Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
يحدث الآن

في يومها العالمي... ما السعادة؟

تضاربت تعريفات الفلاسفة في شأنها وظهرت أحياناً أكثر تعقيداً من السؤال نفسه

تبدو السعادة وكأنها كلمة مألوفة على السمع أو على فهم من يسمعها، أو ليست مصطلحاً ثقيلاً يحتاج إلى قاموس فلسفي لتفسيرها (بيكسلز)

ملخص

قد تكون السعادة مرتبطة بتحقيق مزيد من المعرفة لدى أشخاص معينين، أو هي لحظة إدراك عميقة، في الانسجام مع النفس على رغم كل الفوضى، وقد تكون في الامتلاك أو في الوصول إلى هدف ما خلال رحلة الحياة، وقد تكون بالنسبة إلى آخرين الاستمتاع باللحظات البسيطة مثل تناول وجبة لذيذة أو قضاء وقت ممتع مع العائلة، أو تقتصر على الشعور بالأمان والاستقرار أو الحب والصداقة، والانتماء إلى مجتمع أو عائلة قريبة، أو بأن يشعر المرء بأنه ذو قيمة، أو أنه يُحدث فرقاً في حياة من حوله.

تحتفل الأمم المتحدة باليوم العالمي للسعادة في الـ20 من مارس (آذار) من كل عام، اعترافاً منها كمنظمة تمثل المجتمع الإنساني بأهمية السعادة والرفاه كقيمتين عالميتين يتطلع إليهما البشر في جميع أنحاء العالم.

اعتمدت الأمم المتحدة هذا اليوم الاحتفالي عام 2012، لتعزيز السعادة والرفاه كأهداف أساس في سياسات الدول، ولتأكيد ضرورة اتباع نهج شامل ومنصف للنمو الاقتصادي، يعزز التنمية المستدامة ويقضي على الفقر ويحقق السعادة والرفاه للجميع وزيادة الوعي بأهمية السعادة في حياة الناس وتشجيع الدول على تضمين مؤشرات السعادة والرفاه في سياساتها العامة، كذلك يشجع هذا اليوم الأفراد والمجتمعات على المشاركة في أنشطة تعزز الإيجابية والفرح، مما يسهم في بناء عالم أكثر سعادة ولطفاً للجميع، وهذا بحسب ما ورد في موقع الأمم المتحدة للتعريف بهذه المناسبة.

لكن ما تعريف السعادة؟

تبدو السعادة وكأنها كلمة مألوفة على السمع أو على فهم من يسمعها، أو ليست مصطلحاً ثقيلاً يحتاج إلى قاموس فلسفي لتفسيرها، فكلنا يسأل بعضنا بعضاً حين نلتقي "كيف الحال؟ هل أنت سعيد؟"، أو يتمنى بعضنا لبعض السعادة في المجاملات الاجتماعية ومناسبات اللقاء بالآخرين أو عند ختام التواصل عبر الهاتف مع صديق فنقول له "أتمنى لك نهاراً سعيداً"، أو "ليلة سعيدة"، ولكن هذا لا يعني أن أمنيتنا بالسعادة ستتحقق ولا أن من نسأله سعيد بالضرورة ولا محادثه أيضاً كذلك، فتمني السعادة للآخرين منفصل عما يكون عليه الواقع، وكأن السعادة هي شيء نشتهي حدوثه والحصول عليه في كل وقت، على رغم أن مفهومها يختلف من شخص إلى آخر ومن مجتمع إلى آخر، فما يجعلني سعيداً قد يكون أمراً غريباً أو بسيطاً بالنسبة إلى ما يجعل شخصاً آخر سعيداً.

في أثينا القديمة قال الفيلسوف صولون "إنه لا يمكن الحكم على سعادة أحد إلا بعد موته"، وهذا التوصيف المعقد حاول الفيلسوف والتلميذ أرسطو أن يعيد تفكيكه في كتابه "الأخلاق" إلى نيقوماخوس، حين اعتبر أن ثروة السلف من السعادة قد تؤثر في سعادة الخلف، أي إن ما يقصده صولون هو أن نسأل عما إذا عاش الإنسان حياة كاملة سعيدة أم أنه سعيد في هذه اللحظة؟ لهذا كانت إجابة أرسطو أن السعادة هي الغاية الأسمى التي يسعى كل امرؤ إلى تحقيقها، وقد تتحقق سعادته في السعي إلى تحقيق السعادة التي لا يصل إليها أبداً، فمثلاً لو اعتقد أحدنا أن حصوله على كثير من المال سيحقق له السعادة، فإنه سيجد نفسه بعد حصوله على المال ساعياً إلى سعادة جديدة من نوع مختلف، وكأن السعادة هي هدف لا يمكن الوصول إليه إنما مجرد السعي نحوه.

في العصر الحديث كرر فرويد هذه الفرضية في كتابه "الحضارة وسلبياتها"، متسائلاً "ما الذي يطلبه الناس من الحياة؟"، وكانت إجابته "إنهم يريدون أن يكونوا سعداء".

لكن ماذا تعني السعادة؟ هل هي أمثلة عن لحظات سعيدة، أم أشياء ذات قيمة أم ذكريات سعيدة أم تحقيق هدف منشود أم الحصول على شيء كنا نتمنى الحصول عليه أم إنشاء علاقات سعيدة مع آخرين؟ وعلى رغم عدم وجود تعريف واحد محدد لها، فإن البشر لا يتوقفون عن ملاحقتها، وكأنها ضوء بعيد في نهاية طريق لا تنتهي إلا بالموت، فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان كما قال السيد المسيح، ولا بالماء وحده، في الأقل في عصرنا الحاضر، حيث تُقدم له مئات الخيارات يومياً والاقتراحات التي من المفترض أن تقدم له السعادة سواء في وسائل الإعلام والتسويق والدعاية أو في وسائل التواصل التي يحاول كل شخص من خلالها أن يبدو أمام الآخرين سعيداً.
من هنا، كما يقول فرويد فإن فهم السعادة الحقة يبدأ من الاعتراف بالتشابك العميق بين الرغبات، وبما تحمله من تناقضات، فليس السعيد من يختزل حياته في غاية واحدة، بل من يدرك أن السعادة ليست في التخلص من الصراعات الداخلية بل في التناغم معها والقدرة على خلق توازن يمنح لحياته إيقاعاً جميلاً على رغم كثرة الأهداف المتمثلة أمامه، فالسعادة هي الحال التي يتفق الجميع على أنها تستحق السعي إليها، ولكن لا أحد يبلغها بالطريقة نفسها.

اقرأ المزيد

هل يمكن الوصول إلى السعادة الحقيقية؟

إذا كان فهم السعادة معضلة عسيرة حتى على الفلاسفة، فلا بد من أنها أكثر تعقيداً عل الناس العاديين، ولكن في تبسيط المسألة وإعادة النظر إليها من زوايا مختلفة، يبدو الأمر كما لو أن السعادة تتجسد في الشعور بالطمأنينة أو في امتلاك القدرة على نيل كل ما يشتهي المرء.
في محاورة "جورجياس" يقدم أفلاطون شخصية كاليكلس الذي يتساءل عن إمكانية تحقيق السعادة لأي شخص إذا كان خاضعاً لسلطة غيره؟ ففي هذا الحوار وعبر إحدى شخصياته يعتبر أفلاطون أن السعادة الحقيقية تكمن في تحرر الإنسان من كل القيود، والسماح لشهواته بأن تبلغ مداها الأقصى، من دون أي كبح أو ضبط، أي تلبية أكبر عدد ممكن من الرغبات، والأكثر إلحاحاً وشدة على الشخص نفسه الذي يحدد نوع السعادة التي ينشدها، وبرأي أفلاطون أنه حين تُشبع رغبة معينة ستنشأ رغبة جديدة، ولذا يجب العمل على إشباعها سريعاً أيضاً وهكذا يكون المرء في سعي دائم وحثيث لإشباع الرغبات التي تجعله ساعياً ومن ثم محققاً سعادته بشكل متواصل، ولكن سرعان ما يعود أفلاطون ليرفض فكرته أو إقتراحه هذا بعدما وجد أن الإنسان ليس مجرد مجموعة من الرغبات التي يجب تحقيقها، بل يتألف من العقل والروح والجسد الذي يطلب تحقيق الشهوات، وهذه العناصر الثلاثة لا تعمل بتناغم دائم، بل تنشب بينها صراعات، ويجد الإنسان نفسه أمام خليط مربك من الأهداف والرغبات المتنافرة.
ظهرت لاحقاً نظريات "إشباع الرغبة" التي تبناها فلاسفة الاقتصاد، وقد صاغ عالم الرياضيات والفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز هذه الفكرة في القرن الـ17 بكلمات قريبة من المفهوم الحديث للسعادة، إذ اعتبر أن "النعيم" ليس سوى النجاح المستمر في نيل الأشياء التي يرغب فيها الإنسان، مرة بعد أخرى، من دون انقطاع، لكن تبين في التجارب النفسية والبحثية بأن هذه القاعدة الاقتصادية لا تصح لدى الأشخاص أصحاب الثوابت الأخلاقية المعينة الذين يصبح الإشباع المتواصل للرغبات عندهم متعارضاً مع المعتقدات الأخلاقية الشخصية وكيفية فهم الرغبات الذاتية وتلبيتها، وكان أفلاطون قد قرر رفض مذهب "الإشباع المطلق" كحل لتحقيق السعادة في نهاية حياته الفلسفية، ووجد أن الأمر مجرد وهم، إذ إنه لا يحل مشكلة التضارب بين الرغبات، بل يزيدها تعقيداً.


كيف يمكن أن يكون الإنسان أكثر سعادة؟

التاريخ يعطينا بعض المحاولات للإجابة عن هذا السؤال، الفيلسوف اليوناني أبيقور، مثلاً، كان يرى أن السعادة تكمن في اللذة والسكينة، لكنه كان حذراً في تأكيد اللذة التي تؤدي إلى المعاناة لاحقاً، أما الرواقيون مثل إبيكتيتوس فدعوا إلى التحرر من الانفعالات والعيش وفقاً للعقل، كأن السعادة تكمن في السيطرة على الذات لا في ملاحقة الرغبات، وحاول الفلاسفة الرواقيون أن يكونوا معلمين للحياة، ومقدمين نصائح عملية عن كيفية العيش، ولكن في النهاية لا يمتلك الفلاسفة المنظّرون الذين يعيشون في أبراج تأملاتهم العاجية أن يشرحوا السعادة أو أن يقدموا النصائح العادية للناس بواسطة حكمة بسيطة، بل حين يتحدث الفلاسفة عن السعادة، فإن نصائحهم تبدو أكثر ضبابية من أسئلة الحياة نفسها.
لكن كل إنسان، سواء كان فيلسوفاً أم لا، يجد نفسه مضطراً إلى تكوين فكرة ما عن السعادة ولو بشكل مبهم ولو لم يكن قادراً على صياغة تعريف فلسفي دقيق للسعادة، فتحقيق السعادة ليس مجرد فكرة تجريدية، بل حاجة ضرورية تشكل قراراتنا واختياراتنا اليومية، حتى لو ظل وعينا بها غير واضح.

المزيد من تقارير