Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
يحدث الآن

مسعفة أميركية في أوكرانيا غاضبة من "خيانة" ترمب لكييف

ريبيكا ماكيوروسكي المسؤولة عن رعاية مئات الجنود الأوكرانيين تتحدث من موقعها قرب كونستانتينيفكا عن عدم التزام روسيا باتفاقات وقف إطلاق النار وعن غضبها من خيانة ترمب وأن أوكرانيا لن تستسلم أبداً

ترمب وزيلينسكي في البيت الأبيض، فبراير 2025 (أ ف ب/ غيتي)

ملخص

تصف ريبيكا ماكيوروسكي، المسعفة في الجبهة الأوكرانية، تجربة مروعة لفريقها الطبي أثناء تعرضهم لانفجار مزدوج لألغام أرضية في منطقة نيويورك قرب دونيتسك. ورغم المخاطر والتحديات، تواصل ريبيكا مع فريقها العمل وسط نيران العدو، مشيرة إلى تدهور الدعم الأميركي في عهد ترمب وتأثيره على جهود أوكرانيا الحربية.

جلس الفريق الطبي الأوكراني بذهول، ينزفون، مشوشين، ومندهشين من نجاتهم بعد انفجار مزدوج للألغام الأرضية داخل سيارتهم الإسعافية المدرعة. فقدوا أجهزة الاتصال اللاسلكي وكذلك الإحساس بالمكان. كانوا يعلمون أن مجموعةً روسية تكمن لهم في مكان قريب وأنه من الضروري أن يخرج سريعاً من منطقة نيو يورك Niu York القريبة من دونيتسك.

لم ترَ قائدة الفريق، المتطوعة ريبيكا ماكيوروسكي من كولورادو، المسيّرات الأوكرانية التي تحوم فوق رأسها وتحاول أن ترشدها بوميض أضوائها إلى بر الأمان. فالشمس كانت في كبد السماء.

كانوا يدركون أن الطائرات المسيّرة الروسية يمكنها رؤيتهم أيضاً، بينما كانوا يهرعون إلى مبنى مهجور. كانوا في أسوأ مأزق عسكري ممكن - فقدان كامل للسيطرة.

وتقول ريبيكا المسعفة الدائمة على الجبهة الأوكرانية منذ مارس (آذار) 2022 التي تبلغ من العمر 31 سنة "لم يكن التعرض للتفجير مخيفاً بقدر الوضع الذي كنا فيه، حين قُطعت الاتصالات. كنا بلا وسيلة اتصال في منطقة غير خاضعة لسيطرة واضحة. لا اتصال ولا أي مرجع يرشدك إلى الوجهة". 

لكن الأمر الأكثر صدمة كان سماع رئيس بلادها وهو ينقلب على الرئيس الأوكراني وينحاز إلى الكرملين. سمعته يفعل ذلك فيما كانت تتابع بثاً مباشراً من طائرة مسيّرة تُظهر فريقاً آخر تابعاً لها وهو يتعرض للقصف أثناء محاولته إنقاذ جنود مصابين في الجبهة قرب توريتسك شمال دونيتسك.

 

تقول ريبيكا: "أتعلمون ما هو الجنون؟ وقفت أشاهد (بثاً مباشراً عن القتال من المسيّرات) بينما تتوالى الضربات على موقع جنودي، ونحن ننتظر معرفة من قتل أو أصيب. وصوت دونالد ترمب في الخلفية يقول شيئاً مثل: 'كان بإمكانهم التوصل إلى صفقة، وكانت ستكون صفقة جيدة للغاية'. كان الأمر كله مفارقة مريرة".

وأضافت: "أنت تشاهد احتمال موت أصدقائك وزملائك الذين اعتنيت بهم أمام ناظريك، وتستمتع في الآن ذاته إلى زعيم دولة ديمقراطية يقول إن ذلك لا يهم".

كانت هذه اللحظة التي كادت فيها أوكرانيا أن تفقد السيطرة على دفاعها ضد روسيا- عندما قرر ترمب تعليق المساعدات العسكرية، ثم قطع قنوات الاستخبارات، مما جعل الجنود الأوكرانيين يقاتلون وهم معصوبو الأعين وضعفاء أمام العدو.

أما الجنود الأوكرانيون والمتطوعون الأجانب الذين يقاتلون إلى جانبهم، فقد تم إسكاتهم إلى حد كبير بأمر من كييف. طُلب منهم ألا يزيدوا من تدهور العلاقات السيئة مع إدارة ترمب بعد أن تحولت من حليف لأوكرانيا إلى خصم لها.

لكن بالنسبة إلى ريبيكا وفريقها الذي يتضمن أوكرانيين وممرضاً ألمانياً وجورجياً ونيوزيلندياً، كجزء من الكتيبة 53 الأوكرانية، كان التحول الأميركي كارثياً.

تطوعت ريبيكا، وهي ممرضة من دنفر مختصة بالصدمات والإصابات البالغة، ولديها خبرة بالعمل الإنساني في أميركا الوسطى، عندما طلبت أوكرانيا المساعدة بعد الغزو الروسي الشامل عليها في فبراير (شباط) 2022. أخذت إجازة لخمسة أسابيع من عملها لتأتي إلى البلاد، ولم تعد بعدها. 

 

بعد تطوعها للعمل ضمن فرق على الجبهة وتنظيم عمليات إجلاء للمدنيين والجنود، أصبح لديها متابعون كثر على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما أتاح لها أن تجمع تبرعات تقدر بـ300 ألف دولار لشراء معدات لفرقها.

واعتقدت أن سلوكها يتوافق إلى أبعد الحدود مع هويتها الأميركية ويصب في خانة أفضل تقاليد الذود عن الديمقراطية والأخلاق الجيدة التي لطالما مثلتها بلدها.

ثم، بعد أشهر قليلة من دخولها إلى الجيش الأوكراني باعتبارها مسؤولاً طبياً، سمعت الشجار بين ترمب وزيلينسكي في البيت الأبيض.

وتقول ريبيكا "كان الوضع صادماً. بصراحة كان صادماً نوعاً ما. كان غير متوقع، وأعجز عن إيجاد الكلمات لوصفه. كان مريعاً، نعم. شعرت كأنه طعنة في الظهر".

باعتبارها المسؤولة الطبية عن الكتيبة 53، من واجبها رعاية مئات الجنود الذين يقاتلون على أكثر الجبهات الأوكرانية دموية وعزلة.

هناك مجموعات متفرقة ومنعزلة من القوات داخل مخابئ في ركام توريتسك - الذين ما يزالون يصدون تقدم الروس فيما يدرس فلاديمير بوتين عرض وقف إطلاق النار الذي طرحه عليه ترمب. من المتوقع أن يجري الرجلان محادثات هذا الأسبوع.

 

وتقول ريبيكا لـ "اندبندنت" من موقعها السري القريب من توريتسك: "نوصل لهم نحو 300 غرام من المياه يومياً. أما الطعام والأدوية، فنُسقطها إليهم باستخدام طائرات مسيّرة كانت في الأصل مخصصة لإلقاء القنابل، لأننا لا نستطيع إرسال جنود بالبر".

يتمكن الجنود هناك من البقاء على قيد الحياة، على رغم جروحهم البالغة، بفضل حزم الأدوية التي تُسقطها الطائرات المسيّرة، إضافة إلى دعم ريبيكا والأطباء الذين يوجهونهم عن بُعد، لتعريفهم بكيفية معالجة أنفسهم، بينما يواصلون التصدي لهجمات روسية متكررة في أرضٍ مزّقتها الحرب.

وتتضمن فرق الإجلاء التي تعمل معها مسعفين وجنوداً أوكرانيين يتولون قيادة مركبات الإسعاف من طراز "برادلي أم 113" القديمة التي أرسلها الأميركيون لإنقاذ الجنود المصابين من أطراف توريتسك وأجزاء كبيرة من الجبهة الشرقية قرب كونستانينيفكا.

هذه المركبات، التي تعود إلى حقبة حرب فيتنام، تبرعت بها الولايات المتحدة، وبعد إصلاحها وتجهيزها للقتال في أوكرانيا، نالت إشادة غير متوقعة بفضل قدرتها على الصمود في مواجهة الأسلحة الروسية.

منحت الولايات المتحدة مساعدات عسكرية بنحو 60 مليار دولار (46 مليار جنيه استرليني)، وتوقف هذا المد في ظل ولاية ترمب، وبات من غير الواضح الآن إن كانت هذه الإمدادات ستعود للتدفق مجدداً. وفي هذه الأثناء، تسارع الدول الأوروبية، لسد النقص الذي خلفه الأميركيون وملء الفجوة التي تركها حليف غير موثوق.

وفيما يواصل بوتين تأجيل رده على مقترح وقف إطلاق النار الذي وافقت عليه أوكرانيا، استغلت روسيا السياسة الأميركية المتعرجة بهجومها على القوات الأوكرانية داخل كورسك، وهي قطعة من الأراضي الروسية التي استولت عليها كييف العام الماضي.

كما توجد تقارير مستقلة موثوقة تدعم مزاعم فولوديمير زيلينسكي بأن موسكو تحشد قواتها على الحدود الشمالية لأوكرانيا، مقابل مقاطعة سومي، في خطوة قد تكون محاولة لشن هجوم جديد داخل أوكرانيا وتحقيق مكاسب إقليمية قبل بدء أي محادثات سلام جادة.

 

وعلى الجبهة الشرقية، تجري كافة عمليات الإنقاذ التي يقوم بها الفريق الطبي في محيط توريتسك تحت نيران العدو. دينيس، أحد سائقي الفريق، تعرض لانفجارات عدة لدرجة أنه لم يعد يتذكر عددها بدقة.

يظهر دينيس، وهو رجل متقدم في العمر ذو ملامح خشنة، مستنداً إلى جدار في القاعدة الطبية، ممسكاً بكوب من الشاي. رأسه نصف المحلوق تملؤه جروح متفرقة.

لا يستطيع دينيس الرؤية من خلال فتحة مركبته المدرعة، لذا يضطر إلى القيادة ورأسه مكشوف. قبل ثلاثة أيام، أصيب بضربة من طائرة مسيرة انتحارية(FPV) . لكنه لم يعترف بأنه جُرح، لأنه لم يكن يرغب في التعامل مع الأوراق الرسمية.

يتمتم قائلاً: "أخذنا أربعة جنود جدد وأخرجنا سبعة مصابين. لدي قطعة من طائرة مسيّرة في رأسي".

يعلق أليكس، المتطوع الألماني الذي كان معه: "لديه قطع معدنية وبلاستيكية عالقة في رأسه - وبعضها في رقبته من ضربة سابقة".

أما ساشا، الذي كان يقود المركبة المدرعة عندما انفجرت في نيويورك، فقد فقد إصبعين، ويسمي ما تبقى منها "يده اليمنى على طريقة سلاحف النينجا". يحتسي كوباً من القهوة في انتظار المهمة التالية.

عندما يُسأل عن وقف إطلاق النار الذي طُلب من بوتين بعد موافقة أوكرانيا على وقف القتال لمدة 30 يوماً في محادثات مع ترمب، يكتفي بهز كتفيه قائلاً: "لن ينجح أي وقف لإطلاق النار".

ريبيكا تتفق معه. لكنها لا تمتلك الخبرة التي اكتسبها الآخرون من عشرات الانتهاكات الروسية السابقة لاتفاقيات وقف إطلاق النار التي تم توقيعها والتفاوض عليها دولياً في مينسك.

لكنها عالجت جنوداً على الجبهة في بعض أقسى المعارك التي دارت رحاها منذ 2022 في باخموت وأدفيكا وفولهيدار وغيرها من المناطق. وتعرف إلى أي مدى يكون الموت في ساحة القتال فظيعاً وغير لائق ولا رجعة فيه.

وهي ترى في الحرب قصة مجردة لا يمكن تحويرها بالأكاذيب الروسية التي تتردد على لسان ترمب من أن أوكرانيا محاصرة في كورسك أو أن "الملايين قد لقوا حتفهم" وأن كل المدن الأوكرانية استحالت ركاماً. 

وهي تتعامل يومياً مع الواقع المدوي والدموي للأحداث التي تدور هنا.

ورأيها واضح بشأن وقف إطلاق النار "لا أعتقد أن اتفاق وقف إطلاق النار سيُحترم. لا أعتقده سيُحترم".

وتضيف: "أود قطعاً أن أحظى بالفرصة لإخراج جنودي الجرحى، وأن يحظوا هم ببعض الراحة. لكن إن استندنا إلى التاريخ وإلى سلوك روسيا المثبت، مراراً وتكراراً، لا يمكنني حتى أن أتخيل عالماً كان فيه التزام حقيقي بوقف إطلاق النار".  

ثم تغادر لتدريب قوات وصلت حديثاً على أساسيات الإسعافات الطبية في ساحة الحرب. فسوف يجري نشرهم في توريتسك خلال يومين.

© The Independent

المزيد من تقارير