Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"كرري" الملاذ الأخير للعالقين في الخرطوم تنجو من الحرب

لجأ إليها أكثر من 140 ألف أسرة بالعاصمة السودانية ووجود قاعدتين عسكريتين جعلها صمام أمان المنطقة

شرطة محلية كرري تواصل أداء مهامها (اندبندنت عربية- حسن حامد)

ملخص

"كرري" نبض الحياة المتبقي لسكان العاصمة السودانية والملاذ الأخير من ويلات الحرب استقبلت مليون شخص

ظلت أحياء محلية كرري الشعبية في أقصى شمال أم درمان إحدى مدن العاصمة السودانية الثلاث (الخرطوم، أم درمان والخرطوم بحري) وما زالت تشكل آخر بؤر الحياة والملاذ الآمن والأخير الذي لجأ إليه معظم الفارين من نيران الحرب بين الجيش وقوات "الدعم السريع" التي حولت عاصمة البلاد إلى مسرح للموت والدمار.

لم يعد هناك مكان آمن آخر للعالقين في الخرطوم سوى ملاذ محلية كرري مقر حكومة الولاية الموقت، التي لا تزال تشهد استقراراً نسبياً في الخدمات بحكم وجود قواعد عسكرية للجيش في كرري ووادي سيدنا، مما يجعلها مناسبة لأن تكون المهد لحياة جديدة لعاصمة السودان.

بعض الحياة

احتضنت محلية كرري المنطقة الوحيدة ضمن محليات ولاية الخرطوم السبع (الخرطوم، أم درمان، الخرطوم بحري، جبل أولياء، شرق النيل وكرري) التي لا تزال تنبض ببعض الحياة في ولاية الخرطوم، ما يفوق ضعف عدد سكانها بنحو المليون شخص، من أحياء العاصمة الملتهبة الأخرى، تزايدت أعدادهم إثر توسع الجيش الأخير في وسط أم درمان وفك حصار أحياء الفتيحاب بمحيط سلاح المهندسين.

تعد محلية كرري في شمال أم درمان المقدرة مساحتها بنحو 3900 كيلومتر مربع وعدد سكان بنحو 700 ألف نسمة، العاصمة الموقتة التي تمارس منها حكومة الولاية مهامها، وتكاد تكون المنطقة الوحيدة التي لا تزال مأهولة بالسكان على رغم مرور 11 شهراً على الحرب في ظل الانتشار الكبير لقوات الجيش في جميع أرجائها.

استقبلت كرري ما يفوق 140 ألف أسرة من أنحاء العاصمة السودانية المختلفة هرباً من القتال، منها 50 ألف أسرة من محلية أم بدة، و40 ألف أسرة من محلية أم درمان، و40 ألف أسرة من محلية الخرطوم بحري وألف أسرة من محلية الخرطوم، وهو عدد تقريبي يفوق المليون نسمة بمتوسط خمسة أفراد للأسرة الواحدة.

ضغوط وتحديات

أول النازحين إلى هناك كان مواطني مناطق وأحياء أم درمان القديمة التي باتت خالية من السكان تماماً، بسبب المعارك العنيفة التي لا تزال تتجدد، إلى جانب سكان محلية أم بدة ومدن الخرطوم بحري والخرطوم ممن فضلوا النزوح داخل الخرطوم بدلاً من مغادرتها بسبب ارتفاع كلف المعيشة وأسعار الإيجارات السكنية بالولايات الأخرى غير المتأثرة بالحرب.

بحسب مصادر حكومية، تجاوز عدد النازحين واللاجئين من ولاية الخرطوم وحدها سبعة ملايين شخص منذ اندلاع الحرب، وهو ما يمثل أكثر من نصف سكانها المقدر بنحو 11 مليوناً قبل الحرب، فيما نزح البقية إلى ولايات السودان المختلفة، وأكثر من مليون إلى دول الجوار، أما الذين ما زالوا عالقين في العاصمة فيقدر عددهم بنحو 3.5 مليون نسمة، ويفتقرون بشدة إلى الغذاء والدواء والإيواء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أشارت المصادر إلى أن الضغوط الشديدة على الخدمات بالمحلية تشكل أكبر التحديات لا سيما مع تجاوز مراكز الإيواء فيها 70 مركزاً يضم كل منها ما بين ألف وألفي أسرة بحسب سعة المكان، بخلاف الموجودين مع ذويهم وأقاربهم، حيث تضاعف عدد سكان المحلية إلى أكثر من ضعفين، وعلى رغم ذلك فإن جهود السلطات مستمرة من أجل توفير الخدمات وتطبيع الحياة، وبدأت بالفعل بحسب المصادر، أقسام الشرطة والنيابات والمحاكم الجنائية مباشرة عملها بالمحلية.

وقالت المصادر إن حكومة الولاية، ما زالت تعمل على تقديم العون اللازم لمواطني محليات الولاية الأخرى الذين أجبرتهم الحرب على مغادرة منازلهم والاستقرار في محلية كرري، بتسليمهم سلال غذائية من الدقيق والرز والذرة واختيار مركز صحي يتم من خلاله تقديم الخدمات العلاجية لهم.

الموت جوعاً

بحسب منصور على البشير، النازح إلى كرري من وسط أم درمان، لم يعد أمام الناس غير التوجه نحو شمال المدينة بعد أن فقدوا كل ما يملكون حتى هواتفهم، بعد نفاد المواد الغذائية الأساسية وإغلاق الأسواق، وانعدام كل أسباب الحياة.

يضيف، "مع حدة المواجهات لم نكن نغادر منازلنا ولا ندري لأيام ما يحدث في الشارع سوى سماع أصوات الرصاص، وكان وكل واحد منا يعتقد أن الجميع في المنطقة قد نزحوا لشدة الصمت وعدم الحركة"، مستدركاً "لكن للأسف عندما عدنا إلى مناطق كانت شديدة الخطورة ودخلها الجيش، أخيراً، اكتشفنا فظائع وفجائع فوق الخيال والتصور بوجود جثث متحللة ممن ماتوا بالجوع منسيين داخل منازلهم، بخاصة من المرضى وكبار السن".

أما الأستاذ الجامعي محمد مأمون، وهو أحد الذين لم يغادروا منازلهم في محلية كرري فيقول "لقد تعودنا على سماع فرقعات الرصاص بشكل يومي، لكن أسوأ كوابيسنا كانت هي رعب مفاجآت الدانات الطائشة نتيجة القصف العشوائي الذي كان في بعض الأحيان يصل إلى 35 دانة يومياً، على الأحياء المتاخمة للمناطق العسكرية مثل (الجرافة، الواحة وود البخيت في الريف الشمالي)".

 

يشير المأمون إلى أن "الحال في كرري لا تسر بالنسبة إلى النازحين إليها لكنهم كالمستجيرين من نيران الحرب برمضاء كرري، مقارنة مع ما كانوا فيه، حيث تنعم المنطقة ببعض الاستقرار وقليل من مظاهر الحياة والحركة التجارية، لكن هناك صعوبات كبيرة في تدبير الناس لحاجاتهم اليومية من دون عون المنظمات، مما حدا ببعض الأسر للنزوح مجدداً إلى خارج العاصمة".

يتابع "تراكمت على الناس أحزان الفقد والموت اليومي للأقارب والأعزاء ومنهم أسر وجيران قتلوا جميعهم جراء القصف العشوائي، فالحياة في حد ذاتها باتت غاية البؤس والصعوبة والناس تعيش ما دون حد الكفاف حيث لا تجد كثير من الأسر وجبة واحدة هزيلة في اليوم وتعتمد بشكل كلي على معونات متقطعة وغير مستقرة، خصوصاً بعد توقف الشاحنات المحملة بالبضائع التي كانت تصل من مدينة شندي بولاية نهر النيل".

يضيف المأمون، "صحيح بدأت في الأسابيع الأخيرة بعض مظاهر الحياة تعود وتستقر الأوضاع بشكل نسبي، حيث عاودت بعض الأفران ومحلات الخضر عملها في بعض أجزاء المحلية بخاصة الحارتان الأولى والـ15 مع تحسن طفيف في خدمة الكهرباء، كذلك بدأت مبادرات شبابية في حملات نظافة بإزالة تراكمات النفايات الكبيرة أثناء الحرب وبدأنا نشعر ببعض الأمان مع استمرار دوريات التمشيط الأمني".

أزمة غذاء في بحري

من جانبها تقول إيمان بشير، النازحة مع أسرتها من منطقة الحلفايا بالخرطوم على الضفة الأخرى من النيل بمحاذاة كرري، أنها الآن ترتب للمغادرة نحو مدينة عطبرة بعد أربعة أشهر قضتها هي وأسرتها بالحارة 5، بسبب صعوبات المعيشة واستمرار تساقط القذائف العشوائية بالمنطقة.

كشفت بشير، أن عدداً من مواطني منطقة الحلفايا في مدينة بحري دفعت بهم أزمة الغذاء المتفاقمة إلى العبور بالمراكب نحو محلية كرري بعد أن توقفت التحويلات البنكية بتعطل الاتصالات والإنترنت بصورة تنذر بحدوث مجاعة، بخاصة بعد توقف مطابخ الطعام العامة.

وأعلن الجيش في وقت سابق نجاح المرحلة الأولى من خطة القضاء على قوات "الدعم السريع" في وسط مدينة أم درمان، وتقدمه نحو تحرير مزيد من المواقع في شمال الخرطوم بحري أيضاً.

 

وتتهم غرفة طوارئ محلية كرري قوات "الدعم السريع" بتعمد استهداف المناطق المأهولة بالسكان بغرض طرد السكان من منازلهم واستخدامها ثكنات بهدف حصار قاعدة كرري العسكرية.

يتسبب القصف على الأحياء بحسب غرفة الطوارئ، في وقوع قتلى بمعدل 24 قتيلاً ونحو 100 إصابة أسبوعياً، مع زيادة موجة النزوح إلى ولايات شمال وشرق البلاد.

تدفق وتحسن

في السياق أوضح مفوض العون الإنساني بولاية الخرطوم، خالد عبدالرحمن، لـ"اندبندنت عربية" أنه على رغم توفير قدر كبير من الحاجات لكن لا يمكن القول إنها كانت كافية أو مرضية مقارنة بعدد السكان الكبير والمتزايد، لكنه يرى أن الوضع يسير نحو الأفضل نتيجة لتحسن في الإمداد الغذائي واستجابة مجموعة كبيرة من المنظمات مقارنة بالأيام الأولى للحرب، بعد انتقالها إلى محلية كرري لمباشرة مهامها من هناك.

 يتابع "قدمنا مساعدات لنحو 140 ألف أسرة بالمحلية والوافدين إليها من محليات الولاية الأخرى، بالتنسيق مع بعض وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الوطنية والأجنبية على رأسها الهلال الأحمر السوداني التي قدمت مواد تموينية على ثلاث مراحل لنحو 50 ألف أسرة بكرري وأم درمان وأم بدة وجبل أولياء".

أشار عبدالرحمن، إلى توزيع نحو 45 ألف سلة غذائية مقدمة من مركز الملك سلمان بالسعودية بواسطة منظمة الاغتنام، إلى جانب 12 ألف كرتونة بلح وزعتها منظمة الإشراق الوطنية، وتقديم مواد غذائية بواسطة منظمة بلو سكاي لعدد 2500 أسرة، وأجهزة طبية وصحية بالتعاون مع وزارة الصحة بالولاية، إلى جانب توزيع مواد غير غذائية عبارة عن مفروشات أرضية وناموسيات ومشمعات لعدد 65 مركز إيواء شملت نحو ألف أسرة عبر منظمة "مد أير".

لفت المفوض، إلى مساهمة بعض المبادرات الشبابية بتقديم معينات ومواد غذائية وغير غذائية لمراكز الإيواء بالمحلية، كما ستشرع حكومة الولاية بالتنسيق مع المنظمات الإغاثية خلال الأيام المقبلة في توزيع منحة دقيق مقدمة كذلك من مركز الملك سلمان وبعض المواد الغذائية بواسطة منظمة الاغتنام لمواطني محلية كرري هذه المرة، حيث كانت المعونات السابقة تقدم للوافدين من المحليات الأخرى.

المزيد من تقارير