ملخص
أعادت المحكمة الإدارية ثلاثة مرشحين إلى سباق الانتخابات الرئاسية في تونس، مما اعتبر لحظة فارقة في تاريخ القضاء الإداري في البلاد الذي لم يتأثر بالسياق السياسي المتسم بالانقسام جراء تفرّد رئيس الجمهورية قيس سعيد بالسلطة وعدم اعترافه بالأحزاب والمنظمات.
أعادت المحكمة الإدارية في تونس ترتيب أوراق الانتخابات الرئاسية بعد صدور أحكام قضائية أعادت كلاً من المنذر الزنايدي وعبداللطيف المكي وعماد الدايمي إلى السباق نحو قصر قرطاج في انتخابات أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، ليرتفع عدد المرشحين من ثلاثة إلى ستة.
يُذكر أن هيئة الانتخابات كانت قبلت ملفات ثلاثة مرشحين للانتخابات الرئاسية، وهم رئيس الجمهورية الحالي قيس سعيد والأمين العام لـ"حركة الشعب" زهير المغزاوي والقيادي السابق في حزب "تحيا تونس" العياشي زمال، ورفضت 14 ملف ترشح لأسباب إجرائية مختلفة، بينما اعترض ستة مرشحين للسباق الانتخابي لدى المحكمة الإدارية على رفض ملفاتهم من قبل هيئة الانتخابات، وهم رئيسة "الحزب الدستوري" عبير موسي والناشط السياسي المقيم في الخارج منذر الزنايدي ووزير التربية السابق ناجي جلول والأمين العام لحزب "العمل والإنجاز" عبداللطيف المكي ورئيس مرصد "رقابة" عماد الدايمي والمرشح بشير العوّاني.
والقضاء الإداري في تونس، مؤسسة مستقلة تحتكم فقط إلى القانون، ولا تتأثر بالمناخات السياسية السائدة التي تشوبها انقسامات سياسية حادة وضغط على القضاء، بخاصة بعد حملة التوقيفات التي شملت عدداً من الوجوه السياسية المعارضة لرئيس الجمهورية، إلا أن المحكمة الإدارية عملت على الاحتكام إلى القانون والدستور من دون سواهما.
العائلات السياسية ممثلة بالانتخابات
ويرى متابعون أن قرارات المحكمة الإدارية بعثرت أوراق الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ومساندي سعيد، بعدما عاد إلى السباق مرشحون لهم وزنهم الانتخابي ويملكون حاضنة سياسية وشعبية لا يستهان بها، على غرار المكي والزنايدي والدايمي، بعد أن بدا الأمر محسوماً لمصلحة سعيد، عندما قبلت هيئة الانتخابات بصورة أولية ملفات ثلاثة مرشحين فقط.
وبحسب المتابعين، سيستوعب الزنايدي وجوه النظام القديم الذي يعود لما قبل 2011 من بقايا التجمّعيين والدستوريين، علاوة على الغاضبين من مسار الـ25 من يوليو (تموز) والشق المعتدل من الإسلاميين، خصوصاً أنه يرفع شعار "تونس للجميع"، كما أن المكي المرشح عن حزب "العمل والإنجاز" المنبثق من رحم "حركة النهضة"، سيعمل على استيعاب الخزان الانتخابي للإسلاميين الرافضين قيس سعيد والغاضبين من إدارة زعيم الحركة راشد الغنوشي لشؤون الحزب.
في المقابل، سيعمل الدايمي الذي خبِر أروقة القصر الرئاسي عندما عمل مديراً للديوان الرئاسي في عهد الرئيس السابق منصف المرزوقي، على اختبار شعبيته في قواعد حزبه الأصلي "المؤتمر من أجل الجمهورية" وأيضاً في ما يسمّى "صقور حركة النهضة"، وهو الشق المتشدد في الحركة والرافض الحوار مع الدستوريين وغيرهم.
عودة الأمل في المشاركة
وفي التحاق هذا الثلاثي بقائمة المرشحين للانتخابات الرئاسية المقررة في تونس في أكتوبر 2024، إحراج للهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي اكتفت بقبول ثلاثة ترشيحات في بداية المسار الانتخابي، مما اعتُبر إقصاء متعمداً لمنافسين جديين لرئيس الجمهورية، قبل أن ينصفهم القضاء الإداري، وسيضفي التحاق ثلاثة مرشحين بالسباق نحو قصر قرطاج حيوية على المسار الانتخابي،وعلى المشهد السياسي العام في البلاد لأن غالبية العائلات السياسية ستكون ممثلة وفاعلة في هذه المحطة الانتخابية، على غرار مساندي مسار الـ25 من يوليو والإسلاميين والدستوريين وهي العائلات السياسية الكبرى في تونس، مع غياب اليسار الذي تآكلت قواعده بسبب الصراعات الداخلية وانشطاره إلى أكثر من تيار سياسي.
ورأى النائب السابق في البرلمان هشام الحاجي أن "المحكمة الإدارية أعادت ترتيب الأولويات في الانتخابات الرئاسية المقبلة من خلال إعادة ثلاثة مرشحين من الوزن الثقيل إلى السباق، ما من شأنه أن يعيد الأمل للتونسيين في انتخابات رئاسية متعددة وتنافسية بعدما كانت شبه محسومة بوجود سعيد ضمن مرشحين اثنين لا يملكان قواعد شعبية كبيرة"، مضيفاً أن "المشاركة السياسية في هذه الانتخابات ستكون عالية لأن العائلات السياسية الكبرى موجودة في السباق الرئاسي، علاوة على تنوع الخطاب واختلاف البرامج السياسية من مرشح إلى آخر".
هل تستعصي هيئة الانتخابات؟
من جهة أخرى، أبدى الحاجي تخوفه من تصريح رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر على إثر صدور قرارات المحكمة الإدارية التي أكد فيها أن "هيئة الانتخابات ستعلن عن القائمة النهائية للمرشحين للانتخابات، مع الأخذ في الاعتبار قرارات المحكمة الإدارية والأحكام الجزائية الصادرة في المادة العدلية بخصوص تدليس التزكيات"، وفُهم من هذا التصريح أن الهيئة قد لا تلتزم قرارات المحكمة الإدارية، ورجح الحاجي أن "يتلاعب رئيس الهيئة بقرارات المحكمة الإدارية التي يفترض أن لها القول الفصل في النزاعات الانتخابية".
وكان بوعسكر أكد أن "مجلس الهيئة سيتخذ قراره في شأن الكشف عن القائمة النهائية للمرشحين للانتخابات الرئاسية المقبلة وأن مجلس الهيئة سيطّلع على حيثيات الأحكام وتعليلاتها ثم سيصدر قراره طبقاً للقانون والدستور".
وستعلن هيئة الانتخابات بعد غدٍ الإثنين القائمة النهائية والرسمية للمرشحين للانتخابات الرئاسية 2024.
أحكام المحكمة الإدارية غير قابلة للطعن
في المقابل، أكد أستاذ القانون الدستوري شاكر الحوكي أن "هيئة الانتخابات لا تناقش قرارات المحكمة الإدارية، بل تنفذها لأن الأحكام صادرة عن الطور الاستئنافي وهي أحكام نهائية وباتّة ولا يمكن الطعن فيها أو رفضها"، وأشار إلى أن "الدول التي تحترم القضاء والمؤسسات يجب عليها أن تطبق قرارات المحكمة الإدارية، خصوصاً أنها صادرة عن دائرة استئنافية".
من جهة أخرى، شدّد الحوكي على أن "النزاعات القضائية العدلية تسقط بمجرد صدور الأحكام القضائية الإدارية التي أبطلت قرارات هيئة الانتخابات"، لافتاً إلى أن أحكام المحكمة الإدارية في طورها الاستئنافي عبارة عن محكمة عليا، مما يعني ضمنياً سقوط الأحكام العدلية الأخرى في حق المرشحين.
المحكمة الإدارية مؤتمنة على الانتخابات
وأصدرت المحكمة الإدارية بلاغاً أكدت فيه أن "القرارات الصادرة عن الجلسة العامة القضائية للمحكمة باتّة وغير قابلة للطعن ولو بالتعقيب طبقاً لمقتضيات القانون الانتخابي".
وقالت رئيسة اتحاد القضاة الإداريين رفقة المباركي من جهتها إن "قرارات المحكمة الإدارية غير قابلة للطعن، وإن للقضاء الإداري الكلمة الفصل في العملية الانتخابية"، مضيفة في تصريحات صحافية أن "هيئة الانتخابات ليست بحاجة إلى الاطلاع على تعليلات المحكمة الإدارية أو التعمق فيها"، وأشارت إلى أنه "منذ عام 2011، تُطبق هيئة الانتخابات أحكام المحكمة الإدارية المتعلقة بالعملية الانتخابية"، مشددة على أن "المحكمة الإدارية مؤتمنة على أصوات الناخبين ونزاهة العملية الانتخابية بصورة عامة، بينما وظيفة هيئة الانتخابات هي إدارة العملية الانتخابية وهي تخضع أساساً لرقابة المحكمة الإدارية".
جمعيات ومنظمات تدعو إلى احترام القضاء الإداري
ودعت جمعيات ومنظمات وشخصيات سياسية وحقوقية في بيانات إلى "التزام القانون وتطبيق قرارات المحكمة الإدارية المتعلقة بالطعون المقدمة من مرشحين للانتخابات الرئاسية".
وكذلك فعلت جمعية القضاة التونسيين في بيان لمكتبها التنفيذي، إذ طلبت من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات "التزام القانون وتطبيق قرارات المحكمة الإدارية التي لها القول الفصل في نزاعات الترشح وأن تلك القرارات لا تعقيب عليها من هيئة الانتخابات الملزمة تنفيذها".
وشدّدت 25 جمعية وعشرات الشخصيات الحقوقية والسياسية في بيان مشترك على أن "القانون الانتخابي أسند إلى قضاء النزاعات الانتخابية وحده صلاحية النظر في نزاعات الترشح للانتخابات الرئاسية، ونص صراحة على أن الأحكام التي تصدرها الجلسة العامة واجبة النفاذ ولا تقبل الطعن بأي وسيلة كانت".
يذكر أن الفصل الـ 10 من قانون المحكمة الإدارية ينص على أن "عدم التنفيذ المقصود لقرارات المحكمة الإدارية يعتبر خطأً فادحاً".