ملخص
هناك دول استعمارية لا يحكى عنها بقدر الكلام عن الاستعمار البريطاني والإسباني والفرنسي فما أهم تلك الدول؟
وفقاً لموسوعة "حكمة" وهي مجلة معنية بترجمة الأوراق الثقافية والفلسفية من الموسوعات العالمية والمجلات المحكمة، أن الاستعمار ليس بظاهرة حديثة، فتاريخ العالم مليء بالعديد من الأمثلة على مجتمعات امتدت وضمت إليها أراضي مجاورة، وقامت بتوطين سكانها بأرضٍ جديدة محتلة، وأشهر الأمثلة إقامة اليونانيين القدماء لمستعمرات كما فعل الرومان والبرابرة والعثمانيون، مما يعني أن الاستعمار ليس محدداً بوقت أو مكان معينين. غير أنه قد تغير كلياً في القرن السادس عشر بسبب التطورات التي لحقت بنظام الملاحة، والتي بدأت بربط مناطق نائية من العالم، فسرعة السفن المبحرة جعلت الوصول إلى الموانئ البعيدة ممكناً، وأن يكون صلة وصل بين المركز والمستعمرات. هكذا نشأ مشروع الاستعمار الأوروبي الحديث عندما أصبح من الممكن نقل عدد كبير من السكان عبر المحيط والمحافظة على السلطة السياسية على رغم التشتت الجغرافي. وبحسب نفس الموقع، هناك صعوبة في تعريف الاستعمار حيث أنه غالباً ما يستخدم كمرادف للإمبريالية. ويستخدم مصطلح الاستعمار في كثير من الأحيان لوصف المستعمرات في أميركا الشمالية ونيوزيلندا والجزائر والبرازيل، وهي أراضٍ أقام فيها عدد كبير من السكان الأوروبيين إقامة دائمة وسيطروا عليها. بينما يصف مصطلح الإمبريالية في الغالب تولي حكومة أجنبية إدارة منطقة من دون نشاط استيطاني كبير، ومن الأمثلة النمطية، التكالب أو التدافع على أفريقيا في أواخر القرن التاسع عشر، والهيمنة الأميركية على الفيليبين وبورتوريكو. غير أن الاختلاف ما بين هذين المصطلحين غير متسق كلياً مع المؤلفات الأدبية، فيفرق بعض الباحثين ما بين المستعمرات المخصصة للاستيطان والمستعمرات الناشئة بغرض الاستغلال الاقتصادي، واستخدم البعض الآخر مصطلح الاستعمار ليصفوا الملحقات التي تحكمها دولة أجنبية بشكلٍ مباشر وشرح تباينها عن الإمبريالية، حيث تتضمن الأخيرة أشكالاً غير مباشرة من السيطرة.
17 إقليماً لا يزال تحت الاستعمار
يشير مقال نشر على موقع "الأمم المتحدة" إلى أنه عندما أسست المنظمة عام 1945، كان نحو 750 مليون نسمة، أو ما يقرب من ثلث سكان العالم حينها، يعيشون في أقاليم تابعة لقوى استعمارية. واليوم لم يتبق من تلك الأقاليم سوى 17 إقليماً يعيش فيها أقل من مليوني نسمة. وظهرت موجة إنهاء الاستعمار، التي غيرت وجه المعمورة، مع ظهور "الأمم المتحدة" وتعد أول نجاح كبير لهذه الهيئة العالمية. ونتيجة لإنهاء الاستعمار حصل العديد من الأقاليم على الاستقلال وانضموا إلى الأمم "المتحدة". وأنشئ نظام الوصاية الدولي بموجب ميثاق "الأمم المتحدة" الذي يؤكد على مبدأ تقرير المصير، ويصف مسؤولية الدول عن الأقاليم الخاضعة لإدارتها باعتبارها "أمانة مقدسة" تسمو فيها مصالح سكان تلك الأقاليم على ما عداها. ومنذ إنشاء الأمم المتحدة، حصلت 80 مستعمرة سابقة على استقلالها. ويدخل في ذلك العدد، 11 إقليماً مشمولاً بالوصاية، وهي الأقاليم التي تحقق لها تقرير المصير من خلال الاستقلال أو الارتباط الحر بدولة مستقلة. وتواصل اللجنة الخاصة رصد الحالة في الأقاليم الـ17 المتبقية، وتعمل على تيسير تحررها من الاستعمار.
الإمبراطورية البرتغالية
تعرف إمبراطورية البرتغال باسم أعالى البحار البرتغالية، أو مجموع مستعمرات أعالي البحار والمصانع وأقاليم أعالي البحار لاحقاً، والتي كانت تحت حكم البرتغال. وكانت إمبراطورية البرتغال إحدى أطول الإمبراطوريات عمراً في تاريخ أوروبا، إذ امتدت قرابة ستة قرون من غزو سبتة بشمال أفريقيا عام 1415 وحتى تسليم ماكاو إلى الصين عام 1999. وكان ظهور الإمبراطورية في القرن الخامس عشر. ومع بداية القرن السادس عشر امتدت أراضيها حول العالم، بقواعد في أميركا الشمالية والجنوبية وأفريقيا، ومناطق عدة في آسيا وأوقيانوسيا. ومع صحوة حروب الاسترداد (Reconquista أي فترة سقوط الممالك الأندلسية العربية حتى القرن الثالث عشر) تمددت قوة مملكة البرتغال حول العالم، وبدأ البحارة البرتغاليون استكشاف ساحل أفريقيا والأرخبيل الأطلسي ما بين 1418-1419 مستفيدين من التطورات الأخيرة في الإبحار وعلم الخرائط وتقنيات الإبحار مثل الكارافيل (سفينة شراعية صغيرة ذات أشرعة مثلثة)، بهدف إيجاد طريق بحري لمصدر تجارة التوابل الرائجة. عبرَ بارتولوميو دياز (مستكشف برتغالي) رأس الرجاء الصالح عام 1488، كما وصل فاسكو دا غاما (أحد أشهر مستكشفي البرتغال) إلى الهند في 1498. وخلال عام 1500، وصل بيدرو ألفاريز كابرال إلى منطقة في أميركا الجنوبية ما ستصبح لاحقاً البرازيل، حيث وصلها في أبريل (نيسان) 1500، ثم أبحر مجدداً، واستطاع هذه المرة، أن يدور حول رأس الرجاء الصالح ويتجه إلى كالكوتا، في الهند، حيث أنشأ محطة تجارية برتغالية. ووفقاً لتقرير لشبكة "بي بي سي" نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، بعد فترة وجيزة من رحلة المستكشف البرتغالي فاسكو دي غاما حول رأس الرجاء الصالح عام 1497، عمل البرتغاليون على السيطرة على طرق التجارة في المحيط الهندي ودمروا سفن التجارة العربية التي كانت تنقل البضائع من الهند إلى سواحل عمان والخليج.
وبدأ التوسع والانتشار البرتغالي بحملات في ساحل أفريقيا الغربي جنوب الصحراء للحصول على السلع والعبيد. وقد بدأت مرحلة الاستعمار البرتغالي في شرق أفريقيا، مع وصول الرحالة الأوائل إلى تلك المنطقة منذ بداية القرن السادس عشر. وقد تمكنت البرتغال وبتشجيع من دي غاما من احتلال زنجبار والمدن الساحلية لتبدأ حقبة استعمار في ساحل شرق أفريقيا، استمرت ما يقرب من قرنين. ففي عام 1505، هاجم الأسطول البحري البرتغالي بقيادة فرانسيسكو دي ألميدا، الذي تم تعيينه حاكماً ونائباً للملك في الهند البرتغالية، سواحل زنجبار ومومباسا، فنهبوها وأحرقوا منازل السكان فيها، وقاموا بتدمير السفن الراسية في الموانئ ثم سيطروا عليها. وبعد أن سيطر البرتغاليون على ساحل شرق أفريقيا، وجهوا اهتمامهم صوب عُمان، التي كانوا يعتبرونها المنافس التجاري لهم في المحيط الهندي، فأرسل ملك البرتغال حملة بحرية بقيادة ألفونسو دي ألبوكيرك عام 1506 إلى جزيرة سوقطرة اليمنية واستولى عليها. وتقول دائرة المعارف البريطانية إن البرتغاليين استولوا على مسقط عام 1507 وسرعان ما سيطروا على الساحل العماني بأكمله. وبعد ذلك بعام استولوا على هرمز في مدخل الخليج. وقد أرسلت دولة المماليك في مصر والدولة العثمانية حملات بحرية للتصدي للبرتغاليين، ولكن من دون جدوى. وحقق البرتغاليون هدفهم بتأمين الطريق إلى الهند فوصلوا إلى غوا (Goa)، التي باتت لاحقاً مركز إمبراطوريتهم في الشرق، في عام 1510. وبعد أن استولى عليها ألفونسو دي ألبوكيرك باتت غوا بمثابة القاعدة البرتغالية الرئيسية في الشرق لمدة أربعة قرون ونصف. وكان لقدوم البرتغاليين إلى الهند أسباب متعددة، أهمها الحصول على كميات من التوابل القيمة، مثل الفلفل الأسود والهيل الأخضر، والعودة بها إلى بلادهم، بجانب نشر المسيحية.
الإمبراطورية الهولندية
الإمبراطورية الهولندية هي أكبر المستعمرات بعد إسبانيا والبرتغال. كانت هولندا تابعة للتاج الإسباني منذ القرن السادس عشر، عام 1566 ثار الهولنديون ضد الأسبان وحصلوا على استقلالهم فاستغلوا براعتهم التجارية في نقل البضائع بين الشرق والغرب. واستفادوا من ضعف المراكز البرتغالية والإسبانية فاستولوا على جزر الصوند وعلى الملايو حيث أقاموا مراكز محصنة، وأخذت سفنهم تنطلق منها إلى سومطرة وجزر الهند الشرقية (إندونيسيا الحالية) كما استولوا على سيلان ومحطة الكاب في أقصى جنوبي أفريقيا، وبعض جزر الأنتيل وعلى جزء من شواطئ غيانا في أميركا الجنوبية، كما أسسوا مستعمرة في أميركا الشمالية هي نيو أمستردام التي سميت في ما بعد نيويورك، كما كانت لهم مراكز تجارية على سواحل الهند.
الإمبراطورية البلجيكية
تكونت الإمبراطورية البلجيكية من ثلاث مستعمرات كانت تملكها بلجيكا في الفترة ما بين 1901 و1962، وهذه المستعمرات هي، مستعمرة الكونغو البلجيكية (جمهورية الكونغو الديمقراطية)، ومستعمرتي رواندا وبوروندي. وخلافاً للقوى الاستعمارية الأوروبية الكبرى التي أسست امبراطوريات تحت سيطرتها في مناطق عدة، كانت 98 في المئة من الأراضي التي تملكها بلجيكا في مستعمرة واحدة فقط، هي الكونغو البلجيكية (أكبر من بلجيكا نفسها بحوالى 76 مرة). ونشأت الكونغو البلجيكية باعتبارها ملكية خاصة لملك البلاد، ليوبولد الثاني، ويُعرف باسم "جزار الكونغو"، حيث مات ملايين الأفارقة نتيجة لوحشية حكمه. سيطرت بلجيكا على مستعمرتين خلال تاريخها، الكونغو البلجيكية (جمهورية الكونغو) منذ 1908 وحتى 1960، وكاتانغا، وهي إقليم تحت علم الكونغو، ورواندا–أوروندي (رواندا وبرونودي) منذ 1922 وحتى 1962. امتلكت بلجيكا أيضاً تركات صغيرة في الصين، وشاركت في إدارة منطقة طنجة الدولية في المغرب.
القيصرية الألمانية
يطلق على القيصرية أحياناً الرايخ الثاني وهي إمبراطورية تأسست عام 1871 بعد اتحاد الدول الألمانية وتنصيب ملك بروسيا فيلهلم الأول قيصراً للألمان. تعاقب على حكم القيصرية الألمانية القيصر فيلهلم الأول المؤسس منذ عام 1871 حتى عام 1888، ثم فريدريش الثالث وحكم أقل من عام 1888 ثم فيلهلم الثاني حتى عام 1918 حين تحولت ألمانيا إلى جمهورية اتحادية (جمهورية فايمار) بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى. تكونت القيصرية الألمانية من 27 مقاطعة أساسية، حكمت بواسطة العائلات المالكة في معظم الأحيان. وفي حين أن مملكة بروسيا كانت الأكثر سكاناً والأكبر مساحة في الإمبراطورية إلا أن القيادة البروسية للدولة لم تستمر طويلاً، وحلت محلها القيادات الألمانية. تحولت الإمبراطورية الألمانية بشكل متأخر نسبياً إلى قوة استعمارية فاحتلال ألمانيا لأولى المناطق في أفريقيا لم يبدأ إلا عام 1880 وبعد الخسارة في الحرب العالمية الأولى اضطرت ألمانيا لترك تلك المناطق. وعملاً بمؤتمر برلين عام 1884، أنشئت المستعمرات رسمياً على الساحل الغربي الأفريقي، في المناطق التي كان يسكنها المبشرون والتجار الألمان. وفي العام التالي، أُرسلت زوارق حربية إلى شرق أفريقيا للطعن في ادعاءات سلطنة زنجبار بسيادتها على البر الرئيسي في ما هو اليوم يعرف باسم تنزانيا. وسرعان ما أصبحت بوروندي والكاميرون وناميبيا ورواندا وتنزانيا وتوغو مستعمرات مربحة. وقد شكلت هذه البلدان الستة الوجود الأفريقي لألمانيا في عصر الإمبريالية الجديدة، حيث تم غزوها واحتلالها إلى حد كبير من قبل القوات الاستعمارية لقوى الحلفاء خلال الحرب العالمية الأولى، وفي عام 1919، تم نقلها من السيطرة الألمانية من قبل عصبة الأمم المتحدة وتقسيمها بين بلجيكا وفرنسا والبرتغال وجنوب أفريقيا والمملكة المتحدة. وكانت كل من أوغندا وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد وغابون وغانا وكينيا وموزامبيق ونيجيريا تحت سيطرة ألمانيا في مختلف نقاط وجودها.