Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
يحدث الآن

بوتين يعطي ترمب من طرف اللسان حلاوة من دون أية صفقة!

طلبت الإدارة الأميركية من الكرملين وقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً على طول خط المواجهة من دون أية شروط مسبقة

الرئيسان ترمب وبوتين (أ ف ب)

ملخص

تشعر موسكو بارتياح متزايد لأن المعسكر الموالي لروسيا في الدائرة الداخلية لترمب قد دعم علناً رؤية بوتين المحافظة العالمية الراسخة، كما أن المعلقين الروس المؤثرين يشيدون بالرئيس الأميركي.

وصف الرئيس الأميركي دونالد ترمب المكالمة الهاتفية المطولة التي أجراها مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في الـ18 من مارس (آذار) الجاري لمناقشة الحرب في أوكرانيا، بأنها خطوة مهمة نحو بدء محادثات سلام في هذا الصراع المدمر، ومن شأنها أن تؤدي إلى توقيع صفقة تنهي النزاع الدموي المحتدم منذ أكثر من ثلاثة أعوام.

لكن المراقبين في موسكو أجمعوا على أن سيد الكرملين أعطى ترمب من طرف اللسان كثيراً من الحلاوة، لكنه تمكن من التهرب بحذاقة من التعهد بتوقيع أية صفقة متسرعة قبل تحصيل أكبر مكاسب ممكنة، واسترجاع كامل أراضي مقاطعة كورسك الروسية التي ما زالت بعض القوات الأوكرانية محاصرة فيها.

في الواقع طلبت الإدارة الأميركية من الكرملين وقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً على طول خط المواجهة من دون أية شروط مسبقة، ولكن في الـ18 من مارس الجاري، وبعد انتظار مسرحي دام أسبوعاً ومئات القتلى، حصلت على تبادل متواضع نسبياً للأسرى، ومباريات هوكي ومحادثات جديدة، ووفقاً لنص الكرملين توقف متبادل لمدة شهر في الهجمات على "البنية التحتية للطاقة".

في واقع الأمر تشكل هذه العبارة بداية حقل ألغام تقني كان من الممكن تجنبه بسهولة، وكما أعلن ترمب نفسه وسكرتيرته الصحافية كارولين ليفيت، فإن الاتفاق يتعلق "بالطاقة والبنية الأساس"، لكن هذه أشياء مختلفة تماماً.

 

 

وتشير التصريحات الصادرة عن الكرملين والبيت الأبيض إلى أنه لم يُتوصل إلا إلى اتفاق محدود، وفي الوقت نفسه حمل بوتين أوكرانيا مسؤولية إحراز مزيد من التقدم، مطالباً كييف بالتوقف عن تعبئة وتسليح جنودها قبل أن توافق موسكو على وقف أوسع لإطلاق النار.

وفيما كتب ترمب على مواقع التواصل الاجتماعي "كانت مكالمتي الهاتفية مع الرئيس الروسي بوتين جيدة وبناءة للغاية، لو كنت رئيساً لما بدأت هذه الحرب أبداً!"، كان بوتين يضحك في سره داخل أروقة الكرملين وهو يردد: إذا كان شريكنا أبو إيفانكا يعتقد أنه بارع في فن عقد الصفقات، فقد غاب عن باله أن رجال الاستخبارات فنانون في التهرب من الوقوع في شرك هذه الصفقات!

بيانات إنشائية

على رغم أن النص الكامل للمكالمة بين الرئيسين لم ينشر بعد، فقد أصدر البيت الأبيض ملخصاً يتضمن تفاصيل مختارة بعناية، وقال في بيان إن "الزعيمين اتفقا على أن الطريق إلى السلام سيبدأ بوقف إطلاق النار على محطات الطاقة والبنى التحتية، ووافق الزعيمان على أن المستقبل الذي يشهد تحسناً في العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وروسيا يحمل في طياته وعداً كبيراً".

ومع أن الكرملين في روايته أشار إلى أنه وافق على وقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً ضد منشآت الطاقة، لكنه أكد أنه كشرط مسبق لإنهاء الصراع، يريد وقفاً كاملاً لجميع المساعدات العسكرية والاستخباراتية الأجنبية لأوكرانيا.

لذا فإن نبرة المناقشة بين الزعيمين، كما هو موضح في النصوص، تتطابق مع تحليل كثير من الخبراء الذين يعتقدون أن بوتين عازم على طمأنة الرئيس الأميركي مع تعليق إحراز تقدم ملموس نحو وقف إطلاق النار ما دامت القوات الروسية تتقدم في الميدان وتحرز انتصارات في ساحة المعركة.

كتب رئيس برنامج أوروبا الشرقية في المعهد البولندي للشؤون الدولية، دانيال سيغيلوفسكي، بعد المكالمة "كانت روسيا وأوكرانيا تتفاوضان على إنهاء الهجمات على البنية التحتية للطاقة قبل فوز ترمب بالانتخابات الرئاسية بوقت طويل، لذا لم يقدم الجانب الروسي أي تنازل بعد أكثر من ساعتين من المكالمة الهاتفية بين ترمب وبوتين".

وأورد الكرملين في وقت سابق أن أية محادثات لوقف إطلاق النار مع الولايات المتحدة يجب أن تشمل أيضاً مناقشات أوسع تهدف إلى رفع العقوبات وتطبيع العلاقات، فضلاً عن إعادة تشكيل النظام العالمي وفقاً لرغبة بوتين.

ويبدو أن هذه كانت هي الحال، حين تحادث ترمب وبوتين أيضاً "مطولاً عن الشرق الأوسط"، و"الحاجة إلى وقف انتشار الأسلحة الإستراتيجية والنووية"، و"الصفقات الاقتصادية الكبرى والاستقرار الجيوسياسي"، وفقاً لبيان البيت الأبيض.

أوكرانيا والود المفقود مع ترمب!

إنهاء الضربات الصاروخية والطائرات من دون طيار على البنية التحتية للطاقة كان ويظل موضع ترحيب في أوكرانيا، لكنه لن يؤدي إلى وقف أوسع للقتال كما كان يأمل المسؤولون في كييف.

 

 

فقد سارع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى الموافقة على الاقتراح الأميركي بوقف إطلاق النار الفوري والكامل لمدة 30 يوماً، لأن القوة النارية التي تملكها بلاده لا يمكن مقارنتها بتلك القوة النارية الهائلة التي تمتلكها روسيا، لكنه كان متشائماً في شأن احتمالات التقدم وتوقع أن تتباطأ روسيا في الرد على اقتراح ترمب خلال مكالمته الهاتفية المطولة مع بوتين.

وقال زيلينسكي في رسالة فيديو نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي "من الواضح للجميع في العالم - حتى لأولئك الذين رفضوا الاعتراف بالحقيقة على مدى الأعوام الثلاثة الماضية - أن بوتين هو الذي يواصل إطالة أمد هذه الحرب"، وأضاف "إن تكتيكات المماطلة التي ينتهجها بوتين، والتي تقدم لترمب صورة نصر في الفضاء الإعلامي وحده، من دون أية التزامات جدية من شأنها أن تغير التوازن العسكري، تندرج أيضاً ضمن إستراتيجية أوسع نطاقاً لتشجيع واستغلال الانقسامات المتزايدة بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين من أجل تحييد حلف شمال الأطلسي".

اقرأ المزيد

وتشعر موسكو بارتياح متزايد لأن المعسكر الموالي لروسيا في الدائرة الداخلية لترمب قد دعم علناً رؤية بوتين المحافظة العالمية الراسخة، كذلك فإن المعلقين الروس المؤثرين يشيدون بالرئيس الأميركي.

وقال الفيلسوف القومي المتطرف الذي يعتبر منظر نظام بوتين، ألكسندر دوغين، لشبكة "سي أن أن"، "ترمب أكثر تحفظاً بكثير، إنه يدافع عن القيم التقليدية، إنه يدافع عن وطنية الأمة، وأنا أعرفها كنظام عالمي للقوى العظمى، يتفق بوتين وترمب في عدائهما للقيم الليبرالية كما يتفقان على أن هذا النموذج أفضل من العولمة الليبرالية".

ومن المرجح أيضاً أن بوتين يأمل ويراهن على أن المماطلة في حل الأزمة الأوكرانية من شأنها أن تعزز استمرار تدهور علاقات واشنطن مع حلفائها في أوروبا الداعمين بقوة لكييف، وكذلك مع أوكرانيا نفسها، في ظل كراهية ترمب الشخصية للرئيس الأوكراني الذي يعتبره فاسداً ومتغولاً على الأموال الأميركية.

وكرر ترمب وجهة نظر الكرملين وبوتين شخصياً بأن زيلينسكي زعيم "غير شرعي"، وفي مرحلة ما دعاه إلى الاستقالة.

بوتين يستغل الجنوح للسلام لتحقيق مآربه!

كان أحد الأهداف الرئيسة لبوتين عندما بدأ الحرب قبل ثلاثة أعوام هو إطاحة الحكومة الأوكرانية المنتخبة ديمقراطياً والموالية للغرب، وتنصيب حكومة دمية صديقة لموسكو من بعض أصدقائه المكروهين هناك، وعلى رأسهم فيكتور ميدفيتشوك.

وأكد بوتين منذ فترة طويلة أن أهدافه الأساس في أوكرانيا غير قابلة للتفاوض، وهي تتلخص في تخلي كييف عن السعي إلى عضوية حلف شمال الأطلسي واستنكافها طلب الدعم العسكري والقوات الأجنبية وقبولها نزع سلاح القوات المسلحة الأوكرانية وإقامة نظام "محايد" في كييف وتقديم تنازلات إقليمية.

 

 

وأشارت الولايات المتحدة بالفعل إلى استعدادها لدعم بعض هذه الأهداف البوتينية، في الأقل حظر عضوية أوكرانيا في صفوف حلف شمال الأطلسي وإجبارها على تقديم تنازلات إقليمية تفترض تخليها عن جزء يراوح ما بين 10 و20 في المئة من أراضيها.

وكشف ترمب أيضاً صراحة عن أن هدفه هو "تقسيم أصول معينة" في أوكرانيا بين روسيا والولايات المتحدة - وهو صدى حزين للصفقة السرية بين ألمانيا النازية والاتحاد السوفياتي عشية الحرب العالمية الثانية عام 1939، التي تمثلت باتفاق مولوتوف-ريبنتروب، إذ وافقت آنذاك أكبر قوتين في أوروبا على تقاسم بولندا.

حرب استنزاف دموية مكلفة

في جوهر الأمر يمكن القول إن استمرار الحرب في أوكرانيا لا يخدم مصلحة أي من الطرفين، وعلى مدى الأعوام الثلاثة من الصراع يقدر المسؤولون الأميركيون أن نحو مليون شخص لقوا حتفهم في المعارك الضارية بين البلدين.

فعلى طول خط التماس الممتد لنحو 900 ميل، تحول جزء كبير من الحرب إلى حرب استنزاف خنادق، الوضع العسكري في أوكرانيا خطر، والبلاد غير قادرة على حشد ما يكفي من القوى البشرية للحفاظ على مواقعها.

وفي الوقت نفسه يقتل أو يجرح مئات الجنود الروس يومياً، من أجل إحراز تقدم ضئيل على الأرض، وعلى رغم ذلك ترسل موسكو عشرات الآلاف من المجندين الجدد كل شهر إلى الجبهة للقتال والموت في أوكرانيا بينما تواصل روسيا هجومها.

السيناريو الروسي

يرى رئيس تحرير مجلة "روسيا في الشؤون العالمية" فيودور لوكيانوف، المقرب من بوتين ودوائر القرار في الكرملين، أن "محاولات تقديم المحادثة الثانية على أنها كانت مصيرية وحاسمة لم تنجح، فالعملية مستمرة وآفاقها الزمنية لا تزال غير واضحة"، ومع ذلك توصل المتخصص إلى ثلاثة استنتاجات رئيسة، أولها أن الوضع يتطور وفقاً للسيناريو الروسي.

فموسكو لم ترحب بفكرة وقف إطلاق النار الفوري المتسرع، وأكدت ضرورة دراسة شروطه بصورة معمقة، وإعداد الخطوط العريضة لحل طويل الأمد، لكنها لم ترفض الهدنة أبداً، وبهذا تكون روسيا قد ردت على مخطط "سلام ترمب" بأناقة تامة (...) من خلال دعم الاقتراح الذي طرحه زيلينسكي في السابق، لكنه تخلى عنه بعد ذلك تحت ضغط من واشنطن، في شأن الوقف المتبادل للهجمات على البنية التحتية للطاقة والتدابير الأمنية في البحر الأسود.

في المقابل يؤكد لوكيانوف أهمية الموقف الروسي "لقد نجح الكرملين في تقليص الضغوط التي مارسها البيت الأبيض نتيجة للمفاوضات في جدة، وحول النقاش إلى شكل مطول. وتعتقد موسكو أن من مصلحتها الآن أن تفعل ذلك"، وعلاوة على ذلك، أصبح المطلب الرئيس لموسكو لإحلال السلام ــ نزع السلاح من أوكرانيا ــ ذا أهمية مرة أخرى.

 

 

الموضوع مدرج في جدول الأعمال، على رغم أن تنفيذه والوصول به إلى النتيجة المرجوة ليس واضحاً، لقد نشأ صراع بين الولايات المتحدة التي أظهرت بالفعل قدرتها على وقف المساعدات، وأوروبا التي تعمل فقط على تشديد التزامها المساعدات العسكرية لكييف، وبغض النظر عما سيحدث بعد ذلك فإن مسألة الإمكانات العسكرية تأتي إلى الواجهة، على عكس القضية الإقليمية، التي، إذا نوقشت، كانت لا تزال في الظل.

ويعتقد لوكيانوف أيضاً أن القضية الأوكرانية تناقش على ما يبدو في السياق العام للعلاقات بين موسكو وواشنطن، وهنا يأتي موضوع التعاون الاقتصادي بين الدولتين، فضلاً عن مناقشة قضايا أخرى على جدول الأعمال الدولي.

ويقول "من الجدير بالاهتمام بصورة خاصة الإشارة في العرض الأميركي إلى أن الأطراف ناقشت بالتفصيل موضوع الشرق الأوسط، وعلى وجه الخصوص قضية أمن إسرائيل، تأكيداً أن هذا الموضوع يضم على ما يبدو مجموعة واسعة من القضايا من إيران إلى سوريا ودول الخليج، وهو يشكل أولوية بالنسبة إلى ترمب وليس أوكرانيا، أما بالنسبة إلى روسيا فالأمر على العكس، إذ إن أوكرانيا تتقدم بوضوح على كل شيء آخر في قائمة الأولويات".

ويشير المتخصص السياسي إلى أن المحادثة بين بوتين وترمب لم تحمل أخباراً جيدة لكييف ولا إلى أوروبا، إذ إن تسوية الصراع تُناقش بين قوتين عظميين من دون إشراك أية أطراف أخرى مهتمة في الحوار، وأضاف المتخصص أن "هناك مرحلتين تفاوضيتين في الأقل يجب أن تمرا قبل أن يتضح ما إذا كان من الممكن تحقيق النجاح أم أن كل شيء محكوم عليه بالفشل".

وبحسب المتخصص السياسي ماكسيم زاروف، فإن الكرملين أكثر سعادة بالمحادثات التي جرت من البيت الأبيض، مشيراً إلى أن بيان واشنطن عقب المحادثة كان أكثر فراغاً من بيان موسكو، ولم يخرج ترمب للصحافيين على رغم وعده.

ماذا يقول الخبراء الأميركيون؟

يلفت المتخصص السياسي الأميركي مالك دوداكوف الانتباه إلى أن المحادثة الهاتفية بين بوتين وترمب كانت واحدة من أطول المحادثات في تاريخ العلاقات الروسية – الأميركية، حاول ترمب أن يظهر للناخبين قدرته على التفاوض في شأن عقد الصفقات الدولية الكبرى، لا سيما بعدما أظهرت استطلاعات الرأي العام في الولايات المتحدة أن 70 إلى 80 في المئة من الأميركيين يؤيدون إنهاء الصراع الأوكراني وتحسين العلاقات الأميركية مع روسيا، إلا أن بوتين على العكس من ذلك تفنن في التهرب من عقد أية صفقة لا تنهي الصراع الأوكراني لصالحه.

وعلاوة على ذلك تستعجل الإدارة الجمهورية الانتهاء من موضوع الأزمة الأوكرانية، لأنها تحتاج إلى حرية التصرف في مجالات أخرى تبدو ذات أولوية أعلى، على رأسها التصعيد في الشرق الأوسط والتفاعل مع إيران والمنافسة العالمية مع الصين، ولذلك فليس من المستغرب أن تُناقش أجندة الشرق الأوسط مع بوتين أيضاً.

ويشير دوداكوف إلى أن محادثات الزعماء بعد المكالمة تطلق ثلاثة مسارات للمفاوضات، الأول يتعلق بأوكرانيا، حيث لا يزال هناك كثير من التناقضات، والثاني يتعلق بالاقتصاد والعقوبات، والثالث يشمل قضايا أخرى على الأجندة الدولية من إيران وإسرائيل إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ والصين.

ومن جهته يلفت المتخصص الأميركي أليكسي نوموف الانتباه إلى أن نتيجة المحادثة بين الزعيمين متواضعة، لكنها الحد الأقصى الممكن في الوضع السياسي الحالي، "هدنة جزئية هي أقل مما اقترحه ترمب وحتى أقل مما اقترحه الأوكرانيون عليه، وإنشاء مجموعات عمل"، فالمعروف أن اللجان ومجموعات العمل هي مقبرة المشاريع، بما فيها تلك السياسية.

 

 

إن الخلافات الحالية كبيرة للغاية ومنهجية للغاية، ومواقف الأطراف متباعدة للغاية، إذ لا يمكن حلها بمكالمة هاتفية واحدة، وستبدأ المفاوضات على مستوى مجموعات العمل وعلى مستوى وزراء الخارجية والدفاع وعلى مستوى مستشاري الأمن القومي.

وبمجرد التوصل إلى حل لجميع الفروق الدقيقة التي حددها بوتين قبل الاجتماع مع ويتكوف مبعوث ترمب سيكون هناك لقاء شخصي وتوقيع وثائق، لكن روسيا ستستمر خلال هذا الوقت المكتسب في تعزيز تفوقها على أرض المعركة، من دون خوف من خطوات ترمب القاسية غير الودية.

ويتفق المتخصص السياسي دميتري إيغورشينكوف مع نوموف، ويعتقد أنه بعد مفاوضات الرئيسين أمكن التوصل إلى نتيجة موقتة، وهي استمرار الحوار وليس أكثر، فواشنطن لم تستطع تجاهل مطالب روسيا بإجراء دراسة مفصلة لوقف إطلاق النار المحتمل، وضرورة القضاء على الأسباب الجذرية للأزمة ومراعاة المصالح الأمنية الروسية، ولكن ترمب ومساعديه لا ينوون إلقاء اللوم على روسيا في "انهيار المفاوضات" أو عدم رغبتها في التحرك نحو السلام دبلوماسياً.

ويقول إيغورشينكوف "بوتين لا يحرق الجسور، وهو يدرك الفخ المعرفي والواقعي الذي وجد الرئيس الأميركي نفسه فيه، ويعطيه الأسباب للحديث عن النجاح والتقدم في المفاوضات"، ويعرب إيغورشينكوف عن ثقته بأن "هذا لن يؤدي إلى الإضرار بمصالح روسيا الحيوية وشرفها".

بوتين يسعى إلى توسيع الخلاف بين أميركا وأوروبا!

في وقت يتهرب فيه بوتين بحنكة ودهاء من توقيع صفقة مع ترمب لإنهاء الحرب الأوكرانية، يفهم الرئيس الروسي أن هناك تبايناً واضحاً بين موقف الولايات المتحدة وموقف أوروبا، إنهما يدفعان الآن خطتين مختلفتين للسلام ولم يُتفق عليهما.

وتأمل روسيا بطبيعة الحال، ليس فقط أن تتبنى الولايات المتحدة وجهة نظرها في شأن قضية نشر قوات أوروبية على الأراضي الأوكرانية بعد وقف إطلاق النار، ولكن أيضاً أن تلجم الدول الأوروبية عن تزويد أوكرانيا بالأسلحة والمعدات العسكرية.

ويبدو أن قضية نشر قوات حفظ سلام أوروبية في أوكرانيا هي القشة التي ستقسم ظهر البعير بين القارة العجوز وحاميها الأميركي بمظلته النووية، وستبقى كذلك، ولكن يبدو أن الولايات المتحدة تجهز بعض الهدايا.

 

 

وربما يكون هناك بالفعل اعتراف رسمي أميركي بشبه جزيرة القرم كأراض روسية، إضافة إلى فكرة أن تصبح مدينة أوديسا المهمة على البحر الأسود محايدة، أية مدينة ميناء حرة، حيث لن يكون هناك بنية تحتية عسكرية، ولن يدخلها أحد بالتأكيد.

لكن وعلى رغم تناقض المواقف بين بروكسل وواشنطن في شأن الحرب الأوكرانية، ذكرت وكالة "بلومبيرغ" أن مسؤولين أميركيين أبلغوا نظراءهم الأوروبيين أن الاتحاد الأوروبي سيتعين عليه أن يشارك في أي اتفاق سلام في شأن أوكرانيا.

ويرى الجانب الأميركي أن مشاركة الاتحاد الأوروبي ضرورية، لأن روسيا تريد رفع العقوبات المفروضة عليها في إطار أي اتفاق تقبل به، بما في ذلك العقوبات الأوروبية، لكن الوكالة ذكرت أن مسؤولين أميركيين نقلوا أخيراً إلى نظرائهم الأوروبيين رسالة مفادها بأن الأولوية هي إنهاء القتال في منطقة الصراع ومناقشة قضايا مثل التدابير الأمنية المحتملة لأوكرانيا بعد ذلك.

مصالح مشتركة!

من الواضح في الوقت الراهن أن المصلحة المشتركة بين الجانبين الأميركي والروسي تقتضي التوصل إلى نتيجة إيجابية لمحادثات السلام الخاصة بالأزمة الأوكرانية، هناك اهتمام واضح من كلا الجانبين، وترغب روسيا وأميركا في تطبيع العلاقات وتحقيق أقصى قدر من التقدم على هذا الخط من التطبيع حيثما كان ذلك ممكناً.

غير أن مفاوضات السلام ستكون المرحلة الأصعب، لأن هناك تفاصيل لا يتفق عليها الطرفان، على أية حال لا يمكن لهذه القصة أن تستمر إلى الأبد، فهناك الآن فرصة سانحة ينبغي لكل بلد أن يستغلها.

يمكن أن تكون الاتفاقات عامة جداً في الوقت الحالي، الأمر الرئيس هو الاتفاق على أن الصراع يجب أن يحل هذا العام، والباقي مجرد تفاصيل لكن الشياطين تكمن فيها، لقد مارست الولايات المتحدة ضغوطاً على أوكرانيا للتوصل إلى مثل هذا الاتفاق الجزئي البسيط، أما بالنسبة إلى روسيا فقد بذل ترمب وفريقه كل الجهود الممكنة تجاه فلاديمير بوتين، والآن بالنسبة إلى موسكو سيكون من الغريب جداً ألا تستغل الوضع وتحل قضية ليس فقط إنهاء الصراع في أوكرانيا، بل أيضاً إعادة ضبط علاقاتها مع الولايات المتحدة.

وهذا في الواقع هو الأهم، أي من الخاص إلى العام، بالنسبة إلى كثر، فإن الشيء الرئيس هو حل النزاع، ولكن بالنسبة إلى القيادة الروسية فإن الشيء الرئيس هو إعادة ضبط العلاقات مع الولايات المتحدة والتغييرات في النظام العالمي والتغييرات في مصالح الجانبين.

ومن الواضح أن كل طرف يفكر في نفسه، والأمر الرئيس هو ما ستخسره أوكرانيا نتيجة لذلك، وقد كتبت صحيفة "نيويورك تايمز" عن هذا "ما الذي ستكلفه الصفقة بين ترمب وبوتين، وما الذي ستخسره أوكرانيا؟"، وهذا يعني، أين حدود التنازلات التي سيتعين على أوكرانيا تقديمها من أجل إرضاء القيادة الروسية؟

ثمة أشياء من الواضح أن أوكرانيا لا تستطيع تحملها، على سبيل المثال نقل السيطرة على خيرسون وزابوروجيه إلى روسيا، أو نزع السلاح الكامل، وهذا يثير سؤالاً، التخلي عن "الناتو"؟ نعم.

وربما حتى الاعتراف بشبه جزيرة القرم، حسناً، سنرى، وبالنسبة إلى روسيا، فإن التعاون مع أميركا مهم للغاية أيضاً، لأنه من الواضح تماماً أنها تريد العودة إلى أسواق الهيدروكربونات الممتازة، وإعادة الشركات الأجنبية ورفع العقوبات، وكل هذا يتطلب مشاركة الولايات المتحدة.

وهناك أيضاً عامل الصين، وهي حذرة من التقارب الذي يحدث بين موسكو وواشنطن، وتميل إلى الاعتقاد بأن هذا التقارب سيكون بصورة أو بأخرى على حسابها اقتصادياً وسياسياً.

الصحافة الغربية تكشف فنون بوتين!

شكلت المحادثات الهاتفية بين بوتين وترمب في شأن تسوية الصراع في أوكرانيا، حدث النصف الثاني من مارس عالمياً، فتناولتها الصحافة العالمية بالتعليق والتحليل والتمحيص، لا سيما أن هذه المحادثة الهاتفية التي استمرت قرابة الساعتين ونصف الساعة هي المحادثة الثانية منذ تنصيب الرئيس الأميركي.

وذكرت شبكة "سي أن أن" الأميركية أن ترمب أعتقد أنه قادر على إقناع بوتين أو التفوق عليه بفن عقد الصفقات، لكن من الواضح أنه فشل في القيام بذلك، وفي أول مواجهة دبلوماسية مباشرة بينهما خسر الرئيس الأميركي، بحسب نيك باتون والش، كاتب المقال على موقع القناة التلفزيونية.

وقال "إن كلمة "لا" لا تعني "نعم" أبداً، بخاصة إذا كانت تعني "ربما"، أو "على الأرجح لا"، أو "فقط إذا"، وأضاف "في محاولتها الحقيقية الأولى للدبلوماسية العسكرية مع الكرملين تلقت إدارة ترمب درساً مؤلماً ومتوقعاً، كشف بوتين خدعة ترمب في شأن أوكرانيا وأعطى إدارته درساً مؤلماً كما كان متوقعاً، لقد أثبت الرئيس الروسي جدارته في عدم عقد الصفقات".

وكتبت "ذي ويك"، "هذه ثغرة لمصلحة لروسيا، إذ إن أوكرانيا لن تتمكن بعد هذا الاتفاق الجزئي من ضرب مصافي النفط الروسية، بوتين يهزم ترمب في لعبته الخاصة."

وقالت "ذا هيل" بعد المحادثة التي طال انتظارها بين الرئيسين، لم يعد هناك أي حديث عن وقف إطلاق نار كامل، ومع ذلك فإن التوافق على إنهاء الهجمات على البنية التحتية للطاقة من شأنه أن يمثل أول وقف لإطلاق النار في القتال منذ ثلاثة أعوام.

واعتبرت "يورونيوز" أنها الخطوة الأولى في "التحرك نحو السلام " الذي يأمل البيت الأبيض أن يؤدي إلى نهاية كاملة ودائمة للقتال".

وأشارت صحيفة "وول ستريت جورنال" إلى أن قبول بوتين بوقف جزئي للنار هو أول تنازل ملموس من روسيا يتلقاه ترمب في إطار مبادرته لحل الصراع سلمياً، فخلال المحادثات مارس ترمب ضغوطاً هائلة على كييف لتقديم تنازلات، لكنه في الوقت نفسه اكتفى بأن يعرض على الكرملين احتمال تحسين العلاقات وإنهاء العزلة الدولية.

واعتبرت "سكاي نيوز" أن غياب زيلينسكي عن طاولة المفاوضات يعني كثيراً، "إذا لم تكن

يالطا جديدة!".

يقارن عدد من الصحف العالمية المفاوضات الحالية بين بوتين وترمب بمؤتمر يالطا عام 1945، الذي أسفر عن تقاسم العالم وتحديد مواقع السيطرة والنفوذ في القارة العجوز، وتؤكد أن الموضوع الرئيس سيكون مسألة "ما الذي ستخسره أوكرانيا".

وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز" هناك دلائل تشير إلى أن ترمب يستعد لتقديم تنازلات للرئيس الروسي، أحدها هو قرار الولايات المتحدة الانسحاب من المجموعة الدولية التي تحقق في تصرفات القيادة الروسية في أوكرانيا، وفي المقابل هناك أخبار أخرى مثيرة للاهتمام فقد أصدر بوتين بعد محادثاته مع ترمب أمراً يسمح لصناديق عدة من الولايات المتحدة وبريطانيا ببيع الأوراق المالية الروسية.

فالمحادثة التي جرت بين بوتين وترمب اختبرت مهارات الرئيس الأميركي المزعومة في عقد الصفقات مع "المفاوض الصعب" بوتين، ونشرت صحيفة "بوليتيكو" "نصيحة" لترمب قبل محادثته مع الزعيم الروسي نقلاً عن بعض المسؤولين الأميركيين السابقين الذين تحدثت إليهم البوابة بأن يلغي الرئيس الأميركي المحادثة تماماً.

ونصحه بعضهم بتجنب توسيع الحوار ليشمل أسئلة أوسع حول البنية الأمنية بأكملها في أوروبا، ويعتقد آخرون أن ترمب، الذي كان متعاطفاً مع بوتين منذ فترة طويلة، يجب أن يرفض التحدث على الإطلاق، بحسب الصحيفة.

من دون أية صفقة أو التزام أقنع بوتين ترمب بالضغط على أوكرانيا لخفض قوام جيشها إلى 150 ألفاً، من دون الانضمام إلى حلف الناتو، كذلك بسحب قواتها المتبقية في مقاطعتي لوغانسك ودونيتسك، مع اعتراف الولايات المتحدة والأمم المتحدة باسترجاع روسيا شبه جزيرة القرم.

هذه كلها نتاج للتسويات الحالية التي يمكن البدء بإقرارها الإثنين في الـ24 من مارس الجاري إذ سيلتقي المفاوضون الروس والأميركيون في السعودية لمناقشة وقف جزئي لإطلاق النار في أوكرانيا.

المزيد من تقارير