Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
يحدث الآن

باموك عن هوغو: كاتب المدينة بامتياز على رغم تعظيم نزعته الذاتية

أدباء عالميون يتذكرون صاحب "نوتردام دي باري" و"البؤساء" في المئوية الثانية لولادته

أورهان باموك وفكتور هوغو: نوع من إعادة نظر في المئوية الثانية (اندبندنت عربية)

ملخص

في نظر باموك هناك ما ميز رؤية هوغو الميلودرامية التي يمكن كذلك رصدها لدى دوستويفسكي كرؤية ترى المدينة بوصفها حيزاً قذراً وعتماً يتجمع فيه البؤساء والمتروكون لمصيرهم.

عند بدايات عام 2002 ولمناسبة الاحتفال بالمئوية الثانية لولادة الكاتب الفرنسي الأشهر في العالم أجمع، فكتور هوغو (1802)، نشرت مجلة "نوفيل أوبسرفاتور" الفرنسية بدورها، ملفاً خاصاً طلبت فيه من عدد من كتاب العالم، ومن بينهم مؤلفة فرنسية واحدة هي المؤرخة منى أوزوف، تحديد موقع صاحب "نوتردام دي باري" و"البؤساء" في الخارطة التاريخية للأدب العالمي، وكيف يمكن أن تكون اليوم النظرة إليه، وهو الذي أوضح لنا الملف أنه يعتبر دائماً الكاتب الأكثر شعبية في تاريخ بلاده وربما في التاريخ الأوروبي، إلى جانب شكسبير شاعر الإنجليز ومسرحيهم الأكبر، وكذلك بالنسبة إلى تأثيره في أدبهم الخاص.

كان من بين أولئك الكتاب التركي أورهان باموك الذي لم يكن، بعد، قد أضحى واحداً من الحاصلين على جائزة نوبل الأدبية، لكنه كان قد بات معروفاً في أنحاء عدة من العالم بروايات مترجمة إلى كثير من اللغات وانطلاقاً من ترجماتها الفرنسية في معظم الأحيان، ومن بينها "الكتاب الأسود" و"ثلج" و"اسمي أحمر"، وكذلك بانفتاحه على الآداب العالمية وفي طليعتها الأدب الفرنسي ومواقفه السياسية الحادة تجاه المنظومات المتعاقبة على الحكم في بلاده عبر وقوفه الذي غالباً ما دفع ثمنه غالياً، إلى جانب قضايا "الأقليات" المضطهدة ولا سيما منها الأكراد والأرمن، من قبل تلك المنظومات في بلده.

كتب باموك للمناسبة نصاً عن فكتور هوغو بناء على طلب المجلة الفرنسية، بدا حينها ملفتاً بصورة استثنائية، وهو بدأ نصه بالقول إن "هناك مؤلفين نعتز بهم لكتابتهم نصوصاً رائعة، تجعل من ذلك الاعتزاز نمطاً للعلاقة المثالية والأكثر نقاء بين الكاتب وقرائه، كما أن هناك كتاباً آخرين يثيرون اهتمامنا بفعل حكايات حياتهم ومواقفهم ككتاب والمكانة التي يشغلونها في التاريخ، وفكتور هوغو هو بالنسبة إليّ واحد من هؤلاء الأخيرين".

المدينة في حياة كاتب

إذ يحدد باموك هذه الجزئية يستطرد قائلاً إنه منذ صباه الباكر اكتشف فكتور هوغو بوصفه رومانسياً وأحب طريقته في أن يظهر حساسيته تجاه الكيمياء التي تربطه بالمدن الكبرى، كما بقدرته على الانبهار بالمسرح الواقعي الذي تمثله حياة الشارع، وأسلوبه في تصوير المدينة كمكان للقاء بين أشياء ومخلوقات ليس ثمة بينها علاقات مباشرة.

وكمثال على هذه الجزئية الأخيرة يذكر باموك أن هوغو، ومنذ عام 1832 "فيما كان الباريسيون يتقاتلون خلف المتاريس، لم يفته أن يلاحظ في طريقه ضجة صالات البلياردو في الجانب الآخر من الشارع"، ثم إن هناك، في نظر باموك أيضاً ما ميز رؤية هوغو الميلودرامية "التي يمكن كذلك رصدها لدى دوستويفسكي، كرؤية ترى المدينة بوصفها حيزاً قذراً وعتماً يتجمع فيه البؤساء والمتروكون لمصيرهم، وهي رؤية يمكنني القول إنني قد خضعت أنا نفسي لتأثيراتها حين كنت شاباً".

 

 

ويخبرنا باموك هنا أنه لاحقاً وإذ راح يتقدم في العمر بدأ يشعر أن صوت هوغو المنتفخ وغير الحقيقي يزعجه، وكان ذلك على أية حال، رد فعله على بعض صفحات رواية هوغو "ثلاثة وتسعون" يصف فيها الأثر الذي أحدثه انفجار قذيفة مدفعية على سفينة كانت تعاني عاصفة عاتية، وفي هذا السياق يذكرنا باموك كيف أن فلاديمير نابوكوف لم يتوان في إحدى رسائله، عن انتقاد فوكنر انتقاداً حاداً لكونه قد تأثر أسلوبياً بفكتور هوغو... بالنسبة إلى استخدامه الفصاحة والمبالغة الدرامية بغية أن يبدو هو نفسه منتفخاً في مواقفه!

عن التزام الكاتب

غير أن باموك، إذ يحدد سلبيات يرصدها لدى هوغو، ينتقل إلى الحديث عما يراه من إيجابيات لديه فيقول إن الكتاب يدينون إلى صاحب "البؤساء" بما نقله إليهم من اعتزازه بفكرة الالتزام، أي التسيس الذي يتبناه "الكاتب الكبير" و"جعل نفسه في صف العدالة والحقيقة"، وهو بالنسبة إلى الكاتب التركي "أمر في غاية الأهمية بل تبدو أهميته مطلقة في حضورها منذ إميل زولا إلى جان بول سارتر الكاتبين اللذين سارا في هذا المجال على خطى هوغو، وليس فقط بالنسبة إلى المثقفين الفرنسيين إنما كذلك وبخاصة بالنسبة إلى الأوساط الثقافية في العالم كله".

يرى باموك هنا أنه لئن كان هذا الموقف نابعاً أصلاً من رغبة في تبني تعظيم للذات كان هوغو نفسه على شعور غامر به، فإنه في الحقيقة قد تمكن من الوصول إليه حقاً، ليجعل منه نوعاً من رمز حي خلال حياته فبات علامة أساسية على مروره الصاخب في التاريخ بعد رحيله.

حتى وإن كان في الإمكان القول إن هذا الوعي بـ"عظمة الذات" في كل لحظة يقوم فيها الكاتب بأدنى تصرف أو يدلي بأي كلام كبير في المجالين الأخلاقي والسياسي، لا يمكنه إلا أن ينتهي إلى إغاظتنا "ترى أفلا يصرح هوغو نفسه في مكان ما وتحديداً في سياق تحليله عبقرية شكسبير، بأن التصنع إنما هو الخطر الدائم الذي يحيق بالعظمة"؟ يتساءل باموك هنا.

غير أنه سرعان ما يستدرك باموك قائلاً "ومع ذلك فإن عودة هوغو المظفرة من منفاه السياسي، كما موهبته في مجال التوجه بالخطاب إلى مجموع الأمة، وقدرته الاستثنائية على توطيد مكانة أبطال رواياته وإحيائهم في مخيلة أوروبا بأسرها وفي الحياة الأدبية للعالم كله، كل هذا يسبغ على فكتور هوغو، بعد كل شيء وعلى رغم كل شيء، أصالة لا مراء فيها...".

أين هوغو في فرنسا اليوم؟

أخيراً هنا، إذ يوضح أورهان باموك موقفه مما يراه سلباً أو إيجاباً أو حتى الاثنين معاً في نظرته إلى فكتور هوغو، ينتقل في خاتمة كلامه إلى رسم تصوره للعلاقة بين الكاتب المفضل لدى الفرنسيين والإبداع الفرنسي نفسه، ليقول لنا إنه يرى أن كل تلك التصورات التي أبداها تجاه صاحب "البؤساء" إنما يتعين ربطها بـ"كون فرنسا هي بالتأكيد ذلك البلد الذي دائماً ما عاش وتحرك في مركز الطليعة من التجارب التاريخية التي تعيشها البشرية، ففي النهاية ومهما كان من شأن النزعات الشوفينية الضيقة التي أبداها عدد من كبار الكتاب الفرنسيين في مرحلة أو أخرى من مراحل تاريخهم، فإن الواقع يقول لنا إنهم نادراً ما توجهوا بخطابهم إلى الفرنسيين وحدهم، بل إن خطابهم يتوجه دائماً إلى الإنسانية جمعاء.

غير أن المؤسف اليوم هو أن هذا لم يعد مؤكداً، إذ حتى في هذه الاحتفالات التي تكرس اليوم لذكرى واحد من كبار الكتاب المبدعين الفرنسيين، لا ينبغى أن يفوتنا ما يمكن ملاحظته من أن الاحتفالات نفسها ترتدي طبعاً يعبق بحنين ما إلى شيء مضى... إلى حنين لشيء لم يعد موجوداً".

مآخذ من داخل البيت

في هذا السياق ربما لا يفوت متابع أدب أورهان باموك الذي لا بد من التذكير بأن فرنسا كانت هي المبادرة إلى ترجمته إلى لغتها قبل أن يُعرف في أي مكان آخر من العالم وفي أي لغة، ربما لا يفوته أن صفحات كثيرة من روايات باموك، منذ "جودت بيه وأولاده" وصولاً إلى رواياته ونصوصه الأخيرة الكثيرة مروراً بـ"ثلج" و"اسمي أحمر" وحتى "متحف البراءة" وغيرها تبدو دائماً مطبوعة بحضور فرنسي ثقافي، على غرار ذلك الحضور مثلاً لشخصية راستنياك البلزاكية التي نراها حاضرة في الأقل بالقسم الثاني من رواية باموك الأولى "جودت بيه"، علاوة على ضور قوى للفنون الفرنسية وللكتاب الفرنسيين في معظم صفحات كتابه عن إسطنبول، وهو أمر يتيح لباموك ومنذ بدايات القرن الجديد الذي يمكن اعتباره واحداً من كبار كتابه أن يطلق تلك المآخذ على الوضع الراهن للثقافة الفرنسية، رابطاً إياها بذكرى فكتور هوغو الذي لم يفته في مناسبات عديدة أخرى أن يعتبره واحداً من أساتذته الكبار في الفن الروائي وقدوة له في مجال الالتزام السياسي للمبدعين.

المزيد من ثقافة