ملخص
بعد الهبوط سيواجه رائدا الفضاء مهمة إعادة التكيف مع جاذبية الأرض، ومن المحتمل أن يتعاملا مع ضعف العضلات وإعادة ضبط السوائل ومشكلات التوازن الموقتة.
الفترات الطويلة في المدار يمكن أن تغير جسم رائد الفضاء بما في ذلك تغيير عضلاته ودماغه وحتى بكتيريا الأمعاء
ماذا يفعل قضاء أكثر من عام في الفضاء بجسم الإنسان؟
كشف الوقت الطويل الذي قضاه بعض رواد الفضاء على متن محطة الفضاء الدولية عن مدى اعتماد جسم الإنسان على ظروف الأرض للبقاء بصحة جيدة، إذ تضعف العظام والعضلات من دون الجاذبية وتتحرك السوائل بطرق تغيّر وظائف القلب والعينين، فيما يزيد الإشعاع من الأخطار طويلة المدى والتعرض للسرطان. كذلك يتعثر جهاز المناعة ويصبح النوم بعيد المنال، وحتى الهضم يتكيف بصعوبة مع تلك البيئة الغريبة. وفي هذا السياق أكدت عودة رائدي الفضاء سونيتا ويليامز وبوتش ويلمور أخيراً بعد أكثر من تسعة أشهر في المدار هذه التأثيرات، لكنها أيضاً دلت على مرونة أجسام رواد الفضاء خلال التحديات التي يواجهونها، بينما تساعد التمارين الرياضية والنظام الغذائي والتكنولوجيا في إدارة هذه التغييرات، فالجسم لا يتخلص تماماً من الإجهاد الشديد والآثار الجانبية الأخرى.
أسئلة علمية
ما هي أخطار قضاء كثير من الوقت في الفضاء؟ وماذا يفعل قضاء أكثر من عام في الفضاء بجسم الإنسان؟
علمياً يبلغ الطول القياسي لرحلة واحدة إلى الفضاء حالياً 437 يوماً، إلا أن الفترات الطويلة في المدار يمكن أن تغير جسم رائد الفضاء بما في ذلك تغيير عضلاته ودماغه وحتى بكتيريا الأمعاء. وبعد عودة رائدي الفضاء سونيتا ويليامز وبوتش ويلمور العالقين في المحطة الدولية منذ أشهر، أثيرت أسئلة كثيرة كان أهمها السؤال عن الفحوص الطبية التي سيخضعان لها وأثر قضاء تلك الفترة في مكان خارج الأرض على صحتهما. وفي هذا السياق نشرت مواقع عالمية عدة متخصصة في الفضاء ومن بينها موقع "ستارز إنسايدر" Stars Insiderالمهتم بقضايا الفضاء على الإنترنت أكثر من قصة تحت عنوان "ما هي أخطار قضاء كثير من الوقت في الفضاء؟"، وشرح الموقع المتخصص التعقيدات التي تقدمها الرحلة الاستكشافية البشرية إلى الفضاء، خصوصاً حين انطلق رائدا الفضاء في مهمة قصيرة مدتها ثمانية أيام مع سرد لأهم المشكلات التي واجهتهما بعد تعثر عودتهما للأرض سريعاً.
عالق في الفضاء
بدأت المشكلات مع رائدي الفضاء سونيتا ويليامز وبوتش ويلمور على متن الطائرة، إذ كانا يسافران على متن طائرة "بوينغ ستارلاينر" عندما واجهت المركبة الفضائية مشكلات في طريقها إلى محطة الفضاء الدولية(ISS) ، من بينها تسرب الهيليوم الذي يمنع الوقود من الوصول إلى المحرك وفشلت دفاعات عدة في العمل بصورة صحيحة، فتركت هذه الظروف رائدي الفضاء عالقين في محطة الفضاء الدولية. ولكن ما هي بعض الأخطار المحتملة على أجسامهم التي كانت تدور حول الأرض لفترة طويلة؟
جسم الإنسان في الفضاء
نشر موقع "نيوز سبيس إكونومي" (newspaceeconomy.ca) مقالة بعنوان "جسم الإنسان في الفضاء: الآثار الجانبية الطبية للوقت طويل الأمد في محطة الفضاء الدولية"، وجاء فيها أن قضاء أشهر على متن محطة الفضاء الدولية (ISS) يوفر نافذة فريدة على كيفية تكيف جسم الإنسان مع الحياة خارج الأرض، إذ يدور رواد الفضاء على ارتفاع 250 ميلاً تقريباً فوق الكوكب ويواجهون بيئة الجاذبية الصغرى التي تتحدى صحتهم الجسدية بطرق غير مرئية على الأرض، في حين أن محطة الفضاء الدولية توفر إعداداً خاضعاً للرقابة بمعدات متقدمة، فإن الغياب المطول للجاذبية إلى جانب عوامل أخرى مثل التعرض للإشعاع كلها تؤثر سلباً في الجسم. وتبحث هذه المقالة في الآثار الجانبية الطبية للإقامة الطويلة في المدار وتقسمها إلى مناطق تأثير رئيسة وتتضمن نظرة لعودة رائدي الفضاء الأخيرة بعد مواجهة ظروف غير متوقعة.
كثافة العظام وفقدان العضلات
أحد أكثر الآثار الملحوظة للوقت طويل المدى في الفضاء هو فقدان كثافة العظام وكتلة العضلات، إذ إن الجاذبية على الأرض تعمل كقوة ثابتة تحافظ على قوة العظام والعضلات. ومع ذلك في بيئة تفتقد إلى الجاذبية لم يكُن الجسم بحاجة إلى العمل ضد هذه القوة. ونتيجة بذلك تبدأ العظام بفقدان المعادن، بخاصة الكالسيوم بمعدل واحد إلى اثنين في المئة شهرياً، مما يؤدي إلى هشاشة العظام، وهي حال شائعة عند كبار السن، ولكنها تحدث بصورة أسرع في الفضاء. الوركان والعمود الفقري والساقان، أي المناطق التي تتحمل الوزن عادة، هي الأكثر تضرراً. وتواجه العضلات تحدياً مماثلاً فمن دون مقاومة منتظمة تضعف وتتقلص، ويكافح رواد الفضاء هذا من خلال ممارسة الرياضة لمدة ساعتين تقريباً يومياً باستخدام معدات متخصصة، ولكن حتى مع هذه الممارسات الرياضية لا يزال يحدث بعض فقدان العضلات، بخاصة في الساقين والظهر، وعندما يعودون للأرض فإنهم غالباً ما يكافحون من أجل الوقوف أو المشي.
تحولات السوائل وتغيرات القلب والأوعية الدموية
يحدث تغيير مذهل آخر لسوائل الجسم، فعلى الأرض تسحب الجاذبية الدم والسوائل الأخرى إلى أسفل وتجمعها في النصف السفلي من الجسم، ولكن في الفضاء لا يكون هناك سحب وتتحول السوائل إلى أعلى نحو الرأس والصدر، وغالباً ما يلاحظ رواد الفضاء وجوهاً منتفخة وأرجلاً أرق نتيجة ذلك وهي ظاهرة تسمى أحياناً "وجه القمر".
ويضع هذا التحول ضغطاً إضافياً على القلب والأوعية الدموية، مما يجبر نظام القلب والأوعية الدموية على التكيف. وبمرور الوقت لا يحتاج القلب إلى الضخ بقوة في بيئة تتمتع بجاذبية أقل، مما قد يؤدي إلى انخفاض طفيف في حجمه وكفاءته وينخفض حجم الدم أيضاً لأن الجسم يستشعر فائضاً من السوائل في المناطق العلوية ويشير إلى الكلى لإزالته. وهذه التكيفات ليست بالضرورة ضارة في الفضاء، لكنها تشكل تحديات عند العودة للأرض، فبالعودة للجاذبية الطبيعية من المحتمل أن يعاني رواد الفضاء الدوخة أو الإغماء عندما تعيد أجسادهم التكيف مع ضخ الدم ضد الجاذبية مرة أخرى.
ضعف البصر
وهناك قضية أقل وضوحاً ولكنها مهمة تتعلق بالعينين، فقد أبلغ بعض رواد الفضاء عن ضبابية الرؤية أثناء المهمات الطويلة أو بعدها، وهي حال مرتبطة بالتغيرات في الجمجمة والدماغ الناتجة من تحولات السوائل. ويمكن أن يؤدي الضغط المتزايد من السوائل التي تتحرك لأعلى إلى تسطيح الجزء الخلفي من مقلة العين، أو تغيير العصب البصري، أو حتى التسبب بتورم في الأنسجة المحيطة. وليس بالضرورة أن يتأثر كل رائد فضاء بذلك، ولكن بالنسبة إلى أولئك الذين يتأثرون يمكن أن تستمر التغييرات بعد عودتهم، مما يثير تساؤلات حول صحة رؤيتهم على المدى الطويل.
التعرض للإشعاع
خارج الغلاف الجوي الواقي للأرض والمجال المغناطيسي تقع محطة الفضاء الدولية في منطقة معرضة لمستويات أعلى من الإشعاع الكوني والشمسي، ويمكن لهذا الإشعاع المكون من جزيئات مشحونة من الشمس والنجوم البعيدة أن يخترق الجسم ويتلف الخلايا. وعلى مدى أشهر يزداد هذا التعرض، مما يفاقم خطر الإصابة بالسرطان في وقت لاحق من الحياة.
وأخيراً تسلط تجربة رائدي الفضاء الأخيرة الضوء من جديد على أخطار عدة متعلقة بالتعرض للجاذبية الصغرى لفترات طويلة، وبعد الهبوط سيواجه رائدا الفضاء مهمة إعادة التكيف مع جاذبية الأرض، ومن المحتمل أن يتعاملا مع ضعف العضلات وإعادة ضبط السوائل ومشكلات التوازن الموقتة وستراقبهم الفرق الطبية عن كثب لتقييم كيفية صمود أجسادهم خلال المهمة الطويلة بصورة غير متوقعة، مما يضيف بيانات قيّمة إلى فهمنا للقدرة البشرية على التحمل في الفضاء.