Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سودانيون على طريق "النزوح الأبدي": أين آخر الفرار؟

يشدون رحالهم للمرة الثالثة أمام توسع الصراع ويخوضون معركة أخرى من أجل البقاء في بلادهم

يعيش هؤلاء أوضاعاً إنسانية قاسية، وخصوصاً الأطفال وكبار السن وذوي الحاجات وأصحاب الأمراض المزمنة (أ ف ب)

ملخص

عانوا مشقة النزوح مجدداً فراراً من ويلات الحصار والانتهاكات

على رغم الوساطات الجارية لوقف الحرب الدائرة في السودان بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، التي اندلعت شرارتها الأولى منتصف أبريل (نيسان) الماضي، واتساع رقعتها لتشمل مدن الولايات الآمنة، فإن المواجهات بين الطرفين لا تزال مستمرة، مما أدى إلى تصاعد موجة النزوح والهجرة القسرية للمواطنين سيراً على الأقدام قاصدين ولاية سنار، بعد سيطرة "الدعم السريع" على مدينة ود مدني حاضرة ولاية الجزيرة منتصف ديسمبر (كانون الأول).

ويعيش هؤلاء أوضاعاً إنسانية قاسية، وخصوصاً فئات الأطفال وكبار السن وذوي الحاجات الخاصة وأصحاب الأمراض المزمنة، حيث عانوا مشقة النزوح مجدداً فراراً من ويلات الحصار والانتهاكات نحو ولايات جديدة بعد انتقال الحرب إلى ولاية سنار التي تيقن النازحون من أنها لم تعد الملاذ الآمن، فضلاً عن سوء معسكرات الإيواء بالولاية التي تعاني النقص الحاد في الغذاء وعدم توفر المياه الصالحة للشرب، إلى جانب التكدس وانتشار الأمراض من التهابات ونزلات برد مع حلول الشتاء، إضافة إلى عدم توفر الأغطية اللازمة للتدفئة.

معظم النازحين اختاروا وجهات جديدة نحو ولايات الشرق، التي يتمنون أن تكون نهاية المطاف لرحلة نزوحهم، في وقت تشهد فيه هذه الولايات حالة استنفار شعبي تتمثل في حملات المقاومة لصد هجوم "الدعم السريع" الذي تترقبه الأنظار، فضلاً عن مجهودات النازحين داخل المعسكرات الذين تغلبوا على صدمة الحرب محاولين الخروج من الإحباطات النفسية والاندماج في مجتمع جديد من أجل استمرار الحياة وتأمين حاجاتهم بعد نفاد مدخراتهم المالية.

آمال وتطلعات

المواطن مجاهد علي، الذي نزح برفقة أسرته من منطقة الصالحة بأم درمان عقب اندلاع حرب الخرطوم، قال إن نزوحهم إلى مدينة ود مدني جاء بعد خروج مستشفيات الخرطوم من الخدمة، بخاصة أن شقيقه الأصغر كانت أجريت له عملية جراحية في الرأس تتطلب المتابعة، حيث تم نقل الكوادر الطبية إلى ولاية الجزيرة، إلى جانب الاستقرار وإيجاد أعمال للإيفاء بالمتطلبات اليومية وتوفير الأدوية اللازمة. وأضاف "تجدد نزوحنا للمرة الثانية إلى مدينة سنار بعد تمدد الحرب بولاية الجزيرة، وبعد طمأنينة لم يمض عليها سوى أيام قليلة، سمعنا دوي الرصاص والانفجارات وأعمدة الدخان المتصاعدة، ولحظتها تيقنا بأننا سنواجه خطر نزوح للمرة الثالثة، وبالفعل حدث ذلك، حيث فضلنا أن تكون وجهتنا الجديدة شرق البلاد لبعدها جغرافياً عن مناطق الصراع الحالي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع مجاهد، "استمرار العمليات العسكرية بين القوتين المتحاربتين أدى إلى فرار الآلاف من المواطنين نحو ولايات الشرق يرافقهم الأطفال والمسنون وأصحاب الأمراض المزمنة التي تشكل رحلات النزوح خطورة على حياتهم، ففي معسكرات الإيواء بهذه الولايات استطاع النازحون التغلب على صدمة الحرب والخروج من الإحباطات النفسية المدمرة، وبدأوا في توفيق أوضاعهم بعيداً من مجهودات الدولة الهشة مع منظمات شبابية شكلت سنداً مهماً للنازحين، إذ قاموا بتكوين فرق من الذين سبق لهم العمل المجتمعي لحلحلة المشكلات التي تواجه المواطنين، بخاصة السلع الغذائية، إلى جانب جمع التبرعات من المجتمع المحلي".

وواصل قائلاً، "نأمل في أن يكون اختيارنا لولاية القضارف نهاية المطاف لرحلة معاناة دامت تسعة أشهر على رغم الخوف والقلق والترقب من وصول قوات الدعم السريع إلى هذه الولايات، ونتمنى أن يجد أشقاؤنا المتابعة الطبية والأدوية المنقذة للحياة، فبفقدها يصبح أصحاب الأمراض الأخرى كالفشل الكلوي والسرطانات والقلب عرضة للموت".

تكافل اجتماعي

أما هدى، وهي الابنة الكبرى لأسرة عبدالرحمن سعيد التي نزح أفرادها إلى ولاية كسلا، فأفادت أن نزوحهم تجدد ثلاث مرات، وأصبح صوت الطائرات الحربية المقاتلة والقصف المدفعي والانتهاكات والعنف ومشاهد الجثث والدماء مرافقة لهم في وقت ينشدون فيه الاستقرار، مؤكدة أنه لو كانت بحوزتهم أموال كافية لنزحوا إلى خارج حدود البلاد بعيداً من العدائيات التي تسببت في هلاك السودان. وأشارت إلى أنهم لجأوا إلى أحد مراكز الإيواء في الولاية التي فتحت نحو 160 معسكراً لاستقبال النازحين بمختلف فئاتهم العمرية ومستوياتهم التعليمية، حيث حظوا باهتمام من قبل المشرفين على المركز في ظل وجود منظمات مجتمعية ودولية أسهمت في استقرار النازحين من خلال توفير جميع الحاجات الأساسية من غذاء ومياه صالحة للشرب ومعقمات، لا سيما أن هذه الولايات تعاني انتشار الأمراض والأوبئة المعدية، إلى جانب وجود متطوعين يقومون بنقل المرضى بسياراتهم الخاصة من المركز إلى المستشفيات، إضافة إلى أن وجود عدد من النشطاء والمثقفين في هذا المركز أسهم في إيجاد منابر ثقافية وفكرية تتناول مختلف القضايا الممتعة.

ولفتت هدى إلى أن "الانسجام الذي حدث بين أسر النازحين خفف عنهم وطأة المعاناة والمصير المجهول، كما ضم المركز مجموعة من الفتيات المبدعات اللاتي يرسمن البسمة على شفاه الأطفال ويخلقن أجواءً ترفيهية تحت ظلال الأشجار"، موضحة أن هناك عدداً من النساء تطوعن لإعداد الطعام من مواد المساعدات الإغاثية التي يقدمها عدد من المنظمات والخيرين من التجار، وهو ما خلق نوعاً من الألفة وسط مجتمع مركز الإيواء.

تطويع الظروف

في هذا السياق أوضحت المتخصصة في مجال الصحة النفسية والاجتماعية أسماء جمعة أن "الطبيعة البشرية أينما وجدت تصارع من أجل البقاء، ويمكن أن تتجاوز صدمات الكوارث والحروب بالانتقال إلى أمكنة جديدة أكثر أمناً وسلامة، ومن ثم تطويع الظروف للمحافظة على حياتهم، فيبحثون عن المأوى ومصدر الرزق، ثم التهيئة النفسية والسعي لخلق الاستقرار والاندماج في المجتمعات ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً".

وأشارت جمعة إلى أن النزوح المتواصل بعيداً من الصراعات واختلاف المكونين العسكريين من دون أن تلوح حلول في الأفق، أدى إلى استشعارهم المسؤولية لتجاوز محنة الحرب، فالنازحون الذين استقروا بشرق البلاد وضعوا الخطط التي من شأنها انتشالهم من المعاناة الاقتصادية والأوضاع التي فرضتها الحرب، لا سيما أن هذه المجتمعات التي انتموا إليها سودانية ويتقبل بعضها بعضاً، لذلك كان من السهل توفيق أوضاعهم وتوفير أعمال وأنشطة يمارسونها، بخاصة أن النزوح المتكرر أدى إلى نفاد مدخراتهم المالية فضلاً عن عدم صرف الرواتب للعاملين بالدولة.

ونوهت المتخصصة النفسية والاجتماعية بأن "غالب النازحين من حرب الخرطوم، والذين ظلوا في حال تنقل من منطقة لأخرى، كلما هددهم الخطر ستلازمهم هذه المعاناة لسنوات طوال بخاصة أنهم لم يكونوا مهيئين لهذا الوضع".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير