Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
يحدث الآن

صراع السياسة وسيادة القانون يحرج إدارة ترمب

توجهات الفريق الرئاسي تضع العاملين الفيدراليين بين الالتزام بالأوامر أو الفصل

من الواضح أن متطلبات إدارة ترمب هي الولاء التام (أ ف ب)

ملخص

من علامات الدهشة والإعجاب لدى كثير من المراقبين القانونيين والسياسيين أن المدعين المستقيلين ضحوا بسبل عيشهم ووظائف أحلامهم لأنهم وُضعوا في موقف مستحيل، فقد أُمروا بفعل شيء اعتبروه غير أخلاقي وغير قانوني، وكان عليهم إما الاستجابة أو الرفض وانتظار فصلهم من وزارة العدل، فاختاروا الاستقالة.

خلال 36 ساعة فقط أصبحت القضية الجنائية المرفوعة ضد عمدة مدينة نيويورك إيريك آدمز المتهم بالفساد نقطة اشتعال في وزارة العدل الأميركية خلال عهد الرئيس دونالد ترمب، إذ بادر سبعة من المدعين العامين الذين عينهم الرئيس الجديد في البيت الأبيض بتقديم استقالاتهم بعدما وضعتهم الوزارة في موقف مستحيل وأمرتهم إما بإسقاط قضية آدمز والذي اعتبروه عملاً غير أخلاقي وغير قانوني، أو مواجهة فصلهم جميعاً.

هذا الأمر فجر جدلاً واسعاً داخل الولايات المتحدة حول الطريقة التي تدير بها إدارة ترمب وزارة العدل، وما إذا كانت ستستخدم الوزارة كسلاح، وتأثير ذلك في نزاهة النظام القضائي وما إذا كان المدعون العامون ستكون لهم الكلمة الأخيرة ضمن سيادة القانون، أم أن عليهم تنفيذ الأوامر السياسية من أعلى إلى أسفل.

قضية متفجرة

لم يكن كبار المسؤولين في وزارة العدل التي تقودها الآن المدعية العامة بام بوندي يتصورون كل هذا الضجيج الذي تشهده الأوساط السياسية والقانونية والإعلامية في الولايات المتحدة الأميركية منذ الخميس الماضي، حين استقال ستة مدعين على رأسهم القائمة بأعمال المدعي العام الأميركي التي عينها دونالد ترمب للمنطقة الجنوبية من نيويورك "دانييل ساسون" إضافة إلى خمسة مدعين عامين في واشنطن، بعد أن رفضوا الاستجابة لمطالب نائب المدعي العام بالإنابة إميل بوف بإسقاط الدعوى الجنائية المرفوعة ضد عمدة مدينة نيويورك إريك آدمز، وهو ديمقراطي كان من المقرر أن تبدأ محاكمته خلال الربيع، ثم تنحى محام سابع في اليوم التالي وكتب في خطاب استقالته أن الأحمق أو الجبان فقط هو الذي سيوقّع على إسقاط القضية.

ومن علامات الدهشة والإعجاب لدى كثير من المراقبين القانونيين والسياسيين أن المدعين المستقيلين ضحوا بسبل عيشهم ووظائف أحلامهم لأنهم وُضعوا في موقف مستحيل، فقد أُمروا بفعل شيء اعتبروه غير أخلاقي وغير قانوني، وكان عليهم إما الاستجابة أو الرفض وانتظار فصلهم من وزارة العدل، فاختاروا الاستقالة.

 

 

والغريب أن المدعين الذين استقالوا في نيويورك لم يكونوا معينين من قبل بايدن كما أنهم محافظون تقليديون، فقد كانت المدعية العامة الأميركية بالوكالة للمنطقة الجنوبية، دانييل ساسون، التي منحها ترمب ترقية أخيراً، مساعدة لقاضي المحكمة العليا الراحل أنطونين سكاليا، وكان مساعد المدعي العام الأميركي هاغان سكوتن الذي استقال في رسالة لاذعة الجمعة الماضي مساعداً لرئيس المحكمة العليا الحالي جون روبرتس، مما يعكس انقساماً في الفكر القانوني المحافظ حول الكيفية التي ينبغي بها للمدعين العامين في وزارة العدل التي يقودها ترمب أن يوازنوا بين واجبهم في طاعة أوامر الرؤساء وبين التزامهم باتباع أفضل فهم للقانون.

وجهتا نظر

تؤكد إحدى وجهتي النظر ضرورة التزام الحذر والتأني والحكم المستقل واللامركزي في متابعة القضايا التي ينظر فيها الادعاء، في حين تقدر وجهة النظر الأخرى القوة من أعلى إلى أسفل في خدمة أهداف السياسة التي قد تبدو قائمة على الظروف والتعاملات، وإن لم تكن مبنية على المبادئ القانونية، وربما يؤدي هذا الانقسام بين وجهتي النظر إلى إعادة تشكيل العلاقة بين المدعين الفيدراليين في جميع أنحاء البلاد ورؤسائهم في واشنطن، وأيضاً السلطة التقديرية المحدودة والحقيقية التي يتمتع بها جميع أنواع المسؤولين الآخرين في مختلف أنحاء الحكومة، وبعبارة أخرى فإن أحداث الخميس الماضي أشارت بوضوح إلى روح إدارة ترمب الثانية والتي تتطلب من العاملين الفيدراليين أن يلتزموا بالأوامر والخطط، وإن لم يفعلوا ذلك فسيجري إقصاؤهم من مناصبهم ووظائفهم.

قضية آدمز نموذجاً

مثّلت قضية عمدة نيويورك إيرك آدمز نموذجاً حياً للانقسام، إذ يرى المدعون المستقيلون أن آدمز الذي وجهت له اتهامات الفساد في سبتمبر (أيلول) الماضي من قبل مدعين معينين من إدارة بايدن لا ينبغي له أن يفلت من المحاكمة التي تنتظره، ويرون أنه استخدم على مدى 10 أعوام مناصبه البارزة في حكومة مدينة نيويورك للحصول على مساهمات مالية بصورة غير قانونية من مواطنين أجانب، بينهم مسؤول في الحكومة التركية ورجال أعمال لدعم حملاته الانتخابية والاستمتاع بالسفر الفاخر، كما ضغط آدامز على إدارة الإطفاء في مدينة نيويورك لتسهيل افتتاح ناطحة سحاب تابعة لحكومة أجنبية في مانهاتن لم تجتز فحص الحرائق.

واستشهدت دانييل ساسون التي أدت استقالتها إلى استقالات أخرى بخطاب وجهه المدعي العام الأميركي الراحل روبرت جاكسون إلى المدعين العامين الأميركيين عام 1940، تأمّل فيه النطاق الهائل لسلطة الادعاء العام والأهمية الحاسمة لحمايتها من السياسة، ولهذا جادلت بأن توجيه وزارة العدل بإسقاط التهم الموجهة إلى عمدة نيويورك لم يكن نتاجاً لاختلاف في الرأي بحسن نية، بل اعتداء على سيادة القانون.

وكتبت أنها لا تستطيع أخلاقياً أن تطلب من القاضي رفض قضية عندما لا تعتقد أن القانون يدعم هذه الخطوة، ونقلت عن روبرت جاكسون قوله إن المدعي العام في أفضل حالاته هو أحد أكثر القوى خيراً في المجتمع، لكنه عندما يتصرف بدافع الحقد أو دوافع أخرى فهو أحد أسوأ القوى.

اقرأ المزيد

ورد إميل بوف الذي مثل الرئيس ترمب في ثلاث قضايا جنائية ويشغل الآن منصب نائب المدعي العام بالإنابة بقبول استقالة دانييل ساسون، وقال إن المدعين الفيدراليين، مثلهم كمثل أعضاء آخرين في السلطة التنفيذية، مكلفون بتعزيز أهداف الرئيس، وكتب بوف أن القضية المرفوعة ضد آدمز تداخلت مع قدرة العمدة على معالجة اثنتين من أولويات الإدارة الرئيسة، وهما الهجرة والجرائم العنيفة.

واتهم بوف السيدة ساسون بأنها فقدت بصيرتها حول القَسم الذي أدته عندما بدأت العمل في وزارة العدل من خلال اقتناعها بالاحتفاظ بالسلطة التقديرية لتفسير الدستور بطريقة تتعارض مع سياسات رئيس منتخب ديمقراطياً، في إشارة إلى ترمب.

دوافع سياسية

وفي العام الماضي وجهت المنطقة الجنوبية من نيويورك اتهامات بالفساد العام ضد آدمز في أول محاكمة لرئيس بلدية في تاريخ المدينة الحديث، ودفع آدمز بأنه غير مذنب، وكان من المقرر أن تذهب القضية إلى المحاكمة هذا الربيع غير أن إعادة انتخاب ترمب غيرت كل شيء، فسافر آدمز إلى مارا لاغو قبل ثلاثة أيام من أداء ترمب اليمين الدستورية للقاء الرئيس المنتخب، مما أثار تكهنات حول ما سيحدث في قضيته الجنائية، كما قبل دعوة في اللحظة الأخيرة لحضور حفل التنصيب في واشنطن.

وبعد وقت قصير من تولي ترمب منصبه اتصل محامو آدمز بمكتب مستشار البيت الأبيض للاستفسار عن العفو الذي طلبوه من الرئيس عن آدمز، لكنهم لم يتلقوا أي رد، وبعد أسبوع اتصل بوف بمحامي آدمز، أليكس سبيرو، لترتيب اجتماع، ونقلت بعض وسائل الإعلام الأميركية أن سبيرو رفض التهم بينما أراد بوف سماع كيفية تأثير الادعاء في قدرة آدمز على القيام بوظيفته، وأمثلة محددة على تسليح وزارة العدل.

وخلص بوف في النهاية إلى أن اسقاط الاتهام ضروري بسبب مظاهر عدم اللياقة وأخطار التدخل في انتخابات 2025 في مدينة نيويورك، وهو تبرير يعني اعترافه بأن السياسة وليس أدلة القضية لعبت دوراً توجيهياً.

كما بدا أن رئيس موظفي وزارة العدل تشاد ميزيل دافع في مذكرة قانونية عن قرار رفض الاتهامات الموجهة إلى إريك آدامز، معتبراً أن وزارة العدل ستعود لوظيفتها الأساس المتمثلة في مقاضاة المجرمين الخطرين وليس ملاحقة القضايا ذات الدوافع السياسية، مؤكداً أن الذين وجهوا الاتهامات وقاموا بملاحقة القضية ثم رفضوا اتباع أمر مباشر من وزارة العدل دليل آخر على الدوافع الفوضوية والخفية للمدعين العامين، وأن هؤلاء ليس لهم مكان في وزارة العدل.

الولاء التام

ومن الواضح أن متطلبات إدارة ترمب هي الولاء التام، وهو ما يتوقعه من فريقه الجديد في وزارة العدل بدءاً من المدعية العامة بام بوندي التي مثلت ترمب في محاكمة عزله داخل مجلس الشيوخ، وتود بلانش الذي عينه ترمب كنائب لبوندي، وبوف الذي سيتولى أحد أقوى المناصب في الوزارة، وكلاهما دافعا عن ترمب في قضاياه الجنائية.

 

 

وكان بوف في طليعة عمليات طرد المدعين العامين من قضايا ترمب الجنائية ومراجعة بيانات آلاف من عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي الذين حققوا في هجوم السادس من يناير (كانون الثاني) 2021 على مبنى الـ "كابيتول"، وبعد وقت قصير من وصوله إلى وزارة العدل طلب بوف من جميع مكاتب المدعين العامين في الولايات القضائية للولايات المتحدة وعددها 94 النظر في القضايا داخل مناطقهم حول ما إذا كان هناك تجاوز، وبخاصة في قضايا الفساد العام والأعمال التجارية.

بادرة سيئة

ومع ذلك يرى كثير من أساتذة القانون أن إسقاط قضية آدمز تعد بادرة سيئة من وزارة العدل في عهد ترمب، فقال أستاذ القانون في "جامعة سانت جونز" جون كيو باريت إنه "لم يكن هناك شك في أن القاضي جاكسون الذي كان عضواً في المحكمة العليا الأميركية وشارك لاحقاً في محاكمات نورينبيرغ عقب الحرب العالمية الثانية، كان ليشعر بالرعب والفزع حول كيفية تعامل وزارة العدل مع قضية آدامز، لأن أحد مخاوف جاكسون هو أن السلطة الأكثر خطورة للمدعي العام تنشأ من خطر أن يختار المدعي العام الأشخاص الذين توجه إليهم الاتهامات، بدلاً من اختيار القضايا التي تحتاج إلى مقاضاة".

وبينما نفى بوف عرض صفقة صريحة على محامي آدامز، وكتب في حاشية ملف القضية أن الحكومة لا تعرض مقايضة بين رفض قضية جنائية ومساعدة آدامز في إنفاذ قوانين الهجرة، اعتبر أستاذ القانون في جامعة جورج تاون، ستيفن فلاديك، ذلك بمثابة إشارة تحذير، قائلاً إن "الحاجة إلى كتابة أن إسقاط الادعاء لم يكن في مقابل المساعدة في إنفاذ قوانين الهجرة، تعني ضمناً أن الأمر كان كذلك بالفعل".

المزيد من تقارير