ملخص
"منذ اندلاع الصراع خرجت نحو 2500 حافلة من أصل 4 آلاف من الخدمة بسبب انعدام قطع الغيار والإطارات لصعوبة استيرادها من الخارج، وهو ما أحدث ضربة موجعة لقطاع النقل مما أدى إلى تعطيل نحو 70 في المئة من الشركات السفرية نتجت منها أزمات كثيرة ظلت تحاصرها قبل الحرب".
أدت الحرب المستعرة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" منذ اندلاعها في العاصمة الخرطوم منتصف أبريل (نيسان) 2023 إلى تراجع حركة النقل البري أكثر من 70 في المئة خصوصاً في الولايات الآمنة المتمثلة في البحر الأحمر والقضارف وكسلا ونهر النيل والجزيرة، في حين انحسرت في ولاية الخرطوم بصورة كبيرة، مما سبب أزمة مواصلات خانقة نتيجة ارتفاع أسعار الوقود وصعوبة الحصول على قطع الغيار وعدم فتح مسارات آمنة. وذلك في وقت تشهد مناطق النزوح في داخل البلاد وخارجها عودة طوعية لأعداد كبيرة من المواطنين للمدن والقرى التي تمكن الجيش من تحريرها أخيراً من قبضة "الدعم السريع".
وكانت منظمة الهجرة الدولية أفادت بأن نحو 426 ألفاً و738 مواطناً سودانياً عادوا إلى مناطقهم في ولايات الخرطوم والجزيرة وسنار خلال الفترة ما بين 18 ديسمبر (كانون الأول) 2024 والرابع من مارس (آذار) الجاري بعد رحلة معاناة امتدت لأكثر من عام في مناطق النزوح.
أزمة كارثية
وقال رئيس الغرفة القومية للمواصلات البرية أحمد الطريفي، إن "استمرار القتال بين الجيش و’الدعم السريع’ سبب أزمة مواصلات كارثية سواء المواصلات السفرية أو داخل المدن والقرى في ولايات السودان المختلفة حتى الآمنة منها".
وأضاف، "هذا الوضع كبد أصحاب الحافلات خسائر لا تحصى نظراً إلى تراجع حركة النقل مما قلص عدد الحافلات العاملة بنسبة 75 في المئة، والآن غرفة النقل بصدد تكوين لجان للوقوف على حجم الأضرار بصورة دقيقة".
وتابع الطريفي، "منذ اندلاع الصراع خرجت نحو 2500 حافلة من أصل 4 آلاف من الخدمة بسبب انعدام قطع الغيار والإطارات لصعوبة استيرادها من الخارج، وهو ما أحدث ضربة موجعة لقطاع النقل مما أدى إلى تعطيل نحو 70 في المئة من الشركات السفرية نتجت منها أزمات كثيرة ظلت تحاصرها قبل الحرب".
وزاد، "هذه الأزمة تسببت في تعطيل المبادرات الإنسانية المتمثلة في عودة النازحين الطوعية إلى مناطقهم، فهناك تنسيق ما بين أمانات الحكومات ومنظمة العون الإنساني في تسيير رحلات من بورتسودان وكسلا والقضارف وعطبرة باتجاه ولايتي الخرطوم والجزيرة في ضوء الانتصارات التي حققها الجيش واسترداده أجزاء واسعة من المناطق التي كانت في قبضة ’الدعم السريع’".
وأشار رئيس الغرفة القومية للمواصلات البرية إلى أن "قطاع النقل يعد بمثابة العمود الفقري لنقل الركاب، ومن المؤسف أن الصعوبات التي تواجهنا يتحمل نتائجها المواطن السوداني من خلال زيادة تعرفة المواصلات".
ضرائب باهظة
فيما أشار حسن عبدالجبار أحد التجار في مجال بيع الوقود بولاية البحر الأحمر، إلى أنه "من الطبيعي أن تكون هناك أزمة في المواصلات البرية نتيجة ارتفاع أسعار الوقود في الأسواق، بعد فرض الحكومة ضرائب باهظة على استيراده من الخارج، إذ تتحصل على الضرائب مسبقاً، فضلاً عن أن شركات الشحن رفعت قيمة الشحن للناقلات البحرية إلى أكثر من 10 آلاف دولار بسبب الحرب، إلى جانب ذلك نجد أن الناقلات لا تفضل العمل في موانئ بورتسودان لارتفاع كلفة عمليات الشحن والتفريغ".
واصل عبدالجبار، "هناك 48 مليون مواطن تأثروا بالنزاع، إذ من المعلوم أن الوقود عنصر أساسي في تحديد أسعار الغذاء، إضافة إلى كونه مرتبطاً بالنقل والزراعة والإنتاج".
ولفت التاجر إلى أن "ارتفاع كلفة الوقود انعكس سلباً على حركة المواصلات منذ أغسطس (آب) 2024، إذ تقطعت السبل بآلاف المواطنين الذين يودون مغادرة المناطق التي لا تزال تشهد نزاعاً نشطاً، إلى جانب تعطل انسياب عودة النازحين من معسكرات الإيواء بالسرعة المطلوبة بسبب مخاوف أصحاب المركبات السفرية من أخطار الطرق التي تسيطر عليها قوات ’الدعم السريع’".
تحديات وحلول
في حين أوضح مؤمن إبراهيم أحد الناشطين في مبادرات العودة الطوعية، أنه "منذ التطمينات الأولى التي بثها الجيش في نفوس النازحين، سارعت أعداد كبيرة للعودة إلى مناطقها في ولايتي الجزيرة والخرطوم عبر المبادرات الإنسانية التي أطلقها عدد من الخيرين، باعتبارها فرصة العودة المجانية خصوصاً بعد نفاد مدخرات معظم النازحين المالية وتردي أوضاعهم".
واستطرد إبراهيم قائلاً "يقوم المتطوعون بالتنسيق مع أصحاب المبادرات بحصر وتسجيل النازحين في مخيمات الإيواء وتنظيم صفوف المغادرين والإشراف على حاجاتهم حتى تكون عملية التفويج طبيعية".
وأشار الناشط المجتمعي إلى أن "أصحاب المبادرات الإنسانية يبذلون مجهودات كبيرة في تسيير الرحلات في ظل شح وغلاء الوقود، لا سيما أن البلاد لا تزال مثقلة بالحرب، لكن رغم ذلك فإن المساعي الطوعية ستستمر لتسهيل عودة النازحين إلى ديارهم".
تداعيات مستمرة
من جانبه قال المواطن إبراهيم يعقوب، أحد العائدين من ولاية القضارف شرق البلاد إلى مدينة أم درمان، "لقد عدت قبل شهر إلى منزلي في ضاحية الثورات بمدينة أم درمان الذي غادرته قبل عام ونصف العام نازحاً إلى ود مدني ثم القضارف بعد سيطرة ’الدعم السريع’ في أغسطس (آب) 2023، وكانت فترة النزوح من أصعب الفترات التي مرت عليّ وعلى أسرتي لانعدام أبسط مقومات الحياة في مراكز الإيواء لناحية عدم ملاءمة السكن وقلة وجبات الغذاء ونقص الخدمات".
وأوضح يعقوب، "كنت على يقين أننا سنصطدم بعقبات خطرة مجرد وصولنا إلى أم درمان تتمثل في المخاوف الأمنية وعدم وجود آليات تحمي المدنيين وتردي الاقتصاد ونقص الخدمات الأساسية، وبالفعل الحياة هنا محفوفة بالأخطار من الجوانب كافة، لكن ما يجعلنا نتحمل كل هذه المخاوف هو وجودنا في منزلنا الذي شيدناه بعد رحلة اغتراب امتدت لـ20 عاماً".
ومضى، "أكثر ما يقلقنا الآن انعدام المواصلات التي تشكل عقبة أمام حركة التنقل داخل مدن العاصمة، فالمواطنون الذين يعودون من النزوح سيلجأون للبحث عن مصدر رزق يعول أسرهم، وهو ما يجعلهم في حاجة إلى التنقل من مكان لآخر، ومن ثم فإن عدم توفر وسيلة مواصلات ستجعل حياة المواطنين في غاية من الصعوبة، خصوصاً أن هناك أعداداً كبيرة تستعد للعودة لمنازلها ولا تلتفت لأي صعاب مهما كانت، إذ كل همها الاستقرار في أرضها".
ونبه المواطن إلى أن "تداعيات الحرب لا تزال مستمرة، وأن تذليلها يقع ضمن مسؤوليات الدولة التي لا يمكن التنصل منها رغم انشغالها بالحرب، في وقت اختار كثير من المواطنين العيش تحت وابل الرصاص".