ملخص
على رغم أن إجراءات إرسائها سهلة من خلال التعيين من قبل رئيس الجمهورية، تأخر تشكيل المحكمة الدستورية في تونس، وتباينت وجهات نظر المتابعين بين من يرى أن قيس سعيّد لا يريد تشكيلها لأسباب سياسية، وبين من يرى أنها سترى النور قريباً لتتويج المشروع السياسي الجديد في البلاد.
يترقب التونسيون إعلاناً رسمياً من قبل هيئة الانتخابات عن الرزنامة الانتخابية الخاصة بالانتخابات الرئاسية المزمع تنظيمها بين سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) المقبلين، بينما تشهد الساحة السياسية في البلاد حراكاً بإعلان عدد من الشخصيات نيّتها الترشح لهذه الانتخابات.
وتطالب جهات سياسية ومنظمات وطنية بضرورة تشكيل المحكمة الدستورية قبل الذهاب إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة، من أجل ضمان نزاهة وشفافية هذه المحطة الانتخابية. فلماذا لم يتم تشكيل المحكمة الدستورية بعد؟ وما تأثيرات غيابها على المشهد السياسي التونسي وعلى الانتخابات الرئاسية؟
ضامنة لدستورية القوانين
وتُعتبر المحكمة الدستورية الضامن لدستورية القوانين، ولدولة القانون، وهي التي تسهر على رفعة الدستور، كما تراقب مشاريع تعديل الدستور، والمعاهدات، والنظام الداخلي للبرلمان التونسي، والنظام الداخلي للمجلس الوطني للجهات والأقاليم، وتبت في استمرار حالات الطوارئ، والنزاعات المتعلقة باختصاصي الرئاسة والحكومة.
وبحسب الفصل 125 من دستور 2022، فإن "المحكمة الدستورية تتألف من 9 أعضاء، ثلثهم من أقدم رؤساء الدوائر بمحكمة التعقيب، والثلث الثاني، من أقدم رؤساء الدوائر التعقيبية بالمحكمة الإدارية، والثلث الثالث من أقدم أعضاء محكمة المحاسبات، وينتخب الأعضاء من بينهم رئيساً للمحكمة".
ويمكن لرئيس المحكمة الدستورية، وفقاً للفصل 109 من الدستور، أن "يشغل منصب رئيس الجمهورية عند شغور المنصب لوفاة أو استقالة، أو لعجز تام، أو لأي سبب من الأسباب، بصفة موقتة، لأجل أدناه 45 يوماً وأقصاه 90 يوماً".
انشغال لتعطيل تشكيلها
ونبهت حركة "حق" (حزب سياسي تونسي)، من خطورة الذهاب إلى انتخابات رئاسية في غياب المحكمة الدستورية، وطالبت بتسريع تعيين جميع أعضائها، الراجع لرئيس الجمهورية، "من أجل إرساء دولة الحق والقانون".
وقالت الحركة في بيان، إنها "تتابع بكل انشغال تواصل تعطيل إرساء المحكمة الدستورية على رغم أنه يمكن لرئيس الجمهورية تعيينها في الحين وإصدار القانون المنظم لها طبقاً لأحكام الفصل 132 من الدستور".
وأكدت أن "أحد أبرز أخطاء مرحلة ما بعد إقرار دستور 2014، هو التلكؤ في إرساء المحكمة الدستورية لحسابات سياسية".
لا ديمقراطية من دون محكمة دستورية
ويؤكد أستاذ القانون الدستوري، الصغير الزكراوي، أنه "لا يمكن الحديث عن ديمقراطية في دولة لا توجد فيها محكمة دستورية"، لافتاً إلى "أهمية مراقبة دستورية القوانين حتى تكون متلائمة مع الدستور".
ويُرجع الزكراوي سقوط منظومة دستور 2014 إلى "غياب المحكمة الدستورية التي تحسم تنازع الصلاحيات بين رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان".
ويشير أستاذ القانون إلى "غياب الإرادة السياسية اليوم لتشكيل المحكمة الدستورية لأن ذلك مرهون بقرار سياسي من رئيس الجمهورية، قيس سعيد، بخاصة وأن أعضاءها وكيفية تشكيلها معلومة وسهلة وواضحة"، محذراً من "الفراغ الدستوري الذي يمكن أن يحدث في حالة وفاة رئيس الجمهورية وغياب المحكمة الدستورية، ما قد يُغرق البلاد في الفوضى".
ويعتبر الزكراوي أن "غياب المحكمة الدستورية يؤثر في المشهد السياسي، وعلى الانتخابات الرئاسية"، مشيراً إلى أن "المناخ السياسي العام في البلاد لا يتلاءم مع تنظيم الانتخابات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المس بـ "دولة القانون"
في السياق ذاته، أكدت أستاذة القانون الدستوري، منى كريم، أن "غياب المحكمة الدستورية في أي دولة، يمسّ بمفهوم دولة القانون التي توجد فيها رقابة على دستورية القوانين، لذلك فإن غيابها يضعف دولة القانون، بصرف النظر عن وجود انتخابات من عدمها". وأضافت أنه "على رغم أن المحكمة الدستورية لا علاقة لها بالانتخابات، إلا أن غيابها يجعل القوانين في المجال الانتخابي خارج الرقابة، ويمكن تضمينها فصولاً لا تتماشى وروح الدستور"، لافتةً إلى أن "الخطر الذي يحدق بالانتخابات يكمن في إمكانية إضافة شروط جديدة للترشح للانتخابات الرئاسية، تحول دون ترشح بعض التونسيين في غياب المحكمة الدستورية".
غياب المحكمة الدستورية لا يؤثر في الانتخابات
في المقابل، لا يرى أستاذ القانون العام، رابح الخرايفي، "أي تأثير لغياب المحكمة الدستورية في المشهد السياسي العام، أو على الانتخابات الرئاسية المقبلة"، مشدداً على أن "المحكمة الإدارية هي من تتولى الآن الإشراف القضائي على الانتخابات وهي التي تتلقى الطعون وتبتّ بالجرائم والتجاوزات الانتخابية بالتنسيق مع هيئة الانتخابات".
في هذا السياق، يدعو الخرايفي إلى أن "تبادر رئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة أو البرلمان إلى تقديم مشروع قانون ينظم عمل المحكمة الدستورية لأن قانون 2015 لم يعد متلائماً مع دستور 2022".
ولا ينفي المختص في القانون أهمية "وجود المحكمة الدستورية لضمان دستورية القوانين، مؤكداً "أهمية المبادرة بوضع قانون لهذه المحكمة".
تتويج المشروع السياسي الجديد
ويذهب بعض متابعي الشأن العام في تونس إلى أن قيس سعيد يعمل على استكمال مشروعه السياسي بشكل متدرّج، حيث بدأ بتغيير النظام من شبه برلماني إلى رئاسي، ثم أرسى دعائم المنظومة التشريعية بتشكيل الغرفة الأولى للبرلمان متمثلة في مجلس نواب الشعب، وقريباً سيتم تركيز الغرفة الثانية المتمثلة في المجلس الوطني للجهات والأقاليم، ثم يأتي وضع المحكمة الدستورية.
ويرى رئيس حزب "التحالف من أجل تونس"، سرحان الناصري، أن "استكمال المسار الجديد الذي دخلته تونس في 25 يوليو (تموز) 2021، سيكون عبر إرساء المحكمة الدستورية قريباً، من أجل تهيئة مناخ سياسي سليم للانتخابات الرئاسية المقبلة"، معرباً عن أمله في تشكيل المحكمة في أقرب الأوقات "لدورها الأساسي في ضمان علوية القانون"، داعياً سعيد إلى "تنفيذ إصلاحات جذرية في مجالات عدة، بخاصة وأنه يتمتع بصلاحيات واسعة".
يُذكر أن سعيّد، صرح يوم 17 أغسطس (آب) 2022، على هامش نشر دستور 2022 في الجريدة الرسمية، بأنه "سيتم إرساء المحكمة الدستورية في أقرب الآجال"، إلا أنه بعد نحو سنتين، لم تر المحكمة الدستورية النور على رغم السهولة الإجرائية لإرسائها.