Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تغيير الشرق الأوسط... هل يبدأ من لبنان؟

محللون كثر يعدون أن تطورات هذا البلد الميدانية باتت ورقة رابحة بالنسبة إلى نتنياهو 

لبناني مصدوم من مشاهد الدمار الذي خلفته إحدى الغارات الجوية الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت (غيتي)

ملخص

بالنظر إلى التعقيدات الحاصلة في المشهد الشرق أوسطي من المرجح أن تظل المنطقة كلها على حافة التصعيد ما لم يتم التوصل إلى تسوية دبلوماسية أو تدخل وساطات دولية فعالة، وفيما يقارن كثر اليوم بين جبهتي غزة ولبنان يسأل أخرون هل تكون الجبهة اللبنانية ورقة رابحة لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو؟

يصح القول وباعتراف غالبية المحللين إن التطورات في الشرق الأوسط وتحديداً داخل قطاع غزة ولبنان مصيرية بالنسبة إلى المنطقة كلها، في توقيتها ومضمونها.

فبعد الحديث عن مبادرة أطلقتها الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية والعربية تقضي بالدخول في هدنة تدوم 21 يوماً على أن تفضي إلى تسوية سياسية، أتت ضربة قاضية نفذتها إسرائيل على الضاحية الجنوبية لبيروت محاولة اغتيال أمين عام "حزب الله" حسن نصر الله من دون أن يتضح بعد مصيره، وما إذا كان قتل أو نجا من الاغتيال.

وقبل ساعات من هذه الضربة كانت صحف لبنانية وعالمية تتحدث عن أن باريس تعمل جاهدة وخلال جلسة مجلس الأمن الطارئة والتي انعقدت بناء على دعوتها على إيجاد صيغة، تنص على الالتزام بالقرارات الدولية (القرار 1701 في لبنان والقرار 2735 في غزة) بحيث يمكن الوصول إلى صيغة ترضي طرفي القتال، ذلك أن "حزب الله" يشترط لوقف إطلاق النار على الجبهة الجنوبية وقفاً لإطلاق النار في غزة. 

تهديد ووعيد متبادل 

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان أعلن أن الجيش الإسرائيلي يعمل على "تغيير ميزان القوى في الشمال" من خلال إزالة صواريخ "حزب الله"، مضيفاً في بيان مصور من غرفة قيادة تحت الأرض لسلاح الجو الإسرائيلي في تل أبيب "بالنسبة إلى أولئك الذين لم يفهموا بعد، أريد توضيح سياسة إسرائيل. نحن لا ننتظر التهديد نحن نتوقعه في كل مكان وفي كل مسرح وفي أي وقت". نتنياهو الذي كان قال أيضاً "لقد بدأنا للتو عملية تغيير الشرق الأوسط". 

وفي المقابل، يشدد القادة الإسرائيليون وفي مقدمتهم رئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي على ضرورة استغلال الوضع الراهن في استمرار العمليات الهجومية بصورة متعاظمة وتسريع وتيرتها وتعزيزها، وعدم منح الحزب فرصة لالتقاط أنفاسه بعدما كشفت العمليات الأخيرة ضد الحزب عن خروقات في منظومته الأمنية، مما أفقده ذلك "الغموض" والذي كان بمثابة ميزة لديه، هذا عدا عن الخسائر التي لحقت بجهوزيته البشرية والعسكرية. وعلى المقلب الآخر من الحدود، كان الأمين العام حسن نصر الله أعلن أن "جبهة لبنان لن تتوقف قبل وقف العدوان على غزة". 

 

لبنان على حافة الهاوية

وكان أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش صرح بأن "لبنان على حافة الهاوية وقد يتحول إلى غزة ثانية". وفي ظل التعقيدات الحاصلة في المشهد فمن المرجح أن تظل المنطقة كلها على حافة التصعيد ما لم يتم التوصل إلى تسوية دبلوماسية أو تدخل وساطات دولية فعالة. وهذا ما يقود إلى سؤال محوري وهو هل يلقى لبنان مصير غزة؟ وعلى رغم القواسم المشتركة فإن السيناريو المشابه لما يحدث في غزة صعب الحدوث داخل لبنان. لكن ما تلك القواسم المشتركة، وما الفروق الجوهرية بين الحالتين في غزة ولبنان؟

تتمحور كلتا الحربين حول الصراع مع إسرائيل، سواء من جهة "حماس" في غزة أو "حزب الله" في لبنان. وتعد تل أبيب كلاً من غزة ولبنان تهديدين استراتيجيين بسبب الجماعات المسلحة التي تعمل انطلاقاً منهما، وتعتمد كل من الجبهتين على جماعات مسلحة منظمة تستخدم تكتيكات حرب العصابات ضد إسرائيل مثل الصواريخ بعيدة المدى والأنفاق الهجومية. ويعد "حزب الله" و"حماس" جزءاً من محور "المقاومة" المدعوم إيرانياً. 

إسرائيل بدورها تتبع سياسة الردع والهجمات الوقائية في كل من لبنان وغزة. وفي كلتا الحالتين تلجأ إلى ضربات جوية مكثفة وتدمير البنية التحتية لمراكز القوة والسيطرة للجماعات المسلحة. أضف إلى ذلك أن النزاعات مع "حماس" و"حزب الله" جزء من صراع إقليمي أوسع يشمل إيران وسوريا وغيرهما من الدول.

ماذا عن الفروق؟

يتميز لبنان بتضاريس جغرافية وجبلية تختلف عن غزة مما يتيح لـ"حزب الله" استراتيجيات قتالية أكثر تعقيداً، كما أن سكان لبنان منقسمون طائفياً ومذهبياً بعكس التجانس السكاني داخل القطاع، إضافة إلى أن بيروت تحظى بتدخل دولي أكبر سواء من خلال الأمم المتحدة أو دول مؤثرة مثل فرنسا والولايات المتحدة، فضلاً عن وجود القوات الدولية (يونيفيل) على الحدود اللبنانية الجنوبية مما يحد بصورة أو بأخرى من بعض التصعيدات العسكرية. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إلى ذلك، يعاني لبنان ضعف التماسك السياسي الداخلي نتيجة التنوع الطائفي، مما يؤدي إلى تناقضات في المواقف السياسية تجاه "حزب الله"، بينما تسيطر "حماس" على القطاع بحكم شبه مطلق. ويحظى الحزب بمظلة إقليمية ويرتبط بصورة مباشرة مع إيران ويمتلك شبكات دعم خارجية أكبر من "حماس" مما يمنحه موارد وقدرات عسكرية أكثر تقدماً. هذا الدعم يجعله أكثر قدرة على خوض حرب طويلة الأمد مقارنة بالحركة.

ويمتلك الحزب بنية صاروخية منتشرة داخل الأنفاق تحت سلاسل الجبال اللبنانية، وهو ما أكدته تقارير إسرائيلية وغربية خلال الأعوام الماضية.

ويقول الصحافي والمحلل السياسي محمد حمية في حديث مع "اندبندنت عربية" إنه "بعد إخفاق الجيش الإسرائيلي في تحقيق الأهداف المعلنة للحرب داخل غزة وارتباط جبهة الإسناد الجنوبية بجبهة القطاع، مما تسبب بمعضلة وضغوط كبيرة للحكومة مقابل تعزيز الموقف التفاوضي والحالة المعنوية للمقاومة الفلسطينية، بدأ المسؤولون الإسرائيليون الحديث عن نقل مركز ثقل العمليات إلى جبهة الشمال الأساس وفق تصريحاتهم، وأطلقوا سلسلة اعتداءات على بنية الحزب وبيئته الشعبية. وإن وجدت مشتركات بين الحرب في غزة والحرب مع لبنان مثل عقيدة العداء لإسرائيل وبالأهداف والتشابه في أساليب القتال (مع فارق القدرات)، لكنها تحمل كثيراً من الفوارق". 

 

ويرى حمية أن تلك الفوارق تتمثل باعتراف مسؤولين إسرائيليين وأميركيين "أن الحزب أقوى بأضعاف من الحركة ويمتلك مدى جغرافياً وحيوياً يبدأ من الجنوب إلى البقاع وصولاً إلى سوريا والعراق وإيران، ويملك خطوط إمداد آمنة لنقل السلاح والصواريخ وحرية تنقل المقاتلين، ويمتلك بنية صاروخية من مختلف الأنواع وبخاصة البعيدة المدى والدقيقة، منتشرة في الأنفاق تحت سلاسل الجبال الجنوبية وصولاً إلى البقاعين الغربي والشمالي وسوريا، ولديه قوات خاصة (أي قوة الرضوان) جاهزة ومستعدة للدخول إلى الجليل، وهذا ما يقلق إسرائيل إلى جانب الصواريخ الدقيقة والبعيدة المدى التي بحوزة الحزب". 

ويتابع الصحافي حمية أن "’حماس‘ لا تملك كل تلك المقومات بسبب الحصار الذي يتعرض له قطاع غزة منذ عقود، وإقفال المجال الحيوي الجغرافي البري والبحري على حركتها من مصر والبحر". 

لبنان امتداد لمعركة في غزة 

مدير "المركز العربي للبحوث والدراسات" بالقاهرة الباحث في الشأن الإيراني والعلاقات الدولية هاني سليمان رأى بدوره خلال حديثه مع "اندبندنت عربية" أن "هناك عدة قواسم مشتركة بين غزة ولبنان، تتمثل في المكون الجغرافي الذي يمثل امتداداً واحداً في أهميته الجيواستراتيجية بالنسبة إلى العدو الإسرائيلي، الذي ينظر للمعركة في غزة على أنها غير محسومة إلا بالانتهاء من ملحقاتها، ويعد لبنان امتداداً لحسم المعركة في غزة". 

ويتابع سليمان أنه "تدرك العقلية الإسرائيلية مدى الارتباط العسكري والأمني بين غزة ولبنان من حيث تطابق البعد الأيديولوجي والحماسة الثورية ضد إسرائيل، وباتت هناك قناعة راسخة بأنه لا سيطرة عسكرية ممتدة على غزة إلا بحسم جبهة الإسناد في لبنان، حتى وإن لم تقدم جميع طاقات الدعم حتى الآن. وفي الرؤية الاستراتيجية الحالية لنتنياهو فإن حرب غزة باتت أكثر حسماً من جبهة لبنان التي تحتاج مزيداً من التركيز والتحييد في ظل وحدة الخصم على المستوى الفكري، حتى وإن لم يكن نفسه على المستوى التنظيمي والعضوي". 

ويشير الباحث في الشأن الإيراني إلى أن "هناك اختلافات نسبية جوهرية بين الحرب في غزة والجبهة اللبنانية، إذ إن قرار فتح معركة حرب شاملة في لبنان لم يحسم بعد، كما أن تفاصيل المواجهة حتى هذه اللحظة تجمع ما بين أدوات مختلفة من الاغتيالات والضربات المكثفة بصورة تجمع ما بين الحرب التقليدية وأدوات الحرب الخاطفة، كما أنه يبدو أن هناك تباينات على المستوى العسكري والاستراتيجي من حيث القدرات العسكرية وحجم الجهوزية الخاص بالحزب، الذي يظل محل شك حتى هذه اللحظة. 

كما أن سياق المعركة يبدو أكثر مناسباً لإسرائيل من حيث تراجع فرص وأمل التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار في غزة "جراء الانتهاكات الإسرائيلية وسياسات شراء الوقت التي ينتهجها نتنياهو، والنجاح في تصدير بعض المسكنات للمجتمع الإسرائيلي والترويج لفكرة تحقيق نصر قاطع وحاسم في لبنان، بالتالي بات لبنان الورقة الرابحة الآن لنتنياهو التي يلاعب بها الجبهة الداخلية والمجتمع الإسرائيلي". 

"الجنوب اللبناني المسرح الأكثر تصميماً"

في السياق يقول المحلل السياسي الإسرائيلي ألون مزراحي في حديث صحافي إن هدف "حزب الله" كان "استدراج إسرائيل إلى جحيم جنوب لبنان باعتباره المسرح الأكثر تصميماً وتسليحاً واستراتيجية لحرب العصابات داخل أي مكان في هذا العالم على الأرجح". ويضيف أن جنوب لبنان بتلاله ووديانه المتدحرجة يشكل تحدياً لأي جيش يريد غزوه، فيما يشير مدير شركة "سيبيلين للاستخبارات" الضابط السابق في الجيش البريطاني جاستن كرومب إلى أن بعض مواقع "حزب الله" تتمتع برؤية واضحة من أعلى المنحدرات، فضلاً عن اختباء مسلحين تابعين للحزب داخل الكهوف والأنفاق والتي صممت بطريقة تسمح للمدافعين بإطلاق النار على أجنحة ومقدمة القوات المتقدمة. وقدر خبراء في مركز "ألما للأبحاث والتعليم" الذي يركز على التحديات الأمنية على الحدود الشمالية لإسرائيل أن الطول التراكمي لشبكة أنفاق الحزب في جنوب لبنان يبلغ مئات الأميال. ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة "التايمز" البريطانية فإنه "وعلى عكس أنفاق حركة ’حماس‘ داخل غزة، والتي كانت تستخدم في المقام الأول لتهريب البضائع والأسلحة، فإن أنفاق ’حزب الله‘ موجودة لأسباب تكتيكية عسكرية، وبعضها أنفاق هجومية يمكن الدخول إليها بالشاحنات متوسطة الحجم".

الاغتيالات عوضاً عن الحرب، ربما!

ويعد المحلل السياسي محمد حمية أن "’حزب الله‘ لم يستخدم سوى نسبة معينة من قدراته البشرية والصاروخية وفائضه المعنوي، بينما زجت إسرائيل بكل قواتها في الحرب واستنزفت على مدى عام كامل على الجبهات كافة، مما اضطرها لإخراج عدة فرق وكتائب من الخدمة وصلت نسبتها إلى أكثر من 40 في المئة وفق تقارير إعلامية إسرائيلية". ويتابع أنه "تدل تصريحات كبار المسؤولين العسكريين والسياسيين ومجلس الأمن القومي في الإدارة الأميركية بأن الحرب مع لبنان تختلف عن الحرب مع غزة، وسترتب خسائر كبيرة وستتحول حرباً في المنطقة، وبخاصة وزير الدفاع الذي قال إن "الحرب مع الحزب ستتوسع لتشمل كل المنطقة".

تداعيات حرب لبنان

ويشير هاني سليمان إلى أنه "يبدو جلياً أن المعركة في لبنان ستختلف من حيث تداعياتها إقليمياً ودولياً ومن حيث نطاقها الجغرافي والمدة الزمنية، والتي قد تفوق في محدداتها أوضاع الحرب في غزة على رغم بشاعتها، إذ إن القطاع في حدوده وتأثيراته على رغم المأساة قد يحدد نطاق الصراع، لكن المواجهة مع لبنان قد تتسع وقد لا يمكن السيطرة على نطاق الصراع والأطراف الموجودة. كما أن نتائج الحرب في لبنان ستتوقف عليها سياسات إسرائيل إقليمياً وستؤثر في مجمل خطط نتنياهو في ما يتعلق بالأردن أو حتى باستمرار الانتهاكات في الضفة. فإذا كانت غزة هي عنوان استعادة القوة الإسرائيلية، فإن لبنان هي اختبار تطلعات نتنياهو الإقليمية.

المزيد من تقارير