Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

ملحمة شجرة الدر... أول سلطانة للدولة الأيوبية في مصر

أبقت بلادها على قيد الحياة لمواجهة الحروب الصليبية والتخلص من ضغوط الإمبراطورية العباسية في بغداد

لوحة عن مقتل شجرة الدر لأسماء خوري (بوابة الأهرام المصرية)

ملخص

شجرة الدر واحدة من السلاطين القلائل في التاريخ الإسلامي، على رغم قصر فترة حكمها التي دامت ما بين 80 و88 يوماً وأصبحت قصة حياتها الرائعة والحزينة موضوع الأعمال الثقافية والفنية الحديثة في مصر.

شجرة الدر، الحاكمة الجبارة التي ولدت عام 1228، وتوفيت في مدينة القاهرة عام 1257، وفق التقديرات، معروفة أيضاً بعدة ألقاب أخرى منها "أم خليل".

اسمها الشائع والمشهور هو شجرة الدر، وتعني باللغة العربية "شجرة اللؤلؤ أو اللؤلؤة النبيلة"، وتاريخ ميلادها غير معروف بصورة دقيقة، وأصلها مثير للجدل إلى حد كبير، ويشاع أنه من قبيلة القبجك الشركسية أو الأرمنية أو الخوارزمية، وهناك روايات تقول إن أصولها تركية.

وأهم ما يميز شجرة الدر أنها عرفت كيف تبقي بلادها على قيد الحياة، وتخرجها من الأزمة خلال الفترة الأكثر أهمية التي مرت بها مصر تحت حكمها، على رغم الضغوط التي لا تحتمل من الإمبراطورية العباسية، التي كانت عاصمتها بغداد.

وبحسب مؤرخي تلك الفترة، فإن هذه السلطانة كانت ذكية وماكرة ولبقة وتكتيكية، وقوية وفاضلة، واشتهرت بجمالها، وتعد أول حاكمة لدولة المماليك، وسنتناول في هذا التقرير تفاصيل مغامرة حياة هذه الحاكمة، والتي انتهت بمأساة كبيرة.

وكما أسلفنا، ليس من المعروف بصورة دقيقة إلى أين تعود أصول شجرة الدر، لكن المؤكد أنها في الأصل كانت جارية سبيت في معركة، ويقال إنها سجلت في حريم الخليفة ببغداد عام 1239، وعندما كان عمرها 11 سنة نقلت من بغداد إلى القاهرة وقدمت إلى ولي العهد الأمير نجم الدين، الابن الأكبر للحاكم الأيوبي نصر الدين.

ورافقت شجرة الدر سيدها الجديد نجم الدين الأيوبي في رحلته إلى الكرك في الأردن، وخلال تلك الفترة قام القائد المملوكي بالانقلاب على الحاكم الأيوبي في القاهرة، وتم لاحقاً احتجاز نجم الدين وشجرة الدر وركن الدين بيبرس في دمشق. واعتنت شجرة الدر بسيدها نجم الدين أثناء فترة الاعتقال، وقدمت له استشارات منطقية ومعقولة في كيفية استعادة عرش والده في القاهرة.

أم خليل

وبعد فترة احتجاز أطلق سراح الأسرى الثلاثة، وعادوا إلى القاهرة نحو عام 1240، وعندما وصلوا إلى القاهرة تم إعلان الأمير نجم الدين سلطاناً عليها. والسلطان نجم الدين، هو سابع حاكم مشهور من الأسرة الأيوبية في مصر، وقرر تعيين ركن الدين بيبرس قائداً للجيش الأيوبي، وخلال فترة وجودها في السجن حملت شجرة الدر من سيدها نجم الدين، وأنجبت طفلاً سمته خليل، ومنذ ذلك الوقت أصبح يشار إليها باسم "أم خليل".

وكانت شجرة الدر بيضاء البشرة، ترتدي اللؤلؤ على ملابسها، وحتى ملابسها الداخلية، وكانت ذكية للغاية، وذات حيلة وتدبير، وقوية الإرادة، لدرجة أن السلطان نجم الدين في حياته كاد يسلمها الجزء الأكبر من شؤون الدولة وسياستها.

وعينها السلطان أيضاً نائبة له، وكانت تحل محله كلما سافر أو خرج في حملة خارج مصر، وتختم المراسيم في غيابه وتصدر الأوامر والتعليمات وتسير شؤون البلاد.

أم خليل، التي لم تسئ إلى ثقة زوجها، وكانت تعطي قرارات وأوامر دقيقة، حظيت بقبول كبير لدى الشعب المصري.

وفي أبريل (نيسان) 1249، كان السلطان نجم الدين يتنازع على السلطة في دمشق ضد أمراء آخرين من الأسرة الأيوبية، لكنه سمع أن الصليبيين يقومون بحملة نحو مصر عبر جزيرة قبرص، فترك دمشق وتوجه مسرعاً إلى القاهرة.

وحاصرت القوات الصليبية بقيادة الملك الفرنسي لويس التاسع دمياط للمرة الأولى على الضفة الشرقية لنهر النيل على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وفي يونيو (حزيران) 1249، أطلق سلاح الفرسان والمشاة الصليبيين الحملة الجديدة، وهبطوا إلى الشاطئ بالسفن والقوارب، وبنوا خيمة الملك الحمراء قبالة مدينة دمياط، ثم سقطت بسهولة على رغم محاولات الدفاع عنها.

وكان السلطان نجم الدين مستاءً للغاية، وقام بقتل بعض الذين فشلوا في الدفاع عن المدينة، ثم واصلت القوات الصليبية تقدمها نحو القاهرة، حتى تراجع نجم الدين إلى منطقة المنصورة، وفي 23 نوفمبر (تشرين الثاني) 1249 توفي بصورة مفاجئة بعد حكم دام نحو 10 سنوات.

 


بعد وفاة السلطان نجم الدين الأيوبي، دعت زوجته قوية الإرادة العازمة "أم خليل" السادة والأمراء والقادة المحيطين بها، وعلى رأسهم قائد الجيش المصري حينها الأمير فخر الدين يوسف، وعقدت مجلساً تشاورياً عاجلاً.

وخطبت في الحاضرين بالكلمات التالية "لقد توفي سلطاننا كما تعلمون، ولكن من الضروري إنقاذ مصر من الحملة الصليبية التي استولت على دمياط، وتواصل تقدمها، دعونا لا نعلن خبر وفاة السلطان، ليبقى سر الدولة هذا بين أعضاء مجلس القصر، فإذا سمع الشعب والجيش بموت السلطان سيصابون بالإحباط، وسنفقد القاهرة وما تبقى لنا من الأراضي المصرية"، ووافق مجلس القصر على ما اقترحته شجرة الدر، ومن أجل الحفاظ على هذا السر، تم وضع جثمان السلطان نجم الدين في عربة مغطاة، ونقله إلى القلعة بجزيرة الروضة.

وتوفي السلطان نجم الدين الأيوبي من دون أن يوصي بخليفة له، فكان من الضروري اتخاذ قرار عاجل في شأن هذه المسألة، فأرسلت "أم خليل" المعروفة بقراراتها الدقيقة، رسالة إلى فارس الدين أقطاي الكمدار، قائد القوات البحرية، ونتيجة لمشاورات تم التوصل إلى اتفاق يقضي باستدعاء توران شاه، الذي حكم منطقة "حسن كيف" باعتباره ابن نجم الدين، على الفور إلى العاصمة لتولي منصب والده.

حيلة ذكية

وقامت أم خليل بتزوير توقيع زوجها وتزوير أحد مراسيم زوجها المتوفى الفارغة، والتي سبق ختمها وتسليمها لها، وأبقت الأمر رسمياً بجعل رفاقه يوقعون على المرسوم، وخلال الفترة حتى مجيء توران شاه وجلوسه إلى العرش، بدأت أم خليل والقائد العام فخر الدين يوسف في حكم الدولة معاً من خلال ملء المراسيم الفارغة المختومة التي كانت في أيديهم بحسب الوضع، فجلب غياب السلطان معه عدداً من الأسئلة والشكوك، وكانت الإجابة بأن السلطان مريض جداً وليس في وضع يسمح له برؤية أحد أو التحدث إلى أي شخص، ولا يريد لأحد أن يدخل إلى غرفته أو يزعجه أو يصيبه بالجراثيم، ولكي يكون الجواب مقنعاً، تم وضع ثلاث وجبات يومياً أمام باب غرفة السلطان الفارغة، وتعاد الأوعية فارغة إلى المطبخ وكأنها أكلت وشربت، وعلى رغم كل السرية فإن نبأ وفاة السلطان كان يسمع بين الجنود المصريين والصليبيين في دمياط.

 وفي هذه الأثناء، وصل الدعم اللوجيستي والتعزيزات إلى الصليبيين تحت إشراف شقيق ملك فرنسا، ألفونس دي بواتييه، وخرجت القوات الصليبية، التي ارتفعت معنوياتها وقوتها، من دمياط واتجهت نحو مدينة المنصورة، أما الأخ الآخر، روبرت دارتوا، فقد عبر القناة على رأس القوات الفرنسية وهاجم مقر سيديلي العسكري قرب المنصورة.

وفي خضم الاشتباكات بين المصريين والصليبيين، وصل توران شاه إلى المنصورة، وجلس إلى العرش مكان والده، وعلى رغم ذلك صدر مرسوم بتجديد عهد السلطان الميت، وبعد فترة وجيزة، صدر مرسوم جديد، يقضي بتنصيب ابنه توران شاه ولياً للعهد، وأمرت شجرة الدر الأمراء والقادة الذين معه بالولاء لتوران شاه، الذي اعتلى العرش للتو.

وعلى الجانب الآخر، ذهب الأمير ركن الدين بيبرس إلى شجرة الدر، الحاكم الفعلي لمصر، وعرض عليها تنفيذ خطة حرب من شأنها محاصرة العدو، فاستمعت إليه، واتفقت معه على تنفيذها، وتنص الخطة على أن يختبئ أهالي المنصورة وجنودها، وعندما يدخل الصليبيون يظنون أن المصريين فروا من المدينة كما حصل في دمياط، وبالفعل وضعت الخطة ونفذت، وعندما حاولوا مهاجمة واحتلال قصر السلطان، ظهر فجأة جنود البحرية المصرية وبقية الجنود الذين كانوا مختبئين في أماكن غير مرئية، وحاصروا الصليبيين الذين حاولوا الفرار إلى جميع الجهات وذبحوهم بالسيوف والسهام، وتحرك الأشخاص المختبئون في المنازل وهاجموا الغزاة قدر استطاعتهم بخوذاتهم النحاسية البيضاء، ولم يكن أمام الصليبيين، الذين كانوا محاصرين، سوى خيارين إما القتال حتى الموت أو القفز في مياه النيل والغرق.

 

 

أما روبرت دارتوا شقيق ملك فرنسا، فاختبأ في أحد المنازل، وتم إعدامه على يد الأشخاص الذين عثروا عليه، وقتل جميع فرسان الهيكل، الذين اشتهروا بشجاعتهم، باستثناء عدد قليل منهم، وتم تسجيل هذه المعركة على أنها معركة دخل فيها العبيد البحريون الساحة العسكرية للمرة الأولى في مصر وحققوا نجاحاً باهراً.

 هذا الحدث العظيم، الذي كان نقطة تحول في التاريخ المصري، أدى إلى انتشار شهرة شجرة الدر، التي عدت أرملة ونائبة نجم الدين، الحاكم السابع في الأسرة الأيوبية، وبعد هذا الحدث بات يطلق على شجرة الدر لقب السلطانة خاتون، وعلى رغم ذلك مثل كل مؤامرات القصر ومعارك العرش في التاريخ، ستكون هناك مخططات وألعاب جديدة من شأنها أن تحدد مصير حاكمة "اللؤلؤ".

وعندما غادر توران شاه، الذي تمت دعوته للجلوس إلى العرش بدلاً من والده المتوفى نجم الدين الأيوبي، "حسن كيف" ووصل إلى مصر في الأول من فبراير (شباط) 1250، تنفست شجرة الدر الصعداء، ونالت إشادة كبيرة لأنها أدارت البلاد بصورة أفضل مما كان متوقعاً في ظل فراغ السلطة، وفي الفترة من الخامس إلى السابع من أبريل 1250، بدأت الجيوش الصليبية، التي كانت تتكبد الهزيمة تلو الأخرى، بالفرار نحو دمياط، وهزمت قوات العبيد التابعة للدولة الأيوبية الصليبيين بصورة كبيرة، وأسروا الملك القديس لويس التاسع، وقيدوه بالسلاسل مع قائده ونبلائه، ومع الانتصار الكبير على الحملة الصليبية السابعة واعتلاء توران شاه عرش الدولة الأيوبية، بدأت مؤامرات القصر ومعاركه في العاصمة، فمن ناحية كان هناك السلطان الأيوبي توران شاه الذي أراد السيطرة على كل شيء، ومن ناحية أخرى، كانت هناك شجرة الدر التي تولت السلطة بالفعل بعد وفاة زوجها وحكمت مثل السلطانة. وسرعان ما أدرك توران شاه أنه لن يتمكن من حكم البلاد ما دام أن منافسه الرئيس، شجرة الدر، وحاشيتها من القادة والأمراء موجودة، لذلك ووفقاً للخطة التي رسمها، بدأ في إقالة مسؤولي الدولة والقصر المحيطين بشجرة الدر، تدريجاً واعتقالهم والقضاء عليهم، واستبدل فريق القصر الذين عملوا معه في "حسن كيف" بهم.

غضب شجرة الدر

وعندما أدركت شجرة الدر أن دورها في التصفية قد حان، ذهبت إلى مدينة القدس، وفي هذه الأثناء استمر توران شاه في التخطيط لتصفية أكثر رجال السلطانة أم خليل وقادتها الذين ساهموا بصورة كبيرة في النصر على الصليبيين، وكانت شجرة الدر غاضبة جداً من زوجة أبي توران شاه، التي وضعها على العرش بيده، وعاملها بفظاظة وحقد، وأرسل كلمة إلى رجاله في القصر والجيش وطلب منهم اتخاذ إجراءات ضدها.

وكان يطلق على رجال الدولة هؤلاء، الذين كانوا مسؤولين عن القصر والجيش، اسم أمراء المماليك البحريين، وهم من نفس نسب شجرة الدر، وكان هؤلاء المسؤولون رفيعو المستوى، بقيادة الظاهر بيبرس، أكثر خبرة من توران شاه في ما يتعلق بالمعارك على العرش، لذلك تحركوا بصورة أسرع وتحت قيادة القائد العام فارس الدين أقطاي وقتلوا توران شاه، الذي سئموا من إهاناته وسوء معاملته، في مدينة فارسكور في الثاني أو الرابع من مايو (أيار) 1250.

 وبهذا الانقلاب انتهى عصر الدولة الأيوبية في مصر، وقامت مكانها دولة المماليك، وقرر قادة وأباطرة القصر الجدد، الذين لم يعودوا يريدون العمل تحت قيادة الآخرين، وضع شجرة الدر، التي يعرفونها جيداً، ويعدونها واحدة منهم، على العرش والسماح لها بالحكم، ونجحوا في هذا، وأقسموا لها الولاء ونقشوا اسمها على العملات الفضية.

 

 

ولم يذكر اسم شجرة الدر في الخطب باسمها الصريح، بل كانت تذكر بالألقاب مثل "أم خليل المستعصمية"، ويعدها المؤرخ المملوكي المقريزي أول سلطان لمماليك مصر، وبالمناسبة لم تكن شجرة الدر أول حاكمة في الإمبراطورية الإسلامية، بل كان قبلها سلطانتان أخريان، هما عروة بنت أحمد الصالحي (1098-1138)، المعروفة بالسيدة الحرة (السيدة أفندي الحرة)، أحد أفراد أسرة بني صالح في اليمن، والثانية هي السلطانة راضية الدين التي حكمت في مدينة دلهي بالهند لمدة أربعة أعوام من 1236 إلى 1240.

نصر وتمكين

وبالعودة إلى موضوعنا الأساسي، عقدت السلطانة شجرة الدر اتفاقاً نهائياً مع القائد الصليبي المهزوم والأسير الملك لويس التاسع وغيره من القادة والفرسان الفرنسيين، وعليه سيتم إطلاق سراح الملك الفرنسي والقادة والجنود الذين معه مقابل فدية قدرها 800 ألف دينار، وكان من المقرر دفع القسط الأول على الفور، والثاني بعد وصول قافلة الأسرى إلى منطقة عكا في فلسطين، إضافة إلى ذلك، ينص الاتفاق على أنه لن يتم تنظيم أية حملات صليبية ضد مصر والقدس مرة أخرى.

وبعد هذه الإجراءات تحولت شجرة الدر إلى اتخاذ تدابير اقتصادية لمصلحة الدولة الجديدة، فألغت بعض الضرائب عن المواطنين، وخففت بعضها، واستطاعت بذلك كسب قلوب الناس والأمراء والجيش أيضاً، وذلك من كثرة العطاء والسخاء والإنفاق الذي كانت توزعه على الجميع.

ولم تكن هذه النجاحات في أعمالهم الأولى ذات جدوى بسبب المعارضة الشديدة من الأمراء الأيوبيين في المراكز الأخرى، إذ عارض الحكام الأيوبيون الذين ما زالوا يحكمون في سوريا سقوط الحكم الأيوبي في مصر، واستلام شجرة الدر العرش بدعم من المماليك، فعلى سبيل المثال، لم يتمكن الأمير (الحاكم) الذي عينته شجرة الدر حاكماً على دمشق من تولي مهامه لأن الذي عينه كانت شجرة الدر، ولم يوافق جمال الدين بن يغمور، والي الأيوبيين في دمشق (ممثل السلالة الأيوبية في دمشق)، على قراءة الخطبة نيابة عن شجرة الدر، ثم أصبحت مدن غزة والكرك تحت حكم الأيوبيين أيضاً، وبذلك لم يكن لشجرة الدر سلطة على سوريا والأردن.

وكان عهد السلطانة أم خليل، التي استرشدت بقدرتها الإدارية وقراراتها الدقيقة، يتناقض مع العقلية التي يهيمن عليها الذكور والمصالح الطبقية في تلك الفترة، وعلى سبيل المثال، معاملتها العادلة وقربها من الطبقات المضطهدة، وعامة الناس والشعب، وكان ذلك يعد خطوة إلى الأمام مقارنة بذلك التاريخ، مما أزعج البيروقراطية المدنية والعسكرية، حكام تلك الفترة، الذين اعتمدوا على الإقطاعيين والعمال ونبلاء المدينة.

الاعتراض العباسي

وبدأ الاعتراض على حكم شجرة الدر على أساس التمييز الجنسي، ففي رأيهم، وفقاً للقواعد الإسلامية، لا يمكن للمرأة أن تصبح أميرة المؤمنين. وبدأ الخليفة العباسي، الذي كان يعد الممثل الشرعي لأهل السنة والجماعة في ذلك الوقت، يخدش هذا الجرح، وكان يقول إنه "إذا لم يبق لديك رجال، فيمكنني أن أجد شخصاً من بغداد وأضعه على عرشك"، وكان يوجه رسائل استفزازية ومهينة، ومما قاله أيضاً "على رغم أن شجرة الدر قدمت عدداً من المنح للأمراء في مصر، فإن أعمال الشغب اندلعت في القاهرة"، وقام المعارضون السياسيون باصطحاب رجال دين متدينين معهم، وقالوا إنه لا يجوز شرعاً أن تكون المرأة حاكمة، وقاد هذه المعارضة عز الدين بن عبدالسلام.

وفي هذه الأثناء خرج أعضاء وأنصار الدولة الأيوبية في سوريا إلى شوارع دمشق احتجاجاً على قتل الحاكم الأيوبي في مصر توران شاه، وبالمقابل تمكنت شجرة الدر من الحفاظ على منصبها ورتبتها عن طريق الزواج من القائد عز الدين أيبك، وهو أحد موظفي القصر الذي كان عبداً من أصل تركماني قبل أن يترقى في مناصب الدولة، حتى تزوج شجرة الدر وأصبح السلطان، فحكم البلاد مشاركة مع السلطانة أم خليل، وبفضل ذكائها وحكمتها، أخذت السلطانة خاتون الحاكم الجديد عز الدين أيبك في كف يدها. فعلى سبيل المثال، اشترطت شجرة الدر على الحاكم الابتعاد من زوجته الأولى وعدم مقابلتها مرة أخرى، وبالفعل نفذ ما طلبته منه.

 

 

وعلى رغم أن أيبك أصبح السلطان، فإن زوجته شجرة الدر كانت الحاكم الفعلي للدولة، ومسؤولة عن كل شيء، ولا يمكن لكلمة أيبك أن تتجاوزها بشيء، وفي إطار مؤامرات القصر، استخدمت السلطانة أم خليل زوجها عز الدين أيبك للتخلص من فارس الدين أقطاي أحد أقوى القادة الذين عارضوها في البداية.

ترسيخ الحكم

وفي إطار الصراع على العرش أيضاً، جاء دور الحاكم عز الدين أيبك، فمع اشتداد قوته وتزايد ثقته بنفسه، أراد التخلص من ظل زوجته، فقام أولاً بتصفية العناصر الأيوبية في الخارج (تحديداً في سوريا)، ثم تزوج من ابنة بدر الدين اللولو، أحد شيوخ الموصل، وعندما شعرت شجرة الدر بهذا الخطر لم تتأخر في اتخاذ الإجراءات المضادة، فأرسلت في عام 1257 رسالة إلى حاكم دمشق، وقدمت له عرضاً ينص على قيامه بقتل زوجها عز الدين أيبك مقابل أن يتزوجها بعد مقتل زوجها، ويصبح السلطان حاكم مصر، إلا أن حاكم دمشق رفض عرض شجرة الدر، وعندما علم بدر الدين اللولو، بمخطط شجرة الدر، حذر صهره أيبك وطلب منه القضاء عليها.

وعندما سمعت شجرة الدر بذلك أرسلت رسولاً إلى زوجها أيبك، يحمل رسالة مما جاء فيها "كزوجتك المفضلة، أنا نادمة على سلوكي الفظ والمتسلط تجاهك، ومن الآن فصاعداً، سأخذ مكاني في الحريم كسيدة مطيعة وحسنة التصرف وأتصرف وفقاً لأوامرك العليا، من فضلك سامحني وعد إلى قصرك".

وانجذب عز الدين أيبك إلى الرسالة، فذهب إلى القلعة التي تعيش فيها شجرة الدر، ووقع في الفخ، إذ قتل على يد خدم السلطانة المرتبين مسبقاً، وفي اليوم التالي صدر إعلان للجمهور يقول إن السلطان عز الدين أيبك زوج شجرة الدر توفي فجأة، في الليل.

وفي الليلة التي قتل فيها أيبك، انقلب الأمراء على شجرة الدر، واعتقلت، وحبست في القلعة لفترة من الوقت، ثم توجه أتباع عز الدين أيبك وأمروا بقتلها، وقتلت على يد الحريم بالقباقيب الخشبية المستخدمة في الحمام، وألقين جثتها في حفرة في الـ28 من أبريل 1257، وتم نقل جثتها من هناك بعد أيام قليلة، ودفنت في مقبرة قرب مقبرة "السيدة نفيسة".

وكانت شجرة الدر سلطانة عظيمة خدمت دينها ودنياها بصورة صحيحة، وكانت دائماً تسمع للآخرين بلطف، ويذكر أنها بنت ضريحاً فوق قبر زوجها الأول نجم الدين الأيوبي.

قبر السلطانة

وقتلت شجرة الدر التي تعد واحدة من السلاطين القلائل في التاريخ الإسلامي، بعد حكمها المجيد الذي دام بين 80 و88 يوماً، وأصبحت قصة حياتها الرائعة والحزينة موضوع الأعمال الثقافية والفنية الحديثة في مصر، إذ نشر المؤرخ كورسي زيدان رواية بعنوان "شجرة الدر" في القاهرة عام 1914، وتمت ترجمتها إلى اللغة الفارسية أيضاً، وفي 1933 نشر محمود بيديفي مسرحية بنفس الاسم، وفي ثلاثينيات القرن الماضي صور أول فيلم يحمل اسم شجرة الدر، وعرض لاحقاً في عدد من الدول العربية، وأنتج عدد من الأفلام التي تروي سيرة حاكمة مصر.

وتروى قصة شجرة الدر، التي لها مكانة مهمة في الثقافة المصرية، في المقاهي العامة منذ العصور القديمة وإلى يومنا هذا، لكن هناك جزءاً كبيراً من هذه الحكايات الشعبية خيالي، ومن الروايات البعيدة كل البعد عن الحقيقة تروى قصة شجرة الدر بصورة مختصرة "شجرة الدر هي فاطمة ابنة الخليفة العباسي المقتدر الذي حكم بغداد في العصور الوسطى، وكان والدها الخليفة يحبها كثيراً، وأهداها ثوباً مرصعاً باللؤلؤ، لذلك سميت بهذا الاسم، وذات مرة طلبت الأميرة من والدها مرسوماً لها بأن تصبح حاكمة على مصر، وتمت تلبية طلبها، ولكن عندما وطأت الأميرة مصر ورأت أن صالح نجم الدين الأيوبي هو الذي يحكم هذه البلاد، تزوجته وأصبحا يحكمان البلاد معاً، وعندما توفي زوجها، تزوجت شجرة الدر من النبيل التركماني الشرير عز الدين أيبك الذي يتحدر من الموصل، ثم لاحقاً قتلت شجرة الدر أيبك، وجاء ابن أيبك قتل شجرة الدر انتقاماً لوالده"، لكن كما ذكرت هذه إحدى الروايات الشعبية البعيدة عن الحقيقة.

نقلاً عن "اندبندنت تركية"

المزيد من تحقيقات ومطولات