التي سبّبتها الحرب المندلعة في سوريا منذ عام 2011، ألقت بثقلها في لبنان الذي نال "حصة الأسد" في استقبال السوريين لعوامل عدة، أبرزها الحدود الجغرافية المشتركة بين البلدين والعلاقات التاريخية بينهما.
وفي غياب خطة حكومية محكمة لتنظيم النزوح السوري إلى لبنان، انتشر هؤلاء على كافة الأراضي اللبنانية حتى باتوا يشكلون اليوم نحو 42 في المئة من سكان البلاد ويفوق عددهم المليونين بين نازحين وقانونيين، حسب تصريح للمدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء إلياس البيسري في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
ويظهر تقرير الحقائق الصادر عن المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في أغسطس (آب) 2023، وجود نحو 796 ألف نازح سوري في لبنان، نحو 90 ألفاً منهم في محافظتي الجنوب والنبطية الواقعتين على الحدود مع إسرائيل، 59 ألفاً منهم في المحافظة الأولى و30 ألفاً في الثانية. وتشكل الأرقام التي أعلنها البيسري أكثر من ضعفي العدد المسجل لدى المفوضية إذ أن هذه الأخيرة توقفت عن تسجيل النازحين السوريين في مايو (أيار) 2015 انصياعاً لقرار حكومي لبناني طلب منها ذلك.
نزوح سوري
ومع تصاعد المواجهات بين "حزب الله" وإسرائيل جنوباً، وجد السوريون في الجنوب أنفسهم أمام رحلة نزوح جديدة. وأظهر استقصاء أجرته منظمة "المفكرة القانونية" للأبحاث، نشر في 27 نوفمبر الماضي في تقرير حمل عنوان "السوريون في جنوب لبنان: تحدّيات النزوح والبقاء"، أن النزوح السوري الأخير شمل نحو ألف سوري غادروا بلدة عيتا الشعب، ونحو 700 غادروا بلدة ميس الجبل، ونحو 100 أسرة نزحت من بلدة يارين باتجاه صور والعاقبية وبيروت، و40 أسرة أخرى غادرت مارون الراس و13 أسرة غادرت طيرحرفا.
وأضاف التقرير أن خمسة أسر نزحت أيضاً من بلدة الضهيرة وأخلى السوريون قرى بليدا ورب 30 ومروحين، فيما وثق بقاء أربع أسر سورية من أصل 70 كانت تقيم في عيترون.
وحسب "المفكرة القانونية"، استقبلت القرى الخلفية في الجنوب حيث تتراجع حدة القصف الإسرائيلي، عدداً من اللاجئين السوريين الذين قصدوا منازل سوريين آخرين أو وجدوا عملاً لدى لبنانيين، كما حصل في بلدة جبال البطم حيث أسهم العمال السوريون في إنقاذ موسم التبغ. وأضاف التقرير أن بعض النازحين توجهوا إلى بلدة صديقين حيث الوجود السوري كبير ويشمل نحو 400 أسرة. أمت في بلدة زبقين التي طاولتها الغارات الإسرائيلية، فنزح نصف العائلات السورية المقدرة بنحو 40 عائلة.
سببان رئيسان
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين أشار إلى أن العدد الإجمالي للنازحين اللبنانيين من جنوب لبنان تجاوز 45 ألف مواطن بسبب الأحداث الأمنية عند الحدود، موضحاً أن النازحين السوريين باتوا يتوزعون على عشرات المناطق، منها صور وصيدا والضاحية الجنوبية لبيروت، وإقليم الخروب وصوفر وبحمدون وجبيل (جبل لبنان). وقال "في الجنوب غادر أهل الجنوب وبقي النازحون ولم يخافوا"، مشيراً إلى أن هناك قرى جنوبية باتت خالية من أهلها ولم يبق فيها إلا السوريون. وأضاف أنه على رغم نزوح غالبية اللبنانيين من القرى الحدودية، فإن معظم النازحين السوريين ما زالوا موجودين في هذه المناطق وهذا الأمر يعود لسببين: الأول أنهم لا يملكون مأوى آخر يلجأون إليه سوى سوريا، من ثم هم لن يعودوا إلى وطنهم، والأهم من ذلك أن معظم النازحين السوريين يعمل في القطاع الزراعي. ولفت إلى أن أحد أسباب عدم مغادرة النازحين السوريين في بعض قرى الجنوب، أيضاً، هو أن مناطق الاشتباكات والقصف لا تزال نسبياً في أماكن بعيدة عنهم، مما دفعهم إلى البقاء في نقاط وجودهم، فكل القرى الحدودية تضم نحو 12 ألف نازح سوري.
شحن وعنصرية
برأي رئيس منظمة "لايف" (المؤسسة اللبنانية للديمقراطية وحقوق الإنسان) المحامي نبيل حلبي، فإن للمخاطر درجات، وهذا الميزان يدفع عديداً من اللاجئين السوريين لعدم إخلاء المناطق التي قطنوها في جنوب لبنان والعودة إلى سوريا حيث ينتظرهم هناك الاعتقال والقتل المحقق، مضيفاً أن الأمر مختلف لدى المهاجر الاقتصادي الذي غادر سوريا أخيراً، وسكن في تلك البلدات الجنوبية، حيث "يرى متسعاً أكبر لجني ثمرة صموده وتقاسمها مع من بقي من اللبنانيين من دون أي توتر ومزاحمة كما كان يحصل في بعض الحالات سابقاً، في ظل الأزمة الاقتصادية وشح الموارد المحلية الموجودة".
وقال "البعض في لبنان، للأسف، ما زال يستغل أي طارئ لينفخ في بوق العنصرية وشحن الرأي العام ضد الوجود السوري في لبنان، لغايات باتت معروفة، بدلاً من مطالبة أجهزة الدولة ومؤسساتها بتنظيم هذا الملف وفق القوانين المحلية والقانون الدولي للاجئين." وأكد حلبي أن تنظيم هذا الملف مدخله الأساس يبدأ من تصنيف الوجود السوري بين من هو لاجئ خوفاً على حياته وحياة أسرته وهارب من اضطهاد، وبين من هو مهاجر اقتصادي، ليبني على كل حالة الوضع القانوني المناسب، إذ توجب القوانين الدولية حماية الأول، كما توجب الحالة الثانية تطبيق قانون العمل المحلي وشروط مكتب الاستخدام.
ارتفاع الأجور
من ناحيته رأى المحلل الاقتصادي منير يونس أن أجور العمالة السورية في الجنوب ارتفعت في المرحلة الأولى أكثر من 100 في المئة، وهي لا تزال ترتفع، وهذا يعد من الأسباب الرئيسة لبقاء النازحين السوريين في قرى الجنوب مستفيدين مالياً من الوضع الراهن، وتحديداً من موسم قطف الزيتون وغيره. ولفت إلى أن هناك حديثاً عن أن معظم السوريين قد يسببون مشكلات بينهم وبين عديد من سكان المناطق الجنوبية، وهناك اتهامات تلاحق بعضهم لجهة التعامل مع إسرائيل، وهذه كلها أحاديث لم يؤكدها أي طرف، لكن الأكيد أن بقاءهم في المناطق الجنوبية هو أولاً للاستفادة مادياً.