ملخص
على رغم أن ملايين الوثائق التي سبق كشف السرية عنها، ومنها كمية كبيرة صرحت بها إدارة الرئيس السابق جو بايدن عام 2021، تضمنت أيضاً معلومات تتعلق بأندرهيل وكلامه عن تورط "مجموعة من قيادات "سي آي أي" في عملية الاغتيال، فإن وثيقة جديدة تضمنت تحقيقات منها ما قام به مكتب التحقيقات الفيدرالي "أف بي آي"، أعادت موجة التكهنات وأحاديث "نظريات المؤامرة" عن عملية الاغتيال.
من بين أكثر من 1000 وثيقة تتعلق بالتحقيقات في حادثة اغتيال الرئيس الأميركي السابق جون كينيدي، التي أفرجت عنها إدارة الرئيس دونالد ترمب في آخر دفعة، أثارت وثيقة متعلقة بعميل الاستخبارات المركزية الخاص غاري أندرهيل اهتمام كثر.
على رغم أن ملايين الوثائق التي سبق كشف السرية عنها، ومنها كمية كبيرة صرحت بها إدارة الرئيس السابق جو بايدن عام 2021، تضمنت أيضاً معلومات تتعلق بأندرهيل وكلامه عن تورط "مجموعة من قيادات "سي آي أي" في عملية الاغتيال، فإن وثيقة جديدة تضمنت تحقيقات منها ما قام به مكتب التحقيقات الفيدرالي "أف بي آي"، أعادت موجة التكهنات وأحاديث "نظريات المؤامرة" عن عملية الاغتيال.
في الإجمال، تثير الوثائق التي كشف عنها غطاء السرية كل ما تردد عام 1963 عن أن عملية الاغتيال لم يقم بها المتهم الوحيد لي هارفي أوزوالد، جندي المارينز السابق، الذي قتل بعد الحادثة بيومين في مقر قيادة شرطة دالاس.
فعلى رغم أن "لجنة وارين" خلصت في تقريرها، سبتمبر (أيلول) 1964، إلى أن "أوزوالد تصرف منفرداً حين اغتال كينيدي"، وهو ما دعمته تحقيقات الخدمة السرية والـ"أف بي آي" ولجنة الكونغرس الفرعية عن الاغتيالات، فإن الجمهور الأميركي ظل يعتقد أن شخصاً آخر أصاب الرئيس، وأن ثمة مؤامرة لاغتياله.
ورطة العميل الخاص
تختلف مذكرة التحقيقات في شأن أندرهيل، التي كشف ترمب السرية عنها، في إضافة تفاصيل لم تكن معروفة علناً، بخاصة ما ذكره أندرهيل لصديقته بعد يوم من حادثة الاغتيال من أنه يعرف أن مجموعة في الـ"سي آي أي" هي من اغتالت الرئيس وليس أوزوالد، بعدما علم كينيدي بممارساتهم في تجارة السلاح والمخدرات فسارعوا باغتياله قبل أن يتخذ أي إجراء بحقهم.
فمن هو غاري أندرهيل، وما المثير في الوثيقة التي كشف عنها الآن؟
اسمه بالكامل جون غاريت أندرهيل كان ضمن الاستخبارات العسكرية في الحرب العالمية الثانية، قبل أن يصبح "عميلاً خاصاً" في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي أي"، أي إنه لم يكن "موظفاً" في "سي آي أي"، لكنه يقوم بما تسميه المذكرة "مهمات خاصة" للوكالة.
عمل أندرهيل لفترة كصحافي ومصور لمجلة "لايف" في الفترة ما بين 1938 و1942. وتشير المذكرة الأخيرة، من بين التفاصيل التي لم تظهر في الوثائق التي كشفت إدارة بايدن السرية عنها عام 2021، إلى أنه كان "على علاقة وثيقة مع عدد من كبار مسؤولي "سي آي أي"، إضافة إلى علاقات مع مسؤولين كبار في وزارة الدفاع (البنتاغون).
ذلك ما يعطي قدراً من الثقل لقوله عقب عملية الاغتيال، إن "زمرة من رجال (سي آي أي) الذين يقومون بعمليات غير قانونية من تجارة السلاح والمخدرات إلى التهريب وأعمال تأثير سياسي لخدمة مصالحهم الخاصة، هم من يقفون وراء مقتل الرئيس جون كينيدي"، وتشير المذكرة إلى أن أندرهيل قال إن الرئيس وصلته معلومات عن تلك "الزمرة" (مجموعة قيادات في الوكالة)، وأنه قتل قبل أن يتمكن من "كشف الأمر" والتصرف حياله.
غادر غاري أندرهيل واشنطن بعد ساعات من حادثة الاغتيال، ولجأ إلى صديقته شارلين فيتسيمونز في نيو جيرسي، حيث أسر إليها بأن "أوزوالد وُرط، لقد نصبوا له فخاً، الأمر لا يحتمل، هؤلاء الأوغاد قاموا بشيء بشع، لقد قتلوا الرئيس! كنت أسمع وأعرف أشياء، لم أكن أتصور أنهم يمكنهم الإفلات بعملتهم، لكنهم أفلتوا".
وعبر لصديقته عن خوفه على سلامته وأمنه "إنني أعرف من هم، وهذه مشكلة كبيرة، وهم يعرفون أنني أعرفهم"، وكان على ما يبدو يستعد لمغادرة البلاد كلها، وبحسب الوثيقة فإن أصدقاءه الذين التقوه بعد حادثة اغتيال كينيدي أوضحوا أنه كان في "كامل قواه العقلية لكنه كان مرعوباً"، ومع أنهم أجمعوا على أنه كان دوماً "عقلانياً وموضوعياً" إلا أنهم لم يأخذوا كلامه حول أن مجموعة من قيادات الاستخبارات هم من اغتالوا كينيدي بجدية تماماً، لأنه "لم يكن ممكناً تصديق أنه في وكالة الاستخبارات المركزية عناصر من القسوة الإجرامية مثل المافيا".
في غضون أقل من ستة أشهر وجد غاري أندرهيل مقتولاً في شقته في واشنطن في الثامن من مايو (أيار) 1964، وسجل الطبيب الشرعي وفاته على أنها انتحار، لكن كثراً لم يصدقوا ذلك واعتبروا أن الاستخبارات صفَّته، وما زاد الشكوك حول مقتله أن من اكتشف جثته هو الصحافي في "نيو ريبابليك" آشر براينز، الذي أكد أن أندرهيل لم يكن أعسر، بينما وجد مصاباً بطلقة خلف أذنه اليسرى وبجانبه مسدس، ولم يذكر أي من سكان المبنى سماع طلق ناري، مما يعني أن المسدس ربما كان مزوداً بكاتم للصوت.
جديد الوثيقة السرية
إلى جانب بعض التفاصيل عما قاله غاري أندرهيل عن تورط عناصر من "سي آي أي" في اغتيال الرئيس كينيدي، فإن الوثيقة تذكر مزيداً من التفاصيل عن صامويل جورج كمينغز، الذي كان صديقاً لغاري أندرهيل، ويملك كمينغز ويدير شركة الأسلحة "إنتر آرمز" منذ عام 1958، وكان قبلها يعمل في "سي آي أي" بمجال شراء وتوريد الأسلحة، والخلاصة من الكشف الجديد أن الاستخبارات المركزية كانت تملك شركة السلاح سراً قبل أن تنتقل ملكيتها إلى كمينغز علناً.
المثير أن هذه الشركة هي مورد الأسلحة إلى "كلاين سبورتنغ جودز أوف شيكاغو"، حيث اشترى أوزوالد سلاح "كاركانو" الذي يفترض أنه أطلق منه الرصاص على كينيدي.
كل هذه المعلومات الإضافية تذكي نيران النظريات السابقة حول اغتيال الرئيس كينيدي عام 1963، ويذكر أن "سي آي أي" في ذلك الوقت كانت منخرطة بقوة في عمليات سرية تستهدف إطاحة الحكومة في كوبا، بما في ذلك محاولة الغزو الفاشلة المعروفة باسم "عملية خليج الخنازير"، إضافة إلى محاولات اغتيال فيدل كاسترو.
وكان الرئيس كينيدي متردداً في دعم كل تلك العمليات، مما أثار حساسية متصاعدة بينه وبين الوكالة، إضافة أيضاً إلى طريقة تعامله مع أزمة الصواريخ الكوبية. لكن ذلك لم يكن ليصل إلى حد أن تقدم قيادات الوكالة على اغتياله مهما كانت الاختلافات في المواقف، إنما ما ذكره غاري أندرهيل عن تلك "الزمرة" المتورطة في السلاح والمخدرات والتهريب بكثافة هو الذي عزز تفسيرات نظريات المؤامرة في شأن اغتيال الرئيس.
وإن كانت جهات التحقيق واللجنة التي شكلت لتقصي الحقائق لم تعتد تماماً بما قاله أندرهيل، إلا أن الناس ما زالت تصدقه حتى الآن، وتستبعد أن يكون جندي سابق يعاني "مشكلات نفسية" هو من اغتال الرئيس كينيدي بمفرده.