Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل حقا يؤدي اغتيال هنية إلى حرب إقليمية؟

"قد يبدو الحديث عن هذه السيناريوهات أمراً مبالغاً فيه لكن من المستحيل ألا ترد إيران على ما جرى"

مسلحون حوثيون يحتجون على اغتيال هنية وشكر، خلال تظاهرة في صنعاء، في 2 أغسطس الحالي (رويترز)

ملخص

إيران لا تريد الحرب لكنها مجبرة على الرد ونتنياهو يصمم على القيام باستفزازات من شأنها اندلاع حرب إقليمية، وفي حال قامت هذه الحرب فإن إسرائيل تستطيع أن تجعل أميركا تتحمل كلفتها.

أدى مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران إلى تفاقم الأخطار في الشرق الأوسط بصورة كبيرة جداً، وحتى لحظة كتابة هذا التقرير لم يكن قد ورد أي تفسير واضح من طهران حول كيفية تنفيذ عملية الاغتيال بالضبط، ولم يشرحوا للجمهور تفاصيل ما جرى، ولا كيف تمكنت إسرائيل من اغتيال هنية وسط طهران، وبقيت هذه الأسئلة بلا إجابة.
وعلى رغم عدم وجود اعتراف صريح من إسرائيل حول تورطها بالعملية، فإن المسؤولين الإيرانيين وبخاصة المرشد علي خامنئي أكدوا أن إسرائيل هي التي تقف وراء عملية الاغتيال، وهددوا تل أبيب بأنها ستدفع الثمن غالياً وأنها ستندم، في حين سربت الولايات المتحدة معلومات عبر وسائل الإعلام تتبرأ فيها من المشاركة في عملية الاغتيال، مؤكدة أنها لم تشارك في هذه العملية ولم يكن لديها علم عنها قبل حصولها. وهذا الأمر حصل سابقاً عندما استهدفت القنصلية الإيرانية لدى دمشق مطلع أبريل (نيسان) الماضي، لكن الفرق حينها أنهم قالوا إن واشنطن علمت بالهجوم على القنصلية الإيرانية لدى اللحظة الأخيرة ولم توافق عليه، لكن في حال إسماعيل هنية فلم تعلم به واشنطن إلا من وسائل الإعلام، وفق المزاعم.
الآن تتجه كل الأنظار نحو الرد الإيراني المرتقب، واعتماداً على كيفية الرد الذي ستقوم به طهران ومستواه ستقابله إسرائيل أيضاً برد مماثل أو قريب، والسؤال الذي يدور في أذهان كل من يتابع هذه الأحداث الساخنة في هذه الفترة هو، هل حقاً ستندلع حرب إقليمية؟
في هذه المرحلة في الغالب فإن القنوات الدبلوماسية بين أميركا وإيران تعمل بصورة مكثفة، وتنقل الرسائل باستمرار بين واشنطن وطهران، والرسالة الواضحة والعلنية التي نقلتها الولايات المتحدة لإيران هي "نحن لا نريد الحرب، لكن سنكون إلى جانب إسرائيل بصورة كاملة في حال اندلعت هذه الحرب".

نتنياهو يريد الحرب

إسرائيل، وأقصد هنا حكومة نتنياهو على وجه التحديد تكاد تكون مجنونة. بالنسبة إلى حركة "حماس" فهي فقدت مصداقيتها في المجتمع الغربي بعد هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لكن إسرائيل في البداية وعقب الهجوم مباشرة شنت حرباً ضد "حماس" إلا أن هذه الحرب تحولت إلى "إبادة جماعية" في غزة، وعلى رغم أن نتنياهو استقبل في الكونغرس الأميركي بـ50 أو 60 تصفيقاً حاراً فإن هذا لم يمنع انتقادات واسعة النطاق لإسرائيل، خصوصاً من باقي دول العالم غير الغربية، وحتى أميركياً وأوروبياً تعرضت إسرائيل لانتقادات شديدة اللهجة بسبب "تماديها" بالمجازر في غزة، أما بالنسبة للعالم غير الغربي فبات ينظر إلى إسرائيل على أنها السبب الأساس وراء كل مشكلات المنطقة، وعلى رغم ذلك فبفضل اللوبي الإسرائيلي الذي تزايدت قوته في العقود الأخيرة والذي يمكنه دائماً أن يأخذ الإدارات الأميركية إلى جانبه، وآخر مؤشر إلى ذلك هو أن الكونغرس استقبل شخصاً مثل نتنياهو الذي صدر أمر اعتقال بحقه بطلب من المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية (المحكمة لم تصدق بعد على أمر الاعتقال بسبب تهديدات أميركية)، كما جعلوا الناس يصفقون له بشدة، بل الأهم من هذا كله هو أن نتنياهو استطاع أن يصف الأميركيين الذين ينتقدون "الإبادة الجماعية" بأنهم أشخاص أغبياء وغير مفيدون. لقد وصفهم بهذا الوصف في الكونغرس أمام ممثليهم الذين صفقوا له.
وبالعودة إلى الميدان، لم تتمكن إسرائيل من تحقيق الأهداف التي أعلنتها في بداية الحرب واتجهت نحو ارتكاب جرائم حرب خطرة، وكل ذلك بحجة القضاء على حركة "حماس" وتدميرها، وعلى رغم مرور كل هذه الأشهر لم يتم تدمير "حماس" بل دمرت غزة ولم يطلق سراح جميع الرهائن، يعني أن نتنياهو لم يحقق الخطة التي كان يطمح إليها والمتمثلة في القضاء على "حماس" ثم الاتجاه شمالاً نحو "حزب الله"، والنتيجة أن الحكومات الغربية التي دعمت الحرب على غزة خسرت في الأقل أخلاقياً.
بالنسبة إلى نتنياهو فإن استمرار الحرب يخدم مصالحه السياسية، واستمرار الحرب بالنسبة إلى حكومته مهم، على رغم أن هذه الحرب مكلفة على كل الصعد بالنسبة إلى إسرائيل، واليوم بعد أن وصلت الأمور في غزة إلى ما وصلت إليه فإن الخيار الأفضل لنتنياهو هو توسيع الحرب لتشمل إيران، وعلى رغم أن نتائج هذه الحرب في حال حصلت غير معروفة، ومن غير الواضح ما إذا كانت تخدم إسرائيل لأن "حزب الله" وإيران لن يكونا فريسة سهلة، فإن السبب الذي قد يدفع إسرائيل لهذا الخيار هو أنها ستتلقى دعماً غير محدود من الغرب وعلى وجه الخصوص من الولايات المتحدة وبريطانيا. وتستطيع إسرائيل أن تدفع أميركا كلفة هذه الحرب.

إيران و"حزب الله" لا يريدان الحرب

أما بالنسبة إلى إيران فالوضع مختلف، فهي و"حزب الله" يحاولان تجنب الدخول في حرب شاملة ضد إسرائيل، إذ إن المحور الإيراني يريد كسب مزيد من الوقت، إذ تقوم رؤيته على أن العالم يتجه إلى أن يكون متعدد الأقطاب، وهذا يعني أن تكون هناك قوة موازنة لأميركا، مما قد يدفع واشنطن خلال الأعوام المقبلة إلى تخفيف اهتمامها بالشرق الأوسط وتقليل مساعداتها لإسرائيل، وأيضاً من الممكن سحب القوات الأميركية من سوريا والعراق وهذا أمر بالغ الأهمية بالنسبة إلى طهران. وعلى رغم أنه في حال عاد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إلى البيت الأبيض فإنه سيقدم مزيداً من الدعم لإسرائيل، فإنه في الوقت ذاته سينهي سياسة إفساد العلاقات الأميركية مع دول إقليمية مثل تركيا. وانسحاب القوات الأميركية من المنطقة هو مطلب تركي أيضاً.
ومن الأسباب الأخرى التي تدفع إيران باتجاه عدم الرغبة في دخول الحرب في الوقت الحالي أن الجماعات والميليشيات المتحالفة مع إيران مثل الحوثيين والجماعات المسلحة في سوريا والعراق لا تريد حرباً شاملة مع إسرائيل، وهذه الجماعات تشكل عاملاً مهماً لإيران.
ومن جانب آخر فإن الحرب الشاملة تهدد المشروع النووي الإيراني، فكما هو معروف زادت إيران خلال الأعوام الماضية من تخصيب اليورانيوم إلى نسبة قد تمكنها من تصنيع أسلحة نووية، لكنها لم تصل بعد إلى مرحلة أن تصبح قوة نووية، وأية حرب شاملة قد تتسبب في انهيار المشروع النووي الإيراني، فحالياً إيران أكثر ما استطاعت إنتاجه هو الصواريخ الباليستية، بينما لم تتمكن حتى الآن من إنتاج صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


اغتيال هنية قد يجبر إيران على الحرب

مطلع أبريل (نيسان) الماضي، استهدفت إسرائيل القنصلية الإيرانية لدى دمشق وبالطبع هذا يعد اعتداء على الأراضي الإيرانية، وحينها كان على إيران الرد لكنها كانت حريصة على عدم بدء حرب كبرى ضد إسرائيل، واليوم بعد اغتيال إسماعيل هنية وسط طهران كان من المتوقع أن ترد إيران بنفس طريقة ردها على استهداف القنصلية وتتمكن من تجنب حرب شاملة، لكن هذا السيناريو أصبح من الصعب جداً تحقيقه ويكاد من المستحيل أن يستطيع محلل أن يجيب بنعم أو لا على أن الرد الإيراني قد يسبب حرباً إقليمية، إذ إن سياسة "الصبر الاستراتيجي" التي اتبعتها إيران لم تعد مقبولة بالنسبة إلى ما يسمى "محور المقاومة". وفي جميع الاستفزازت الماضية كانت إيران تقوم برد محسوب للغاية، لكن الوضع هذه المرة مختلف تماماً لأن إيران لم تتمكن من حماية إسماعيل هنية في عاصمتها وهو ضيفها، وهو أيضاً كان شخصاً مهماً للغاية بالنسبة إليها. ليست هذه المرة الأولى التي تغتال بها إسرائيل شخصيات مهمة في إيران، إذ سبق أن اغتالت شخصيات عدة منهم العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده الذي قتله الموساد الإسرائيلي خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2020، لكن بعد أن قامت إسرائيل باغتيال زعيم سياسي مهم ونفذت هكذا عملية في قلب العاصمة الإيرانية، فهنا يمكن القول إن اغتيال هنية كان "القشة التي قصمت ظهر البعير".

ما نوع الحرب المتوقعة؟

إيران وإسرائيل ليستا دولتين متجاورتين ولا يوجد بينهما حدود، ونوع الحرب التي قد تقوم بينهما يعتمد على الموقف الأميركي أو على مستوى المشاركة الأميركية، بكل الأحوال ستقدم أميركا دعماً لإسرائيل لكن إذا لم تشارك الولايات المتحدة بصورة كاملة ومباشرة في هذه الحرب فيمكن أن تكون أشبه بـ"الحرب بالوكالة"، وتخوض إيران هذه الحرب بأدواتها والدور الأبرز في هذه الحالة سيلعبه "حزب الله" اللبناني، وستشارك بقية أطراف "المحور" في هذه الحرب، ومن المستبعد جداً أن تنضم أية دولة عربية باستثناء الحوثيين في اليمن، فإنهم بالطبع قد يشاركون في شن هجمات داعمة لإيران لكن التأثير الحوثي ليس كبيراً نظراً إلى أن الحوثيين يخوضون حرباً في اليمن منذ أعوام وقدراتهم أصبحت محدودة.
أما إذا شاركت الولايات المتحدة بصورة كاملة ومباشرة في هذه الحرب، فإن إيران قد تلجأ إلى استهداف القواعد الأميركية في سوريا والعراق وفي منطقة الخليج، وفي هذه الحال يمكن لأميركا وإسرائيل أن تمطر إيران بالصواريخ، لكن أيضاً يمكن لإيران أن تلحق بأميركا وإسرائيل خسائر فادحة بصورة مباشرة أو من خلال "المحور" التابع لها في المنطقة، وفي حال نشبت هذه الحرب فمن الوارد أيضاً استخدام أسلحة كيماوية وهذا قد يخلف وضعاً خطراً للغاية.
قد يبدو الحديث عن هذه السيناريوهات أمراً مبالغاً فيه، لكن من المستحيل ألا ترد إيران على ما جرى ومن المستبعد جداً أن ردها سيكون نفس الرد الذي حصل بعد استهداف القنصلية لدى دمشق، لأن هذا سيضر بصورة كبيرة بسمعتها ويهدد بصورة ملموسة صدقيتها لدى "محور المقاومة" وجمهورها، وسيضر بصورة خطرة بمكانتها الإقليمية.

باختصار، إن اندلاع هكذا حرب ليس سهلاً على أميركا التي تشيد بنتنياهو الذي يقول إنه لا يريد حرباً مباشرة حتى مع إيران أو حتى مع "حزب الله"، لكنه في الوقت نفسه يستمر في ارتكاب الاستفزازات لبدء حرب إقليمية، وفي المقابل أيضاً فإن إيران في وضع محرج للغاية، فهي غير مستعدة للحرب ولا تريدها الآن،وفي الوقت نفسه يجب عليها الرد على إسرائيل.
وعلى رغم أن إيران حاولت تجنب المواجهة مع إسرائيل فإنه يبدو أن نتنياهو مصمم على بذل قصارى جهده لتوسيع الحرب على المدى القصير، وإشعال مثل هذه الحرب يمكن فعله بسهولة والتاريخ مليء بالأمثلة التي تظهر أنه من السهل بدء الحرب ولكن من الصعب جداً إنهاؤها بالنتيجة المرجوة، ولا يوجد سبب يمنع حدوث الشيء ذاته بالنسبة إلى إسرائيل هذه المرة.
اندلاع حرب إقليمية لا يزال احتمالاً وارداً جداً لكن من المستبعد جداً أن تؤدي إلى حرب عالمية جديدة، وفي حال اندلعت حرب إقليمية فإن الدولتين اللتين ستستفيدان أكثر من غيرهما في الأمدين القصير والمتوسط ​​هما روسيا والصين. أما بالنسبة إلى أميركا فإنها لا تستطيع أن تبتعد من ارتباطاتها في الشرق الأوسط بسبب وجود إسرائيل.

الآراء الواردة في هذا المقال تخص المؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لصحيفة" اندبندنت تركية".

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل