Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
يحدث الآن

خطة مصر الواعدة لغزة

كيف يمكن للقاهرة تحقيق السلام واستعادة دورها القيادي في العالم العربي؟

داخل مخيم جباليا للاجئين في شمال قطاع غزة، فبراير (شباط) 2025 (رويترز)

ملخص

رفضت الدول العربية خطة ترمب لتحويل غزة إلى منطقة سياحية، بينما قدمت مصر مشروع إعادة إعمار بقيمة 53 مليار دولار يضمن بقاء الفلسطينيين.

خلال مؤتمر صحافي مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في فبراير (شباط) الماضي، روج الرئيس الأميركي دونالد ترمب لمقترحه الذي يقضي بأن تستولي الولايات المتحدة على غزة، وتفرغها من سكانها البالغ عددهم نحو مليوني نسمة، وتعيد تطويرها وتحويلها إلى منطقة سياحية، "ريفييرا الشرق الأوسط". لكن مثل هذا المخطط مرفوض تماماً لدى الدول العربية، التي تعتبره بمثابة قبول بالتطهير العرقي في غزة. وعندما وضع الملك عبدالله في موقف صعب، تردد وأشار إلى أنه ينتظر خطة بديلة لغزة، واحدة قد تقدمها مصر.

على رغم أن غزة تقع على حدود مصر، فإن القاهرة تركت إدارة القطاع لإسرائيل ثم لـ"حماس" طوال عقود من الزمن. في الواقع، كانت مصر لا تزال تعاني تداعيات محاولتها الأخيرة لإحلال السلام في الشرق الأوسط، أي اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 التي أنهت الأعمال العدائية بين إسرائيل ومصر. وعلى رغم الترحيب بالاتفاقية باعتبارها انتصاراً، فإنها قد كلفت مصر ثمناً باهظاً، إذ لم تؤد إلى اغتيال الرئيس المصري أنور السادات عام 1981 فحسب، بل أيضاً إلى تهميش دور القاهرة في المنطقة واعتمادها الاقتصادي على واشنطن. وأغضب ذلك الشعب المصري وبقية منطقة الشرق الأوسط، مما أشعل التطرف الإسلامي الذي زعزع استقرار المنطقة عقوداً.

ومع ذلك فإن الحرب في غزة تمنح مصر فرصة لاستعادة المكانة التي كانت تتمتع بها سابقاً في العالم العربي. في الرابع من مارس (آذار)، كشفت مصر عما وصفته بأنه "رؤية شاملة لإعادة إعمار غزة مع ضمان بقاء الفلسطينيين على أرضهم". وقدمت خطة إعادة الإعمار هذه في نشرة من 112 صفحة، تضمنت خرائط، وعروضاً مرئية أنشأها الذكاء الاصطناعي، وجدولاً زمنياً على مدى خمسة أعوام، وموازنة تقديرية تبلغ نحو 53 مليار دولار. وتشمل الخطة إعادة تطوير البنية التحتية، وبناء وحدات سكنية تستوعب 1.6 مليون شخص، وإنشاء ميناء تجاري، ومركز تكنولوجي، ومناطق صناعية، وفنادق على الشاطئ، ومطار. وتؤكد الخطة، خلافاً لادعاءات ترمب، أن مثل هذا التطوير العقاري في غزة ممكن من دون تهجير سكانها. وفي الواقع، كان هذا هو الغرض الرئيس من الخطة، بينما بقيت تفاصيلها السياسية غامضة عمداً، إذ اقترحت وضع القطاع تحت إدارة تكنوقراط فلسطينية موقتة، بمساعدة قوات حفظ سلام دولية. في اجتماعات منفصلة عقدت في أوائل مارس الجاري، أيدت جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي الخطة المصرية، وأشاد وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة بها ووصفوها بأنها "واقعية".

لكن إسرائيل، التي تبدو حكومتها اليمينية عازمة على طرد سكان غزة، رفضت الخطة على الفور. أما واشنطن فقد قدمت رسائل متباينة، إذ سارع ترمب في البداية إلى رفض الخطة باعتبارها غير قابلة للتطبيق، قبل أن يرحب بها مسؤولون آخرون في إدارته. وقد وصفها المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بأنها "خطوة أولى تعبر عن حسن نية المصريين"، مشيراً إلى أن الاقتراح العربي لم يكن في الواقع مرفوضاً منذ البداية. لا تزال هناك عقبات بالتأكيد. فلا يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أو ترمب في عجلة من أمرهما لوضع ترتيب سياسي طويل الأمد. لكن المصريين طرحوا مقترحاً أولياً على الطاولة، وهو أكثر مما تمكن أي طرف آخر من تحقيقه، وتعد هذه خطوة مهمة للقاهرة.

فبمجرد طرح خطة السلام هذه لغزة، تمكنت مصر من إنقاذ الطموح الفلسطيني في إقامة دولة وحمايته من محاولة ترمب تحويل غزة إلى مشروع عقاري استعراضي. وبشكل أوسع، تسعى القاهرة إلى تصحيح الإرث المثير للجدل الذي خلفته اتفاقية كامب ديفيد. وبذلك، قد تتمكن مصر من تنويع مصادر دعمها الاقتصادي في وقت يوشك فيه اقتصادها على الانهيار. وفي الحقيقة، يعتمد نجاح القاهرة على استعادة الدور الذي لم تلعبه منذ عقود، القيادة الإقليمية القادرة على جمع الدعم من مجموعة واسعة من الحكومات ذات المصالح المتنوعة والمتضاربة في كثير من الأحيان. العقبات أمام الخطة المصرية متعددة، لكن مصر قد تخرج من الحرب في غزة مرة أخرى باعتبارها العنصر المحوري في الشرق الأوسط.

كلف السلام

كان الدور الريادي الذي لعبته مصر في تصور مستقبل غزة بعد الحرب مفاجئاً بعض الشيء، وهو يعد بشكل جزئي دليلاً على تاريخها الوثيق مع غزة نفسها، ولكن الأهم من ذلك، على حال الإرهاق والقلق التي يشعر بها بقية المنافسين المحتملين للقيادة الإقليمية. في المرة الأخيرة التي أبرمت فيها مصر صفقة كبرى مع إسرائيل بناءً على طلب الولايات المتحدة، لم تنته الأمور على ما يرام. بفضل اتفاقيات كامب ديفيد للسلام التي توسطت فيها واشنطن عام 1978، ووفرت لمصر ما اعتبرته الولايات المتحدة وحلفاؤها استقراراً جديراً بالإعجاب، حاز السادات على جائزة نوبل للسلام (مشتركة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن). ولكن ثبت أن تلك الاتفاقيات كانت مضرة للغاية في معظم النواحي الأخرى.

نبذت مصر في المنطقة. وبعد تعليق عضويتها في جامعة الدول العربية وازدرائها من الحكومة الثورية في إيران، تخلت مصر عن موقعها القيادي في الشرق الأوسط لمصلحة سلسلة من الطامحين إلى العظمة والسيطرة، بمن فيهم معمر القذافي في ليبيا وصدام حسين في العراق. وتبين أن معظم الفوائد الاقتصادية لاتفاقية السلام كانت وهمية، إذ فشل "السلام البارد" في تحفيز التجارة، وجعل مصر في النهاية تعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية الأميركية. عام 2024 وحده، تلقت مصر أكثر من 1.5 مليار دولار من الولايات المتحدة، وخصصت نسبة 80 في المئة من هذا التمويل للإنفاق العسكري، أما الباقي، الخاضع إلى حد كبير لإشراف "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" USAID التي تضاءل دورها بشكل ملحوظ الآن، فقد خصص لبرامج تتعلق بالتعليم والرعاية الصحية وانعدام الأمن الغذائي، وحتى الحفاظ على الآثار التي تدعم السياحة، وهو استثمار كان من المفترض، بحسب "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" قبل أعوام عدة، أن "يقلص اعتماد مصر على الديون الخارجية" ويدعم "رحلة البلاد نحو الاعتماد على الذات".

تسعى مصر إلى تصحيح الإرث المثير للجدل الذي خلفته اتفاقية كامب ديفيد

 

بعد عقود من الاعتماد على المساعدات، أصبحت مصر بارعة في تأمين الموارد، سواء دعم الموازنة أو تخفيف الديون، أو المساعدات الإنمائية والعسكرية، من خلال لعب دور مفيد في تعزيز مصالح الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين في المنطقة. بين عامي 1978 و2022، قدمت الولايات المتحدة لمصر أكثر من 50 مليار دولار من المساعدات العسكرية و30 مليار دولار من المعونات الاقتصادية. وفي المقابل ضمنت مصر للولايات المتحدة أنها لن تشكل أي تهديد عسكري جدي لإسرائيل، وأنها ستتعاون في مكافحة الإرهاب، وأنها ستساعد في إدارة ملفات ليبيا والسودان المعقدة، إلى جانب تقديم عدد كبير من الخدمات المفيدة الأخرى، بما في ذلك منح واشنطن معاملة تفضيلية في عبور قناة السويس. ولكن لم تكن جميع التدفقات التي حظيت بها مصر مجرد مساعدات، فقد ذكرت الاضطرابات التي رافقت إطاحة الرئيس حسني مبارك عام 2011 المؤسسات المالية الدولية المدعومة من الولايات المتحدة بأن مصر "أكبر من أن تفشل". وهكذا، ارتفع الدين الخارجي للبلاد من أكثر بقليل من 40 مليار دولار عام 2014، عندما تولى الرئيس الحالي، المشير عبدالفتاح السيسي، السلطة، إلى ما يزيد على 160 مليار دولار عام 2022، مع فتح خطوط ائتمان جديدة مع صندوق النقد الدولي والسعودية والإمارات العربية المتحدة. ومع تدهور الوضع الاقتصادي للبلاد بسبب جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، أصبحت مصر ثاني أكبر مقترض من صندوق النقد الدولي، بعد الأرجنتين.

لكن التأجيل المستمر لـ"رحلة مصر نحو الاعتماد على الذات"، على حد تعبير تقرير "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية"، لم يكن النتيجة الوحيدة غير المتوقعة لمعاهدة السلام مع إسرائيل، بل كانت هناك عواقب سياسية لا تزال تتردد أصداؤها إلى اليوم، حتى بعد فترة طويلة من عودة مصر بشكل متحفظ وخجول إلى الساحة السياسية الإقليمية العربية في أواخر الثمانينيات. في الواقع، كان الرأي العام في الداخل والخارج يعتبر أن الحكومة المصرية متواطئة على نطاق واسع في الفشل في التوصل إلى تسوية عادلة للفلسطينيين. وقد أدت هذه المظالم غير المحسومة إلى تحفيز خصوم إسرائيل والولايات المتحدة من الإسلاميين في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك إيران وتنظيم القاعدة، وبالطبع "حماس" في غزة. كثيراً ما كانت الحكومات العسكرية المصرية متشككة بشدة في الحركات الإسلامية، ولا سيما جماعة الإخوان المسلمين المصرية، وقد وصل السيسي نفسه إلى السلطة بانقلاب عسكري ضد رئيس ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين كان قد انتخب بعد انتفاضة عام 2011. وحتى لو كان لدى الرئيس المصري تعلقاً عاطفياً بالقضية الفلسطينية، إلا أنه لا يتعاطف مع "حماس"، ويبدو أنه لا يولي احتراماً كبيراً لقيادة السلطة الفلسطينية.

مع ذلك يشكل تجاهل القضية الفلسطينية خطراً سياسياً، وربما شخصياً أيضاً. في الواقع، كان أحد أعضاء حركة "الجهاد الإسلامي"، وهي فرع متطرف من جماعة الإخوان المسلمين، هو من اغتال السادات عام 1981، بعد 18 شهراً فحسب من توقيع معاهدة السلام. وقد وقع هذا الاغتيال خلال العرض العسكري السنوي الذي يحيي ذكرى انتصارات مصر في بداية حرب 1973 بين العرب وإسرائيل، وقوبل بالرضا والارتياح من جانب حكومات العالم الإسلامي. وعلى رغم حضور ثلاثة رؤساء أميركيين وعدد من رؤساء الدول الأوروبية الجنازة، فإن الزعيم العربي الوحيد الذي حضر كان رئيس السودان. حتى إن إيران أطلقت اسم قاتل السادات على أحد شوارع طهران.

الصفقة المصرية

كانت كلفة نهج السادات في اتخاذ القرارات بشكل منفرد معروفة جيداً للسيسي عندما وضع خطة لانتشال سكان غزة من بؤسهم من دون الموافقة على المقترحات الأميركية والإسرائيلية التي تقضي بنقلهم إلى دول أخرى، بما في ذلك مصر نفسها، التي تستضيف بالفعل نحو 100 ألف غزاوي تمكنوا من الفرار من الهجوم الإسرائيلي بعد هجمات "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وأثناء تطوير الخطة، واجهت الحكومة المصرية ثلاثة تحديات. كان عليها أن تمنع جهود ترمب الرامية إلى تحويل النقاش من مفاوضات حول التطلعات الفلسطينية إلى مساومات على عقود تمويل وبناء لمشروع تطوير عقاري. كذلك، كان على مصر أن تثبت أنه من الممكن وضع ترتيب لإدارة غزة يجسد سعي الفلسطينيين إلى إقامة دولة. وأخيراً، كان القادة المصريون يأملون في استخدام الحرب لضمان استمرار التدفقات المالية التي من شأنها درء الأزمة الاقتصادية في الداخل المصري، إذ يواجه واحد من كل سبعة أشخاص انعدام الأمن الغذائي، ويعاني أكثر من خمس الأطفال دون سن الخامسة سوء التغذية والتقزم.

كل هذا يعتمد على قدرة مصر على الاضطلاع بدور لم تلعبه منذ عقود. إنها في حاجة إلى حشد الدعم من الحكومات في المنطقة وخارجها، التي تمتلك مصالح مختلفة وأحياناً متضاربة في علاقاتها مع إسرائيل والولايات المتحدة. وقد أصرت مصر على أن أكثر مشاريع إعادة الإعمار طموحاً لا يتطلب ترحيل أي شخص من غزة، وفي هذا المسعى، تعتبر مصر في وضع جيد لجمع التمويل من مجموعة متنوعة من البلدان، بما في ذلك الصين والسعودية وتركيا، واستقطاب عروض من الشركات الدولية للفوز بعقود إعادة بناء البنية التحتية المادية في غزة. بعد كل شيء، سبق أن أظهر السيسي حماسه لمثل هذه المشاريع الضخمة من خلال تطوير العاصمة الإدارية الجديدة لمصر، التي صممت لإيواء أكثر من 6 ملايين شخص وتمتد على مساحة خارج القاهرة تبلغ ضعف مساحة قطاع غزة.

لا يمكن للقادة المصريين أن يظهروا وكأنهم يبيعون الفلسطينيين مرة أخرى مثلما حدث بعد اتفاقيات عام 1978، سواء بمفردهم أو بالتنسيق مع حلفائهم، مهما كان الثمن. وإلى جانب مبدأ دعم حقوق الفلسطينيين في وطنهم، وهو مبدأ متفق عليه على نطاق واسع في جميع أنحاء المنطقة، يجب على القاهرة أن تتعامل مع اعتبارات أكثر واقعية. يعلم السيسي أن إضافة مزيد من اللاجئين الفلسطينيين إلى صفوف الفقراء في مصر [زيادة أعداد الفقراء في مصر عبر استيعاب اللاجئين الفلسطينيين] لن يعزز "رحلة البلاد نحو الاعتماد على الذات". من المرجح أن يحتاج سكان غزة، أينما كانوا يعيشون، إلى مساعدة إنسانية كبيرة ومستدامة. ومع ذلك فإن هذا القطاع يواجه تحديات كبيرة بالفعل، بخاصة مع تفكيك إدارة ترمب "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" ومنع إسرائيل الأونروا (وكالة الأمم المتحدة التي قدمت المساعدة للاجئين الفلسطينيين لمدة 75 عاماً) من العمل في الضفة الغربية وغزة. علاوة على ذلك، فإن أي تدفق كبير للاجئين من غزة سيشمل حتماً مؤيدي "حماس"، مما قد يهدد بزعزعة استقرار الحكومة المصرية، وهو ما أدركه خلفاء السادات، وربما الأمر الأكثر إرباكاً هو أنه قد يوفر مبرراً للتدخلات الإسرائيلية في الشؤون الداخلية لمصر، سواء من خلال توغلات عسكرية، كما يبدو أنه يحدث حالياً في سوريا، أو من خلال عمليات سرية، مثل عملية الاستخبارات الإسرائيلية العالية التقنية في سبتمبر (أيلول) 2024 التي شهدت تفجير آلاف أجهزة البيجر التابعة لعناصر جماعة "حزب الله" الشيعية المسلحة في لبنان في يوم واحد.

لن تسمح الحكومة المصرية لنفسها بالخروج عن سياق الرأي العام أو تحالفاتها الإقليمية [لن تمضي قدماً في سياسات أو إجراءات من شأنها أن تنفر مواطنيها أو حلفائها في المنطقة]. فما لم يكن اللاعبون الإقليميون الآخرون، بمن فيهم الإماراتيون والأردنيون والقطريون والسعوديون، على استعداد لتحمل الأعباء المتعلقة بالسمعة، وربما الأعباء المالية والإدارية، في سبيل التوصل إلى اتفاق في شأن إدارة غزة، فلن تكون أي خطة قابلة للتنفيذ. لكن مصر تستعيد مكانتها السابقة كمنسق إقليمي. فمن خلال عقد اجتماع لجامعة الدول العربية، التي كانت في حالة احتضار أخيراً، لمناقشة مقترحاتها، كانت مصر والحكومات العربية الأخرى ترسل إشارات تعبر عن آمالها ورغبتها في تشكيل جبهة موحدة، لن تتفكك بتكتيكات "فرق تسد" التي اتبعتها إسرائيل في اتفاقيات السلام المنفصلة مع مصر في السبعينيات والأردن في التسعينيات من القرن الماضي، وفي اتفاقيات أبراهام الأحدث بين إسرائيل ومجموعة من الدول العربية. وقد أكد الأمين العام للجامعة (وزير الخارجية المصري السابق) أحمد أبو الغيط أن "خطة مصر هي الآن خطة عربية".


لم تحتو الخطة على تفاصيل دقيقة في شأن الإدارة السياسية لغزة، ولا شك في أن ذلك يرجع جزئياً إلى التوقع بأن إسرائيل والولايات المتحدة سترفضان على الأرجح أي مقترح أولي على الفور (وهو ما حدث بالفعل). اقترحت الخطة تسلم "بعثة مساعدة الحكم الرشيد" الحكم بقيادة تكنوقراط فلسطينيين، وإعادة إحياء دور السلطة الفلسطينية نوعاً ما، لكن التفاصيل كانت غامضة عمداً لإفساح المجال أمام مفاوضات مستقبلية. وباعتبارها خطوة افتتاحية، بدا أن الخطة نجحت: فقد خفف ويتكوف، المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط، من إدانة ترمب الأولية للخطة، قائلاً إنها "تحوي عديداً من الجوانب المقنعة".

سيحتاج ويتكوف وإدارة ترمب إلى إقناع إسرائيل بجدوى التوصل إلى تسوية مع جيرانها العرب. فبقدر ما يبدو ترمب مستعداً لمنح نتنياهو حرية التصرف الكاملة في غزة ومتحمساً لتحويل القطاع إلى "ريفييرا" براقة، فالرئيس الأميركي لديه أيضاً مصالح في الحفاظ على علاقات ودية، وربما مربحة، مع دول أخرى في المنطقة، بما في ذلك الأطراف الموقعة على "اتفاقيات أبراهام"، الذين شكل غزو إسرائيل غزة وهجماتها على لبنان وسوريا مصدر إزعاج وإحراج لهم. وقد صرحت إسرائيل بأنها لن تعوض على الفلسطينيين أو تسهم في دفع كلف إصلاح الأضرار التي ألحقتها بغزة، لكن قد تضطر الحكومة الإسرائيلية إلى تقديم تنازلات تتعلق بمنح الفلسطينيين مزيداً من الحكم الذاتي وجدولاً زمنياً أطول مما قد ترغب فيه، إن لم يكن ترتيباً دائماً، لمن سيتحملون كلف إعادة الإعمار.

ومن سيتحمل الكلف؟ قد تكون هذه فرصة لمصر للتعامل مع تحد آخر من التحديات التي تواجهها وتنويع مصادر تمويلها بعيداً من الاعتماد على عوائد الأزمات التي ساعدت في إبقائها (مثلها مثل الأردن) معتمدة على الدعم الأميركي. لقد أوضح ترمب أنه لا يرغب في تمويل مصر إلى أجل غير مسمى، ويريد اختصار رحلة البلاد غير المستقرة "نحو الاعتماد على الذات". وعندما سئل عما إذا كان سيقطع المساعدات عن مصر والأردن إذا لم يستقبلا اللاجئين الغزاويين، أجاب ترمب: "نعم، ربما، بالتأكيد، لم لا؟ إذا لم يفعلا، فمن المحتمل أن أحجب المساعدات، نعم". وعلى رغم أن إدارته قد تراجعت لاحقاً عن هذا التهديد، فإن تقليص تمويل "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" قد أضر بالفعل ببرامج مدنية مهمة في كل من الأردن ومصر.

من الواضح أن دول الخليج ستلعب دوراً رئيساً في تمويل إعادة إعمار غزة، ومن المرجح أن تطالب مصر بنسبة من هذا التمويل مقابل دورها كمقاول عام. وفي تأييدها للخطة، دعت منظمة التعاون الإسلامي، التي تضم 57 عضواً، "المجتمع الدولي والمؤسسات التمويلية الدولية والإقليمية إلى توفير الدعم اللازم للخطة على وجه السرعة". في الواقع، حتى زعيم المعارضة الإسرائيلية ورئيس الوزراء السابق يائير لبيد اقترح إمكانية تلقي مصر تعويضاً عن دورها الإداري في غزة من خلال إعفائها من جزء من ديونها الخارجية. ومن يذكر أن نفوذ الصين في مصر قد نما بشكل ملحوظ في العقد الأخير، فقد زار السيسي بكين أكثر من ضعف عدد المرات التي زار فيها واشنطن خلال فترة ولايته، واحتفت الدولتان بعام 2024 باعتباره "عام الشراكة المصرية الصينية". وقد أيد وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، الاقتراح المصري، قائلاً إن "جميع الأطراف في الشرق الأوسط يجب أن تتغلب على خلافاتها لدعم إقامة الدولة الفلسطينية"، بينما يتعين على القوى الخارجية تعزيز السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وبتوليها دور المصمم والمهندس لحل محنة أهل غزة، تعتمد مصر على تجربتها الطويلة والمضنية في التزام معاهدة السلام التي عقدتها مع إسرائيل. وكما أشار السيسي مراراً بعد الكشف عن الخطة، فإن "مصر، التي كانت رائدة في تحقيق السلام في منطقتنا منذ نحو 50 عاماً... لا تعرف سوى السلام القائم على الحق والعدل، الذي يصون الأرض والسيادة". الكرة الآن في ملعب إسرائيل. يمكن أن تكون غزة أكثر من مجرد منطقة مدمرة وموطن لشعب مهجر تحكمه إسرائيل إلى الأبد. ومصر مستعدة لتكريس قوتها الكبيرة في التنسيق [وجمع الفرقاء]، وخبرتها، ومهاراتها لتحقيق مستقبل عادل ومستدام للقطاع، وشعبه، والمنطقة بأسرها.

 

مترجم عن "فورين أفيرز" 14  مارس (آذار)، 2025

ليزا أندرسون شغلت منصب أستاذة فخرية لكرسي جيمس ت. شوتويل في مادة العلاقات الدولية في جامعة كولومبيا، وكانت رئيسة الجامعة الأميركية في القاهرة من 2011 إلى 2015.

المزيد من آراء