ملخص
كانت توفر 50 في المئة من استهلاك البنزين و40 في المئة من الغازولين و50 في المئة من غاز الطهو، وبتوقفها اضطر السودان إلى الاستيراد لسد الفجوة.
على مسافة نحو 70 كيلومتراً شمال الخرطوم توجد خزانات نفط ضخمة تصل سعتها إلى مليون و200 ألف برميل، لكنها أصبحت مغطاة بآثار حرائق ويعلوها الدمار، بسبب الحرب المستمرة في السودان منذ عامين.
وكانت قوات "الدعم السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي" سيطرت على مصفاة "الجيلي" خلال أبريل (نيسان) 2023، بعد أيام من اندلاع الحرب مع الجيش. وتوقفت المنشأة التي بنتها الصين عن العمل خلال يوليو (تموز) من العام ذاته، واستعاد الجيش السيطرة عليها خلال يناير (كانون الثاني) الماضي.
نفط محترق وأشجار سوداء
يقول سراج الدين محمد نائب مدير مصفاة "الجيلي" ومسؤول قسم الصيانة لوكالة الصحافة الفرنسية، "في يوليو 2023 أُطفئت المصفاة وتوقفنا عن العمل". مضيفاً وهو يقف أمام بعض المعدات التي دمرت تماماً "بعض الوحدات دمرت تماماً وأصبحت خارج الخدمة، وهناك أجزاء تحتاج إلى استبدالها بالكامل".
وزار فريق من وكالة الصحافة الفرنسية أول من أمس الثلاثاء هذه المصفاة الرئيسة للخرطوم برفقة قوة من الجيش. وشاهد الصحافيون في طريقهم عدداً كبيراً من الأحياء المهجورة والمركبات المدمرة، قبل أن تلاقيهم رائحة النفط المحترق على مدخل المصفاة التي يغلب عليها اللون الأسود، بسبب حرائق متكررة طاولت حتى الأشجار المزروعة على الجانبين.
وعلى الأرض، تركد كمية كبيرة من المياه التي استخدمت في إطفاء الحرائق، ويمكن رؤية صهاريج منفجرة وبقايا نفط متسرب والحطام والأنابيب المهشمة.
ولم يتمكن فريق الصحافة الفرنسية من دخول غرفة التحكم بسبب احتراقها كلياً.
ومع اقتراب الجيش من المنشأة قبل شهرين، اندلع حريق ضخم اتهمت القوات الحكومية "الدعم السريع" بإشعاله عمداً "في محاولة يائسة لتدمير" البنية التحتية، فيما اتهمت قوات "الدعم" الجيش بإلقاء "البراميل المتفجرة" على المصفاة من الطائرات الحربية.
ويقول سراج الدين محمد "بلغ حجم الخسائر 1.3 مليار دولار"، موضحاً أنه يصعب تحديد مدى زمني لعودتها إلى العمل، إذ لا بد من إعادة تصنيع بعض الأجزاء "في دولة المنشأ، وهي من تحدد الزمن الذي يستغرقه ذلك، إضافة إلى زمن الشحن من الصين إلى هنا".
3 أعوام لعودة العمل
بحسب محمد، قامت الصين ببناء مصفاة "الجيلي" على مرحلتين عامي 2000 و2006 بكلفة 2.7 مليار دولار. وتحتفظ بكين بنسبة 10 في المئة من ملكية المصفاة، بينما تملك الحكومة السودانية 90 في المئة.
ويقول مهندس في المنشأة طلب عدم ذكر اسمه، إنه في حال توافر التمويل "سوف يستغرق الأمر ثلاثة أعوام لعودة العمل في المصفاة" التي تزود السودان بأكثر من نصف استهلاكه من النفط، وتنتج الغازولين وغاز الطهو.
وتقدر الطاقة الاستيعابية للمصفاة بمئة ألف برميل يومياً من نفط دولتي السودان وجنوب السودان. وتسبب توقفها عن العمل بتداعيات على الطرفين.
ومنذ انفصالهما عام 2011، تعتمد جنوب السودان التي لا تمتلك أي منافذ على البحر، على دولة السودان في تكرير النفط وتصديره عبر ميناء بورتسودان.
ويقول المتخصص في الاقتصاد خالد التجاني إن توقف مصفاة "الجيلي" عن العمل أضر كثيراً بالاقتصاد السوداني، إذ كانت "توفر 50 في المئة من استهلاك البنزين و40 في المئة من الغازولين و50 في المئة من غاز الطهو".
ويضيف "بتوقفها اضطر السودان إلى الاستيراد لسد الفجوة. ويتم الاستيراد عبر القطاع الخاص بالعملات الصعبة مما تسبب بتراجع قيمة العملة السودانية".
ويوضح التجاني أن نقص الغازولين له التأثير الأكبر، إذ يعتمد عليه قطاع الزراعة والقطاع العسكري، إضافة إلى استخدامه في توليد الكهرباء.
ضربات اقتصادية متتالية
لعقود طويلة، شكلت عائدات النفط مصدر دخل رئيساً للسودان، ولكن مع انفصال الجنوب انتقل نحو 75 في المئة من احتياط النفط للدولة الجديدة.
مع ذلك، استمرت جوبا في الاعتماد على المنشآت السودانية لنقل وتكرير الغاز مقابل رسوم كانت تشكل جزءاً كبيراً من دخل الخرطوم بالعملة الصعبة.
ومنذ بدء الحرب، واجه هذا الاتفاق تحديات كبيرة، منها تلف أنبوب رئيس من أنابيب نقل النفط جراء الاشتباكات بين الجيش السوداني و"الدعم السريع"، مما أدى لتوقف التصدير قرابة عام.
ومع صعوبة تصدير النفط وتوقف المنشآت المحلية عن العمل والاضطرار لاستيراد الوقود، تلقى الاقتصاد السوداني ضربات متتالية أدت لارتفاع التضخم وانخفاض قيمة العملة الوطنية من 600 جنيه سوداني مقابل الدولار الواحد قبل الحرب، إلى 2400 جنيه للدولار اليوم.
والآن يعاني نحو 25 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد في جميع أنحاء السودان، وفقاً للأمم المتحدة. ويواجه أكثر من 8 ملايين شخص خطر المجاعة، وفق التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي المدعوم من الأمم المتحدة.
وتسببت الحرب التي تتم عامها الثاني الشهر المقبل، في أزمة إنسانية هي الأكبر حول العالم.