Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حوادث السير في المغرب "نزف للدماء والجيوب"

تتجاوز خسائرها ملياري دولار وفقد الآلاف حياتهم ووظائفهم سنوياً

المغرب يسجل خسائر بشرية واقتصادية فادحة جراء حوادث السير سنوياً (أرشيفية - أ ف ب)

ملخص

وقعت 113 ألفاً و740 حادثة سير في المغرب خلال عام 2022 فقد فيها 3201 شخص حياتهم وأصيب أكثر من 8 آلاف آخرين بإصابات خطرة

"لا تخلو ليالٍ من الكوابيس، يطاردني مشهد وفاة ابنتي الرضيعة، وتتجدد مشاعر الفقد والألم وكأنها حدثت للتو"، كلمات قاسية استعادت بها الشابة المغربية جهاد الكرماط ذكرى مؤلمة لحادثة سير ألزمتها كرسياً متحركاً، وخسرت حياة رضيعتها ذات الـ3 أشهر، كما منيت بالطلاق وهي على فراش المرض.

بعد ست سنوات من حادثة السير المميتة تقول الكرماط لـ"اندبندنت عربية" إنها لم تستعد صحتها كاملة، فلا تزال الدعامات الحديدية تستقر في إحدى ساقيها، وتضطرها العظام الرافضة للالتئام إلى إجراء عمليتين جراحيتين كل سنة، كان آخرها ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع صحي لم تعد تقوى معه الشابة المغربية على العمل، وباتت تغادر المؤسسات التي تشتغل فيها بعد أشهر قليلة، متسائلة "كيف يمكنني أن أداوم لثماني ساعات متواصلة بساق لم تلتئم عظامها، وتوصيات طبية بالابتعاد عن الإجهاد، والخضوع لحصص الترويض الفيزيائي؟".

حرب غير معلنة

الكرماط واحدة من بين عشرات الآلاف من ضحايا حوادث السير في المغرب، ففي عام 2022 فقط، وقعت 113 ألفاً و740 حادثة سير، خسر خلالها 3201 شخص حياتهم وأصيب 8 آلاف و90 آخرون بإصابات خطرة، بينما جرى تسجيل 153 ألفاً و486 إصابة خفيفة، وفق ما كشفت عنه معطيات رسمية لـ"الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية".

وبلغت الخسائر الاقتصادية 19.5 مليار درهم (ملياري دولار أميركي)، ما يمثل 1.69 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للمغرب.

أرقام وصفها المحلل الاقتصادي علي الغنبوري بـ"خسائر بشرية واقتصادية فادحة وهدر لنقطتين من معدل النمو الاقتصادي وتخريب للبنية التحتية والطرق والتجهيزات وتأثير سلبي في قدرة الضحايا على العمل والإنتاج".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى فداحة حصيلة القتلى والمعطوبين عام 2022، خرج وزير النقل واللوجيستيك المغربي محمد عبدالجليل ليؤكد قبل أسبوعين أن عدد القتلى خلال الأشهر الـ10 الأولى من العام الماضي (2023) ارتفع 9.5 في المئة مقارنة مع الفترة نفسها من العام السابق لها.

ولعل المؤشرات المتصاعدة مع تعاقب السنوات دفعت الغنبوري إلى التعبير عن مخاوفه من التأثيرات الاقتصادية التي تشكل عبئاً إضافياً، بخاصة في فترة الأزمات حين يواجه الاقتصاد مشكلات أكبر.

لا صحة... لا عمل

في غضون ذلك قال وزير النقل المغربي إن المعطيات الإحصائية لحوادث السير لسنة 2022 سجلت ارتفاعاً في عدد قتلى فئة الدراجات بمحرك 31.14 في المئة، في وقت كشفت فيه إحصاءات "الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية" أن 40 في المئة من مجموع وفيات حوادث السير بالمغرب هم من مستعملي الدراجات النارية.

صحيح أن عبدالكريم صادوق (28 سنة) ممتن لأن حادثة الاصطدام بين دراجته النارية وإحدى السيارات لم تود بحياته، لكنه مستاء أن يده اليمنى فقدت حركتها ومعها عمله بأحد معامل الخياطة نواحي مدينة الدار البيضاء.

مرت 3 سنوات على حادثة السير تغيرت فيها حياة الشاب وصار عالة على والديه وعاد ليعيش في بيت العائلة بعد أن كان عائل أسرته، قائلاً بإحباط "لا أعرف لي حرفة أتقنها سوى الخياطة، لا عمل، ولا صحة، ووالدي من ينفق على أسرتي".

ما وقع مع صادوق دفع المتخصص في الشأن الاقتصادي محمد جدري إلى التأكيد أن من بين التأثيرات الوخيمة لحوادث السير أنه بمجرد أن يصاب عائل أسرة في حادثة سير أو يلقى مصرعه "تصبح الأسرة عرضة للفقر وتدخل في دوامة العوز والحاجة".

وأضاف جدري أن المغرب يستثمر الأموال في تكوين شبابه وشاباته، وبمجرد أن يصاب أحدهم في حادثة سير أو يقتل، يخسر عنصراً بشرياً منتجاً يسهم في تنمية البلاد.

ندوب نفسية

بالعودة لصادوق الذي أصيب بإصابات بالغة في يده اليمنى متمثلة في كسور وعصب مقطوع، مما اضطره إلى إجراء ثلاث عمليات وعشرات حصص الترويض الفيزيائي التأمت الكسور وشفيت الجروح، إلا أن قدرته على تحريك أصابعه وثني معصمه بات مهمة مستحيلة أدخلته في حالة نفسية صعبة، ما عبر عنه بالقول "لا يوافق أحد على تشغيلي، وأنا ما عدت أستطيع العمل، أحس أن حياتي توقفت عند يوم الحادثة".

بدورها، لم تتجاوز جهاد الكرماط أزمتها النفسية بعد أن بقيت أشهراً طويلة على كرسي متحرك قبل أن تتمكن من الوقوف والمشي مستعينة بعكاز طبي، قائلة "من المستحيل أن أقود السيارة خارج المدينة لا يمكن حتى أن أتخيل الأمر، كما لا أستطيع السفر ليلا، وإن فعلت أصاب بنوبة هلع وأبدأ في الصراخ والبكاء وأنهار نفسياً".

من التالي؟

على رغم مواصلة المغرب تنزيل برنامجه الوطني للمراقبة الطرقية عبر تثبيت الرادارات الثابتة لضبط مخالفات السرعة، إضافة إلى رادارات محمولة لمراقبة السرعة من طرف مصالح المراقبة، زيادة على تنفيذ برنامج تجديد مركبات النقل الطرقي وبرنامج التكوين المستمر لفائدة السائقين المهنيين، فإن الأرقام المسجلة حديثاً لا تشي بحدوث تحسن كبير.

وخلال الأسبوع الأول من العام الحالي لقي 18 مغربياً مصرعهم وأصيب 2599 بجروح بإصابات 87 منهم بليغة، في 1908 حادثة سير داخل المناطق ‏الحضرية.

وسجل الأسبوع الممتد من 8 إلى 14 يناير (كانون الثاني) الجاري مصرع 16 شخصاً وإصابة 2469 آخرين بجروح، منهم 74 إصابة بليغة في 1782 حادثة سير.

المديرية العامة للأمن الوطني عزت بدورها في بيان لها الأسباب الرئيسة المؤدية إلى وقوع ‏هذه الحوادث إلى عدم انتباه السائقين وعدم احترام حق الأسبقية والسرعة المفرطة وعدم انتباه الراجلين وعدم ترك مسافة الأمان وعدم التحكم وتغيير الاتجاه من دون إشارة وعدم احترام الوقوف المفروض بعلامة "قف" وتغيير الاتجاه غير ‏المسموح به وعدم احترام الوقوف المفروض بضوء التشوير الأحمر والسير في الاتجاه الممنوع والتجاوز المعيب والسير في يسار الطريق والقيادة في حالة سكر.

أسباب وحوادث يستمر معها جهاد وعبدالكريم وآلاف غيرهما من المغاربة ضحايا حوادث السير في تجرع المعاناة يومياً ما بين آلام جسدية وصراعات نفسية ترافقهم في رحلة علاج ممتدة تتطلب "أموالاً وفيرة ونفساً طويلاً وعزيمة قوية ومحيطاً متفهماً ومجتمعاً رحيما"، على حد قول الشابين الناجيين.

المزيد من متابعات