ملخص
تبدو إيمان التي خاضت معارك قاسية لعيش حلمها متفطنة أن مسارها لن يكون محفوفاً بالورود، ففي كل مناسبة تعرضت فيها للتنمر أجابت بلغة رياضية "هم يريدون إخراجي من جو المنافسة واللعب على معنوياتي قبل النزال".
"قصتي مشوقة"... هكذا تصف الملاكمة الجزائرية إيمان خليف فصول حياتها، لكن الظاهر أنّها باتت أكثر تشويقاً مع خوضها منافسات الألعاب الأولمبية بباريس 2024 وإلا فما الذي استدعى دونالد ترمب، وجورجينا ميلوني وإيلون ماسك للكلام عنها؟
بعت الخبز لأعيش حلمي
في قرية ريفية صغيرة ونائية تبعد حوالى 10 كيلومترات عن تيارت غرب الجزائر، ولدت ثم انتقلت إلى المدينة وبعدها إلى الجزائر العاصمة، وبدأت رحلتها إلى خارج الوطن لتصعد الحلبات العالمية للنزال في رياضة الملاكمة النسوية التي لا تزال غير مقبولة في منطقتها المحافظة التي تعتبر أن الملاكمة حكراً على الرجال فقط.
تقول إيمان خليف إنّ رحلة التنقل لم تكن سهلة وتطلبت منها بيع الخبز على قارعة الطريق وجمع الخردوات في مقابل تحصيل عائد مادي يمكّنها من الالتحاق بقاعة تدريب الملاكمة التي اختارتها بعد حبها لكرة القدم التي كان والدها يفضلها على الملاكمة، لكن معلمها الرياضي في المدرسة شجعها على حمل القفاز لتمتعها بصفات بدنية جيدة.
عيوني لا ترى إلا الفوز
تبدو إيمان التي خاضت معارك قاسية لعيش حلمها متفطنة أن مسارها لن يكون محفوفاً بالورود، ففي كل مناسبة تعرّضت فيها للتنمر أجابت بلغة رياضية "هم يريدون إخراجي من جو المنافسة واللعب على معنوياتي قبل النزال".
لا ترى صاحبة القفاز الجزائري المولودة في الثاني من مايو (أيار) 1999 غير الفوز وعيش فرحة رفع علم بلدها عالياً، إذ شاركت إيمان للمرة الأولى في بطولة الاتحاد الدولية للملاكمة الخاصة بالسيدات، التي أقيمت في نيودلهي عام 2018، وأيضاً بطولة العالم للملاكمة للسيدات في روسيا عام 2019، وحصلت على المركز الخامس في أولمبياد طوكيو، كما تُوجت بالميدالية الذهبية في النسخة الـ 37 من دورة "سترانغا" التي جرت بصوفيا (البرتغال) وحصدت ذهبية البحر الأبيض المتوسط في الجزائر وهي بطلة العرب في الملاكمة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تُعد خليف أول رياضية تحصل على ميدالية في تاريخ الملاكمة النسوية الجزائرية، في النسخة الـ12 لبطولة العالم للسيدات بتركيا وهو الإنجاز الذي وصفه الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون آنذاك بـ "العالمي".
واختيرت إيمان لتكون سفيرة صندوق الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف الجزائر"، لتوكل إليها مهمة الدفاع عن حقوق الأطفال ببلدها الجزائر.
ولدت أنثى
جزائريون تفاجؤوا من التهم التي واجهتها إيمان خليف بأنها "متحول جنسياً" وعلقوا أن الغرب الغارق في هذه الفضائح يُريد أن يُلصق التهم للمجتمعات العربية.
المتحدث الرسمي باسم اللجنة الأولمبية الدولية مارك آدامز دحض الأكاذيب حول الملاكمة الجزائرية وأنصفها بالقول إن وجودها في أولمبياد باريس 2024 "عادل".
وقال "الملاكة الجزائرية ولدت أنثى وسجلت أنثى وعاشت حياتها أنثى، لعبت الملاكمة أنثى ولديها جواز سفر أنثى، هذه ليست حالة متعلقة بالتحول الجنسي". وكذّب مارك فكرة أن هناك "رجلاً يصارع ضد امرأة، هناك بعض الالتباس وفهم الأمر بطريقة ما، هذا غير صحيح".
وفي ما يتعلق بالقضية الأوسع المتعلقة بمشاركة النساء المصابات بـDSD في المسابقات، قال مارك آدامز إنه لا يوجد "إجماع علمي أو سياسي حول هذه القضية"، ووصفها بأنها "حقل ألغام"، لكن اللجنة الأولمبية الدولية "ستكون مهتمة بسماع حلول أو إجماع على مثل هذا الأمر".
وكانت خليف قد حُرمت من خوض نهائي بطولة العالم في نيودلهي عام 2023 بسبب عدم استيفاء معايير أهلية الجنس و"مستويات هرمون التستوستيرون".
تصريح المسؤول الأولمبي سبقه انتشار صور للشابة على وسائل التواصل الاجتماعي في طفولتها دفاعاً ودعماً لها.
ما علاقة ترمب وإيلون ماسك وميلوني؟
الغريب أن القضية خرجت من طابعها الرياضي وتحولت إلى رأي عام سياسي عالمي بطلته الملاكمة إيمان خليف التي تكتفي بالرد من طريق توجيه لكمات تقضي بها على منافساتها في الحلبة وتتبعه بمنشورات "أنا فائزة... إنها العدالة الإلهية".
فرئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، دخلت على خط المهاجمين للملاكمة الجزائرية التي هزمت مواطنتها المصارعة أنجيلا كاريني في 46 ثانية بالتشكيك في أهليتها، والادعاء أن النزال لم يكن عادلاً لأن الملاكمة الجزائرية، تمتلك "صفات ذكورية".
الرئيس الأميركي السابق والمرشح الجمهوري الحالي للانتخابات الرئاسية دونالد ترمب انضم هو الآخر لفريق المتحاملين على خليف بنشره في منصة "إكس" صورة لإيمان مع تعليق "هل توافق على منع المتحولين جنسياً من ممارسة الرياضة النسائية؟". ليجيب "نعم أم لا؟ إذا كانت الإجابة بنعم، أود أن أتابعك".
ومما أثار استغراب الجزائريين، تعليق مالك منصة "إكس" إيلون ماسك إذ قال إن مشاركة خليف في الألعاب الأولمبية "أمر غير عادل" في تعليقه على منشور للمؤلف البريطاني رتشارد داوكينز أورد فيه أن "رجلين في لباس أنثى مسموح لهما بمصارعة نساء حقيقيات" زاعماً أن "البنية الجسدية لإيمان خليف تُشبه الرجال ومن غير العدل أن تنافس نساء" على حد تزعمه.
خط أحمر
رياضيون جزائريون وجهوا رسالة إلى إيمان خليف "نحن ندعمك، نحن معك" بينما رد لاعب المنتخب الجزائري السابق عدلان قديورة على إيلون ماسك مالك منصة "إكس" بقوله "الرجال لا ينتمون إلى الرياضة النسائية إيمان خليف بطلتنا وفخرنا الجزائري، ملاكمة ممتازة ووجب عليك التحقق قبل أن تنشر معلومات خاطئة."
في المقابل، قال المعلق الجزائري حفيظ دراجي عبر حسابه على "فيسبوك"، "إيمان خليف هي بألف رجل في أعيننا، لأن نساءنا يتحلون بشجاعة الرجال، وسترُد على الحملة في الواقع فوق الحلبة، وليس على المواقع بمُمارسات نعرف مصدرها ومن يشغلها".
كما انضم المغني الجزائري "دي جي سنايك" إلى قائمة المتعاطفين وكتب في خاصية "الستوري" على حسابه الشخصي "إنستغرام"، "إيمان خليف دعينا نعود بالميدالية الذهبية إلى أرض الوطن".
وفي شهادتها قالت بطلة العالم للملاكمة لعام 2022، الإيرلندية إيمي سارا برودهيرست "الإساءة التي تلقتها إيمان خليف، من دون أية حقائق أو أدلة، أمر خاطئ تماماً".
ووجهت تساؤلاً للجميع "أرجو منكم أن تضعوا في حسبانكم، ماذا ستفعلون لو أطفالكم يتعرضون لهذا الموقف نفسه... توقفوا عن التنمر."
من جهة ثانية، رفضت الجزائر الاتهامات التي طاولت مواطنتها إيمان خليف بتحريك شكوى رسمية لدى اللجنة الدولية الأولمبية، فيما قال وزير الشباب والرياضة عبدالرحمن حماد، إن "إيمان خليف خط أحمر، إيمان خليف ابنتا، أختنا وبطلتنا...". وأضاف "انطلقي يا إيمان فالجزائر، حكومة وشعباً، كلها خلفك".
مناعة ضد التنمر
وبنظر الصحافية الجزائرية سارة بانة "يجب الرجوع إلى قصة هذه البطلة التي تدربت أولاً في معارك الحياة". وتقول "إيمان شابة عاشت الفقر واضطرت إلى بيع الخبز في الشوارع فهي تملك مناعة كبيرة ضد رأي المتنمرين والمتطاولين والآن هي تعيش التجربة بكل تماسك داخلي، هي فعلاً تملك من الإيمان بوطنيتها وبحلمها ما يجعلها قوية جداً وصامدة وكل المحاولات الكبيرة لإفشالها باءت بالفشل"
وترجع بانة سر نجاح إيمان خليف إلى قوتها الداخلية وتوازنها الذي يقف على أكتاف قوة مهاراتها وقوتها الداخلية بوصفها إنسانة...فواثق الخطوة يمشي ملكاً".
