ملخص
أجبرت مئات الفلسطينيين على النزوح من منازلهم في مخيم العين بمدينة نابلس بالضفة الغربية لساعات، وتواصل منع 40 ألف فلسطيني من العودة إلى بيوتهم في مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس.
جاء طرد القوات الإسرائيلية عشرات العائلات الفلسطينية من مخيم "العين" للاجئين في شمال نابلس لساعات فقط يوم الأربعاء الماضي، كتحذير من إمكانية إجبار سكان المخيم على النزوح كما حصل في ثلاثة مخيمات أخرى في شمال الضفة الغربية منذ نحو شهرين.
ولم تكد نسرين موسى تنتهي من تناول السحور مع والدتها المسنة المريضة في المخيم، حتى سمعت أصوات إطلاق النار وتكسير، ثم وصلتها منشورات لقوات الاحتلال تدعوهما إلى ترك المنزل.
سريعاً لملمت نسرين أوراقها الثبوتية، وتركت منزلها مع والدتها بمساعدة مركبة إسعاف، فيما بدا أنها رحلة نزوح جديدة تشبه ما حصل مع سكان مخيمي طولكرم وجنين.
وعلى رغم أن القوات الإسرائيلية أبلغت بعض سكان مخيم "العين" بأن نزوحهم عن المخيم سيكون طويلاً كما يحصل في طولكرم وجنين، فإنها انسحبت من المخيم بعد ساعات على اقتحامه وتفتيش أكثر من نصف منازله.
وسمح ذلك للعشرات من سكان المخيم بالعودة إلى منازلهم، لكنهم وجدوها مقلوبة "رأساً على عقب"، بسبب تدمير قوات الاحتلال محتوياتها ومفروشاتها. وأمضى هؤلاء ليلتهم في مسجد قريب من المخيّم، فيما لجأ آخرون إلى منازل أقاربهم في مدينة نابلس.
إخلاء المخيمات
وبخلاف العودة السريعة لسكان مخيم العين، كان الوضع مغايراً لسكان مخيمات اللاجئين في جنين وطولكرم ونور شمس الذين أجبرتهم السلطات الإسرائيلية على النزوح من منازلهم منذ أسابيع طويلة.
وتسبب ذلك في إخلاء تلك المخيمات الثلاثة بالكامل من سكانها البالغ عددهم نحو 40 ألفاً، ولجوئهم إلى مراكز للإيواء أو عند أقاربهم، أو في شقق استأجروها.
ومنذ نحو شهرين تتمركز قوات عسكرية إسرائيلية في مخيم جنين، وتشق طرقاً واسعة فيه على أنقاض المنازل التي تهدمها، في خطوة تهدف إلى تغيير معالم المخيم، وتسهيل عمليات اقتحامه مستقبلاً.
وجرفت القوات الإسرائيلية شوارع المخيم كافة، ودمّرت شبكات المياه والصرف الصحي فيه، وذلك بعد تهجيرها سكان 3200 منزل من المخيم، وفقاً لبلدية جنين. وبعد هدمها أكثر من 120 منزلاً في المخيم خلال الأسابيع الماضية، أخطرت السكان بهدم 66 بناية سكنية فيه خلال الساعات المقبلة، فيما ألحقت أضراراً بعشرات المنازل الأخرى.
ووزعت القوات الإسرائيلية خريطة تظهر باللون الأحمر المنازل المقرر هدمها، بهدف توسيع الشوارع، ومرافق خدمية للشركات التي جلبتها تل أبيب لاستحداث شوارع على أنقاض بيوت المواطنين.
"السور الحديدي"
ويشن الجيش الإسرائيلي منذ 21 يناير (كانون الثاني) الماضي عملية عسكرية تحمل اسم "السور الحديدي" في مخيمات شمال الضفة انطلاقاً من جنين، بهدف "القضاء على الإرهاب فيها". وبعدها بأيام وسع الجيش الإسرائيلي تلك العملية لتشمل مخيم طولكرم، ثم مخيم نور شمس للاجئين.
وتوعد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس ببقاء الجيش في المخيمات الثلاثة "حتى نهاية العام الحالي على الأقل، وبعدم السماح للسكان بالعودة، وعودة الإرهاب من جديد".
لذلك، بدأت الحكومة الفلسطينية العمل على إقامة بيوت متنقلة في محافظتي جنين وطولكرم لإيواء آلاف النازحين من المخيمات، ولإتاحة الفرصة لهم العيش بشكل يحفظ خصوصيتهم.
وأكد رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى على ضرورة "تعاون الجميع على تحمل المسؤولية تجاه إغاثة أهلنا في مخيمات شمال الضفة"، مشدداً على أن "إيواء النازحين يُعتبر على رأس الأولويات".
وناقش مصطفى مع مسؤولين من المحافظتين "تكثيف الخطط لإقامة مراكز إيواء جديدة، وتزويدها بالخدمات الأساسية، وتجهيز الأراضي المناسبة والبنية التحتية اللازمة".
وبحسب رئاسة الوزراء الفلسطينية فإن ذلك سيتزامن مع "مواصلة تقديم الإغاثة الطارئة، والتحضير لمرحلة إعادة الإعمار للبدء فيها فور انسحاب قوات الاحتلال من المخيمات".
عمليات عسكرية متواصلة
وفي مخيم "نور شمس" في طولكرم، يواصل الجيش الإسرائيلي عملياته العسكرية، في ظل استمراره بهدم المنازل، وشق طرق داخله.
ويمنع الجيش الإسرائيلي بالقوة عودة سكان تلك المخيمات من العودة إلى منازلهم، حتى لأخذ مقتنياتهم منها.
واعتبر الباحث السياسي سليمان بشارات أن انسحاب الجيش الإسرائيلي من مخيم العين بعد ساعات على اقتحامه تشير إلى أنه "يسعى إلى عملية تدريجية لهندسة الواقع في مخيمات اللاجئين بالضفة الغربية على المستويات الجغرافية والديموغرافية والنفسية والسياسية".
ومع أن بشارات أشار إلى أن القرار النهائي بتنفيذ عمليات واسعة في بقية مخيمات الضفة الغربية "لم يُتخذ بعد"، لكنه أوضح أن ما يجري هو "عمليات محدودة بهدف إيصال رسالة بأن الاحتلال الإسرائيلي قادر في الوقت الذي يريده على إخلاء سكان تلك المخيمات".
اعتياد الاقتحامات والطرد
وبحسب بشارات فإن ما حصل في مخيم العين هو "مناورة أولية لإمكانية الذهاب أبعد من ذلك، وجعل الفلسطينين يعتادون على عمليات الاقتحام والطرد من منازلهم".
وأوضح أن طبيعية استجابة الفلسطينيين لأوامر الإخلاء من منازلهم "أصبحت سهلة وسريعة، ومن دون أي مقاومة في نموذج تريده قوات الاحتلال".
وشدد بشارات على أن ذلك "هو ما تريده سلطات الاحتلال عبر إجراء تغييرات نفسية على الفلسطينيين، ضمن مخططه للهندسة النفسية والديموغرافية والسياسية للفلسطينيين".
وعن أهداف الجيش الإسرائيلي الجغرافية من وراء هدم المنازل وشق الطرق في المخيمات، قال بشارات إنه يسعى إلى "طمس معالم المخيمات، وتخفيف الكثافة السكانية فيها، وتحويلها إلى منطقة جغرافية مكشوفة من الناحية الأمنية".
ويتيح ذلك بحسب بشارات للجيش الإسرائيلي "تنفيذ عمليات عسكرية في المخيمات بشكل أسهل والوصول إلى داخلها كما يفعل مع المدن والبلدات الفلسطينية الأخرى".
أما عن الأهداف السياسية لتلك العملية، فأوضح بشارات إن إسرائيل "تريد القضاء على أي إمكانية مقاومة من قبل للاجئين الفلسطينيين في تلك المخيمات، وإجبارهم على التخلص من قضيتهم".
وتابع بشارات أن "الاحتلال الإسرائيلي عبر علميات الهدم في تلك المخيمات يريد إجبار السكان على البحث عن بدائل ونمط حياة مختلف، يُقرّبهم من التعايش مع الاحتلال وليس مواجهته".