ملخص
يلعب نظام كرة القدم في إنجلترا دوراً سلبياً في إنتاج المدربين المحليين لتلجأ في النهاية لمدرب ألماني لقيادة منتخبها المدجج بالنجوم
لو اختار الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم إيدي هاو مديراً فنياً للمنتخب الوطني بالطريقة التي أرادها كثر بسبب جنسيته، لكان هناك حقيقة محرجة، هي أن مدرب نيوكاسل يونايتد ليس منتجاً تابعاً للنظام الإنجليزي بصورة كاملة، فقد حصل هاو على شارات التدريب الخاصة به من الاتحاد الإيرلندي لكرة القدم.
لقد ظهرت هذه القضية كثيراً هذا الأسبوع، إذ اختار الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم مدرباً من إنتاج النظام الألماني هو توماس توخيل، وكيف لا يمكنهم ذلك؟ كما لاحظ أحد كبار الشخصيات الكروية عند رؤية وصف الوظيفة فإن شرط البطولات استبعد بصورة أساسية أي شخص إنجليزي، على رغم كشف الرئيس التنفيذي لاتحاد الكرة مارك بولينغهام أنهم تحدثوا إلى 10 مرشحين.
الأرقام الصعبة أكثر إثارة للقلق، إذ إن هاو هو واحد من ثلاثة مدربين إنجليز فقط في الدوري الإنجليزي الممتاز حالياً، وواحد من سبعة مدربين فقط خلال العقد الماضي أنهوا الموسم في النصف العلوي من جدول الترتيب، حتى إن دوري الدرجة الأولى (دوري البطولة) يتجه نحو غالبية المدربين الأجانب، ولن تشهد البطولة هذا الأسبوع سوى أربع مباريات بين مدربين من البلاد.
لا داعي حتى للدخول في مناقشات حول ما إذا كان ينبغي لرجل إنجليزي أن يدير إنجلترا لتجد شيئاً غريباً هنا، الأرقام لا معنى لها حقاً.
إنجلترا بلد ثري يبلغ عدد سكانه ما يقارب 60 مليون نسمة، مع واحدة من أقوى ثقافات كرة القدم في العالم، فضلاً عن البنية التحتية لكرة القدم الضخمة التي تستضيف أيضاً الدوري المحلي الأكثر شعبية في العالم، وكل هذه العوامل أدت إلى إنشاء ملعب "سانت جورج بارك" وإصلاح كامل لأيديولوجية الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم على مدى عقد من الزمان، وقد نال الاتحاد الإشادة بحق بعد وصوله مراراً وتكراراً إلى نهائيات كبرى.
لذا فمن المحير أنه لا شيء من هذا ينتج مدربين يشعر الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم أنه يمكنه الاختيار من بينهم، إنه حقاً أمر ليس طبيعياً بالنسبة إلى دولة كرة قدم فيها بهذا الحجم.
إن هاو وغراهام بوتر جيدان لكنهما لا يجذبان انتباهك بقدر توخيل، والسؤال الواضح هو لماذا؟
الإجابة تتقاطع مع كثير من المناقشات الحديثة، من كيفية التعامل مع البطولات إلى قضية الهيئة التنظيمية المستقلة لكرة القدم، وقد يزعم بعضهم أنه من الجدير أيضاً النظر في الفترة، وكيف أنه من غير العدل أن نتوقع من الإصلاح الشامل للبنية التحتية أن ينتج مثل هؤلاء المدربين بعد عقد واحد فحسب، لكن توخيل نفسه دليل على العكس، فقد كان واحداً من جيل ضخم من المدربين الألمان المعاصرين الذين بدأ إنتاجهم بعد أقل من خمس سنوات من الإصلاح الشامل للبنية التحتية في البلاد نحو عام 2002، وكان الأمر نفسه في إسبانيا والبرتغال.
كان الموضوع المشترك لهذا الأسبوع أيضاً هو أن دورات ترخيص التدريب أرخص بكثير في تلك البلدان.
ومع ذلك، هذا ليس عاملاً حقاً في ما يتعلق بالأرقام، فالواقع هو العكس. على رغم السعر، هناك قوائم انتظار ضخمة، إذ يذهب عديد من المدربين، مثل هاو إلى دول أخرى لأنها أرخص وأسهل، وكان ميكيل أرتيتا، الذي تحدث عنه بعضهم في وقت ما باعتباره مدرباً محتملاً، واحداً من عدد من الأسماء الكبيرة التي حصلت على شاراتها التدريبية في ويلز.
يزعم موظفو التطوير الكبار في الاتحاد الأوروبي لكرة القدم "يويفا" أن هذا الاهتمام يرجع إلى أن تدريب الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم "من بين أفضل خمسة أنظمة تدريبية في أوروبا" عندما يتعلق الأمر بتوفير التعليم للعبة بأكملها وليس النخبة فحسب.
يمكن رؤية ذلك بصورة مباشرة في عدد اللاعبين ذوي الجودة العالية الذين تنتجهم إنجلترا، والذين أصبحوا الآن موضع حسد كرة القدم، إذ أنتجت نجماً تلو الآخر، مما جعل الوظيفة جذابة للغاية لشخص مثل توخيل.
وهنا أيضاً وصلت خطة الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم إلى نقطة حاسمة.
تمتلك إنجلترا تدريباً ينتج لاعبين من النخبة ولكن ليس - من المفارقات - مدربي النخبة أنفسهم.
الشخصيات من دول أخرى أكثر انتقاداً لهذا الأمر، والتعليق الواضح في كرة القدم الإيطالية هو "هل هناك تدريب إنجليزي؟" وتؤكد آخر مباراتين نهائيتين لبطولة أوروبا هذه العيوب.
كانت إنجلترا تمتلك الموهبة والنظرة الإدارية الأوسع، ولكن ليس التفاصيل الدقيقة أو الرؤية التكتيكية الأوسع، ففي نهائي "يورو 2020" شعر الجانب الإيطالي أن مدرباً أفضل لن يسمح لهم بالدخول إلى المباراة، وقد انتقدوا خصوصاً استخدام وتوقيت التبديلات، وخاصة في ما يتعلق بما قيل عن إنجلترا وقراءة غاريث ساوثغيت للمباراة، وهذا ليس للتقليل من شأن ساوثغيت على وجه التحديد، لأنه جلب صفات أخرى، لكن هذه العيوب جزء من أسلوبه.
في "يورو 2024" كان أمام إسبانيا تعيين مدرب غير معروف نسبياً هو لويس دي لا فوينتي، وهو المعادل الإسباني للإنجليزي لي كارسلي إن شئت المقارنة، ومع ذلك حقق اللقب. كان ذلك لأنهم كانوا يمتلكون هذه الأيديولوجية التكتيكية الوطنية الأساسية، التي تدعم كل شيء وتضخم الجميع.
وهذا هو السبب وراء الطلب العالمي على المدربين الإسبان والألمان والبرتغاليين لا الإنجليز.
يقول أحد المسؤولين التنفيذيين "إذا كنت تبحث عن مدربين من النخبة فإن إنجلترا ليست سوقاً رئيسة".
يشير هذا الاختلاف أيضاً إلى قضية ثقافية تتجاوز الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم، التي تعوق منتجاته التدريبية بصورة كبرى، إذ يقول المسؤول التنفيذي نفسه "إن إنجلترا لديها كثير من المدربين المؤهلين. لكن الأمر لا يتعلق بالمؤهلات، بل يتعلق بكيفية اندماج ثقافة كرة القدم التي نشأت عليها مع تعليم التدريب. إنها التفاصيل وما تغمرك".
إن صياغة فكرة كرة القدم الإسبانية أو الألمانية تأتي من بيئات حيث من الطبيعي مناقشة اللعبة بعمق، وهو ما له أيضاً تأثير مضاعف، ففي الوقت نفسه تعيش البرتغال ثورتها التدريبية الثانية. وقد انتقلت بالفعل من عصر جوزيه مورينيو، الذي قدم بصورة مثيرة للإعجاب فكرة التدريب كشهادة تعليمية، لكنه أسفر عن كرة القدم الدفاعية، وقد خرج الآن مدربون مثل روبن أموريم من هذا النظام لممارسة أساليب حديثة أكثر تقدمية، وبخاصة أخذ الملاحظات من الضغط الألماني، وهو تطور لأيديولوجية جديدة تماماً في وقت قصير جداً، ويمكن أن يكون هذا درساً للاتحاد الإنجليزي لكرة القدم.
بالدخول إلى مراحل ترخيص الاتحاد الأوروبي لكرة القدم "أ" والنخبة، فهناك أكثر تنافسية أيضاً، إذ يصر الاتحاد البرتغالي على عدد كبير من ساعات التدريب الفعلية - أكثر بكثير من إنجلترا - قبل أن تتمكن من التقدم.
هناك مفارقة واضحة في كيف يمكن القول إن البرتغال هي ثاني أكبر دولة كرة قدم بعد إنجلترا في تعيين المدربين الأجانب، لكن كثراً يقولون إن ذلك يرجع إلى شيء بسيط وربما سياسي، إذ كان لدى الإسباني روبرتو مارتينيز خطة لدمج كريستيانو رونالدو بالطريقة التي لم يكن ليعمل بها مورينيو.
هناك حجة مفادها أن مدربي البرتغال كانوا أكثر تعقيداً من ذلك، في حين لعبت الأمور المالية أيضاً دوراً إلا أن اثنين (ماركو سيلفا ونونو إسبيريتو سانتو) يعملان في وظائف ذات رواتب أفضل في الدوري الإنجليزي الممتاز.
إن هذا بالطبع يشكل جزءاً كبيراً آخر من الثقافة التي يوجد فيها الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم. فالمسابقة الكروية الرئيسة في البلاد ليست في الحقيقة دورياً إنجليزياً بل دورياً عالمياً يقام في إنجلترا، وملكية هذا الدوري دولية ومصلحتها تتلخص في تنمية الأندية تجارياً إلى الحجم الدولي، وهذا يعني أنها تريد فقط أفضل المدربين بغض النظر عن مكان وجودهم، ومن هنا فإن تكوينه الإداري يتألف من أربعة إسبان وثلاثة إنجليز وهولنديين وبرتغاليين ومدرب واحد من كل من أستراليا والنمسا والدنمارك وألمانيا وإيطاليا وإيرلنديا الشمالية واسكتلندا وويلز.
وتعكس هذه القضية الدور الذي يلعبه الدوري الإنجليزي الممتاز في ما يتصل بالتنظيم، فهو الكيان الأكثر قوة في إنجلترا بسبب حجمه المالي وحده، ولكنه لا يهتم كثيراً بتنظيم اللعبة على نطاق أوسع، وعلى نحو مماثل فإنه لا يلتزم كثيراً تعيين المدربين الإنجليز وتحسين أدائهم، وقد امتد هذا التأثير حتماً إلى دوري الدرجة الأولى.
ويتساءل بعض المتابعين الآن عما إذا كان بوسع الدرجتين الأولى والثانية فرض برنامج مماثل لخطة أداء اللاعبين النخبة ولكن للمدربين.
في الوقت الحالي، يعني هذا أن عدداً قليلاً من المدربين الإنجليز يحصلون على فرصة لاختبار قدراتهم على المستوى الأعلى، وهذا لا يترك للاتحاد الإنجليزي لكرة القدم خيارات كثيرة.
© The Independent